الرئيسية » » سيمفونية الوداع (*) | دوريان لوكس

سيمفونية الوداع (*) | دوريان لوكس

Written By Lyly on الاثنين، 26 يناير 2015 | يناير 26, 2015

أحدهم أحبّه يحتضر، ولذا

حين أدير مفتاح السيارة

وأرجعها من مكانها في المرآب

تحت الأرض، وينطلق الراديو،

عالياً فجأة بموسيقى ما

لهايدن تتكرّر لازمتها متضاءلة

وأنا أناور السيارة عبر الأنفاق المعتمة

خفيضة السقوف، تابعة السهام الصفر

المخطوطة تباعاً على الجدران الاسمنتية الرمادية،

أفكّر فيه، ماضياً ببطء في

أيام حياته الأخيرة القاسية ولا يسعني التوقف عن البكاء.

حين أصل إلى كشك دفع الرسوم أجدني مضطرة

إلى التوقف عن التفكير فيما أبحث في جيوبي

عن آخر قطعي المعدنية، محوّلة نظري إلى الموظّف

غير المبالي في بذلته الزرقاء، الملتف شعره الأبيض

كالدخان حول عنقه السمراء، وأشكره

كالبلهاء، وأقود سيارتي إلى ضوء منتصف النهار المعمي.

كل شيء رمزي بشكل شنيع

وكل شيء يذكّرني بالسرطان:

شاحنة (الشفرون) وهيكلها الدائري

الملطخ برمل الطريق ورشح

مطر الليلة الفائتة، مستوعب

النفايات خارج محل الزهور، غطاؤه

المنبجس المنضغط على باقات أعراس ميتة..

حتى رائحة شيء بسيط كالقهوة

تنسحب من الباب المفتوح لمقهى وعينيّ

تترقرقان، تنوجعان في محجريهما.

لم أرد شيئاً منذ أشهر سوى

نعمة الغفلة، أن أتنقّل ببطء من غرفة إلى غرفة

في منزلي الصغير مخدّرة بالنسيان.

أن آكل صحن ذرة ولا أتصوّره، صديقي،

وقد بات هزيلاً وشاحباً، وغير قادر على الهضم.

كي لا أتخيّل الأورام

تنضج تحت جلده، الجلد

الذي قبّلته، ومسّدته بأناملي،

وضغطت عليه ببطني ونهديّ، وفي بعض الليالي

حسبت بقوة أنه يمكنني دخوله، أن أفتح

ظهره عند العمود الفقري كباب أو ستارة

وأنزلق كسمكة صغيرة بين أضلاعه،

أن أمسّ بشفتي دماغه،

وبحرير ذيلي المحزّز

أحشاءه الزرقاء.

الموت ليس رومنسياً. إنه يحتضر،

ولا تهمّ نظرتي إلى الأمر

ولا ما أعتقده، هذه الحقيقة مطلقة،

أحادية البعد، لا تقاس،

نوتة سوداء على مدوّنة فارغة.

قدماي باردتان، لكن ليس بقدر قدميه،

وأمقت هذه الموسيقى التي تغمر

الزوايا الضيقة داخل سيارتي، ورأسي،

مبطئة سير العالم

بعظمتها المتوهّجة، محوّلة كل ما أراه

نصباً تذكارياً للحياة،

أياً يكن بشعاً أو بلا حسّ..

حتى سيارة الفورد القديمة قبالتي،

مؤخرتها المنحدرة التي ترفع حتى تصير نتوءات صدئة،

ضاخّة غيوماً سوداء كلاسيكية من النفث الدخاني

إلى الهواء الوامض - حتى أزهار (أبو خنجر)

المتسلقة السياج، تزهر

وتعترش بالتفاهة، الموسيقى تنسكب

من براعمها المفتوحة، ملتفّة صعوداً،

عابرة آخر حواف الأزرق إلى البركة الساكنة

لمجرّة أخرى، كما لو أن كل ذاك الفراغ

مكان من الكرم، وجهة،

سلام يمكننا الصعود إليه.

____________

عنوان سيمغونية لهايدان

*

ترجمة:سامر أبوهواش


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads