الرئيسية » , » كذلك رددناك إلى قلبك | أشرف الجمّال | العدد التاسع والخمسون

كذلك رددناك إلى قلبك | أشرف الجمّال | العدد التاسع والخمسون

Written By Unknown on الثلاثاء، 26 أغسطس 2014 | أغسطس 26, 2014



كذلك رددناك إلى قلبك

شـعـر

أشرف الجمّال






















إهـــــداء
..................

إلى صديقي الحبيب
الإنسان .. والفنان
أيمـن عـامر


















تنويه

لمولانا ابن عطاء الله السكندري حكمة الاستهلال
منه أقتبس .. ولست أهلا لروحه .. ولا جديرا
بأن أكون خادما لسلطان معناه .

.....

منذ طفولتي
الآيات .. تُسمِعني بقلبها
تُشْهِدني بروحها
بعين الجمال والمحبة
تجبر خاطري
أنا المكسور بالذنوب
لا بعقلي الذي تنازعته الأضداد .






























/ أن تطرق الأبواب .. ألف مرة /

ادفن وجودك في أرض الخمول
فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه











في منتصف البحر ..
يحدث ذلك كثيرا
أن يوقف العالم سفينته
ليُلقَى واحدٌ من دون نزلائها
ويكمل وحده الرحلة ..
فقط .. بقلب مثقوب .








(1)

أطفئ القنديل .. أيها الملك
في هذا المساء
ولا تنتظر في تلك الفيافي وحدك
فالمحاربون الذين غادروا ذكرياتك
لن يعودوا .. مرة أخرى
لأوطانهم
طيورك المهاجرة .. علمت أنك
تستطيع استدعاءها - وقتما شئت -
بناي الألم ..
فاطمأنت عليك
والريح .. كما اعتادت
أن ترتمي على صدرك
ربما تفكر في المدن التي انتحرت
والوليد الذي انتفض في القبر
حين ضحّت الأميرة بأول قُبلةٍ
لقرصان الغزاة
لكنها لن تبوح لك بالسفن التي غرقت
وهي تردد اسمك
بالمرأة التي أرداها حصانك قتيلةً
في منتصف الطريق
بالقصر الذي نهبه الخونة
وتركوا أعمدته وأبوابه العتيقة
تتآكل .. في قلبك
بالطفلة التي تشبثت برقبة الجواد
في الفرار من اليتم
والمارد الذي روّضتَه بابتسامة
ودمعتين تغسلان كبرياءه
أطفئ القنديل
فالضوء ليس كافيا لإخماد مائة عام
من الحرب
في قلب
والبيوت التي تبادل دماءك الحنين
تعلمت منك على البعد
أن تموت واقفةً
وأن تحتفظ فقط
بابتسامةٍ لمن وعدوها باللقاء
ودمعةٍ لمن يموت فجأةً ..
دون وداع .





(2)

كأي صحراء
فرشت قلبك للريح
وجعلت من هذه المرأة قطاةً
تنشب فيها أحلامك .. وتعذبها
بالهجرة في دمك
وتمنيت ..
أن تصادف الحب شيخا
أرهقه السفر في تلك الفيافي
ربما كان طريدا مثلك
لكنه لم ينقش البيوت
وشمًا على قلبه
لم يجعل الطرقات الشريدة
طُعْما لاصطياد الحنان
فلا تتحدث إليه كثيرا
واكْتَفِ بنظرة تودّعه على البعد
فمن هذا الكون
لا تملك إلا عظامك
دماءك الرخيصة
لفافة تبغك
إحساسك الفطري بأنك ستموت
كنزك الأخير ..
كنز الحسرة  .





(3)

ولأنك مصري .. ولست كلبا ضالا
فستستطيع أن تجعل الشوارع
رمال حنينك
والشمس بدوية
تبادلها لذة الاغتراب
تفكر بعقل رجل لا يأمن الدهر
وتشعر بقلب نخلة غرست جذورها
في أرض بلادك
ولا ترهب عدوا يأتيك من خلفك
فأنت تعتقد - ككل الطيبين هنا -
أن وراء السماء رَبّا
وأنك لن تموت إلا كمدا
والحياة شئت أم أبيت ..
سوف تمضي ..
فلن ينقلب حصانك ماردا من الحزن
عند الرحيل
ولن تبوح لك النوافذ
بأسرار تُجبرك على العودة
لن يعزف لك الأجداد في لحودهم
لحنا شجيا
أو يصبح الطريق عرافا
يقرأ في كفوفك .. سنوات المحبة
فقط ستعيش
-       وإن كنت لا تملك جناحا يطوي السنين
أو السهم الذي ستدينه عند السقوط -
جريحا ..
كشرخ في القلب
كرمال ترتمي في استكانة ...
عند الحدود .


(4)

تقدم ابتسامة
لهذه الدنيا التي لم تفهمها
وتطفئ الشموع .. والنوافذ ..
والأشجارُ التي جفّت مآقيها
تجرحها بنظرة
وأمام كل السفن العنيدة
- بوداعة لم تعهدها لأحد أندادها -
تغرق قلبك
ببرود لا يُقدّر شغف انتظارها للنهاية
لم تكن عميقا ككل الجراح التي قرأَتْها
في جبينك
أو مزعجا كروح تنبح منذ سنوات
في جسد لم يألفها
لقد خسرت ..
وما كان سهلا
أن تخرج من عراك أغنياتك .. قنّاصا
أن تجعل أشجار المدينة
عشاقا ماتوا من الحسرة
أو غرباء وقفوا على الضفة الأخرى
يموتون حنينا للوطن
فكل شيء هنا يعرف الحب
حتى القبور
حين تُقبّل تمتمات الأرامل
الأكفان التي آثرت .. أن تكون
آخر من يرافقنا
الذكريات التي أخفق صهيلها
أن يكون حصانا لعاشقة
فكن جريئا
واهجر هذا القبر
الذي سيأوي رفاتك
فأنت لا يعنيك أن يكون صديقا
ذات يوم
أن تغرس يد الرفاق صبارة
أن تتلقى قُبلة فوق الكفن
كن جريئا
واسمح لكل الذين - في غيابك - دخلوا حياتك
أن يخرجوا
كأن شيئا ... لم يكن .




(5)

وبمرور الوقت ..
تستطيع أن تنسى
فأنت على الأقل
تمتلك حسرة قلعة
استسلم جميع فرسانها
ومرارة آخر ديناصور رحل عن العالم
وأول طائر ودع السفينة
وغرس في القلب
هلب الحياة
بمرور الوقت
سوف تألف .. أن تطرق الأبواب
ألف مرة
دون أن تفتح أعوامك
ومثل الغريب
بلا وطن يملكه حقا
بلا دار
ستعيش فقط .. في قلوب
للإيجار .

















/ حول ما يحدث /

كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته






(1)

حتى هذه اللحظة ..
كنت تبحث معي
عن مدينة نتوكأ إليها
حيث نقف كغرباء خافضي الرءوس
ونترك لها أن تختار مساء نمضي تحته
ولون الرمل .. الذي سيصبح فيما بعد
الكلمات التي بيننا
لقد بحثنا عن الموت
لكن أحدا لم يُقدّر أهمية هذه الأكاذيب
بالنسبة إلينا
وضحكنا .. حتى أغرقت المراكبَ
أعوامُنا الفاسدة
ثم نعود .. نتوسل لكل الذين أحبوها
أن نسجد إليها
وأن تنظر لأيامنا بأسف عميق
مثل عاصفةٍ تبحث عنا
الأحلامُ التي استيقظت فجأة
أين كنت ؟!!
ضيّعتَ سنواتٍ عديدةً لتكون قاعا سحيقا
لتستقبل في صمت
لا يمكن أن يخلو من نشوة
الجثة التي ستلقى ..
إلى أعماقك .



(2)

أكره البحر .. الطير
وكل سفينةٍ دخلت سنواتي وعادت
بمسافرين حمقى يرددون أغنيةً
ولم أقل يوما إن هذه الأزقة الملتوية
ستؤدي بي إلى وطنٍ
غير هذا الشحوب المحيط بأجفانك
إن سلة أيامي فارغة من كل شهوة
وسوف أخسر دموعي جميعها
دون أن أسكبها بخشوع
بين يدي حبيبتي
إن ذلك يزيد من مخاوفي
ويجعلني أرتاب في براءة ما يحدث
أشكُّ دائما
أنك أنت الذي يلقي بحزمة آلامه
في طريقي
كلما عدت بشبكتي خاويةً
وأن الذكريات الوفيرة - حين تتدفق -
تريد أن تقلب قاربي
فأملأُ رغباتي وحشية .. لتتحمل وحدها
عناء مواجهتك
كأنها المرة الأولى .. التي تقول إنها تحبك
تعرف في أي وقت أحنّ
في أي وقت أريد أن أقتل
كل الذين ذهبوا في ظلام أغنيتي
وخرجوا من رياحي ..
بغير أشجار .


(3)

بدلو مثقوب
سوف تنزح روحها
وتريق ذكرياتها دونما إعجاب
تحت قدميك
سوف تكذبها حين تبكي من أجلك
حين تهشم أوتارها
وتستكين كقطة في نظراتك
إن مُدنك الواسعة ترتّب نفسها
بحيث يكون الغريب .. أول القبور
وحيث تعجز دائما أن تُضيّق أعوامك ..
بحجمي
مثل مارد .. تبحث عن الحب
وتخون جميع أصدقائك .. لتحتفظ بصفة
لا تشاركني فيها
إنها الخيبة التي تفتت طيورك حواصلها
من أجل أن تهاجر إليها .. سوف تمنعك
أن تدخل أحلامي متخبطا
بهذا الفانوس القديم ..
حتى لو كنت تفهم عن ماذا تبحث ..
فاترك أبوابك نصف مفتوحة
ليعلم العمر .. أنك ترددت طويلا
قبل أن تؤذن بالدخول
واجعل روحك عريشةً مهجورة ً
إذا كنت تريد
أن تجلب يمامك الضائع .. بأدنى جهد
وبأقصر طريق يُقبِّل عينيك ..
بلا تأمل .




(4)

فالكثير منّا
يحتاج لركام من الشهوات
يمنحه الحنان والمودة
فيما يرتاب في سقوط جميع الرفاق
سواء موتى أم خائنين
وأنه من الطبيعي .. أن تُقطَع ليالٍ طويلة
دونما هدف محدد
لتكون المعنى الواضح لآلامنا التي لا نفهمها
ولست ضعيفا
لترحل وراء طيور أكثر منك جروحا
بحثا عن مرافئ شيّبت نواصيها
ولست جاحدا لتقف هكذا دون دمعة
حتى آخر السفن رحيلا
لكنك بإيمان فيما بعد
ربما صار أحمق
تستأنس الساعات الأخيرة قبل وفاتك
لكي لا تكون .. نقاشا سخيفا ..
حول ما يحدث .










/ لا أحد يسمع صوت الهداهد /

النور له الكشف .. والبصيرة لها الحكم
والقلب له الإقبال والإدبار


كل شيء الآن قد تبدّل
الأشجار العتيقة
لم تعد تتبجح بحكمتها
والشمس لا تثير فينا شهوة الغصون
عشاق ما تركوا أحداقهم هنا
وماتوا
وعظام منسية
لم تحاول يوما أن تكون ظباء
رمادٌ هَجَره الصيادون خلف ظهورهم
وسفاد حكايات بلا معنى
وأساطير يغزلها النخيل
ربما ليتغلب على الموت
أو النسيان
لا أحد يسمع صوت الهداهد
في الأزمنة الخوالي
خشخشة الأوراق الجافة
تحت الهجير
لم يبق سوى بقايا جِرارٍ مكسورة
زحْف السحالي خلسة
لتلقم اليرقات
وحمحمةٌ خاطفةٌ
لخيول عبرت الروح
كالبرق
من دون أن ألمحها
وثغاء أغنام آتٍ من مجرة أخرى
و لبلاب
يقاوم وحدة الأرواح
و ما عُدتُ أفهم
كيف تقتات الشمس وجْد سنبلة
في حنّاء النساء
ومتى تَعلّم القتلى رؤية المراعي
في عيونهن
كيف اجتازت الظباء
ألحانهن المليئة بالشجن
وتركت في روحي وقْع حوافرها
وكيف رغم الدم نقشن على لحمي
استغاثة الأظافر
ووشم الإدانة
أنا لم أكن قاتلا
لكنّ صراخ الحليب
أوحى إليّ بالفرار
من دون أن أنظر ورائي
لأودع البلاد الرحيبة
التي ترامت بين نهودهن
أو أبني مدينة
في هديل قطاة
عابرا آلاف الأشباح في غصون سدرة
بقلب مثقل بالخطايا
مجروحا كلغم انفجر بين حبيبين
كجبل فقد القدرة على التأمل
معتقا برائحة الريحان
التي سحلت ذكرياتي
وعلاقة محرمة
مع امرأة تكبرني بألف سنة
في مدينة مليئة بالفراشات
تشعل الشموع في معابد طِيبةَ
وتكنس الأحزان بمقلتين
لبلبل غرد على صليب
في بركة من الدم
وأشجار تفرد شعرها وتنام
دون ازدراء لشهوتها
كيف عبر المصريون
هذه الصحراء الشاسعة
بأعناق مقطوعة
ابتهاجا بديانة جديدة
و يمامة مجروحة
حطّت على كتف مئذنة
وليس بالمقدور اقتفاء الدم
الذي سقط من فم العصفور
أو توديع ميّت
تَلهّى بمغزل تحت شجرة
وكلب رابض يغطّ في نومه
في انتظار قافلة
تبشر بالخلاص
ومن قلب الصخر
حنين أعمى ربما إليك
ملهما كنجم يبرق في مدارك
و بائسا كالدودة تحت الحجر
من أين يبدأ
من حقول سمواتك البعيدة
أم من أرضك التي بجسدي
أم من حسرة الكهرمان
لمقتولين باسمك
أنا الذي شاهدتك في صهيل القرنفل
تلمع كدمعة في عيون عاشق
وتتسلل كالأسماك إلى شقوق روحي
لا سقم للريح يهبني أُنس المرض
ولا شجون تمنحني سُهد السنديان
لكنني آمنت بالحب والموت معا
كحطّابٍ مهاجرٍ بلا عودة
ولم يكن بمخلاتي..

(  كتابٌ مقدّس ) .














/ رِقّ الخَلْق /

ما استُودع في غيب السرائر ظهر في شهادة الظواهر







من قبل كان المبتدى
كان اليمام بلا جسوم يسبح
في المرايا
والعشق  مُهر جريح  يمخر
الأرواح سفرا
متوحدا
والعطر ملتاعا ينقب عن زهور
والحسن يبحث عن
لُحُظٍ كحيلة
والغاب يبحث عن حواف النهر
و قبّرة تبادله الشجون
والأمومة لم تزل
سرّا يعبّد في الضروع
والنار أنثى تلطم خدها
لهفا على ولد قتيل
والموت كالضبع ينقب عن فريسة
والحب رئم تاه في الوديان
هل أنا مت ؟!!
أم أنني لا زلت أحلم بالحياة
في ظلمة الأرحام
أبادل العشق - قبل الخلق-  حواء
أبكي النوى في صلب أجدادي
وأشهد فيهم ُشيب البلاد
والأيام
وما كنت خِلاّ لطلل ذات يوم
أو طَلى
فالنبع في روحي
وإن هجرته قوافلهم
والبيد ترنيمتي
و إن أعجمها الحداة
لكنني أوحيت للريح وجه حبيبتي
خبأت في البلدان حضن طلّتها
وجعلته للموت زادا
لما نثرتُ على الأكوان نظرتها
رُدّت إليّ  حسيرةً
كأنني قنديل تخطّفته الريح
فصار كالخفاش أعمى
كأنني المسئول عن عشق الفراشات
لوهج النار
وتشبث الحملان عند الذبح
بالنحيب
كأنني الذي لقّن الأجساد سرّا
أن تكتوي
عند انتزاع الروح
عَلّمتُ فرخ العش أن يرتعد
في فم الرقطاء
وسلخت وجه المدى من عيون
المصلوبين
وفقأت عين الشمس
كي لا ترى اللقطاء
إني استويت على قلبي
بالعشق جهرا
الحب زادي للخليقة كلها
ولو جعلوه كفرا
ما ذاقت الوُرق قُبُلاً على جبلٍ
إلا وكنت حنانها
وما استودعت أكبادها سهما
إلا وكنت الدم
أنا لا أصدق
أنني سأساق كالجمل المُعرقَب
نحو موتي
لأصير حفنا من تراب
وإنما سأورث الرمان سُكْري ولذعتي
وألقن الأشجار حزني واغترابي
سأعيش حتما في مآقي الطير
وفي الكلأ المشقشق من قلب الصخور
وفي هدير السواقي ..
وخضرة البرسيم
وضحكات الصبايا حين يملأن الجِرار
في خصلة هائمة على جبين طفلة حسناء
في مواء قطة تبحث عن وليدها
وفي رغاء الفصيل
عند موت أمه
لكنني لا أذكر .. هل أنا كنت حقا
أم أنني لا زلت حلما
عابرا ...
في العماء ؟


















/ دون أن أرنو للأفق /

لا تطلب عوضا على عمل لست له فاعلا .. يكفي من الجزاء لك على العمل أن كان لك قابلا





لا  أستطيع أن أفهم البحر
إلا إذا حملته امرأة مجروحة
على كفيها
أو تركته منسيا كاليتيم
على عتبات ذكرياتي
ولا أقدر أن أتصور
كيف تهجع القرى مطمئنة
منذ سنين
تحت النجوم التي ترقب عورتها
كيف يصرُّ العصفور أن يبقى في العش
وهو يحترق
كيف تؤثر الغزلان أنياب الضواري
لتنعم صغارها بالفرار
أنا لم أقدس النار يوما
لكني جاهدت أن أدرك
لماذا يصر الصبح حين يتنفس
أن يفجؤنا
بملائكة لا يشبهوننا
لماذا ينتحر النخيل
حين تروي النايات بغير رفق
ذكريات الخيانة
مع أن الشمس
لم تَعُدْ تجلو صدأ السواقي
والحُمُرُ المجهدة
تحفظ طريقها في الفيافي
حتى وإن كمموا أعينها
هل كان ينبغي
أن نسمع الطواحين ألف مرة
لندرك فرارها من الموت
أن نغترب كالقنافذ البرية
لنؤمن بالحياة
لنكتسب سكينة الأعشاب
حين تموت - وحيدةً-
في البراري
أموت كالحصان الأجير
تحت سيور العربة
أن أستجدي ظل جميزة
كطريد من الرحمة
أنا لن أموت كالوعل الشريد
متوحدا بالصخور المنفية
ولا كما تموت الشواطئ
في عيون غريق
يستقبل القاع
ولا كما يموت السهاد في نهد
يحن للأمومة
ولا كدمعة معذبة تنحدر
إلى شفتي راهبة ... تتمزق
بين حنان الرب
وقُبلة عاشقها
ولكنني - في صمت - سأموت
كالمدن الأبية
حين تخلو من ترانيم الزهاد
ودموع الخطايا
وتنهد العشاق
سأموت كالحصان الجموح
مضرجا بدمي
مستقبلا رمح الحياة في عنقي
دون أن أرنو للأفق البعيد
وهو يزوي
ودون أن أعبأ بالنوارس الجاحدة
وهي تغادر قلبي
والأشجار التي ذبحتني يوما
بسكين حنانها
ووأدت ملامحي ..
في مشيب كل غصن .














/ يــــارا /

إنما وسعك الكون من حيث جسمانيتك
ولم يسعك من حيث ثبوت روحانيتك








أربعون عاما من التيه
من بعد يارا
لا صوت يعلو على جبلٍ
سوى صوتها المخملي
ولا تَجلٍّ لنار إلا ملامحها
حيث لا مُهر يطوي باديةً
ولا يمام يعبر فوق القوافل
أطارد وجهي البري
في لهب المرايا
أرمق السمان المهاجر ألف مرة
دون أن أجرؤ على مبادلته المحبة
وأبحث عن قبائل أبيدت في دمي
أهرول كالغراب العجوز
خلف جنائز أصدقائي
منكس الرأس من دون أن ابكي
أنادي كالهدهد المذبوح
على صفصاف أيامهم
من دون أن يجيبوا
أفر من الموت إلى قلب يارا
ملعونا في حنوط المحاريب
مطاردا في كل ترنيمة
لا طير يأوي إلى جبلي
ولا بجبيني طُعْم للشجر
أتنقل كالضفدع في قلوب الرُّحّل
أبكي أمام البحر
كأنه لم يكن عدوي
وأحجم عن زيارة القبور
كأننا لم نكن رفاقا
أنا الحقيقة العمياء يا يارا
وجع النخيل وكفره بالمدى
جرح الأراغين في جسد
الصبيّة
رجف الفريسة في العراء
كمد الوتد للانتظار
العشق موجع ..
يا إبل القوافل الراحلة
يا يمام الطواحين
يا نهود الأرامل المنسية
في بلاد الحنين
يا جسد الحبيبة الكهرمان
حين يستبيه
من لم يرتل يوما مزامير هدبيها
من لم يمت مليون مرة
بين السماء ..
ورضابها المتمرد ..
 الإنسان
بيني وبينها توهجت أمم
ثم انضوت .. وانطوت
ودُكّ ألف جبل بقلبي
حين تجلّت على قلبي يوما
بالحنان .












/ لن أستطيع الرد /

الأكوان ثابتة بإثباته .. وممحوة بأحدية ذاته



لا حظّ للريحان  منك إلا غربته
ولا لسراج الدير إلا تفانيه
الهدهد البَكّاء فوق السنط لم يزل
يُعبِّد الروح لهجرة الحسرات
كأنه لم يفقد يوما حبيبة
كأنه لم يمت بلحاظها
ولم ينشر على البيد هجير خصلتها
لم يصغِ كالملعون
لحكايا الأمهات عن الخلود
أنشودة الراعي الحزين
عبق البخور بين روحين
تحنّثَا بالحب
للعشق سرٌّ في تجاعيد العجائز
وملامح الأشجار حين تشيب
دمع البغيّ
حين تقنط من حنان السماء
صوت نعال الغريب في الصحراء
في نظرة البدوية التي تعشقه
مودّعةً
من وراء حجاب
سهد الخدود
وحمرة الوجنات عند الصبايا
طعم الحضن
أنّة الروح الكتومة في
قُبلة وهّجَت شفتين
صوت النايات الآتي من بُعدٍ
للسجين
في دمعة المقتول نجوى
يستجدي وصال الله
وفي الصلاة
وفي روح الفتاة
حين تقول أوّلَ مرّةٍ لصبي
أحبك
فلماذا يا ريحان تكرهني
وقد قُدّت بين الطيور ملامحي
أنا الذي هرطقت بالعشق في وجه المعابد
وأبحت روحي موطنا للبغايا التائبات
ومنحت - على قلبي الضرير - لهن
ما تبقى فيّ من ضياء
ولست أملك للبيوت من قوتٍ
غير الحنان
ولا لنحل البوادي إلا عريشة الشجن
بلادي - وإن ضنّت - فؤاد حبيبتي
لم افطم الشمس يوما عن دفء حسرتها
ولم أوحِ للغزلان عشق فرارها
أفتش النوّار عنها ..
همسَ العناقيد سرّا في السَحَر
حزنَ البنفسج
رائحة الليمون المهاجر خلف المدن
شهق القطاة .. عند احتضان السهم
يا حبة التوت إلام تحترقين فوق الغصن
تتأملين  شفاهها
تتروحنين بطعمها اللذاع
فينجلد الربيع تولُّها برضابها الحَنّان
والبحر كالمجذوب
لما رآها خلف نافذةٍ
هَجَر المراكب
ومضى - في أرض الله - يهذي ..
 بالغرام
صُبّي على النار من صهباء وجنتك
لتذوق وجد العاشقين
وخبئيني من نُذُرِ العذاب في ملامحك
لأنام كالعنز الرضيع
في حضن بدوية
ليعصف بالرياح  مِسْك الضفائر
وأتيه فيها كالأيل المشرد في السهوب
لأوحد شمس عينيك
كالتين في الصحراء ..
ونادي عليّ من بعد موتي
ليظَلّ صوتك مؤنسا لفنائي
وإن كنت لا أعرف يا مهجتي
هل سأُنسَخُ هُدهدًا
يبكيك على شجرة
أم أنني ..
لن أستطيع الرد .











/ احـتـراق /

سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار .



قصيدةٌ محترقة
ترحل كامرأة ظَلّ رمادُها
ذكريات الخريف
ومواسم الهجرة
لطيور هاربة من الموت
بحرٌ
سلب من عينيها اعترافا
بالحب
والحزن
والإيمان خبز الجياع لم يعد
يمنحها منطقا مقبولا للفرار
القوارب الكفيفة
تلقي أنوثتها رخيصةً
بحضن الشواطئ
دون أن تفهم الخيط الرفيع
بين شهوتها
وجوعها للأمان
والنوارس
سهم يُسدَّد في اتجاه الروح
والجروح بلاد
يسكنها الأخلاّء
والوقت لم يزل ينشب مواجعه
بين عاشقين
لم يكن زادهما سوى الخطيئة ..
والحنان
أعِدْ زهر البراري إلى قلبي
إلى البلدان كُحْل عينيها
إلى المشربيات دفء السفر
إلى العشق طعم النار
أعد هذا الفرار الصموت
في عينين التقتا مصادفة في قطار
هذا الشجن العطوف
في ملامح البيوت والجدران
أنا لم أر الملائكة يوما
ولا الأقمار التي تتهاوى
حنينا للاحتراق
إني أحب الجبل الذي يقف
وحيدا في وجه الريح
في انتظار محبوبه
والأمطار التي لا تسقط
إلا على الشجر اليتيم في الصحارى
والصبار الذي يجاهد
من أجل البقاء حيا
إني أحب هذه الحرب الكتومة
بين الكحل
وحزن أهدابكِ
هذه اللغة المبهمة بين خيط الرداء
وهمهمة جسدكِ
هذا الحنان الذي يترنح ذبيحا
على صحراء جيدك
هذه القوارب
التي تكافح .. لئلا تغرق
كي تحط الطيور العاشقة على حوافها
أحب جمر المواقد  في الشتاء
لأنه يشبه غربة وجنتيك
لأن لهما طعم البساتين المنسية
والبيوت التي هجرها أصحابها
وتركوها .. تتأمل
إني أحبك
بحجم ملكوت عينيكِ
ويُتم شفتيكِ
وكراهيتي لأفكاري المرتعدة
تحت المطر
كقط بائس .. يلعق جراحا
يئس من شفائها .














/ كذلك رددناك إلى قلبك /

جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ؛ ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته .. وأنك جوهرة .. تنطوي عليك أصداف مكوناته



(1)
وراودته
التي هو في بيتها عن نفسه
وما أغنى بمنزلٍ
وإنما قد حَلّ بالقلبِ
أسرى إلى الروح
فملك نجومها
واستودعته حنينها
في البعد والقربِ
رقّتْ وراقت وغلّقت أبوابها
في وجه ذاك الحنان الجموح
وتهدّجت لمّا تأبّى
وقالت هيت لك
فأجابها وقد استبت
بحنانها أعوامه
لبيك لبيك يا ..
حبي .

(2)

قال سآوي إلى جبل
يعصمني من الماء
فاختبأ في قلبها
ولم ير .. رغم عتيّ الموج
البحر وهو يمور
تحت ثيابها
غرق حنينا للُجّتها
فحال الموج بينهما
والحزن الذي يسطع
كالشمس فوق جبينها
فلم ير وطنا
في غير عينيها
ولم ينج من كفره
إلا بعشقها .

(3)

قالت أنّى يكون لي حياةٌ
ولم يلمحني قمر
وكنت نسيا منسيا
والموت يمحو ملامح الأشجار
بيني وبينك
ويخطف النجمات من عيني ّ
كل الينابيع جفّت وقبض الريح
كانت وجنتيّ
قال انتضي وتنهدي
ثم رُدّيها إليّ
وطفق مسْحًا بالجِيد والذكريات
وقَدّ روحي بقُبلةٍ
فعادت ..
كلّ الحياة إلي ّ.



(4)

قالت
لك القوارب سابحات
على متن الشجون
والليل والأقمار
وهاجر الأحلام
ومهجة الخطرات
والحلم الذي
لم يولد بعد في رحم الظنون
قال أنّى لهذي الروح
بعد فراقك
أن تحيا
والعمر يكفر باللقا
وكالرفاق يخون
فأماتته مائة عام
ثم نادته
كعاصفة تجتاح أضلعه :
انظر إلى الحنين كيف ننشزه
وكيف تُستَل الحياة
من الردى
وحكمة الحب ..
من وحي الجنون .

(5)

قال إني وهن العظم منّي
واشتعل القلب شيبا
والعشق يعصف بي
من قبل مولدي
والحزن يغزو ملامحي
ألما ونصبا
وإني خفت الفناء كطائر
حضن الرصاصة بين جنبيه
واتخذ سبيله
إلى الروح سربا
كيف الحياة ستولد
من بين أحزاني
ولم أقْفُ قَدّا ولا نهدا
ولم أحترق حبا
قالت آيتك ألا تكلم الناس
إلا ووجهي بين عينيك
فكل شيء دون وجهي
عنك قد حُجبا .

(6)

فلما رأى الشمس بازغة
قال هذا حُبي
فلما أفلت
قال إني لا أحب الآفلين
إن حبي سيشرق بوجه الورود
و همس العناقيد
وغنج الظباء
وفي قلوب المحرومين
فلما جنّ عليه الوجد
رأى وجهها في حلمه
ينير جبين السماء
ومهجة الريحان
ويلمع كالحنان
بين الغصون
وهمّ بها ثمِلاً ففرت
بين أضلعه
وتولّت عنه حين أفاق
وظلت تصرخ .. في روحه ..
كالنار .. والمسافات ..
وصمت البيد ..
ورياح الحنين .




(7)

وجاء من أقصى المدينة
رجلٌ يسعى
قال يا قوم إن الأموات قد خرجوا
من القبور
ساروا في الأسواق والطرقات ناسا
حرّقوا الأشجار والأجران
وكمموا العصفور
صلبوا الغناء في حلق السواقي
و أشعلوا الحزن
في مآقي الطيور
فخرج من المدينة يترقب
معه قليل من الكفر..
والأحزان ..
والحنانُ الشجيُّ
كالبحر .. يعصف بقلبه ويثور
فنادته على وهج من النار
إني أنا الحب
فاستمع لما يضنيك وحيه
أنا حضنك الأول
والأخر
ودينك المحظور .


(8)

ودخل روحها وهو ظالم لنفسه
وقال ما أظن أن تكون هذه سببا
قالت أكفرت بالحب
وهو الذي سواك عاشقا
وحباك في ذاك الوجود أملا
وأزغب السنوات بعد هشيمها
غيثا وأطيارا ورطبا
ونزع حربة الموت عن روحك
وأبدلك مائة قلب لتحيا
كلما قتلت الأحزان قلبا
فأصبح نادما على ما رأى
في غير مقلتيها شببا
وضرب في الأرض مهاجرا
من بعد عينيها
واصطحب آلامه ..
واغتربا .


(9)

قال لئن مددت يدك لتقتلني
فلست أقتلك أيها القلب
إني أريد أن تبوء بإثميَ
في العمر
والأحلام
والأسفار
والدربِ
فسوّلت له نفسه قتله بلا ذنب
سوى أنه قد باء يوما
بخطيئة القربِ
فلما رأى الحزن في الروح ينعق
قال يا ويلتى
أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب
فأواري بالقلب حسرتي
كذلك لنريك كيف تنبت
من الموت حياة
وكيف يُلتبَس على العشاق ..
القتل بالحب .


(10)

قالت : قلبي إني خلقت أنثى
والقلب أعلم بما تبكيه أقوالا
وما كان من عمر تولّى قبله
وكأنه حلم
وما كان من ألم
يضنيها ترحالا
الموت في كل درب
كان يطلبها
ويطوّق الروح شجنا وإذلالا
والريح كالذئب
يرقب ضفائرها
ونهدها كالطفل
يرتعد أوجالا
لا أحد إلا الحب
قد كان يكفله
وليس إلا اليتم
يمنحه إجلالا .



(11)

واتخذت من دون قومها حجابا
وقالت إني أحبك
ولا أحب البحر
يوما سنغرق فيه عاشقين
ولن تنجو منه روحنا
لتكون لمن خلفنا آية
أو حكمة تُعتبرا
ظُللا سيهجم موجه ظالما
وليس إلا شجوننا
تتلو على الأيام ذكرا
قال امنحنيني من شفتيك
رحمة أحيا بها
قالت إنك
لن تستطيع وإن تجلّد قلبك
مع حنانهما صبرا
قال لا أبرح حتى
أبلغ مجمع الروحين صبابة
أو أمضي على فنائي هجرا
قالت فذق .. أنت العزيز مكانة
وليس إلا بعينك الروح سَكْرَى
فلما تذوّق ريقها سيق به
وتصدّعتْ أجباله
وخرّ صعقا .


(12)

فانطلقا
حتى إذا ركب السفينة خرقها
قالت أخرقتها لتغرق الروح بالعشق
أم تحرق الأيام بالذكرياتِ
والموت كالريح
بين الضلوع يصفّق
ويلتهم الحنين والمسافاتِ
إني أنا الذي
فيك قد مضى
وما عفا وما انقضى
وأنا صراخ المدى
في مقلة اليماماتِ
قال امكثي
وفِرّي إلى الروح كمهرة
عَلّي آتيك بجذوة
من صدى السنوات
إني أحبك .. قَدْرَ الوجود
غرابةً .. أو حسرةً
وملء روحي
لكنني
أخشى الفناء
والزمان الآتي .





(13)

قالت يا أيتها العينان الكحيلتان
إني أُلقي إليّ من وحي روحه
بكتاب مبين
وإنه : ألا تعلُ عليّ أيها القلب
الذي يسكن صدرها
ولا تغمرنّ جوانحي بالضنى
و الأنين ...
وما كنت قاطعةً أمرا حتى تشهدا
ما كان بالروح من ألمٍ
وما كان من ذكرياتٍ
ورفاق تولّوا
وأيام تخون
قالتا : إنّا أولو سِحْرٍ شديد وفتنة
والأمر إليك
فانظري ماذا ترغبين
قالت إن الأحبّة إذا دخلوا مهجة أرّقوها
بالسهد والشوق وعاديات الحنين
فلما أتاه طيفه في منامها أنكرته
فثارت وقالت
ارجع إليه فلنأتينه بجنود من حنانٍ
وجمال قدٍّ وثغرٍ وهدبٍ
لا قِبَل له بها
وإن كان صخرا فإنه سيلين
ونكّرتْ له قلبه وقالت
أهكذا قلبك ؟
قال كأنه هو
قيل ادخل الصرح بالحب وحده
ولا تقطف الثمر إلا وأنت مؤمن بقدسه
فلما رأى قدّها بارقا حَسِبه
من فرط حنانه لجّة
وناداه حضنها فهوى
فقالت لا تخف إنك آمنٌ
و إنه صرح ممرد من الحب
والوجد وعذابات السنين
كذلك رددناك إلى قلبك
كي لا تحزن
ووهبنا لك من لدنا سر الترحل
فرارا من الموت
وسر السكون .


(14)

ونودي من وراء شجونه
ألا تخضع لهذا الجمال يوما
ولا تقرب على الأيام شجرته
قال كيف لا أخضع
والقلب يعشقها نارا وأنوارا
تالله ما البحر إلا نداء لحاظها
ملأ الوجود نضارة
وزادته أسرارا
ولست كالصخر حتى أحتمل
موج الحنين وهو يغزوني
ويمخر الروح همسا وأسفارا




قيل اخرج من الأعوام ملعونا
في كل نجمةٍ فُتِنتْ بها
وكل موجةٍ وافتك إعصارا
قال انظريني
حتى ألملم غربتي
وأضمد الروح من عمر ثكِل
قالت إنك منظر
حتى تقول أحبكِ
إن الحياة قصيرةٌ
والأيام لا تبقي على عهد
والموت نجهل
في أي شيء ..
فينا يتوارى .

(15)

وخرج من المدينة وهي هاجعةٌ
ونادى في الفلوات
أيتها الأشجار إني من العاشقين
قالت يا أيها المفتون بالحب
إنك لمجنون
وما عهدناك إلا سقيما بيننا
أضنته المواجع من بعد نأيها
وشيّبته الشجون
تالله تفتؤ تذكر حسنها
ويبكيك فقدها
وما كانت يوما حبيبتك
ولن تكون
قال إن قلبي قد ذاق
ما لم تذقه قلوبكم
وأرى ما لا ترى أرواحكم
فخلوا بيني وبين عشقها
ولا تَجرحون
قالوا لئن لم تنته عن ذكرها
لتُرجمنّ في صمت الجبال
وفي صراخ الوعر في البيداء
وفي بكاء الطواحين
قال كذلك قضت الأقدار
على العشاق من قبليَ
أن يبحثوا
في كل روحٍ عن موطنٍ
ولا يهتدون
وأن يسيروا على الأشواك
من أجل عشقهم
فلا هم وُهبوا الحياة بسرّه
ولا هم وإن جاهدوا ..
يُقتلون .











/ جــدّي /


الفكرة سير القلب في ميادين الأغيار






(1)

حمل جدي المسبحة
وذهب إلى المسجد
نظر إلى ضوء القنديل
رأى طفلا يركض في الحقول البعيدة
كمهر جامح
شيئا فشيئا صار الطفل شيخا
يبكي على آبائه الذين ماتوا
ويلقي القمح لحمام المنزل
والعلف لخراف الحظيرة
كان جدي يفعل أشياء كثيرة
أهمها على الإطلاق
أنه يزور المقابر مرة كل أسبوع
ويسجي الموتى على جنوبهم
في اتجاه القبلة
ثم يعود .. مغبرا بتراب القبر
وحنوط الآخرة
يضع البخور على الجمر
ويأخذني في حضنه .. وينام
تاركا صدى شخيره وثغاء خرافه ..
يغزو العالم .



(2)

قال جدي :
لا تنظر لعينيّ كثيرا
كي لا تمتلئ روحك بالتجاعيد
وصدرك بالشعر الأبيض
اشرب حليب النعاج
وراقب ذكورها وهي تحبلها
لتصبح قويا كالكبش
فتعرف كيف تشكر ربك
يا بني
لا تجعل خرافك تمد عينيها
لطعام غيرك
وليس عيبا .. أن تنصت لصوت بولك
وهو يخرق ..طين الأرض .


(3)

اشترى لبلابة .. وغرسها أمام قبره
ووصاني فقط .. بسقايتها
قال يا بني :
لا تخجل من رقع ثوبك
إذا استطعت أن ترتق
كل الثقوب التي تحته
ولا تعلق الجزرة أمام حمارك
ليظل مهرولا طوال الطريق
لأن الخيانة مُرّة
ولأن الرفيق في السفر
أقرب لك من أمك .. وأبيك
ولابد أن يحمل الرجل زادا
حين يكون راحلا
مضغ قطعة خبز ووضعها في فمي
كان يعتقد أن الرجل قبل أن يرحل
لابد أن يترك لأبنائه كنزا ..
جدي .. أوصى لي بملكية الحقل
شريطة ألا .. أبيع حماره .

(4)

قال لي :
حين لا تعرف هدفك
امتط ظهر حمارك واخرج
مع هؤلاء الراحلين دون وجهة
لتكتسب صداقة الطريق
والرمل .. والشمس الأبدية
سترى بيوتا كثيرة .. لا تعرف أصحابها
وأناسا على الضفاف البعيدة
ينظرون إليك .. ولا يعرفونك
ساعتها ستعرف الكثير مما يجب فعله
العصافير تلقاك بكثرة
حين لا يكون في جيبك نِبلة
ولا في قلبك .. نية للصيد .


(5)

قال يا بني :
لا تلعق طبقك حتى النهاية
ولا تنفق طعامك كله
كسرة الخبز .. لا تلقها على الأرض
احتفظ في قلبك
ولو بحبة توت واحدة
تعطيها لعابر سبيل
أو لفتاة تهز أشجارك
في غير موسمها
ولا تشُكّ يوما في محبتها
فالحليب يفسد .. حين يُختَبر
بماء النار .


(6)

كان ينظر للضفاف البعيدة
الحقول النائية
أشجار الكافور
الفلاحين الذاهبين في الفجر
النساء اللائي يحلبن الأبقار
وكان يقول : انظر إلى الأشياء
لتُرَى عيناك
ويعتقد أن النظرات كالبشر
منها من يسافر بعيدا
ويجد وطنا
ومنها من يعيش غريبا
ومنها من يموت ..
قبل أن يولد .

(7)

قال لي :
القطة حين تلد
تقطع الخلاص بأسنانها
تجفف الدماء
ولا تنتظر الطبيب
تكون جائعة .. وتلقي الطعام
لأبنائها
والأرنبة .. تنتف من شعرها
وترش على الصغار
ليشعروا بالدفء
يا بني : الحوذي الذي يجلد حصانه
كالملك الذي يظلم شعبه
وأنت ..
لست الكائن الوحيد
على هذه الأرض .


(8)

كان في الحقل يرعى الماشية
أخذ يهرول
مثل إمبراطور أعمى
عائدٍ من المنفى
اقتحم المنزل
تحسس الجدران والها
كأنه لم يرها منذ ألف عام
قبّل الأعمدة البالية
ونشب أظافره في الطلاء
عَبَرَ سحابة دموعي
وقال :
هاهنا يجب .. أن أموت .



الفهرس

أن تطرق الأبواب ألف مرة
حول ما يحدث
لا أحد يسمع صوت الهداهد
رِقّ الخَلْق
دون أن أرنو للأفق
يــــارا
لن أستطيع الرد
احـتـراق
كذلك رددناك إلى قلبك
جــدّي





صدر للشاعر
-         ليس للبحر خل / شعر
-         كذلك رددناك إلى قلبك / شعر
-         سبع سموات قبلي / شعر
-         ممر ضيق لفرار القطيع / شعر
-         وقيد الطبع : وقع الظباء / شعر


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads