الرئيسية » » معلّمةُ الكمنجة | خالد جمعة

معلّمةُ الكمنجة | خالد جمعة

Written By غير معرف on الخميس، 23 مايو 2013 | مايو 23, 2013


معلّمةُ الكمنجة


إلى غزة حيثما تكون
أينما ولّيتَ وجهكَ كلُّ شيءٍ قابلٌ للإنفجارِ [محمود درويش]

يفتح البحر زرقته على المدينة* يتباهى بنعومة الهواء المتسلل من روائح نساء بعيدات* يقدم فجره بسفورٍ لا يؤجَّلُ*

تلعبُ بناتٌ صغيراتٌ على حافةِ الموجةِ الناشئةِ من خللٍ صغيرٍ في توازن الماء مع الضحك* خفيفات مثل جملة شعريةٍ قصيرة* جميلات مثل تعريف الجمال في المعجم* ذاهبات إلى الأنوثةِ في تحدٍّ للوقت والمكان* يبدأُ النهارُ كلما نظّفَ الدوريُّ ريشَهُ من ضوء الأمسِ بندى الصباح* ينظرُ إلى الصغيراتِ بحُبٍّ وريبةٍ هما في طبيعتهِ*
الغارةُ تفسخُ الدوريَّ والموجةَ والبناتِ والندى والضوءَ والأمسَ واليوم* يتعثرُ رجلٌ بالظلمةِ كي يفهمَ فصلاً في روايةٍ طويلة* تخذله الكهرباء وزوجته والطحين* جثةُ الوقتِ ملقاةٌ على حبل التلفزيون كأيةِ جثةٍ أخرى* الوقتُ لا يفهمُ لماذا أصبح جثةً والرجلُ لا يفهمُ الوقتَ والعتمةُ لا تفهمُ الرجلَ ورأسُ السنةِ لا تفهمُ العتمةَ والطائراتُ لا تفهمُ رأس السنة*

انتظار طويل يمنهجُ الليلَ والنهار* أغانٍ كثيرة تنعفُها الإذاعات* البطلُ لا يستطيع أن يخلع بطولته* أزواج من حمام ولغة تتبخترُ على الإسفلت* تصابُ اللغةُ في مقتلٍ وتموتُ بعيدةً ووحيدةً وباردة مثل ماموثٍ مدفونٍ في ثلجٍ مصنوعٍ من ثلج*

في المشهد لغةٌ مبتورة الساعد* أخرى بسلمٍ موسيقيٍّ مكسور* ولغةٌ ثالثة ماتَ متكلمُها الوحيد* بأم عيني رأيت عشر مفردات يتسللن إلى قاموسي دون أن أحرك إصبعاً كي أمنعها* المدينةُ تتباهى في مهرجان المدن* عروساً مخضّبةً بحناءَ من سلالمَ إلى سماءٍ بغيومٍ حنونةٍ تخفي بشاعةَ الصوتِ الذي يشبه ألعابَ الكومبيوتر الحديثة في يد طفلٍ جامحٍ يقتلُ ما لا حصرَ له فيختفي القتلى مباشرةً فلا يعيقونه عن الأهداف القادمة* الأب يضحك لأن إبنه الصغير أنهى جزءاً من اللعبة دون أن يخسر* تنقطع الكهرباءُ لكن غريزة الطفل لا تنطفئ فيبدأ بالصراخ*

يجلسُ شاعرٌ وحده محاط بالهواء الساخن* أمامه برتقالتان هما كل ما تبقى من مظاهر الحضارة* يغامرُ فيأكلُ واحدةً فتشعر الأخرى بالوحدةِ وتقول لنفسها: هذا القاتلُ لا يرحم*

تعلِّقُ امرأةٌ رعبَها على الشبّاكِ كي لا يراهُ الصِّبيةُ الذين يعللونَ ارتجافهم بالبرد لا بالخوفِ* يسقط الرعبُ عن حافة الشباكِ* يتكسّرُ في أرضِ الغرفةِ فتصيبُ شظاياه كلَّ شيء وكلَّ وقت* الساعةُ على الجدار قررت أن تستريح بعد أن أصبح عملها لا ضرورة له* يقول ولدٌ جملةً فلسفيّةً لا تتناسبُ مع عمره* يندهشُ الأبُ ويتمنى لو استطاعَ الخروجَ ليبلغَ الجيران بفخرٍ عن ابنه* الشارعُ مسدودٌ بهواءٍ ثقيل* البحرُ مسدودٌ بفكرتين متضادتين* والأفقُ مخزوقٌ كعلبةِ صفيحٍ صدئةٍ* والنايُ لم يعد يعني ما يقولْ*

معلّمةُ الكمنجة الوحيدة تترك وحدتها وكمنجتها وتغلق نوتاتها على أصابع تلاميذها وترحلُ* تلقي نظرةَ وداعٍ على آثار خطواتها* تقبّلُ الرملَ الساخنَ وتمضي دون أن تنظرَ خلفها*
أحتمي بفكرةٍ وتحتمي الفكرةُ بالجدار:
يا ربُّ:
بشّرنا بنبيٍّ مهما يكنْ اسمه*
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads