الرئيسية » , » مقدمة - نيلس هاو – فيلسوف البساطة / بقلم نزار سرطاوي

مقدمة - نيلس هاو – فيلسوف البساطة / بقلم نزار سرطاوي

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 30 يونيو 2015 | يونيو 30, 2015

مقدمة - نيلس هاو – فيلسوف البساطة / بقلم نزار سرطاوي

نساء كوبنهاجن

في الفاتح من نيسان / إبريل عام 2011، فوجئت بنص شعري يصلني عبر البريد الخاص بالفيسبوك من رجل من الدنمارك لا أعرفه يدعى نيلس هاو (Niels Hav). لم تصل مع النص أية رسالة أو كلمة تعريف أو مجاملة. لكن كان هناك رابطان ما لبثت أن اكتشفت أنهما كليهما يفضيان إلى تقرير عنه منشور في موقع إلكتروني واحد – الجزيرة نت. 

قرأت التقرير. العنوان: "كاتب دانماركي يحسد أهل العربية." وفي التفاصيل يتحدث عن شاعر يشكو من أنه مقيد "بسلاسل الأبجدية اللاتينية،" ويقول إنه يحب العربية لأنها "تتمتع بثراء غامر وجذور تتأصل في عصور الحضارات الأولى، كما يتحدث بها الناس في أكثر من عشرين بلداً، ويتوزعون في قارتين كبيرتين."

أما القصيدة – التي جاءت مترجمة إلى العربية – فكانت بعنوان "نساء كوبنهاجن." جاء في أولها:

ها أنا أقع في الحبّ من جديد
خمس مرّات مع خمس نساء مختلفات
 وأنا في طريقي بالباص رقم 40
الذاهب من جادّة "نيال" الى ضاحية "أوستربغو." 

بعد هذه المقدمة يسهب الشاعر في الحديث عن النساء الخمس اللواتي يراهن صدفةً أثناء رحلته القصيرة تلك، ويقع في حبهنّ جميعاً: يبدأ بوصف اثنتين كانتا في الحافلة منذ البداية على ما يبدو، ثم تصعد ثالثة، "أميرة مبتلّة بالأمطار،/ ... متّقدة وجامحة، فوقعتُ في غرامها كلّياً / لكنّها ترجّلت عند ميدان البوليس..." لتحل محلّها

"ملكتان بحجابين كاللّهيب،"
ظلّتا تتحدّثان بصخب مع بعضهما بالباكستانيّة  
طوال الطريق المفضي الى مستشفى البلديّة،
فيما كان الباص يغلي شِعرا.
 كانتا أختين بذات الجمال،
لذا ضاع قلبي بينهما
فخطّطت فوراً لحياة جديدة
في قرية قرب "راوالبندي،"  
حيث الأطفال يكبرون في رائحة الكركدية،
فيما أمّهاتهم اليائسات يغنّين أغاني تقطع القلب.

تغادر النساء الخمس الحافلةَ واحدةً إثْر أخرى، ويترجل الشاعر أخيراً وقلبه مفعم بالأسى:

يا لقساوة الحياة!  
واصلت مشواري موقفيْ باص قبل أن أستسلم.
 وهكذا تنتهي الأمور دائماً:
أقف وحيداً على جانب الرصيف،
أدخّن سيجارةً، منتشياً وتعيساً قليلاً

أحببت القصيدة كثيراً، رغم أنني أبديت في نفسي ملاحظتين أو ثلاثاً حول الترجمة. بادرت إلى إرسال طلب صداقة للشاعر، ثم كتبت له في صبيحة اليوم التالي رداً على رسالته التي احتوت على النص الشعري أسأله لماذا أرسل لي النص رغم أننا لم يسبق أن تعارفنا. ثم عبرت عن إعجابي بقصيدته. فرد بعد سويعات قائلاً إنه قرأ صفحتي وأعجب بها ويأمل أن يكون بيننا تواصل. كما أخبرني أن له مجموعة شعرية مترجمة إلى العربية بعنوان حين أصير أعمى صدرت مؤخراً. ولم ينسَ أن يرفق مجموعة من قصائده. وبادرت في التو إلى ترجمة قصيدته الساخرة "بكل بساطة إنها رائعة" التي يقارن فيها بين الشعر والنقانق، ونشرتها في أحد المواقع الأدبية الإلكترونية. وبدوري أرسلت له قصيدة بعنوان "رغنروك" استلهمت موضوعها من الأساطير الإسكندنافية، فأثنى عليها وقام فيما بعد بترجمتها إلى اللغة الدنماركية. إثر ذلك أجريت معه مقابلة لصالح مجلة أبابيل الشعرية الإلكترونية التي يرأس تحريرها الشاعر عماد موسى.  وفي ردوده على أسئلتي أفاض هاو في الحديث عن تجربته الشعرية وانعكاس فلسفته في قصائده، وتطرق إلى العربية مشيراً إلى ما لدى العرب من "تراث ثري من الشعر الراقي."[1]

هكذا كانت البداية لعلاقة الصداقة التي تربطني بهذا بالشاعر المميز. وقد ترجمت المزيد من قصائده إلى العربية ونُشِرت هذه الترجمات في العديد من الصحف والمجلات العربية الورقية والإلكترونية.

حياته

ولد هاو في مزرعة ريفية في بلدة ليمفيغ الواقعة على الساحل الغربي لشبه جزيرة يوتلانت غربي الدنمارك عام 1949. وقد تحدث هاو في حوار صحفي عن طفولته  في المزرعة  فوصفها بالحياة الريفية التي "تفتقر إلى الكثير من متع الحياة،" كما ذكر أنه في السادسة عشرة من عمره ترك المزرعة وسافر إلى أوسلو ليصبح بحّارًا، لكنه لم يتمكن من تحقيق حلمه. غير أنه التحق فيما بعد بالجامعة، حيث درس اللغتين اللاتينية واليونانية واطّلع على التراث الكلاسيكي.[2]

بدأ هاو كتابة الشعر في  سن المراهقة. فكتب قصائد قال عنها هو نفسه إنها كانت "شديدة الحساسية وغير مكتملة،" إذ لم تكن لديه "تجربة كافية عن الحياة." استهلّ حياته الأدبية في عام 1981 بإصدار مجموعة قصصية بعنوان الضعف ممنوع. وقد صدرت له بعدها عدة دواوين منها جغرافية الروح (1984)، سيارة الرّب الموريس الزرقاء (1993)، حين أصير  أعمى(1995)، نحن هنا (2006)، ونساء كوبنهاجن (2013). كذلك صدرت له مجموعات من القصص القصيرة منها اللحظة هي افتتاحية (1983)، وصيف إيراني (1990). كما نشرت قصائده في العديد من المجلات الأدبية والأنثولوجات الشعرية والمواقع الأدبية.

شارك هاو في العديد من المهرجانات الشعرية في أنحاء العالم وفاز بجوائز أدبية متعددة في الدنمارك. كما فاز عام 2011 بـ "جائزة المُهاجر العالمية للفكر والآداب والفنون"  من ميلبورن في أستراليا، فرع القصة القصيرة، مناصفةً مع الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني.
ترجمت أشعاره إلى الإنجليزية، الإسبانية، البرتغالية، التركية، الألمانية، الإيطالية، المقدونية، العربية، الصينية، الصربية، والكرواتية.

شعره 

يعتبر نيلس هاو واحداً من الأصوات البارزة في المشهد الأدبي الإسكندنافي المعاصر. يميل شعره إلى البساطة، ليس في الأفكار التي يطرحها والتيمات التي يتناولها فحسب، وإنما أيضاً في المفردات والصور والإيقاع. فهو يتناول قضايا الإنسان وهمومه وتفاعله مع الحياة المعاصرة دون أي تكلف أو تعقيد. بل أن الكثير من قصائده تسودها روح الدعابة والسخرية.

والحقيقة أن هاو نفسه يميل أيضاً إلى البساطة في حياته بصورة عامة. فهو بسيطٌ في مظهره ولباسه، بعيدٌ عن التكلف في حديثه مع الناس، متواضع في الحديث عن نفسه وعن بلده الدنمارك، ومتواضع في علاقته مع الآخرين.

لذا فليس من المستغرب أن تنعكس هذه البساطة في شعره. فهو ينأى بنفسه عن الغموض والتعقيد، مستوحياً مواضيعه الشعرية من الحياة اليومية للناس. فتجده يتحدث عن "الحمقى،" الذين لا يوقفهم شيء عن الثرثرة، أو عن "المشاكل" التي تنجم عن ضيق الأفق وعدم القدرة على فهم الآخر، أو عن "المرارة" التي تفسد حياتنا، أو عن أولئك الذين يفرضون رؤيتهم على الآخرين، كما في قصيدة "المنافقون،" أو عن "الأطفال،" الذين يؤكد أنه لم تكن لديه خطة لإنجابهم. "كل ما هنالك أنهم أتوا/ لأنّ المرأة التي كنت أرافقها/ أرادت أن يكون لها أطفال." لكنه يحبهم ويتحول إلى "واحد منهم" حين يجلس معهم. يعبر عن ذلك كله بأسلوب سلس، مستخدماً لغة مباشرة بعيدة عن اللبس، فلا غرابة في مفرداتها أو عباراتها، ولا تعقيد في تراكيبها وصورها، ولا وعورة في معانيها، ولا إسراف في رمزيتها. وهو بذلك أقرب في أسلوبه إلى السهل الممتنع.  

يتخلل قصائد هاو الكثير من السخرية، التي تنطوي في الغالب على الفكاهة. ففي قصيدته "بكل بساطة إنها رائعة،" يقدم لنا مشهداً كوميدياً من خلال حواره مع الملحق التجاري في السفارة. إذ يشرح له كيف أن "القصائد تتفوق في مزاياها على النقانق." فبوسعك أن تأكلها مرةً تلو أخرى ومع ذلك لا تختفي. ولعل من الطريف والمضحك أيضاً أن الملحق الثقافي يبدو إنساناً بالغ السذاجة. فهو يعبر عن دهشته بقوله "بكل بساطة، إنها رائعة." إن هاو بهذا الأسلوب الفكاهي يعبر عن خلود الفن والأدب، وفي الوقت عينه يسخر من رجال المال والأعمال الذين يفتقرون إلى الحس الجمالي في أبسط أشكاله.

بل إن هاو يسخر من الشعراء أنفسهم، وكأنما يسخر من نفسه. ففي قصيدته "دفاعاً عن الشعراء" يصف الشعر بانه "داء مريع... طاغية... آفة... أسوأ من مرض السيلان... رجس فظيع." ثم يردف:  

ولكن انظروا إلى الشعراء، إنه لَأمرٌ شاقّ بالنسبة لهم
تحمّلوهم!
إنهم في حالة هستيرية كما لو أنهم يتوقعون ولادة توائم
يَصِرّون بأسنانهم أثناء النوم، يسفّون التراب
والعشب. يمكثون في العراء في مهبّ الريح المولولة لساعات طوال.

وبالرغم من هذه السخرية اللاذعة، إلّا أن هاو يؤكد في غير مكان على مكانة الشعر في نفسه. فمثلاً نجده يدافع عن الشعر دفاعاً جاداً في قصيدة "هل في الشعر مال؟" فحين يسأله "الأعمام المبتهجون،" أصحابُ السيارات الفارهة، عمّا إذا كان في الشعر مال، يرد بقوله أن لا مال في الشعر. لكنه في ختام القصيدة يخبرنا أنه كان في وسعه أن يرد على سؤالهم بسؤال معاكس: "هل في المال شعر؟"[3] لكنه "من باب الكياسة" لا يفعل، ربما لأنه في قرارة نفسه يعلم أنهم لن يفهموه، وأنْ ليس ثمّة أمل في جسر الهوّة بين عالم الشعراء وعالم الأثرياء. أما في "القصيدة" فيرسم هاو صورة غير مألوفة للشعر. فالشعر له كيان مستقل يتمتع بإرادة قوية، فهو لا يخضع للقوانين، بل يتحداها. فالشعر بالنسبة له رمز للحرية بكل معنى الكلمة:

القصيدة لا تزدهر في الزنازين الانفرادية
القصيدة تهيمُ في الضواحي
تُنقّب في القمامةِ التي يلقي بها الناس
تحملُ بندقية.

القصيدة لا تثق بالقانون ولا بالمحاكم
لكنها تثق بعدالة عليا
...
القصيدة تمضي الليل وحيدةً
في نشوةٍ جنونية.

وهكذا فإن شاعر البساطة والحياة اليومية يفاجئنا بمفهوم خاص للشعر. فليس من المقبول أن يخضع الشعر للتقاليد والقوالب الجاهزة، التي يرمز إليها هاو بالزنانين تارةً وبالقانون والمحاكم تارةً أخرى. الشعر لا يزدهر إلا من خلال الحرية والانطلاق. وللتعبير عن هذه الحرية فإن الشعر يفعل ما يروق له بلا حسيب أو رقيب، فقد يحمل بندقية، أو قد ينقّب في القمامة. 

من جانب آخر نجد هاو ينشغل من حين لآخر في قضايا ذات طابع فلسفي كالزمن والحياة والموت، لكن من دون أن يخرج عن بساطته المعهودة. ففي تناوله للزمن يبتعد هاو تماماً عن النهج الفلسفي، بل تتحرك صورة الزمن عنده جيئة وذهاباً بين المجرد والمحسوس. ولعله في قصيدته "ساعة والدي" يقدم لنا مثلاً واضحاً على هذا الأسلوب. فهو يحكي لنا قصة هذه الساعة القديمة التي يعثر عليها في أحد الأدراج. كانت متوقفة تماماً لكنه يديرها فتتحرك لتدخل في سباقٍ "مع الساعات الرقمية الحديثة في المنزل."  لكنها تتوقف بعد فترة. وكأن هاو يريد أن يعبر عن  توقف الزمن بمفهومه النسبي في حياة والده، رغم أن الحياة تدب لبرهة وجيزة وبصورة رمزية في ذكراه. لكن الزمن لا ينتظر أحداً. فالوالد قد مات وبقيت ذكراه وبقي الابن، والساعة توقفت وحلت محلها الساعات الرقمية. وكما أن والده يرقد في قبره، فإن الساعة تعود لترقد في الدرج.

في "سيارة الموريس الزرقاء" أيضاً ولوج في مفهوم الزمن، حيث تتحول السيارة القديمة المهترئة التي يعثر عليها أشقاء ثلاثة على الشاطئ إلى رمز لحركة الزمن لا يبتعد في فكرته عن الساعة القديمة. فالسيارة تتحول في نظرهم إلى آلةَ زمن. وهذا يذكرنا بالآلة التي نقرأ عنها في الرواية الشهيرة آلة الزمن لهربرت وِلز (1866 – 1946)، التي تنقل البطل عبر الماضي والمستقبل. لكن سيارة هاو لا تتحرك، بل تحمل علامات الزمن الماضي في هيكلها الصدئ البالي، ولعلها أيضاً تنبؤنا بصورة غير مباشرة عما ينتظرها في المستقبل – المزيد من التآكل والتلف.  وربما تكون هذه إشارة رمزية إلى الإنسان نفسه، الذي تتقدم به السن فيعتريه الضعف والعجز إلى أن يداهمه الموت.  

والحياة والموت بالنسبة لهاو من المُسَلّمات التي تشكل جزءاً من سيرورة الزمن. ففي قصيدته "جميع الأديان فرضيات" يرى في الموت نهاية طبيعية لكل شيء: "مسألةُ أنّني سوف أموت هي أمرٌ طبيعي/ منذ اليوم الأول. كلُّ شيءٍ من حولنا/ يموت..." وفي قصيدة أخرى بعنوان "مشاكل في القلب" يعبر عن صلحه مع فكرة الموت وتقبله له بقوله:  

لا عيبَ
في أن نموتَ على الأرض،
طالما ان ذلك لا يحدثُ
عن قصد.

لكن مشاعر هاو تجاه الموت تختلف كثيراً حين يكون للمسألة طابعٌ شخصي. ففي قصيدة "زيارة في نوفمبر" التي تصور اللحظات الأخيرة له مع والده حين كان الأخير يحتضر في المستشفى، يعبر الرجل العجوز عن تشبثه بالحياة من خلال مفرداتها الأكثر دلالةً – الخروج، البيت، والعمل. في هذا الموقف نرى كيف يطغى هاو الإنسان على هاو الفيلسوف، الذي يتقبل الأمور ببساطة وهدوء يذكراننا بالرواقيين.[4]  فهو يخرج من المستشفى بعد موت والده ويتجه إلى محطة القطار وقد غمره الأسى. هنا نتعرف على عمق مشاعر هاو في هذا الموقف الإنساني من خلال وصفه للحالة الجوية السائدة في تلك اللحظات، وكأن الطبيعة هي الأخرى تشاركه في الحزن:     

تهاوى كل شيء. سرتُ إلى محطة القطار
عبرَ شوارعَ خاليةٍ، حيث كان الإعصار يزمجر
بغضب،
يحطّم المنازلَ، والأشجارَ، وملابسي.
انزلقت الأنقاض عبر الأسفلت،
كما لو أن العالم كان يتمزق إرباً إربا،
أو كان يحرر نفسَـه في هذه اللحظة.

وسواء أكان هاو يتقبل فكرة الموت بهدوء أو يحس إزاء الموت بشيء من الرهبة أو الحزن ، فإنه لا يتردد في التعبير عن حبه للحياة. ولعل في قصيدته "اقتراح" شيْ من ذلك:

دعنا نتفق
أنت وأنا على أن نظل على قيد الحياة
تماماً مثل ميثوشالح 
969 عاماً.

وإذا كانت هذه القصيدة القصيرة تعجّ بالسخريةً، فإن هاو في قصيدته "مع شارلي شابلن في يولين" التي يقارن فيها بين الفاتح المغولي جنكيز خان (1162 – 1227)، والممثل والمنتج البريطاني شارلي شابلن (1889 – 1977)، يظهر انحيازه للإنسانية والسلام. يتخيل هاو أن يقول جنكيز خان مخاطباً شابلن حين يلتقيان في مدينة يولين على الحدود ما بين الصين ومنغوليا: "إن السعادة الكبرى هي أن تنتصر على أعدائك،/ وتسلبهم وتأخذ زوجاتِهم وبناتِهم في أحضانك." وأن يرد شابلن: "عفواً لكنني لا أرغبُ في أن أكون إمبراطوراً/ هذه ليست مهنتي. أريد أن أعيشَ على سعادة الآخرين."  هذا الحب للحياة والانتصار للإنسانية يتردد صداه في قصيدته "الروح ترقص في مهدها،" التي تحمل عنوان هذا الكتاب. فرغم أننا "كلّ يومٍ/ نعيشُ مع القدر،" فإننا نسكن فوق القمر، حيث "القلب يدقّ بحرية، والروح/ ترقص في مهدها."

هذه ليست سوى شذرات تتبعتُ من خلالها بعض الملامح اللافتة في شعر نيلس هاو، الشاعر والفيلسوف والإنسان: الشاعر الذي يسلتهم موضوعاته من حياتنا، والفيلسوف الذي يقدم لنا فهماً بسيطاً وواقعياً لهذه الحياة، والإنسان الذي يحب الحياة كما نحبها، فيفرح كما نفرح ويحزن كما نحزن – الإنسان الذي يفهمنا ونفهمه، لأنه يتحدث إلينا من على الأرض التي نقف عليها، لا من برجٍ عاجي، الإنسان الذي يريد للإنسانية جمعاء أن تعيش بأمن وسلام ومحبة.  

هاو والعربية 

قوبل هاو بالترحاب من قِبَل القراء العرب. فقد دعته مؤسسة البابطين للمشاركة في ملتقى "الشعر من أجل التعايش" الذي رعته المؤسسة في دبي عام 2011. كما أجريت معه عدة لقاءات صحفية تناول فيها هموم الأدب والشعر في الدنمارك والعالم، وعبر من خلالها عن إعجابه باللغة العربية وما تتمتع به من ثراء.

كذلك قام عدد من المترجمين العرب من بينهم سليم العبدلي ونزار سرطاوي  بترجمة العديد من قصائده إلى العربية. وترجم له الشاعر العراقي جمال جمعة ديوان حين أصير أعمى الذي صدر عن الدار العربية للعلوم – ناشرون، عام 2010. وقد كتب الشاعر العراقي فاضل العزاوي مقدمةً للديوان بعنوان "الضوء والعتمة في شعر نيلس هاو."  

ولعل تقديم هذا الكتاب للقارئ يكون بمثابة إضافة لرصيد هذا الشاعر في لغة الضاد تسهم ولو بصورة متواضعة في تعميق علاقاتنا مع شعراء العالم وأدبائه الذين يكنون للعربية الاحترام والتقدير.
--------------------------------------

هوامش

[1] نُشرت المقابلة في العدد 56 الذي صدر في 21 أيار / مايو، 2012.

[2] عن حوار أجراه الصحفي سطام الحقباني مع الشاعر ونشر في صحيفة الرياض السعودية بتاريخ 11 نوفمبر، 2014.

[3] هذه العبارة ليست من اقوال هاو، بل استعارها من الشاعر الإنجليزي روبرت غريفز (1895 – 1985)، الذي قال: لا مال في الشعر، لكن لا شعر في المال أيضاً"

[4] الرواقيون هم أتباع المذهب الفلسفى الذى انشأه زينون حوالى عام 300 ق.م. وقد رأى زينون أن على الرجل الحكيم ان يتحرر من الانفعال، وألا يتأثر بالفرح او الحزن، وأن يتقبل حكم الضرورة القاهرة بلا شكوى. 

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads