الرئيسية » » ماما ماما هاي المرة المجنونة بتحكي مع حالها. | زياد خداش

ماما ماما هاي المرة المجنونة بتحكي مع حالها. | زياد خداش

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014 | ديسمبر 09, 2014

ماما ماما هاي المرة المجنونة بتحكي مع حالها.
مرّت، أمس، في مساء رام الله وحيدةً، الحذاء قديم بثقوب هنا وهناك، في العينين نار وجوع وتعب، في اليدين المضمومتين ـ بقوة غريبة ـ فتات حجر ومقلاع، في القلب دم كثير وورد وحب.
لم يقترب منها أحد، كانت تشبه فلاحةً متعبةً تمشي باتجاه مكانها المعتاد على الرصيف لتبيع حزم النعناع والخس، بل كانت هي الفلاحة ذاتها، لم ينحن لقامتها العالية مرآب، لم يتعرف إلى رائحتها درج، لم تقل أي شيء، لأي شيء، لم تسأل أحداً أي سؤال على الرغم من امتلاء روحها بالأسئلة، لم تتهيأ لتصيح في كل شيء: انتبه يا كل شيء، أنا سيدة كل الأشياء العظيمة، قبلي كانت الأشياء شيئاً وبعدي صارت شيئا آخر، مشت السيدة العظيمة، لم يرتجف لظلها عمود إضاءة، لم تنتبه لريحها شجرة، لم تهبط أمام فستانها الأحمر طيور، لم يخفق لحذائها شارع، هي التي صنعت كل الشوارع، لم تلوّح لتعبها شرفة، هي التي أهدت البلاد أجمل الشرفات.
جالت المرأة الغريبة كل الشوارع، حدّقت في لافتات المحال، ونوافذ العمارات:
ـ "ياه كم تغيرت يا رام الله"! قالت لنفسها.
سمعها طفل يمشي ممسكاً بيد أمه: "ماما هاي المرة المجنونة بتحكي مع حالها".
الخطوات تتواصل: هنا اعترف لي شاب جميل بحبه ثم سقط، من أجل عينيّ سقط،، قالت السيدة العظيمة لنفسها أمام مطعم وأشارت إلى بقعة أرض على الشارع.
ـ "بابا في وحدة غريبة بتحكي مع حالها، وبتطّلع على الأرض كأنها مضيّعة إشي، تعال شوف". قالت طفلة تقف على شرفة.
هنا سال من كهل اعتراف آخر بعشقي، ثم اختفى عن الوجود، من أجل يديّ اختفى، وأشارت إلى بقعة أمام مخبز، هنا عانقني طفل وقال لي: "أنت أمي" ثم ذاب، من أجل قلبي ذاب، وأشارت إلى ملعب مدرسة.
هنا قبّل قدميّ شاب ثم بكى أمامي وذهب إلى السجن، من أجل قدميّ ذهب إلى السجن.
هنا وهناك وهناك وهنا وهناك... ولم تتعب السيدة العظيمة وهي تشير بيدها وتنظر بعينيها وتتذكر بقلبها.
ولم يتعب أحد من نسيانها.
وهي تدير ظهرها عازمةً على المغيب، لمحها من بعيد شاب عشريني، ركض باتجاهها، وصلها وهو يلهث، نظرت إليه ونظر إليها:
ـ "عرفتك" قال لها.
ـ "لا يعرفني أحد" قالت له.
ـ "أنت الذكرى الـ27للانتفاضة الأولى". ارتبكت السيدة، نزلت دموعها.
ـ "كيف عرفتني"؟ سألته.
ـ "من المقلاع الذي حول عنقك، أبي رسمه لي وأنا طفل على الحائط، وقال لي قبل أن يستشهد بعشرين يوماً: كانت لنا أم عظيمة ذات يوم. حين رأيت المقلاع على صدرك، ركضت إلى الحائط وتأكدت من تطابق الرسمة مع واقعها".
السيدة تعانق الشاب، الشاب يبكي


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads