سلام على البحر الخضم وموجه
زكي مبارك
زكي مبارك
سلام على البحر الخضم وموجه | وشوق إلى أهل الملاحة بالثغر |
سلام عليه من مشوق متيم | يعاني من الأشواق لاذعة الجمر |
سلام على الرمل البهى وآهة | إلى روحه والحسن في الصبح والعصر |
ملاعب بعد اللَه غيا عبدتها | ففتنة شط الرمل في سحرها عذرى |
سلام على البحر الرهيب بعصفه | إذا جدجد الريح في ساعة الفجر |
ملكناه بالإسلام فازدان جيده | وأصبح بحرا قد أضيف إلى مصر |
ديانة مبعوث إلى خير أمة | مؤهلة للعلم والمجد والنصر |
فيا شارع الكورنيش ألف تحية | إلى ما أثمنا في جوانبك الغر |
لنا سمكات فيه يسبحن جهرة | إذا اشتد وقد القيظ في ساعة الظهر |
خلعت ثيابي واستبقت أصيدها | كما كنت أصطاد الظباء على البر |
خذوا حظكم من عيشكم ما استطعتمو | فذلك فن عبقرى من الشكر |
وإن قيل إن العشق شر فربما | يكون ببعض الشر نور من الخير |
وردتك يا بحر الفتون لتفتنتى | فما رأيك الوضاح يا بحر في أمرى |
سلوا شارع الكورنيش هل هو ذاكر | مآثم ما أبدعت بالصبوة البكر |
لقد كنت ألقاه وللشمس ميلة | إلى البحر تهوى في جوانبه الخضر |
فأهصر ما ألقى من الغيد عارما | وللغصن شوق مستطير إلى الهصر |
كتائب من أهل الجمال عيونها | عيون المها بين الرصافة والجسر |
وألوان أقوام تباين خلقها | تباين ما في الروض من أضرب الزهر |
تجور علينا بالجمال وتنثنى | فنوسعها لثما على ذلل الجور |
إذا أنت لم تعط الجمال حقوقه | فأنت امرؤ قد صيغ من جلمد الصخر |
حلفت بهذا البحر جل ثناؤه | وإني لبر حين أحلف بالبحر |
لأعتصرن الخمر من كل وجنة | وأتركها تهفو إلى ذلك العصر |
تنشقت منك اليود يقدح نفحه | بأطيب من نفح يطير عن الخمر |
وأبصرت فيزوف الأشم وناره | فسبحان من يرمى إلى الماء بالجمر |
صقلية في البحر أيضا رأيتها | فأقبل ماء العين من حزنه يجرى |
ذكرت ابن حمديس ورائع شعره | وأيامه بين الكآبة والبشر |
أتى شعراء ينشدون قصيدهم | لقد كذبوا فالشعر في روحه شعرى |
وبالنثر صيرت الترسل روضة | معطرة الأنفاس بالزهر في النثر |
ويشتمنى قوم كوتهم ضغائن | على الرغم ما قالوا فإني فتى العصر |
متى يرتضى دهرى فأرجع ثانيا | إلى جمرات الحب في ثبج البحر |
جلست على الشط الفريد بهاؤه | وفيه وجوه هن أبهى من البدر |
ظباء وظبيات وبيض نواعم | وحمر وسمر آه من فتنة السمر |
إذا نفرت حسناء منك فخلها | سترجع يوما وهي من صبوة تجرى |
وهذا الغزال الحلو ما أمر نوره | وفي خده أشياء من فتنة النور |
تلاحظني عيناه في كل لحظة | فأرمقه نشوان بالنظر الشذر |
ويعجب من صبرى ولم يدر أنني | فقدت جميل الصبر في ساحة الصبر |
وفي صدره عتب عليّ وإنني | لأجهل عمداً عامداً فتنة الصدر |
وفي نحره عتب وخمسون آهة | فيا ويلتي من فاتن الروح بالنحر |
تعال إلى عندي تعال ولا تخف | ولجلج كما تهوى بلاحظك السحري |
إذا أنت لم تفهم حديثي فإنني | سألهمك المكنون ف القلب من شعري |
أرى الشام في خديك والشام جنة | لكل مليح خده من جدا الخمر |
أرى الروم في عطفيك يرنو لفتنتي | فيا بحر هذا الروم أمرك من أمري |
تطول صباباتي إليك وأنثنى | أحاول ما أسقيت روحي من السحر |
سيعرف هذا الظبي ماذا أريده | فما كان حبي لحظة بالهوى العذرى |