الرئيسية » , » الضوي: الصوفية حل توفيقي للصراع السني – الشيعي | حوار | إسلام أنور

الضوي: الصوفية حل توفيقي للصراع السني – الشيعي | حوار | إسلام أنور

Written By هشام الصباحي on الخميس، 31 مارس 2016 | مارس 31, 2016

الضوي محمد الضوي شاعر وباحث مصري، مهتم بالتراث العربي وبخاصة التصوف. يعمل الضوي مدرسًا مساعدًا بجامعة المنيا، وحصل مؤخرًا على درجة الماجستير في الأدب العربي الحديث، وكان موضوع رسالته «صورة الولي في الرواية العربية المعاصرة»، عن الرسالة ورؤيته للحضور الصوفي بالمجتمعين المصري والعربي كان لنا مع هذا الحوار.

_رصدت في رسالتك صورة الأولياء والمتصوفة في الأدب العربي؛ كيف تصف علاقة الأدب بالتصوف، وإلى أي مدى ساهمت الصوفية في مشروعك الأدبي والبحثي، وفي نظرتك للعالم بشكل عام؟
التجربة الصوفية تجربة إنسانية عميقة وعظيمة تلتقي بالتجربة الأدبية والفنية عمومًا، التقاء يصل حد التطابق، ولعل هذا هو ما يجعل أغلب أئمة التصوف، أدباء عِظَامًا، أمثال: الحلاج والسهروردي وابن عربي وجلال الدين الرومي وفريد الدين العطار وغيرهم. التصوف يحتفي بخصوصية اللغة، مما يحدو بأئمته إلى ابتكار لغة رمزية تخص أرباب التصوف فقط، ليعبّروا عن تجاربهم الخاصة التي لا يبلغها سواهم، والترميز أيضا عنصر مهم جدا من عناصر اللغة الأدبية، كما أن التصوف يحتفي بالخيال، ويراه وسيلة من وسائل إدراك العوالم، وليس مرادفًا للوهم، كذلك فإن التجربة الأدبية تقوم بالأساس في صوغ النص الأدبي على التخييل، وتنامي المجازات، والتصوف في كل ذلك تجربة فردية ووجدانية، وكذلك الأدب، بالتالي فالتصوف والأدب تجربتان متقاربتان جدا ..
وفيما يتعلق بي، فالتصوف كان دافعًا خفيًّا يحرّك حياتي طوال الوقت، اخترت عنوان رسالتي للماجستير (صورة الولي في الرواية العربية المعاصرة) بمحض الصدفة،  ثم توقفت عن العمل بالرسالة لأكثر من عامين، وفي الوقت الذي بدأت علاقتي بفكرة المحبّة تتعمّق، وكنت دائم البحث عن تراث إنساني بإمكانه احتواء تصوري عن المحبة، في هذا الوقت تعمّقت علاقتي بالتصوف الإسلامي، وعدت في أواخر عام 2014 للعمل برسالة الماجستير، فوجدتُ ما وجدت من المتعة التي لا تعادلها متعة أبدا؛ بمطالعة ما كتبه أبو العلا عفيفي وأرنولد نيكلسون وبمؤلفات مولانا ابن عربي، وسيدي النفري، والإمام القشيري، والإمام الجيلي، والإمام الهجويري، وسيدي أبو نعيم صاحب الحلية، وغيرهم الكثير، انفتحت على هذا التراث الفيّاض، وبالتزامن معه رحت أقرأ كتاب الطاو، وما خلفه كونفوشيوس، وبوذا، وأعدتُ قراءة الكتاب المقدّس، وفقرات كبيرة من كتاب الموتى، وأناشيد إخناتون، وغيره مما يسبح في الإطار ذاته: المحبة.
الضوي
_ في العشر سنوات الماضية هناك حضور للتصوف بصورة كبيرة في المشهد العام العربي وخاصة في فضاءات التواصل الاجتماعي كيف تتأمل هذه الظاهرة وهل أصبح التصوف “موضة”؟
أسمع كثيرًا لأشخاص متخوفين من ذيوع ما يمكن تسميته بـ”موضه” التصوف، لكني لست قلقًا تجاه هذا، بالعكس، عندما نعود بذاكراتنا سنجد أن أول ظهور للطرق الصوفية بشكلها الذي نعرفه الآن كان إبّان ازدياد الحملات الصليبية على المشرق، ونتيجةً لانكسار المسلمين، فكلما عانى الناس من الانكسار المادي والحضاري، لجأوا إلى الروحي، والغيبي، لا أعني بالغيبي (التغييبي) -وهذا وارد- لكن أعني اللجوء إلى الله، إلى الروحاني منّا، ونحن الآن نعاني انكسارًا قويًّا على المستوى الحضاري، أججته خيباتنا المتلاحقة في انحراف الربيع العربي عن مساره، أنفقنا أرواحنا وأرواح إخوتنا وأخواتنا ومقدّاراتنا، وراهنا بمستقبلنا ومستقبل بلادنا في كل البلدان العربية، وفي الأخير الأنظمة ظلّت كما هي، بل عادتْ أقوى، لم يكن هناك بد إذن من اللجوء إلى السماوي، لعلنا نجد الخلاص فيه، البعض بالضرورة سيمارس التصوّف على نحو مغلوط، نحو لا علاقة له بتصفية القلب، وتهذيب الهوى، والشهوات، لكن لا بأس، تعلّق الناس بالفنون الصوفية، هو صلةٌ مَا، بينهم وبين التجارب الصوفية، وأكثر الناس قد ألجأها إلى التصوف ما فيه من حفاوة بالفنون، أنا شخصيًّا أكثر ما يروقني في جلسات الذكر هو الأداء النغمي، والتطريب، وإنشاد الأناشيد، أيضا تعجبني الجداريات واللوحات والمنحوتات التي تعكس قيمًا صوفية، أو مرامي صوفية، الفن بابي على التصوف، ولا أشك في أن من سيتعلق بباب من أبواب التصوف، فهو داخلٌ إلى مدينته لا محالة، المسألة مسألة وقت فقط..
_كثيراً ما يتردد الحديث عن الفرق الكبير بين تصوف العامة وتصوف الخاصة، وعن كون الطرق الصوفية لا تمثل جوهر التصوف الحقيقي، كيف ترى هذه الثنائيات؟
received_576430912521478
التصوف تجربة فردية، هناك ممارسات عامة كالحفاظ على الصلوات التي تأمر بها الأديان، واجتناب النواهي والمحرمات، ثم الالتزام بحضور مجالس الذكر الجماعي، وربما الالتزام بزي بعينه في بعض الطرق، إلى هنا تنتهي التفاصيل العامة، التفاصيل الخاصة تبدأ من القلب، وتنتهي إليه، أنا شخصيًّا لا أحبذ ما يسمّى بمشيخة الطرق الصوفية، واستخراج كارنيهات انتساب لها، لأن الأمر بالأساس هو علاقة خاصة مع الله، وهذه العلاقة لا تحتاج إلى ما يثبتها لأننا لسنا في معرض إثباتها أو نفيها أصلا، وإلا دخلنا فيما يمكن تسميته بالرياء، لكن أيضا أنا لا أنكرها على أصحابها، لأنها تضمن وجود الكيان ذاته، كيان الطريقة، إلى حد بعيد، وكيان الطريقة باب على الطريق، فالذي يريد التصوف، ولا يعرف له بابًا سوى هذا، فإنه سيلتحق بهؤلاء المُعْلَنِين، فإذا تقدّم في الأمر، سيعرف وجهته بعدها، الله سيختار له الوجهة.
_في ظل العلاقة الشائكة بين السياسة والدين لعبت بعض الطرق الصوفية أدواراً سياسة بارزة لصالح بعض التيارات السياسية، برأيك إلى أي مدى هذا التورط السياسي يفقد التصوف جوهره؟
التصوف لا يفقد جوهره في كل الأحوال، التصوف قرين الحياة، سمة كونية، ليست حتى مرهونة بالبشرية، إنما هي نظام كوني، يقوم على المحبة، والصفاء، محبة الخالق لمخلوقاته، ومحبتهم له، المتصوفة معنيون بالسلام، ومنهجهم يدعو إلى أن القتال والجهاد إنما يكون في الثغور، وعلى الحدود، مع عدو خارجي، أما في الداخل، فهم مجموعون على كلمة الإمام، رأس الدولة، الذي اختاره الله-لا سواه- قائدا لها، هذه الرؤية تدفعهم إلى مناصرة الحاكم، لمًّا للشمل، وتوحيدًا للصفّ.
وأنا مختلف مع هذا، لكني أثق أنهم ليسوا منافقين، إنما أدبيَّاتُهم –وهي موجودة في صميم كل الأديان السماوية- تأمرهم بهذا، وللأمر وجاهة لا أنكرها، لكني شخصيا مع مراجعة الحاكم وتقييم أدائه، مصداقًا لقول الإمام أبي بكر رضوان الله عليه (فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني).
_ في ظل الصراع السني الشيعي المحتدم يرى بعض الباحثين أن التصوف يمكن أن يكون له دورا كبيار في حل هذا الصراع، ما رأيك؟ وكيف تفسر عداء التيارات السلفية للمتصوفة ؟
> الإخوة السلفية يمتلكون منطلقات مختلفة عن منطلقات المتصوفة في فهم غائية الدين، المتصوفة ينظرون للدين لا باعتباره مجموعة من الطقوس، لكن باعتبار غاية وجوده هي إصلاح العالم، وجعل حياة الناس أفضل، أزعم أن الدين لدى الصوفية وسيلة لا غاية، في حين أنه لدى الإخوة السلفية غاية في ذاته (ولكلٍّ وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات، أينما تكونوا يأتِ بكم الله جميعا) كما يقول الله تعالى.
وفيما يتعلق بالصراع السني الشيعي فالصوفية حل توفيقي حقيقي، يجتمع الصوفية والشيعة على المحبة العارمة للنبي وآل بيته صلوات الله وسلامه على حضرته، وعندما تجمعنا جلسات بالإخوة الشيعة لا نجد منهم أبدًا تطاولا على أئمتنا من السادة الصحابة، أو من أمهات المؤمنين زوجات النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وأنا أحترم فيهم هذا جدا، وهم يحبون الصوفية لمحبة الصوفية لآل البيت، والصوفية في عداد أهل السنة والجماعة، في حين أن الشيعة هم الفريق المقابل-أنا آسف لقولي الفريق المقابل، لأنه على وجه الحقيقة لا يوجد إلا فريق واحد يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله- نُنَحِّي ما استطعنا خلافاتنا آملين أن نتجاوزها في سبيل وحدة الصف، فلا هم يسبون أئمتنا وأمهاتنا، ولا نحن نذكرهم بسوء، بعض الإخوة السلفية لا يرتضون بهذا المنهج، ولعل هذا هو ما يقف وراء الهجوم الذي يشنه بعضهم ضد الصوفية، كما أنهم يرون أن الصوفية شركيون، وعُبّاد قبور، في حين أن الصوفي إنما يزور قبر الوليّ أو قبر أحد الأئمة من آل البيت الكرام،  كما يزور قبر أبيه وذويه من الموتى، يزورهم كما لو كانوا أهله، ويتقرّب إلى الله بزيارتهم عملا بقول النبي الكريم (ألا فزوروها) يعني القبور، وأولى القبور بالزيارة هي قبور الصالحين، وقبور آل بيت النبي الكريم وآله المشرفين الأطهار..
_في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم الآن في كافة المجالات، ومن ضمنها الشعر والأدب، هل بمقدور الثقافة العربية الحفاظ على هويتها وتراثها وتطويره أم أن العالم الجديد له قوانينه وقواعده الخاصة التي تتطلب القطيعة مع التراث؟
المعركة الآن هي معركة هوية وتمايز، والتماهي هزيمة، الذي سيتماهى في هوية غيره أو فيما يُصدّر له من الهويات هو مهزوم، والهزيمة ليست هزيمة مادية إنما ثقافية، فإن استطاع الآخر محو لغتي وتراثي ومعتقداتي وموروثاتي، فقد هزمني، التمايز سنة إنسانية، والحفاظ على التمايز في الآن ذاته الذي نحاول خلق سلام بين عناصر هذا التمايز المختلفة هو منتهى ما تصبو إليه الصوفية، لأنها باحثة دائما عن الجوهر، تمسّك بالصورة، لكن مررني إلى الجوهر، والثقافة العربية مهيأة تماما للحفاظ هويتها وتراثها لأنها تمتلك تراثا حقيقيًّا نابضا وحيًّا، ومتجددا إن شئنا له التجدد، ومهما تكن القوانين التي تطرحها المستجدات العالمية فإن هذا لن يقتل التمايز البشري على أية حال.

البديل فى 22 فبراير 2016
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads