الرئيسية » » لا تشرق في اليوم مرَّتين | رياض الصالح الحسين

لا تشرق في اليوم مرَّتين | رياض الصالح الحسين

Written By Lyly on الثلاثاء، 13 يناير 2015 | يناير 13, 2015



يحدث أن..

 

يحدث أن ترى بعض الأطفال يلعبون بالكرة

وهم يتحدثون عن الأسعار المرتفعة

للبيبسي كولا والبسكويت

يحدث أن تسمع بأن رجلاً في صحراء الربع الخالي

يتكلم كثيراً عن البنكنوت والمراوح الكهربائية

يريد أن يبتلع بيضة الثورة

كما تبتلع الرتيلاء ذكرها المسكين

يحدث أن تقرأ عن امرأة أمريكية

وهبت بكارتها لسبعة آلاف رجل

ومع ذلك ما زالت تنام وهي بردانة

كالقطة في حجرة من الفخار

يحدث أن تحسّ وأنت في هذه الغرفة

بأن فاكهة الدنيا كلها

لن تستطيع أن تمنحك القدرة على الاكتفاء

ولكن الشيء الذي لم تره

أو تسمع عنه

أو تقرأه

أو تحسّه

هو أن ضوء القمر اللطيف

قد يأتي إليك أحياناً

وجيوبه محشوّة بالديناميت والقنابل اليدوية!

 

أساطير يوميَّة

 

"الفن هو فرح الإنسان في أن يكون ذاته، بأن يحيا وينتمي إلى المجتمع". 

فاغنر

 

الوقتالقبلة

 

رأيت أنَّ الأرض مثلَّث بيرمودا واسع

يبتلع الأطفال والشجر والفلاَّحين

ثمَّ اكتشفت، فيما بعد، أنَّ الأرض كرويَّة

ففكَّرت بوجود بعض الأمكنة

لا يبتلع فيها الماء شيئاً

أمكنة صغيرة جدًّا...

على سبيل المثال:

ثمَّة رجل يقبِّلُ امرأة

دون أن ينظر إلى ساعته.

 

الولدالفتاة

 

- إذا لم تحبني

أيُّها الولد اللطيف

سأردُّكَ إلى أمِّكَ...

- إذا لم تحبِّيني

أيَّتُها الفتاة الشرِّيرة

سأردُّكِ إلى القبر.

 

وأنا أتذكَّر أنَّ بين شجرة الليمون والمستنقع

بين الهواء والضفائر الساطعة

بين الأسنان الجائعة واللحم

بين الموسيقى والغبار

بيني وبين أمِّي

بيني وبين قبري:

فتاة لطيفة

وولداً شرِّيراً!

 

لماذا

 

لماذا نحبُّ بعضنا بعضاً

ما دام جيبي محشوّاً بالأجراس

وجيبك محشوّاً بالجثث؟

لماذا نقبِّل بعضنا بعضاً

ما دام فمي رأس إوزَّة حمراء

وفمك عمود كهرباء متغضِّن؟

لماذا نرسل لبعضنا البعض الرسائل

ما دمتِ تحاولين أن تعضِّي الزمن

وأنا أحاول أن أقطع المسافات؟

وفيما بعد إذا تزوَّجنا

هل ستصرِّين على سرير من خشب الزان

أم ستستلقين بكامل أناقتك على الرمل المبلَّل؟

لنبقَ بعيدين إذاً

يدك تتثاءب على الوسادة

ويدي ترعى قطعان الرصاص

وفيما بعد إذا التقينا في مقبرة واحدة

لن أنكر أبداً أنَّني أحببتك.

 

 الشبه

 

يا امرأة من لحم وصنوبر وأحجار

إنَّكِ لا تشبهين أحداً سوى رأسي

رأسي المعبَّأ بالشوارع والجثث والكلابات

إنَّكِ لا تشبهين أحداً

لذلك أرفض أن تمتدَّ يدك لإشعال سيجارتي

يا امرأة قصصت عليها أسطورة كو-نغاي

ألا أبدو لك كقاعدة أرضيَّة

لإطلاق الأغاني على البشر

فلماذا تنظرين إليَّ ببلاهة؟

 

مياه مالحة

 

نحن الأطفال البلهاء

الذين لم نغمس أجسادنا بالماء المقدَّس

لماذا لا نذهب إلى البحر

لنسنَّ أسناننا بمياهه المالحة

ونعود إلى الوطن بقلوب قويَّة؟

 

167 سم

 

أنا رجل وسيم

طولي 167 سم

أنا تراكتور معطوب

أبحث عن عمل منذ ثلاثة أشهر وتوابيت

جلست في المقهى لأشرب شاياً ممزوجاً بالدبابيس

جلست في مقهى

النساء فيه يتدلين من الأشجار

كما تتدلَّى مصابيح النيون في معرض دمشق الدولي

أنا رجل وسيم

قال لي صديقي: "مدّ يدك واقطف امرأة".

أيُّها الصديق الجاهل

الحبّ قطاع خاص

ولذلك علينا أن نفعل شيئاً.

 

قلب مكسور

 

لي قلب مكسور كسفرجلة

لدى كل رجل قطعة منه

اِجمعْ الرجال وقل لهم:

نحن لسنا لصوصاً

إنَّنا نعمل ثماني ساعات في اليوم

ومن حقِّنا أن نأكل السفرجل

اجمعْ الرجال جميعاً فتجمع قلبي

قلبي المكسور كسفرجلة.

 

ذلك الطفل... تلك المرأة

 

ذلك الطفل الذي يقرأ في مجلة قديمة

إنَّهُ يفكِّر كيف يستطيع أن يخرج الشمس من ردائها الناصع ليشاطرها الاحتراق

ذلك الرجل في ردائه الشفَّاف

إنَّهُ يفكِّر كيف سيستطيع أن يقبض على المرأة الهاربة

ليشاطرها الحبّ أمام جميع المخلوقات

وتلك المرأة

المرأة الهاربة كرملٍ ناعمٍ من بين أصابع طفل

-طفل يقرأ في مجلة قديمة-

تمدُّ يدها إلى الشمس

وتردُّ للعالم أشياءه

إنَّها أشياء صغيرة جدّاً

بيوت، وحوانيت، وأرصفة، وجوع

وأيضاً

قصيدة نائمة في مجلة قديمة.

 

إنَّها تقترب

 

هي ذي تقترب كسفينة محمَّلة بالجثث

الساعة ذات الرقَّاص الرتيب تؤكِّد على ذلك

النهار ذو الشمس المنهكة يوكِّد على ذلك

والبيوت المتراصَّة كعيدان كبريت في علبة صغيرة

تؤكِّد على ذلك

وأنا أؤكِّدُ لكم

أنَّها تقترب كسمكة قرش مريعة

إنَّها تقترب كقنبلة معطوبة

ومعها يقترب كل شيء من كل شيء

اللحم من السكِّين

المدافن من الجثث

والنار من زجاجة بنزين سريعة الاشتعال

إنَّها تقترب

إنَّها تقترب

ساعة الذهاب إلى الموت باطمئنان

وحزن شديد

حيث يبحث الجائع في القمامة عن الأغاني

والعصفور عن السماء الزرقاء في الغرف المقفلة

والثائر عن الحصان تحت الوسادة

إنَّها تقترب وأنا لست وحيدًا

إنَّها تقترب وأنا أحاول أن أبدو أقلّ حزنًا

إنَّها تقترب وأنا أقذف قطعة السكَّر في فمي

وأذهب إلى المدرسة في القرى الموحلة

أطارد الدجاج في الطريق

وأتعلَّم كيف أقبِّل الفتيات الصغيرات

وأسرق لهنَّ التوت من الأشجار الواطئة.

 

ورق

 

ورقة بيضاء كانت

ورقة بيضاء فقط

لم يكتب عليها العاشق رسالة

ولم تطبع عليها الدولة قانوناً

ورقة بيضاء نقيَّة كالنبع

لم تمسكها يد

ولم تمزِّقها أصابع

ليست هويَّة شخصيَّة

ولا بطاقة مجَّانية لزيارة المعتقلات

ورقة بيضاء فقط

قدَّمتها لحبيبي

فكتب عليها كلمة (أحبُّك)

ولم يستطع أن يقبِّلني!

 

 رائحة ما

 

هناك رائحة ما

ليست كرائحة الملابس القديمة

وبطاقات التعزية

والمستنقعات

رائحة ما...

حادَّة، متردِّدة، مسكينة

كدموع بنت تبكي دميتها المحطَّمة

رائحة...

تدخل غرفتي بخجل في الصباحات الباكرة

تغسل وجهي

وتستمع مثلي لأغنية حزينة آتية من الأعماق

رائحة...

تذكِّرني دائماً

بجنود عائدين من الحرب

وبحر

وفتاة كانت تطاردني ضاحكة

في حقول القطن.

 

روتين

 

القهوة مع الحليب في الصباح

قبلة الزوجة السريعة

الطريق إلى العمل

الطريق إلى البيت

الطريق إلى السرير

ومن ثم

القهوة مع الحليب في الصباح.

 

إنه حيّ تماماً

المسه ولا تخفْ

فالموتى لا يخيفون.

 

ديكارت

 

لا شك بذلك يا ديكارت

 

لا أشك مطلقًا

على الأقلّ عندما أكون حزينًا

بأن الخشب يطفو على سطح الماء

والقطط تتغذّى بالفئران

والأشجار تزهر في الربيع.

 

لا أشك مطلقًا

بالسكين التي تقطع اللحم

والمطر الذي يقطع العطش

والإثنين الذي يقطع الطمأنينة.

 

لا أشك مطلقًا

كما يعلم الجميع

بأنَّ واحدًا زائد واحد يساوي اثنين

وأنَّ قليلاً من الملح والخيار والبندورة والبقدونس المفروم يساوي سلطة.

 

ولكن ما أشك فيه

يا ديكارت المجنون

بأنَّ أكذوبة وأكذوبة

وبناية فوق بناية

ومستنقعًا قرب نهر...

يساوي ثورة!

 

سقراط

 

الذي لم نفعله اليوم

نستطيع أن نحقِّقه غدًا

والذي أتعبنا البارحة

نستطيع أن نضحك منه اليوم

القِ بنفسك بين ساعديَّ

كما تلقي امرأة يائسة نفسها من فوق ناطحة سحاب

هذه لعبتنا الجميلة الضارية

التي لم يسجلها التاريخ

هذه حكمتنا الساذجة

التي لم يتحدَّث عنها سقراط

أيَّتها الصديقة النائمة

لا تقفي أمامي مكتوفة القلب

فالشمس –كما يقولون-

لا تشرق في اليوم مرَّتين.

 


يوميَّات

 

1979 – 8 – 13

 

للأيَّام الجميلة القادمة أسنُّ أسناني

للمرأة الجميلة المقبلة أعدُّ السرير

وعلى الحائط الأسود

فوق الطريق العاري

تحت السماء الزرقاء

أبعثر رماد قلبي

منتظرًا البسكويت اللذيذ

والدرَّاجة الصغيرة

وعلامة (ممتاز) في الحبّ!

 

1979 – 8 – 17

 

لا أحد يعرفني سوى العشب

لا أحد يلعب معي سوى القطَّة

وحينما أنام وحيدًا

بقدمين متباعدتين وذاكرة عاتية

بطائرة ورقيَّة وبالون كبير

تأتي إلىَّ (أليس)

بشريطة بيضاء وسنّ مكسور وجوارب ممزَّقة

يأتي إلىَّ الأرنب المسكين

والنملة الذكيَّة

والحمار المتعب

وعلى سريري ينامون!

 

1979 – 9 – 2

 

إذا أردتَ أن ترى

ثلاثة رجال يقرعونَ بابَ التفَّاحة

ثلاثة رجال ليسوا من ذهب

الأوَّل: مستودع ذكريات

الثاني: شمس في زنزانة

الثالث: شجرة آلام

إذا أردتَ أن ترى...

فتعال إليَّ في الثالثة صباحًا

قبل أن ينكسر ضوء القمر

قبل أن يحين موعد الضجَّة

تعال مع العربات التي تذهب بالعمَّال إلى المصانع

مع العاشقة التي تدثِّر ثلاثة جنود

مع الدجاجة التي تبحث عن حبوب العدس

مع الشاب الذي يصنع خبز الموتى

تعال، لأحدِّثك عنِّي

أنا ثلاث صرخات

الأولى: للمغامرة

الثانية: للحب

الثالثة: للذهاب إلى العمل في الثامنة

كالمعتاد.

 

1979 – 9 – 7

 

الذي يريد الضحك فليأتِ

إنَّني أخبئ نكتة

الذي يريد البكاء فليأتِ

فلديَّ حصَّالة دموع

والذي يريد الحب

والذي يريد الحب

فليأتِ... فليأتِ

فلديَّ سرير شاسع كصحراء

ووسادة صغيرة كرأس خروف!

 

1979 – 9 – 17

 

تعرَّفت على امرأة منذ أسبوعين

بطريقة عاديَّة

أعطتني ذراعها بسهولة

وقالت: لديَّ نصف كيلو عنب

قلت: ونستطيع أن نشرب القهوة.

تعرَّفت على امرأة

لم ترَ مقبرة قط

تضحك وتبكي وتحتجُّ بسهولة

ولا تفهم...

لماذا يتحدَّث الناس عن الحكومة

في الوقت الحاضر!

 

1979 – 10 – 29

 

بالصوت والإشارة والقبلة

برفيف الأهداب وهزَّة الرأس

بالأصابع والعيون

بأفراحنا الصغيرة ودمارنا الكبير

بأنيابنا المكسورة وأظافرنا المقلَّمة

بالأوراق البيضاء وأقلام الحبر الناشف

بالأغاني الحزينة والموسيقى الخرساء

تعالوا لنتفاهم

 

لنتفاهم... لنتفاهم

كما تفعل النملة مع النملة

والليل مع النهار

وإذا حصل أيّ سوء

فلنضرب الطاولة بقبضاتنا المتعبة

لنمتحن قدرتنا على الصراخ

لنستشهد بالأقوال المأثورة كبشر عاديِّين

ولكن قبل كل شيء

من الأفضل أن نتجرَّد من المعاطف

والأحقاد القديمة

ونضع السكاكين والمسدَّسات قرب الباب

وندخل القاعة بنوايا طيِّبة!

1973 – 11 – 3

 

كل شيء له سعر

الكتاب والبيت والقهوة

الحذاء والنور وقصَّاصة الأظافر

الدموع والدروب و(تصبحون على خير)

كل شيء له ثمن

بالدولار والمارك والجنيه الإسترليني...

فكم هي مضحكة

-أقول لنفسي-

حياة الإنسان في العصور القديمة

عندما كان يبادل الذرة بثمار البلُّوط

والبقرة بسروال وقميص صوفي

والقبلة بأزهار البرتقال

والأغاني الطويلة!

 

1979 – 11 – 15

 

أنا حبَّة عنب حلوة

تعال وامضغني بأسنانك الرقيقة

أنا شجرة حب قريبة

أهرب إلى ظلِّي من شمس أيلول

أنا زهرة بريَّة

تحت جنزير دبَّابة

ألا تريد أن تقطفني قبل أن أموت؟

 

غرفة المحارب

 

يتوسد خندقه الرمليّ وحيدًا

ويداه تحيطان برشاشٍ مملوء بالموت

سيأتي الزوّار مساءً

زائرة تحمل للأرض قنابل ضوئية

أُخرى ستمشط بالنار سهولاً تمتدُّ

سيأتي الأعداء مساءً

كقطيعِ ذئابٍ كاسرةٍ

يلتهمون بيوت الطين

وأشجار التفاح

وكرّاسات الأطفال

ورأسَ الجنديّ

الجندي يرتب غرفته الرملية

الماء هنا

والطلقات هناك

وها هي صورة نرجسة تبتسم لجندي

يحملُ رشاشًا وخضارًا

الزوار يجيئون

فأهلاً

يطلق طلقته الأولى

سيظل يقاتل حتى آخر حبّة رمل من هذا الخندق

 

الولد النائم

 

قبل أن يذهبَ للحرب مضى نحو السرير

أغلق عينيه ونام..

رأى فيما يرى الأولاد

سهلاً فسيحًا تركض الغزلان فيه

سربًا من عصافير

وأشجارًا من الدراق

أزهارًا لها هيئة أقمارٍ

رأى نهارًا واسعًا جدًا

ومن أقصى النهار جاء رجل يسعى

ألقى على الطفل قميصًا من دمٍ

فاختفى السهل وماتت الغزلان

والأشجار

اختفى النهار..

قال الولد الجميل: لا بأس

أغمض عينيه بعينيه

ونام

رأى عشرين ملاكًا يهبطون قربه

سألهم: هل تأكلون البرتقال

هل نستطيع أن نلعب لعبة الهرّة والفأر

أختبئ الآن فوق سريري

جديني أيتها الهرّة/الملاك..

....

ومن أقصى السماء

جاءت القنبلة فوق سرير الولد الجميل

طار الملاك

وماءت الهرة حينما رأت إصبع طفل في التراب

قال الولد الجميل:

لا بأس، لا بأس

عاد إلى السرير متعبًا

أغمض عينيه بعينيه

ونام..

رأى فيما يرى الحالم

أسماكًا على الجدران

ذئبًا يسبح في البركة

تمساحًا يعود للملهى

وامرأة تنتظر الربّ أمام قصر العدل

صاح الولد الجميل:

لا أريد أن أرى شيئًا

أريد أمي وزجاجة الحليب والقماط

قال الولد الجميل شيئًا

ليس حسنًا جدًا

وليس سيئًا جدًا:

"عاش البط

عاش النهر

عاشت الهرّة

عاشت الأشجار

عاشت أختي وأخي

ولتسقط الدبابة"..

...

...

أغلق عينيه بعينيه

ونام أبدًا..

 

 

 

 



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads