الرئيسية » » سؤال | عبد المقصود عبد الكريم

سؤال | عبد المقصود عبد الكريم

Written By غير معرف on الخميس، 23 مايو 2013 | مايو 23, 2013



سؤال



يتساءلُ "سعدى بن يوسف"، آخر الشيوعيين فيما يرتئِى، وربما كان يفكرُ فى إمكانيةِ أنْ يتوهَّمَ أنه كان يحيا ساعةً تنتمِى لزمنٍ آخر، أو 

يتوهَّمَ أن جذورَه تمتدُّ فى موضعٍ آخرَ خارج العراقِ وخارج ذلك الفراغِ الأبدِى الذى يوصفُ بالعربِى.

يتساءلُ ابن يوسفَ: هل للمرءِ أنْ يعيدَ تشكيلَ ذكرياتِه؟

بمعنى ما، على ما يفهمُ العبدُ، هل يمكنُ للمرءِ أنْ يبيعَ غرفةَ ذكرياتِه القديمةِ لتاجرِ العادياتِ، ويشترِى غرفةَ ذكرياتٍ، جاهزةٍ على

 هواه، من مولٍ للذكريات؟



يتساءلُ ابنُ يوسفَ، ولأنَّ العبْدَ كان على وئامٍ تام مع الجنونِ ظنَّ السؤالَ موجَّهًا إليه، فكرَ:

هل يمكنُ للمرءِ أنْ يفكَّ خزانةَ ذكرياتِه، ويصنعَ منها طائرةً أو صاروخًا، ويظنُّ فى هذه الحالةِ أنَّه كائنٌ فضائِى؟


ولأنَّ العبدَ على وئامٍ تام مع الجنونِ يسألُ:

يا أميرةُ، هل يمكنُ للعبدِ أنْ يعيدَ تشكيلَ ذكرياتِه؟ أى أنْ ينسَى أنَّه عبدٌ علَى حافةِ بئرِكِ، ويتذكرَ فقط أنك توجْتِه ملكًا على بقعةٍ صغيرةٍ، 

باتساعِ المدَى، فى صدرِكِ، بقعةٍ تكفيه بالكادِ، لأنَّه يتمدَّدُ فيها بإفراطٍ وجشعٍ، كما يتمدَّدُ ملكٌ أسطورِى على عرشِه، أو على موائد 

أتباعه، أى، باختصارٍ، أنْ يجعلَ ذكرياتِه تمشِى على رأسِها مثل بهلوانٍ. أنْ يتذكرَ أنَّ ما سقطَ فى المستنقعِ لم يكنْ ظهيرةَ عمرِه بل 

ورقةً صفراءَ من صفصافةِ الخريفِ. أو أن شيئًا لم يسقطْ أصلا وأنَّه لا يزالُ طفلا يهربُ من كُتَّاب سيدِنا ليلعبَ مع أبناء عمومته، مع 

"مفرح علِى" أو "طلعت عبد الحكم"، فى أزقةِ قريةٍ فرعونيةٍ وسطَ الدلتا حيثُ يجرى من حضنِ "شفيقةَ" إلى حضنِ "حفصةَ" إلى حضنِ 

"لطفات" فى دنيا ضيقةٍ تمتلِئ بأحضانٍ رحبةٍ، لا تتسعُ إلا له بما يشبهُ جبروتَ طفولتِه. أو إذا اشتطَّ به الزمنُ وكان علَى مشارفِ 

العشرينِ، يفزعُ من مدرَّجاتِ كليةِ الطب، ويأوِى مع "أحمد طه" إلى طاولاتِ مخطوطاتِ دارِ الكتبِ لينسخَا، بقلمٍ فى كراسةٍ على طريقةِ 

ناسخِى غابرِ الزمنِ، مخطوطةَ شرحِ التلمسانى للنفَّرِى، سعيدين رغم أنَّ كلَّ الزادِ أربعُ سجائرِ كليوباترا وسندوتشان معبئان من الداخلِ

 بالفولِ ومحصنان من الخارجِ بقدرٍ كافٍ من الرمالِ. ولا يتذكر إلا "وقال لى: الليلُ لِى لا للقرآنِ يتُلَى"، ويحرفُها بعد ذلك على هواه

 لتصبحَ "وقال لى: الليلُ لها (ويقصدكِ) والنهارُ أيضًا لا للقرآنِ ولا لسواه".

يا أميرةُ،

هل يمكن لعبدٍ أنْ يعيدَ تشكيلَ ذكرياتِه؟

20/ 12/ 2010

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads