الحربُ تنهضُ من موتها
رنا جعفر ياسين
على أرصفةٍ ..
يسيحُ الجنودُ
و تبقى خُوَذ ٌ مغروسة ٌ في الصميم
الملاعقُ المتحجـِّرة ُ في جماجم ِ الموتى
تـُطعمُ الصغارَ طحينَ المِقصَلة
عـُقـْمٌ فادحٌ
يتوالدُ في أخبار ٍ كاذبةٍ
مختبئا ً كالزَّمهَرير ِ في نشرةِ أنواءِ الحرب
أركضُ نحو الهاويةِ بوطن ٍ ملغوم
يوقفني وردٌ يحملُ الرماحَ والبنادق َ , السيوفَ والقـُبـَلَ
و أنا أحتكرُ الترابَ
لاعتقال ِ لعنةِ الذبح ِ المكرَّرِ
المبرَّر ِ دائما ً برغبةِ العبث
السماءُ ملبـَّدة ٌ بالمشانق
تعلـِّقُ الحبالَ على عظام ِ الجحيم
يسلبُني رطوبة َ الذكرياتِ دمٌ تائهٌ
يخدشُ قطنَ الغيوم
ومحطة ٌ خادعة ٌتبدِّلُ الهواءَ بصعودِ الاختناق
ما عادت المساحة ُ بينَ التكرار ِ و البدءِ تكفي
إلا لجفافِ الأسئلةِ وقتل ِ التفاصيل
يقبحُّ نعيقُ الحرب
إن تنهشـْني سمرتها
أظلَّ فزاعة ً بينَ الأرامل ِ
أجمعُ العويلَ في جرابِ الوقت
فالساعة ُ عنقُ الليل ِ المقطوع
أ ُنضِجُ نبرة َ عقاربها
عاجنة ً إياها بذعر ِ الأطفال
و بإفراط ٍ,
أعقدُ أطرافَ خوفيَ القصي
مسَوَّرة ً بخذلان ٍ فاسدٍ
فأسمعُ هلوسة َ الطبول ِ
ووقعَ الجرادِ يُرعِشُ مخاضَ الجنود
و مثلَ زجاج ٍ يُتقنُ تهمة َ الانعكاسِ
أرتِقُ حلكتي
و أبدِّلُ جلدي
فتسقط ُ حِقبة ُ لهو ٍ
أضعتـُها في مجاعةٍ خائنةٍ
تطولُ
يكرمني الصغارُ قلوبا ً رثةً
تنخرُ الجوعَ
فتنمو جحورٌ للدودِ و جحورٌ للسياسيينَ
و ثكناتٌ مزيفة ٌ للقادةِ و المكبوتينَ
مَنْ لوَّثـَهم طينٌ ممزوجٌ بمُخاط ِالقتلى
فجاءوا زحفاً
بحثا ً عن أكفان ٍ حبلى
الأكفانُ في حقائبِ الجنودِ العاشقينَ
تعانقُ رسائلَ الحبيباتِ الملطخةِ ببُصاق ِ الموت
يلفـُّونهم بمحارمَ و أقماطِ بناتٍ رُضَّع
قربَ أسِرَّتهم دفنوا صُررَ دفءٍ وثير
فيها أمشاط ٌ تـُصفـِّفُ - عُنوة ً - حبالَ المشانق
و صابونٌ يباغتُ رغوة َ الرصاص ِ المدوَّخ ِ في الهواء
أقلامٌ
ودفاترُ
وقرآنٌ صغيرٌ ثـَقـَبـَتـْهُ القذائفُ
كانَ الموتُ مِعراجَ احتضار
كانت الزفراتُ كالأنغام
قاسيةً
تضاجعُ خوفَ جدران ِ الحناجر ِ في الخفاء
وكنـَّا في عنادٍ ميتينَ
كشتاءٍ وفوضى ونوبةِ جمر
أما آنَ للحربِ أن تـُطلـِّقَ الفاجعة
و تـُطلقَ الفـَراشَ , ترشَّ مجازا ً فرحا ً مؤجـَّلاً
و توزِّعَ – عمدا ً- بطاقاتِ دعوةٍ للرحيل ؟
أما آنَ للموتِ أن ينجلي ؟
و للظلام ِ أن يخلِط َالنجومَ بملح ٍ وخرز ؟
أما آنَ للهِ أن يخضَّ السماءَ ؟
فترسلَ وطنا ً يذيبُ بقايا الدم ِ الجامدِ فوقَ الجباه
قتالاً .. أيها النائمونَ تحتَ الشوارع
قتالاً .. أيها المُعلـََّبونَ في توابيتِ الهوية
قتالاً .. أيها الميِّتونَ فوقَ الرطوبة
و صحواً ..
صحواً..
أيها الحاضرونَ في مواقدِ الهلاك .