الرئيسية » , , » ستيفن كوتش: تدريبات الكاتب (3/3) | ترجمة: رؤوف علوان

ستيفن كوتش: تدريبات الكاتب (3/3) | ترجمة: رؤوف علوان

Written By تروس on السبت، 2 أبريل 2016 | أبريل 02, 2016

ستيفن كوتش: تدريبات الكاتب (3/3)
ترجمة: رؤوف علوان

يجب عليك ككاتب أن تلاحظ ما لا يُلاحظ.



أكثرنا، وفي أغلب الأوقات، يُلقي بمعظم ما يلاحظه إلى صفيحة إعادة التدوير ذاتها التي يُلقي  فيها خيالاته. ولحُسن حظ الكتّاب، على الأقل القليل مما نتخلص منه بالإمكان استعادته وإعادة تدويره. إذ بمجرد ما أن تبدأ العمل، فإن معظم الذكريات التي ستعينك تُستلُّ من ملفكَ الضخم المتواري في الخلف والذي يحوي كل ما هو نصفُ منتبهٍ إليه وكل ما هو نصف منسيّ. يجب عليك ككاتب أن تلاحظ ما لا يُلاحظ. بإمكانك ملاحظة التفاصيل التي تهب الحياة والإشراق بمؤخر عينيك.

يتحدث همينغواي عن تدريب نفسه لإتقان هذا الشيء بالتحديد:

“إن البحث عن أشياء لم يتم ملاحظتها كانت قد خلقت عاطفة ما، كالطريقة التي يُلقي بها لاعب بيسبول قفّازه دون أن يلتفت إلى موضع سقوطه، أو صرير حذاء ملاكمٍ على حلبة الملاكمة في نادٍ رياضي، أو اللون الشاحب لبشرة الملاكم جاك بلاكبيرن وهو يخرج توًّا من الحلبة بعد نزال، وملاحظاتٍ أخرى دوّنتُها كما رسوماتٍ أوليّة للوحة رسام”.

أكرر: “كما رسومات أولية للوحة رسام.” إن تنظيم وصون بعض الأجزاء المفيدة مما تلاحظه سيتطلب منك عند تذكّرها بعض التركيز وتدوينًا إبداعيًا. جاءت إنطلاقة تشيخوف كفنانٍ مع روايته القصيرة الأولى، السهوب: تاريخ رحلة[1]. يقول أحد مدوّني سيرة تشخيوف، ديفيد ماغرشاك، بأن تشيخوف في روايته السهوب، قد بدأ وبوعيٍ منه ببناء عمله من مادةٍ مستقاةٍ من الحياة مباشرة. ففي عام 1887، قرر تشيخوف أن يعود لزيارة مدينة صغيرة بائسة تطلّ على البحر الأسود، في مكان يُدعى تاغانروغ Taganrog، حيث كان قد قضى فيه الجزء الأكبر من سنوات طفولته التعيسة. وقبل أن ينطلق في رحلته، عقد تشيخوف اتفاقًا مع أخته مارْيا بأنْ يكتب لها في كل يوم رسالة واحدة طويلة يُطلعها من خلالها على تفاصيل ذلك اليوم من السفر. ولأنه هو ومارْيا ذاقا معًا تلك الطفولة التعيسة، فكانت هي خير من يتلقى هذه الرسائل. مارْيا زوّدتْ تشيخوف بالقدْر اللازم من التركيز الذي يحتاج إليه. ولأنها رسائل، جاءت “ملاحظاته” بالكاد مجرد خربشات. وكان يجب إعادة كتابتها، لتبدو مترابطة ومنطقية، في حال شاء أي أحد آخر أن يقرأها. وبعد أن عاد من رحلته، سلّمتْ إليه مارْيا رزمةً سميكةً من ملاحظاتٍ، ورسائلٍ منسقة أمامه، ومنها كتب روايته السهوب.

     أنتَ ستبحث عن الكلمات لتستطيع التعبير عما تراه. لو كنتَ كاتب سيناريو، لأردتَ أن تعبّر عمّا تراه في مشاهد وحوار. أو كنت ناقدًا، فستحاول تحويل ملاحظاتك إلى رؤى نابضة وآراء متبصرة. ولو كنت مراسلاً صحفيًا، ستحولها إلى خبر. لكن إن كنت روائيًا فأنك ستبحث عن لغة السرد.

إن الناس بشتى أصنافهم يلاحظون العالم حولهم بالضبط كما تقوم أنت بذلك – وعادة أفضل منك – لو فقط تدربّوا على الملاحظة بشكل انضباطيّ ما.  أنظر مثلاً في كيفية تدريب الأطباء على الملاحظة، أو المحامين، أو شرطة مركبات الدورية، أو حارس الإنقاذ، أو لص يسطو على المباني بالتسلق أو معلم في رياض أطفال. كلٌّ منهم يمتلك عينًا خبيرة ومتفحصة له أو لها. يجب عليك أنت كذلك أن تلاحظ ككاتب. أن تنتبه إلى ما كل ما يمنح حياة متقدة، وشعورًا، ومعنًى. مثلك مثل همينغواي، عليك أن تعزل جانبًا “الأشياء التي لا يمكن ملاحظتها والتي بذات الوقت تخلق العاطفة”. وفوق ذلك كله، أن تبحث عن النثر.

[1] لم أقع على ترجمة لها بالعربية. سيجدها القارئ تحت عنوان The Steppe and other stories، دور نشر مختلفة.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads