الرئيسية » » وُلِدتْ في ليلة شتائية | محمد الحرز

وُلِدتْ في ليلة شتائية | محمد الحرز

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 19 سبتمبر 2014 | سبتمبر 19, 2014




وُلِدتْ في ليلة شتائية، من عام 1994 كنت وحدي في المنزل أترقب بوجل لحظة خروجها من رحم اللغة. أنا الأب والأم والقابلة، لم يكن أحد سواي يشهد تفاصيل هذه اللحظة . في تلك الليلة انزلق الكائن من يدي بخفة المولود ليسقط على البلاط ، وتصيب كلماته رجة خفيفة في الدماغ، لم أشعر بها على الإطلاق حينما رفعتها سريعا عن الأرض ، ولم يظهر على ملامحها أنها أصيبت بتلك الرجة. مضت على الحادثة عشرون سنة ، لم أسمع خلالها عن أخبارها شيئا. كل ما أذكره أنني وكّلت إحدى كتبي برعايتها، وتغذيتها بقراء يقدمون لها الحليب الطازج يوميا ، 
مع دقيق البر الذي لا يثقل معدتها . وبأصدقاء من بلدان شتى كانوا في كتب مثلها عاشوا بين الناس حياة سعيدة .ثم سافرت كثيرا لم أترك واديا مأهولا بالذهب في عالم اللغة إلا وذهبت إليه .صاحبت لصوصا لا يجيدون سرقة الكلمات ، ولا يعرفون موضع الماء والكلأ في صحرائها. أكلت من الجوع إيقاعات كثيرة أنتزعتها من خطوات الآباء، صعدت جبالا من المعاجم والقواميس ولم أسقط. 
لكني تعبت تعب القراصنة الذين تابوا عن البحر ولكنهم تاهوا عن اليابسة .
اليوم صدفة ألتقيت هذه القصيدة التي ظننت أنها اختفت من حياتي . كنت متوجها إلى الصيدلية القريبة من منزلي ؛ لأشتري علبة جلوكوفاج الخافض للسكر ، وفجأة وجدتها أمامي ، في البداية لم أنتبه لوجودها ، بالأحرى لم أتذكرها بتاتا. وعندما سمعتها تطلب من صاحب الصيدلية مسكنا للصداع المزمن في رأسها ، قفزت إلى ذهني حادثة السقوط . لم أرغب في الاقتراب منها وهي على هذه الحالة . كانت تتوكأ على عصى ، مسندة جذعها العلوي عليها بالكامل بينما رأسها ملفوف بعصابة بيضاء معقوفة بقوة من الخلف بحيث شعرت أنها لم تراني وأنا أتأملها عن قرب . وكانت قطرات من الماء تتسرب ، وتبلل العُصابة البيضاء. وقفت في حيرة ،لا أقدم خطوة ولا أؤخرها . وحين أدارت ظهرها للخروج لمحتني في ثانية ، وأشارت إلى رأسها وقالت : كلمتك التي وضعتها هنا لم تكن سوى النهر، وحين سقطتُ بدأت المياه تخرج خلسة دون علمي . القراء بأفواههم على بابي كل يوم ، وأنا كل يوم أسكن رأسي بهذا الدواء .

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads