الرئيسية » » شمّة أفيون | يوسف الصائغ

شمّة أفيون | يوسف الصائغ

Written By هشام الصباحي on الخميس، 4 يونيو 2015 | يونيو 04, 2015

شمّة أفيون
يوسف الصائغ

في أية مدينة أنا ،
أيها العابرون ، أين نحنُ؟
لو كان هذا بلدي ، عرفني أهلي
لو كانت هذه مدينتي .. وجدتُ على الرابيةِ منزلي.
لستُ في حيّنا ..
أيها العابرون لستُ منكم.
العابرون صمّ . أهلُ المدينة من حجر
قطعوا آذانهم ، وشيطانٌ استلّ من فهم ألسنتهم.
- أيّ إلهٍ طردكم من الجنة؟
أيّ حقد سحقكم باللعنة
أيّ سوط نقش هذا الوشم على ظهوركم؟
أيّها البواب ، أين أنا؟
أيّ عالم هذا؟
أين أنتَ ..؟ ونحنُ؟
- ضجيج السواعد قويّ في المعمل فلا أسمعُ ، ارفع صوتك أيها الغريب.
- أيها البوّاب
أين أنا ؟
أين أنت ونحنُ؟
- المشنقةُ تبتلعُها الشمسُ
فلا تظهر في الظلام
انها تخجلُ من ضوء القمر.
- أيها العابرون ،
إن كنتم من آدم فأجيبوا .
أضعتُ طريقي ولا أدري إلى أين أسير
ألا تعرفون الحقيقة؟
- لا ترفع صوتك فيسمعك الخفير
فقد تزوّج الأمير الحقيقة !
مَنْ زرع هذه الجموع في العراء؟
مَنْ زرعها وما حصد؟
- السّماء صافية أيها الجمع
صافية ، لا غيمة فيها
فلماذا تفتحون أفواهكم؟
- "سيعتصرُ الجبار هذه الزرقة
وستسقطُ قطرات في أفواهنا"
هكذا قال الكاهن ،
وهكذا سمعنا في المعبد ،
- أيها الطفل..
أليس في ثدي أمك حليب؟
لماذا أضعتَ شفتيك؟
ولمن أهديت معدتك الصغيرة؟
ضجرت أمي من بكائي
فقطعت ثدييها
وباعت فمي ، فلم ينبت لي أسنان
ولن يتحرك لساني بكلام.
- صوتك مرتفع .
لا تحدثني !
ابتعدْ . وإلا أكلك الخفير !
هربتُ
من الشاعر هربتُ
كصبيّ فزع من الوحش
وكفتاةٍ يتبعها المغتصبون.
الى بيتنا هربتُ.
لو كان لنا بيت
ثقبٌ في خندق
وسردابٌ في خربة مهجورة.
أوصدتُ الباب ،
فأنا وحدي
غرفتي ترتعشُ كالشتاء
وتصمتُ كالأبدية.
سرير تابوتٌ مفروش
ولحافي كالشهوة.
أضاجع سريري كلّ يوم
أضاجعه فلا يحبل
كل يوم أقبر فيه نفسي.
أوصدتُ الباب
في المساء أوصدتُ الباب
ونمتُ بلا صلاة.
عند رأسي مسيحٌ معلّق
صلبتْهُ أمي..
وعلقته فوق رأسي.
عيناه باردتان كالوحدة
وفمه مطبق كالألم.
مَنْ صلبك أيها المسيح؟
مَنْ صلبك؟ تكلّم !
لن يبتلعني الزمان
ولن تلتف حولي عقاربه !
سأسحقُ ساعتي بأسناني
وسأبتلعُ دقاتها الكسلى..
دفنتُ الزمان في بالوعتنا
وقطعتُ أذنيّ فلن أسمع !
أهناك مَنْ يناديني؟
- مَنْ يعلمني كيف أكون انساناً ؟ أو مَنْ يقول لي مَنْ أنا ، لأعرف نفسي وأموت؟ ألا يعود أبي فأحدثه؟ ألا يعود ، فأسأله من أين جاء بي ويصدقني أين ذهب.
ذهبتُ إلى غرفته ، وطرقتُ الباب ، طرقتُ لم أجده ووجدتُ عظاماً ، سألتُها فلم تجب.
ألم يعد في الوجود لسان؟ مَنْ اقتطف هذه الألسنة ؟ والى أيّ بلدٍ صدّرها؟
أوصدتُ الباب وعلى يميني سكايري ، والمنفضةُ مليئةٌ بالأعقاب ، لكنّ حنجرتي تتألم وصدري يضيق كالبئر ، وأسعلُ فأبصقُ دماً وألطّخ منديلي ، فبأي دمعٍ ستغسله أمي؟
الدخانُ لذيذ لكنه يقرض رئتيّ ، وشفتاي تنتقمان منه بحقد. اذا انتهت سكايري فمَنْ يفتح الباب؟ مَنْ يفتحه اذا انتهيتُ ومَنْ يحملُني الى المقبرة؟ لأن جسدي سينتنُّ.
أيّ خبيث وضع النهاية للأشياء؟ مَنْ علّمها أن تنتهي؟ الوجودُ أقوى من النهاية . لن أفتح الباب ، فليطرقه أصدقائي . ستقول أمي (ليس هنا) فيبحثون عني وينسونني ، فلأصدقائي زوجاتٌ وأطفال ، سأسكرُ وأنسى سأقهقه ملءَ صدري ، وسأرقصُ عارياً ، سأرقصُ مثل هنديّ موتور ، وسأهزّ مثله أعضائي ، وسيقول الناس (مجنون) ويحبسونني في زنزانة ، فأعرف وجه سجّاني ، سأشتري ملامحه بعقلي.
الباب موصد ، أيتها الشياطين كيف خرجتُ ، وكيف عدتُ الى مكاني ؟
سرتُ في الشارع ولم أخف ، ومرقتُ بين السيارات ولم تدهسني وما التقيتُ بصديق ، ولم أصافح أحدا.
رأيتُ بقالنا نائماً على بضاعته ، لم يساومني ، فقد سرقته !
الناس يسيرون بلا أقدام ، ويتكلمون فلا يُسمع لهم صوت ، أما أنا فكنتُ أضحك ، وترتعشُ في يميني قنينتي .
كيف عدتُ ولم أته؟ كيف عدتُ وما تبعتُ الهاربين؟
...أغلقتُ الباب ، سأفتحُ الكوّة ، وعما قليلٍ يزورني القمر فأقاسمه خمرتي...
سأكفّن نفسي مع أنثى ، وأبقى ساهراً حتى يودّعني القمر.
أنا ثملٌ ولكني أعرفُ نفسي وأعرفكم يا أصدقائي . لشدّ ما أنتم عراة ! أليس في حديقتكم ورقة تين؟
.......................
لا ترم العقب أيها العابر ، بل أعطنيه ، وسأصلي لك كثيراً.
...طربٌ أنا ، فمع من أرقص؟ مَنْ أحدّثُ بهذياني ؟
بعثتُ أمي لتخطبَ بنت الجيران ، فقد رأيتُها تغتسل وعرفتُ ماذا تفعل . عادتْ أمي وفي يدها رماد.
جارتنا حذاؤها من ذهب ، وفخذها مصقولةٌ بالدراهم ، والشهوةُ تفوح من تحت إبطها.
أما من هنديّ يعلمني السحر ، فأسحر جارتي ؟ لترقص معي . ابتلعتُ ألف لحن ، وعروقي مشدودةٌ كالأوتار.
جارتُنا تصفر لي عند الباب ، أيتها الشياطين هل أفتحُ لها؟
- أنا وحشٌ فابعدي. أنتِ لا تعرفين الظلام ولم يلسعك الفراشُ بعد.
- افتح فقد نضج الرمّان وانتفض العنب متفجراً من الصيف.
- افتح فقد نام أبي ، رأيته من شق الباب وقد التحقت به أمي.
- أنا عفنٌ ولحيتي طويلة ، وليس على منضدتي عطر.
- أنا مخمورٌ قذر ، شربتُ نهراً من الخمر ولم أغتسل منذ سنين ، وأظافري طويلةٌ كالقضاء.
- إن لم تفتح سأتمطّى على قضبان النافذة ، وسيلعنك دمي.
أوصدتُ بابي فغرفتي مقبرة ، وسريري نعش ، ولحافي كفن ، ولن يبكي عليّ أحد !
(شهادتي) معلّقة على الجدار ، مَنْ يخلعُ صورتي عن هذه الورقة؟ ذهبتُ أبيعها فما اشتراها البقّال ، وما أعطاني بثمنها بُلغة ، سأموتُ . مَنْ يشتري هذه الورقة؟ أليس من سمسار يبيعها في المزاد فأشتري بثمنها كفني؟
أوصدتُ الباب فلن أفتحه ، ففي رتاجه كهرباء ، ومزلاجه عنيد كالموت.
تلفّت فما وجدتُ أحداً ، حتى نفسي ابتلعتها الوحدةُ و بصقتْها على الجدران ، فلونها وسخ.
مَنْ وضع المرآة على الحائط ، مَنْ صلبها بمسامير ، وقتل روحها فهي كلّ شيء؟
دسستُ وجهي في المرآة ، بَقَرتُها فما أجهضتني.
أين أنا؟ أيتها المرأةُ . مَنْ أنا؟ هل تعرفينني؟
متى حبلتِ أيتها البغي؟ مَنْ قذف في أحشائك هذا المسخ؟ عيناه باردتان كقطبين ، تافهتان كبصقةٍ على رجل.
مجنونةٌ أنتِ ، فما هذا وجهي ، من أية مقبرة جاءني هذا الشحوب؟
منخراي كمدخنتي سفينة ، وأنفاسي تتكاثفُ دخاناً..
تكذبين أيتها المرآة ، تكذبين.
سأحطمكِ ، مَنْ يدري بجريمتي ؟ فالباب موصدٌ أيتها المرآة !
أسمعُ عواء المدينة ، فالمدينةُ وراء بابي ، يتمطى عليها التاريخ وتسكرُ ببول الثعالب ، وشبابُها يُضاجعُ الفراغ.
- إلى أين يسير هذا الحوذي؟ ليس لعجلاته قضبان ، وحصانه لا يتغذى بالنفط.
سوطه قصير كالحياة ، ضعيفٌ كرمق عجوز ، فكيف يكتريه الأمير البدين؟
....
بضاعتُك قذرةٌ أيها البقال ، رأيتُكَ تنظفها بلعابك ، وخفيةً ذقتَ اللبن بإصبعكَ ، فهو نجسٌ كغريب.
...
أصابعُكَ مقضومةٌ أيها العامل ، فكيف تصنع الحذاء؟ وكيف تلبسه بنتُ الأمير؟
سأبتلعه إن طردتني ، سأبتلعه إن طردتني ، سأبتلعه فتنبتُ أصابعي وسأحفرُ بها مليون قبر.
- أيتها العجوز ألا تقرئين لي طفي؟ ألا تلمسين خطّ حياتي؟
- خطوطكَ بلهاء كسحري ، وسحري خبيثٌ كالمال ، يا صبيّة.
- أيتها العجوز ، يا ساحرة ، ألا تقرئين لي فنجاني؟ تركني أميري ، فهل يعود؟ فوسادتي تأكل نفسها ، أستحلفك بكل الشياطين ، أنفثي لي ورقة ، وسأسقيها أميري بمدامعي.
- خطوطكِ طلسمٌ مخنثٌ ، يا صبية ، وكفك يابسةٌ من المكانس.
- أمي ماتت ، فدارنا وسخةٌ بالذكور ، أشطفها كلّ يوم ، أشطفها فلا تنظف.
- الأبيض لن يكون أسود ، والحليب لا ينقلبُ الى ماء ، قولي (انشا الله) يا صبيّة.
- (انشا لله) يا جدتي ، (انشا لله) . هل سأشبعُ؟ أيمتلئ قدري بالرمق؟
- ألبض ، أبيض لن يسود ، والأسود لا يغسله الصابون.
- شدت شفتيك العافية ، يا جدتي (انشالله) ألف (انشالله) ، العجوز نفثتْ في سرتي . سأتزوج ، ولن أكون عانساً.
مهرُ حبيبتي دموع ، فمَنْ يعلّمني البكاء؟ مَنْ يعلّمني ، فأدعو له بحبيبة؟
- دموعي محرقة ، يا حبيبتي ، وقطراتها لن تغسل لك وجنتيك.
- بدموعك أغتسلُ عند الفجر ، وبها ألهو ، فأعرف أنك تحبني.
- هل يُباع الدمع في السوق ، فأشتريه ؟ ألم يعلبه التاجر الأوروبي؟
- أنت قاسٍ يا حبيبي ..أنت أقصى من الحرمان . عبثاً تمتصّ أجفاني سأبحثُ عن غيرك.
- شربت أمي عبراتي ، شربتها يا صغيرتي وأنا طفل ، وسقتني الحليب عوضاً عنها ، فابتسمت زهرةٌ على فمي.
الباب موصدٌ ، ولن يراني أحدٌ ، أيتها الكبرياء ،لماذا لا أبكي؟
- غرفتك باردة ، وستجمد دموعك. تتساقطُ فتأكلها الفئران فكيف أزين بها عنقي؟
الباب موصدٌ كصخرة ، والجدران تصغي بلا لسان ، أتسمعني يا إلهي؟
.........
إنْ أمت ، فأين أقبر؟ أيّ دودٍ لا يتقزز مني ؟ وعبثاً تغسلني أمّي .
سرّتي مشدودةٌ بالرحم ، فمَنْ يسندُ لي رأسي ؟
الجنازة حملها المشيعون ، حملوها ، فأكلت أكتافهم . ثقيلةٌ ، ثقيلة على كاهلي ، ليتكم تحملونني ، فأنا لا أستطيعُ حمل جثتي.
في الهوة نزل الحفار ، نزل ولم يقبر نفسه !
- مَنْ ولدك أيها الحفار؟ أي رحم مترب لفظك؟
يدك خشنةٌ كمشار ، وملامحكَ أقسى من القبر ، وفي ملابسك يهرش الدود.
- قديمٌ أنا كالحياة ، كالتراب ، ولن يلتقمني قبري.
.........
القبر مضغ الجثة ، والميت يضاجع الوحدة ، وستنبتُ فوق القبر أعشابٌ سيأكلها الناس في أسمارهم.
- ضاع القبر بين القبور . أين دفنتم ولدي لأزوره وأبكي ونعول عليه ، أنا وكنّتي وجيراني.
- القبر لن يضيع ، يا امرأة ! ، ابحثي عنه في ديارك ، وافتقديه على سرير زوجك.
....الباب موصد ، والزمان يابسٌ على عتبتي ، وحدي ، فلن تراني عينٌ ، حتى عيني لا تبصرني.
معدتي تمضغُ السموم ، وأمعائي تمتصّ الأحقاد.
نضجتُ ، فكيف أتزوج؟ كبرتُ ، فكيف أقبر نفسي؟
- لزفافكَ دعوتُ الأصدقاء ، ودعوتُ ألف مزمار ، واكتريتُ عشرين حنجرة تزغردُ.
- هل مهّدت سريري يا أمّي؟ هل أسدلت النوافذ فلا يشمّنا أحد؟
- اسكروا ، اسكروا يا أصدقائي.
- أنا خائفة يا أمي ، خجلة ، فماذا أصنع؟
- دقوا للعروس يا عازفين ! غنّوا لها فتتشجع.
- أنا فرحةٌ بخوفي ، وأتمنى لو يقبرني في فراشه ، لكن ، قولي ، كيف أصنع؟
....في الظلام تنفست الحياة ، وتغامز الضوء مع القدر ، وعلى السرير جسد واحد ؛ فقد شطرت حواء التفاحة.
الباب موصد ، والنعاس أدركني ، وتعثرت بالموت أجفاني وفي عظامي نعيب الشهوة.
كتبتُ لحبيبتي ألف رسالة ، كتبتُها فابتلعتني وما سمعتني فتاتي.
- أحبّك كما أحبّ الطعام ، وكالنفس الذي أنشقه كلّ ثانية.
- أنت غريبٌ يا حبيبي فلن أستطيع . ودينك ليس من دين أهلي.
- قلبكِ من لحم ، وفي عروقكِ دماء ، وعظامكِ مجنونة كعظامي.
- أخي عند الباب ، لا أستطيع ، لقد قفلوا على عفافي.
.....مجنونٌ أنا ، ماذا أريد؟ أليس من شيطانٍ أبيعه نفسي؟ فوحدتي مسعورة كالحمى ، وفراشي أكلته أحشائي.
- إن لم تعودي ، فسأبيعكِ بقبلة ، سأشتري سواكِ من السوق.
- غضبك حالمٌ يا فتاي ، وشهوتكَ نسيتها في ثديي ، فأين تهربُ مني؟
الباب موصدٌ ، كيف خرجتُ ؟ وكيف عدت ولم تأكلني الجحيم؟
أنا في الغرفة ملكٌ ، أنا إله ما حبلت بي أنثى
تاجي يمتلكني ، وعجلاته تسير بي في كلّ سماء.
- معتوه أنت فمن يصغي اليك ؟ حتى اذناك لا تفهمان ما تقول.
معتوهٌ لكنّ غرفتي جنّة أبحتُ ثمارها للجميع فهي مليئةٌ بالخطاة.
- اللعنة قاتمة على جبينك . حتى دموعك لا تبكي عليك.
- إن كنتَ إلهاً ، فأين مقبرتك؟ أو كنتَ أميراً فأين مشنقتك؟
- لو كنت جميلاً كالسوط . لو كنتُ جميلاً أيها التافهون
- أيها الشاب تكلم ، ماذا لو كنت جميلاً؟
- لو كنتُ جميلاً كالكبرياء وكان لي جسم أفعى ، وكانت بشرتي كخمرةٍ عتقها الراهب.
- ولو كان ذلك ، فما تفعل؟
- لو كنت جميلاً كليلة إثم ، وكنتَ مراوغاً كفراش داعر ، وكان جسدي مجبولاً بالخطيئة.
- جميلٌ أنتَ كشيطان ، جميلٌ أنتَ أيها الشاب ، وسأضاجعك حتى أستنفد شهوتي ، وأذوق لذة حرمانك.
- لو كنت جميلاً كعذراء تتهتك ، وكانت لي شفتا زنجيّ.
- أنتَ إله يا جميلي . أنتَ ألذّ من عفافي ، فلماذا تعذبني .
- لو كنت جميلاً كالظمأ ، لو كنتُ مجنوناً كنهد أسمر ، كفتاة هندية...
- حبيبي أنت تقتلني ، أنتَ أجمل من ليلة زفافي ، أنتَ أجمل من إله. إليَّ ، ففراشي يئنّ ، ويتألمُ كامرأة أدركها المخاض.
مَنْ شرب الضياء من غرفتي؟ مَنْ تركني في العتمة أتخبط؟ أتثاءبُ ولا يمتلئُ صدري ، أتنفسُ وأختنقُ بالهواء.
وحدتي كناووس في العراء.
أريد
مَنْ يبيعني ارادة؟ مَنْ يضعها في قبضتي فتتصلب؟ مَنْ يشد بها فمي ، فأقهقه كمليون شيطان؟
أنا ضعيفٌ كحصانٍ هرم ، وأرادتي بعتها للكهنة فسدّوا بها مقبرتي!
مَنْ يهبني ارادة كالوجود! مَنْ يعلمني ماذا أريد؟ وسأقتلعُ (الهملايا) من مهدها ، وسأطعمها للأغوار.
أريد !
من يسقيني الإرادة لأعود طفلاً من جديد وأنشأ ثانيةً كعفريت ، فأبني لي مملكة مجنونة ، مملكة لا تبكي فيها العيون..
أريد. أنا مجنون..فصدقوني – وأتمنى لو صبغتُ العالم بالحنان ، أعزف لهم بقيثارتي وأسحرهم ، فلا يموتون !
أنا ظامئ...
شفتاي نارٌ وخمرتي شربتُها في طفولتي ، فمن يبل لساني؟
- لو كنتِ هنا ما ظمئتُ !
- حبيبي ، ادعني فأهرعُ ، سأسقيكَ من عروقي.
- أنا وحيد ، وأغلقت الوحشة بابي ، فكيف تزورينني يا حبيبة؟
- مُرني ، فأطيرُ إليك ، اسألني ففي حلمتيّ قطرتان.
- مَنْ خلقكِ من التواضعِ ؟ أيّ شيطان جعلكِ ضعيفة؟
أحلامي زرعتُها في ألف فدّان ، وسوّرتُ أرضي بصلاتي ، سنحرسُها أنا وامرأتي وكلبي.
سأصلي لها لكي تحبل ، سأصلي ، فيرحمها المطر.
- أيها الغريب ما تفعل ببابنا ، وعلام تتلفتُ كخائن؟
"زوجتي حلبت بقرتنا وخبزها حار من التنور . قدّمي للضيف يا زوجتي".
- يا صبية ! ما اسمكِ يا صبيّة ؟ بماذا يناديك زوجكِ الفلاح؟
أناملُكِ سنابلُ رشيقةٌ ، وجسمُكِ مليءٌ كعنقود.
- عيناكَ مالحتان ، أيها الغريب . عيناكَ تُرعشان هُدب زوجتي وتذكّرانها بالخطيئة.
....سمعتُ أصدقائي على الباب ، سمعتُهم يسألون عني . وقالت أمي (لقد مات) ..واستنجد كلّ من أصدقائي دمعة !
دموع أصدقائي لعنتني ، وهمساتهم أثارت حقدي.
- أيتها المرأة ، كيف مات ابنكِ؟ كيف مات؟ كان كالصبح وكانت عيناه تنبضان بالحياة.
- لبستُ الحداد على ولدي ، دفن ولدي نفسه بالسرير فذابت اثره أحشائي.
- حيّ أنا يا اماه ، حي كنبضات المحبة ، لكني غفوتُ رويداً فأيقظني نواحك.
جاء الجيران والمعزّون يملؤون البيت . والنجّار أحضر التابوت ، لمن اشتريتُ حدادي؟
- حيّ أنا يا اماه ، وحليبكِ لا يزال في عروقي ، يا مرضعتي.
- حبيبي حرقنا البخور ، نثرت النادبات الشعور ، لقد حفرنا قبراً.
- أنا هنا يا أمي ، أنا هنا أقوى من الفناء ، أقوى من حدادك المفجوع.
- ولدي .هصرتُ عيوني ، لمن أعددتُ الدموع ؟ وخطيبتك رسمت شفتيها ، والناس في الدار عابسون ، كلهم يتنهدُ كالحسرة.
- احضري الإبريق ، سأغتسلُ ، سأحلقُ لحيتي وأتعطر ، وسأستحمُ بالشمس ، يلفني الضياء فلا أخجل ، وسأطرد جميع المعزين وأبحثُ لي عن حبيبة.
- ولدي لا تخجلني ، لا تخجل شيخوختي ، حبيبي لا تصمني أمام الجيران!.
- أنا هنا يا أماه ، لقد ولدتُ من العدم ، ويدٌ مباركةٌ أيقظتني.
- مُت لأجلي يا صبيّ ، أستحلفكَ بالأمومة ، وبكلّ دمعة ذرفتها لأجلك.
- حياتي تفور كبركان ، وارادتي تتفتح كالعنفوان ، لن أموت يا أمي.
.......
فتحتُ بابي ، فأنّتْ عظامُهُ ، وتثاءب مزلاجه في يدي.
غرفتي نتنةٌ كالخيانة ، وجسمي يتشوّق الى الماء.
أنا صامدٌ أنا قويّ ، عروقي مشدودةٌ الى الحياة ، وبراعمي أقوى من الصقيع.
- أين ذهب الشتاء يا حبيبتي؟ في أيّ كهف اختبأتْ ثلوجه؟
- عربتنا يا حُبّي عند الباب ، والمرج تلبسه الحياة ، والربيع سيقود مركبتنا.
- سأبني لك بيتاً على الشمس ، وسأدعو العالم الى وليمتي . وفي عرسنا ، سنرقصُ إلى الأبد.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads