الرئيسية » » على مقْعَدٍ ، في الشُّرفَةِ المُطِلَّةِ على المَيْدَانِ | شريف رزق

على مقْعَدٍ ، في الشُّرفَةِ المُطِلَّةِ على المَيْدَانِ | شريف رزق

Written By هشام الصباحي on الأحد، 20 يوليو 2014 | يوليو 20, 2014

على مقْعَدٍ ، في الشُّرفَةِ المُطِلَّةِ على المَيْدَانِ
رَأسِي على الطَّاولةِ أمَامِي
يتأمَّلُ انفِجَاري ، في سَيَّارَةٍ مُفخَّخَةٍ
بَيْنَمَا أقلِّبُ في كتابِ اللا طُمَأنينَةِ لفرنادو بيسوَّا .

كُلّ ليْلَةٍ
أشَيِّعُ جَسَدي إلى مَثْوَاهُ الأخِيْرِ
مُزْدَحِمًا بآلامٍ لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى
وَأتَلاشَى
في صَوْتِ جنَازَةٍ تَتَفَجَّرُ في رَأسِي .

تَتَحَوَّلُ أعْضَائِي إلى طيورٍ
تَتَجَمَّعُ عِنْدَ قَبْرِي ، في كلِّ مَسَاء .

لِمَاذَا يَمُوتُ الَّذينَ أحِبُّهُمْ فَجْأةً ؟ .

أكْثَرُ أنْحَائِي 
ذَهَبَتْ تِبَاعًا 
مَعَ المَوْتَى 
وَخَلَّفتْنِي 
مَقْبَرَةً جَمَاعيَّةً
مُثقلَةَ الخُطَى .

على مقْعَدٍ جَانبيٍّ بالمَقْهَى
أتَابِعُ المَارَّةَ
بقلقٍ مَا .

هَذِهِ أمِّي 
وَهَذَا أنَا 
؛ الطَّائرُ الَّذي يتوقَّفُ على شُبَّاكِهَا
في كُلِّ صَبَاحِ 
مُتلعثِمًا بأغْنِيَةٍ مَا .

تَتَسَاقَطُ أدْمُعِي 
مِنْ سَحَابَةٍ على هَيْئَتِي .

دَائِمًا ، في وِحْدَتِي 
تَتَحَرَّرُ أعْضَائِي 
مِنْ كلِّ قيدٍ .
دَائِمًا ، في وِحْدَتِي 
تَتَحَرَّكُ كائِنَاتِي
في الشّقَّةِ وَحْدَهَا .

كُنْتُ دُونَ العَاشِرَةِ بقليلٍ
حِيْنَ مَاتَ الدَّرويشُ الَّذي لمْ يُعْرَفْ لَهُ أهْلٌ
وَالَّذي قَضَى حَيَاتَهُ على مَقْرُبَةٍ مِنْ المَقابِرِ
في الجَنَازَةِ حَكَمَ على المُشَيِّعينَ أنْ يَطُوفوا بِهِ كُلَّ الشَوَارِعِ 
ثمَّ أمَرَهُمْ أنْ يَجْرُوا بِالنَّعشِ
ثمَّ حَكَمَ أنْ يَرْقُصُوا بِهِ
وَامْتَلأتْ الجنَازَةُ بالزَّغَاريدِ وَبالتَّصفيقِ
وَلِسَاعَاتٍ ظَلُّوا يَطُوفُونَ بِهِ الشَّوارعَ
وَحِيْنَ تَعِبَ الجَمِيعُ قَادَهُمْ إلى مَقْبَرَةٍ
أقامُوا حَوْلَهَا هَذَا المَسْجِدَ ، في مَدْخَلِ المَقَابر .

- يَا أمِّي ، إنَّهُ حَيٌّ لمْ يَمُتْ
، إنَّنِي أرَاهُ في كُلِّ ليلَةٍ في المَقْبَرَةِ
، مُنْكَمِشًا بَيْنَ المَوْتَى ، وَلا يَكُفُّ عَنْ البُكَاءْ .
- المَيِّتُ لا يَرْجِعُ يَا بُنَيََّ .
- افتَحُوا ، وَانْظُرُوه يَا أمِّي ، إنَّهُ يبكِي وَحْدَهُ .
- رَحِمَهُ اللهُ يَا بُنَيَّ ، كَانَتْ رُوحُهُ فيْكَ .
- إنَّهُ يُنادِينِي يَا أمِّي ، وَيَبْكِي ، صَدِّقِينِي .
- وَهَلْ ذَهَبْتَ إليْهِ يَا شَرِيفُ ؟
- إنَّنِي خَائِفٌ يا أمِّي ، وَأصْحُو كُلَّ يومٍ عَلى بُكائِهِ
، وَنِدَائِهِ لِي .

كأنَّهُ يَتَعَثَّرُ في كابوسٍ ، في زحَامِ الشَّارعِ الجَدِيدِ
حينَمَا اسْتَوقفتْهُ سَيَّارَةٌ عَسْكريَّةٌ كَبِيرَةٌ
نَادَوهُ باسْمِهِ ، وَأصْعَدُوه إلى السَّيارَةِ ، مُضطربًا
قَالًوا : أأنتَ أبو عادل شفيق رزق ؟
وَمُنقبِضًا نَقَّلَ عَيْنيْهِ بينَهُمْ أبِي :
- مَالَهُ ؟
رَبَّتُوا على كتِفِهِ ، وَاجِمِيْنَ :
- شِدّْ حِيلَكَ ..
لمْ يُصَدِّقْ أبِي ، انْتَفَضَ
كَشَفوا لَهُ عَنْ وَجْهِهِ وَرَآهُ
كَانَتْ المَسَاجدُ تُعلِنُ وَفَاةَ أخِي 
وَالصُّرَاخُ يقتربُ مِنْ بيتِنَا كَثِيفًا 
أمِّي نَظَرَتْ إليَّ نظرَةً ثقيلَةً
وَخَاطبتْنِي بِصَوْتٍ يأتِي مِنْ الأقاصِي :
- عادل أخوك ؟

ضَبَابٌ يَتَصَاعَدُ مِنْ مَقْبَرَةِ العَائِلَةِ
ضَبَابٌ يَرْفَعُ مَقْبَرَةَ العَائِلَةِ .


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads