الرئيسية » , , , » جون إيرفينغ: أكتب عمّا أخشاه لا عمّا عشته | اسكندر حبش

جون إيرفينغ: أكتب عمّا أخشاه لا عمّا عشته | اسكندر حبش

Written By Gpp on الجمعة، 26 يناير 2018 | يناير 26, 2018



جون إيرفينغ: أكتب عمّا أخشاه لا عمّا عشته


جون إيرفينغ، واحد من أشهر وأهم الروائيين الأميركيين المعاصرين الذين عرفوا كيف يصيغون عالماً متفرداً في الكتابة الروائية وذلك منذ رائعته «العالم بحسب غراب». جاء الى الكتابة بعد أن مارس مهنة المصارعة الحرة، لكنه ذات يوم انتمى إلى أحد محترفات الكتابة، لتأخذ حياته مساراً مختلفاً.
مؤخراً أصدر رواية «أنا في شخص واحد»، يعالج فيها مسألة المثلية الجنسية، هنا مقتطفات من حوار طويل معه أجرته مجلة «لير» اقتطفنا منه الفضاءات التي تتحدث عن مفهومه للكتابة كما عن طريقته في صوغ هذا العالم الروائي.


 تبدو بحالة جيدة. ألا زلت تمارس الرياضة؟
{ أبلغ اليوم السبعين من عمري. وفي هذا العمر، لا نعد كما كنّا عليه. أجري قليلا وألعب كرة المضرب كل يوم. وحين يأتي حفيدي عندي، نلعب المصارعة. أشعر بأني أكثر استرخاء مما كنت عليه في الماضي. الوحدة أصبحت حالة تعجبني أكثر. أصبح أولادي الثلاثة راشدين اليوم، وأرغب في رؤيتهم أكثر، قد يكون ذلك أسفي الوحيد. اليوم أتبين الحظ الذي رافقني، ولا أتحدث عن النجاح، إذ يمكن للنجاح أن يتوقف بين ليلة وضحاها. أبدا، الحظ يكمن في ممارستي مهنة لا تجعلني أشعر بأن وقت التقاعد قد حلّ. فقط أشعر بأنه عليّ اليوم أن أكتب روايات ذات حجم أقصر وأصغر(....).


 وكيف تكتب؟
{ أكتب الدفعات الأولى على دفاتر من كل الأنواع، ودائما على صفحة واحدة، هي تلك الصفحة المزدوجة، وذلك كي أستطيع أن أضع بعض الكلمات أو أن ألصق بعض الصفحات الإضافية على الورقة العذراء. أكتب كل شيء بخط يدي. أكتب الرواية كلها بهذه الطريقة، كذلك غالب مسوداتي. وإن بدأت بكتابة فصل جديد فهذا معناه أني بدأت بكتابة رواية جديدة، عند ذاك أدير الدفتر الذي أكتب عليه كي أبدأ بتسويد الجهة الأخرى. أحيانا وحين أكون في منزلي، أستعمل الصفحة الأخرى، البيضاء، من صفحات المخطوطات، وأعتقد أني بذلك أحافظ على البيئة. أفضل أن أكتب بخط اليد لأني أطبع بشكل سريع على الحاسوب: مع الآلة الكاتبة أو مع حاسوبي المحمول أكتب الدفعات الأولى بطريقة سريعة، بطريقة أسرع مما أريدها، وبخاصة أسرع لدرجة أني لا أكتب شيئا جيداً. لذلك فإن الكتابة بخط اليد تجبرني على التمهل مثلما تجبرني على التحكم بأسلوبي. يمكنكم المقارنة وملاحظة الفرق بين مخطوطاتي ورسائلي المطبوعة على الآلة الكاتبة: إذ أرتكب الكثير من الأخطاء على الآلة الكاتبة أو على الحاسوب لأني أكتب بسرعة. بالنسبة إلى كتابة الرواية، لا أستعمل الآلة أو الحاسوب إلا حين أصحح المخطوط: وهنا لا أخشى المضي بسرعة لأني أعرف القصة، وأعرف كل مقطع كتبته.


 ما الأهم بالنسبة إليك، الحبكة أم الأسلوب؟

 الأهم من كل شيء هي اللغة. حين أبدأ كتابة رواية، أكون على بينة من كل الذي سيجري. الحبكة تكون موجودة في مكانها. لهذا أكون أكثر انتباهاً للغة، أكثر تركيزاً، لأني لا أسأل نفسي حينها: «في أي لحظة سيعود فلان للظهور؟ إذ أني أعرف بالضبط متى سيعود: ستمضي خمسون سنة قبل أن يعاود ظهوره من جديد. إذ، وبما أنني لا أفكر بهذه الأشياء، أركز على ما أكتبه: إنه مقطع توصيفي، وعليه أن يسير بهدوء، على الجُمل أن تكون قصيرة، وهذا هو الحوار المناسب، وفي هذه الناحية يجب أن تسير الأحداث بسرعة. ها هو الحدث، فلان يقوم بهذا الأمر الخ... يكمن عمل الكاتب في استعادة الجمل، في تقصيرها، في تسريع الحوار، هذا هو العمل الحقيقي...


 أتعتقد أن الفن يكمن في الكتابة بطريقة مسرحية؟


 بالضبط، ولكن هذا ما فعـــله فلوبــير، الذي أحبه كثيرا، باللغة. كانت إيما بوفاري شخـــصاً عاديــاً، وشارل بوفاري أقل عادية منها، لكن المدهـــش في الأمر، لم تكــن الشخـــصيات بل الطريقة التي كـــتب بها عنهما، إنها الطريقــة التي جعلنا فيـــها فلوبـــير نشعر بأنهما كانا من البداية محكومـــين بأن يلتقـــيا وبأن يندما على ذلك. فلوبير معلمي المطلق...

 هل تعتقد بأنك تنتمي إلى هذه المدرسة التي مع همنغواي تظن بأنه علينا أن نذهب إلى «العظم»، إلى الأساسي، وبأنه علينا أن نكتب بطريقة أقرب منا..؟


 حماقات! كل ذلك يشكل جزءاً من تشاوف همنغواي. البشر مهمون لأنهم لا يستطيعون قول أي شيء خاص.. أي حماقة هي هذه! استعمل همنغواي أقل الكلمات الممكنة في جمله. إن كان هذا يسره فلمَ لا؟ إن أردتم أن تركضوا فهل تعلقون ساقاً على مؤخراتكم وتقفزون؟ أنا لا أفعل ذلك، أحب أن تكون لدي ساقان صلبتان..


 إلى أي درجة تعتقد بأن سيرة الكاتب ضرورية كي نفهم أدبه؟
لنأخذ حالة داني، الكاتب، في روايتي «الليلة الأخيرة في تويستيد ريفر»، إذ نجد أن مساره ككاتب يبدو مخلصا جدا وممكنا لمساري أنا. إذ أنه ليس فقط منحدر من المدارس عينها التي جئت منها، لكن أيضا، وفي العمر عينه، بدأ بكتابة رواية من نهايتها، وهذا ما أفعله أغلب الوقت. من هنا يمكننا أن نظن وبعد أن يُقرأ هذا الحوار الذي نجريه الآن بأن داني هو قريني. حسنا، الأمر ليس على هذا الشكل. لقد أعطيته حياة مخالفة تماما لحياتي. كان عديم الحظ. كل الذين يحبهم كان يفقدهم. وكل الذين يخشى أن يفقدهم كان يفقدهم. وهذا أمر لحسن الحظ لم يحصل لي لغاية الآن. ثمة تناقض غريب في هذا الأمر. جعلت منه شخصا قريبا مني بكونه كاتبا لكنه شخص أخشى أن أصيره في الحياة. في النتيجة، أكتب ما أخشى أن أصبح عليه في الحياة، أي لا أكتب عن الأحداث التي أصابتني. لكني أعترف بأن كل الذي نخشاه وكل الذي لم يحدث لنا بعد يشكل جزءا من سيرتنا الذاتية. وبطريقة مختلفة. الجزء الذي يكتشفه القراء من سيرتنا الذاتية هو دائما جزء صغير.


 لِمَ تعالج في رواياتك دائما موضوع الجنسانية بطريقة واضحة ومجنونة في الوقت عينه؟
إنه التأثير المباشر لتفكيري حول مقاومة التحرر الجنسي، المهيمن في الثقافة الأميركية. ما إن يتم التحدث عن الجنس، تجد أن العديد من الأميركيين يملكون وجهة نظر ضيقة ومحدودة حول هذا الموضوع. أنا مهتم بهذا الموضوع لأنه، في جزء منه، موضوع يدعو إلى التحريض. أقصد بهذا: لو لم أكن أميركيا، لما شكل الأمر أي شيء بالنسبة إليّ. أي بلد آخر في العالم يهتم بقضية أن بيل كلينتون قام بمناوشة جنسية في البيت الأبيض؟ شخصيا يهمني العمل الذي قام به كرئيس للجمهورية ولا أهتم أبدا بحياته الجنسية. لكن غالبية الأميركيين لم يهتموا إلا بهذا الأمر الذي جرى في البيت الأبيض. كذلك أضجرني الحديث الذي جرى حول حياة تايغر وود الجنسية. في النهاية ليس تايغر وود سوى لاعب غولف. اتركوه يلعب الغولف. لا يهم إن كان يضاجع أم لا. هذه خاصية كبيرة في الثقافة الأميركية....


السفير 26/04/2013 العدد: 12465
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads