ستيفن كوتش: بين التقليد والأصالة | ترجمة: نورة عبدالله

Written By تروس on السبت، 19 مارس 2016 | مارس 19, 2016

ستيفن كوتش: بين التقليد والأصالة
ترجمة: نورة عبدالله

لا تخف من التقليد. لا أحد يتخذ واعيًا من أسلوب التقليد هدفًا بعيد الأمد.

العدو الرئيسي للمبتدئ، في الجهة المقابلة، عادةً ما يكون عوزه للثقة، وهو الذي يعاني منه غالب الكُتاب مرارًا وتكرارًا في حياتهم. بعض الكتب التي تتعلق بالكتابة؛ ككتاب آن لاموت “‘طائر بعد طائر“، أو الكتاب القديم ولكن الرائع لدوروثيا براند “أن تصبح كاتبًا”ــ تطرقت لهذه المسألة النفسية مباشرة وبعمق، وقامت بعرض العديد من الأساليب المفيدة للتعامل معها. وأنا أنصح بكليهما.

تذكّر أنك لست لوحدك: كل كاتب ــ حسنًا، تقريبًا كل كاتب ــ قد عانى من مشاكل بالثقة، وبعض أعظمهم خاضوا عذاباتها. إن كان في ذلك ما يطمئن، باستطاعتي إخبارك بأن المشكلة مع الخبرة والوقت تأخذ بالتحسن. عدا أنها لا تنتهي بالمطلق. ما يعني أن بالإمكان ترويضها وليس نفيها. أما الحقيقة التي يتوجب التركيز عليها هي أنك كي تكتب عليك أن تقوض قلقك. سلح نفسك. كن شجاعًا. “الشجاعة أولًا” تقول مايا أنجلو: ” الشجاعة هي أهم الفضائل على الإطلاق. من دون هذه الفضيلة لن يكون باستطاعتك ممارسة أي فضيلة أخرى بثبات.”

كاثرين آن بورتر تتفق مع ذلك قائلة: “واحدة من علامات الموهبة التحلي بشجاعتها.  إن لم يملكوا الشجاعة، فهذا لسوء الحظ. سيفشلون، كما يفشل الجبناء في مختلف المهن وطرائق الحياة. الشجاعة هي الجوهر.”

بالطبع، الشجاعة هبة، ويتفاضل البشر في امتلاكها عن بعضهم البعض. إلا أنها، كما في الموهبة بحد ذاتها، بمقدور الشجاعة أن تُعرّف، يتم تطويرها، واستحثاثها. كيف؟ يشعر أغلب الكُتاب بارتباكة، غالبًا مزيج من النزق المتناقض، كما لو أنها إرادة ذاتية عمياء تعوم في بركة من توق الحاجة إلى إذن. بالواقع، ستحتاج إلى الاثنين: شجاعة النفاذ لوحدك، ويقابلها موافقة الأقران. فالكاتب يحتاج مناصفة لنوع من الإذن للمُضي، والإرادة للمضي قُدمًا حتى من دون إذن. كما تقول توني موريسون: ” حين أقرأ السير النسوية والمذكرات، وإحصاءات كيفية بدئهن للكاتبة، غالبًا ما تجد لديهن تلك الطرفة الصغيرة المتعلقة باللحظة التي أعطى أحدهم فيها الإذن لهن كي يفعلنها. أُم، زوج، معلم.. أحدٌ ما قال: حسنًا، امضي، باستطاعتكِ فعلها.” وهذا لا يعني أن الرجال لم يحتاجوا مطلقًا لشيء كهذا، أحيانًا، لمّا كانوا فتيَة قال لهم ناصح: ” أنتم جيدون، ثم انطَلَقوا.”

حسنًا، الرجال والنساء الكتّاب يحتاج كل منهم لإشارة معقولة من المعونة والإجازة كي ينتجوا. يتوق كلاهما فقط لسماع العبارة البسيطة الدالة على الإيمان: ” هيا، يمكنك فعلها.” الحصول أو استحقاق هذه اللبنة من الدعم، وتجنب الحلات التي تضعفها، لن تلعب دورًا أقل من أن يتعلق بكيفية ترتيب حياتك. ستحتاج لأن تجد وتثق بأشخاص ــ مدرسين، ناصحين، أصدقاء، أزواج، شركاء، ومحبين ـــ يدعمونك بشكل صريح. ولكن بطريقة ليست غبية وتفتقر للنقد. الدعم المُطلق، الأعمى، أو غير الناقد سيدمرك فقط. ولكنك بالتأكيد ستحتاج للدعم، ويجب ألّا يكون مُتكلفًا.

ستحتاج لموجّهين، وستحتاج لأن تجدهم في حياتك اليومية وفي الكتب. علق همنغواي بأنه قضى شبابه يتعلم من كل من استطاع أن يتعلم منه، حيًّا كان أو ميتًا. استمع كيف بدأ غابرييل غارسيا ماركيز:

” إحدى الليالي [في الكلية] أعارني صديق كتابًا لفرانز كافكا عن مجموعة من القصص القصيرة. عدت للنزل الذي كنت أقطنه آنذاك وبدأت بالقراءة. الانمساخ. السطر الأول كاد أن يقفز بي عن السرير، كنت متفاجئًا جدًا. كان السطر الأول يُقرأ على النحو التالي:”بعدما استيقظ غريغوري سامسا من نومه ذات صباح، بعد أحلامٍ مزعجة، وجد نفسه وقد تحوّل إلى حشرة عملاقة”. بعدما قرأت السطر خطر لي أنّي لم أعرف أنه يجوز لأحدهم أن يكتب أشياء كهذه. لو عرفت، لكنت قد بدأت الكتابة منذ زمن بعيد.”

لاحظ كلمات غارسيا ماركيز: ” لم أعرف أنه يجوز لأحدهم أن يكتب أشياء كهذه. [ ما يؤكد كلامي ].” لا أستطيع أن أخبرك كم عدد أولئك الذين جلسوا في مكتبي مبهورين لأنهم عرفوا أنه يجوز لهم أن يكتبوا بالطريقة التي أرادوا أن يكتبوا بها. بأنه من المقبول أن يحكوا عما رأوا وفكروا وتخيلوا. أنه من المقبول أن يفعلوا ذلك على طريقتهم.

ولكن حتى لو كنت تبحث عن إذن، ليس من المرجح أنك ستنجح ككاتب حتى تتعلم أن تُثمّن وتستغل كل ما بداخلك من تهور وإقدام؛ أناك الثائرة التي تُصرّ على أن ما يريده الاخرون لا يهم، لا يهم ما قد يقولونه عما يتوجب عليك التفكير به، ستقول ما تريد قوله، بطريقتك أنت، وإلا فلن تفعلها أبدًا. سيكون هناك بالتأكيد العديد من القوى – بعضها ولكن ليست جميعها ستكون أنت منبعها – تدفعك أن تفعلها على طريقتهم. كما تقول جويس كارول أوتس:

” أؤمن أن كلّ شكل من الفن هو نوعٌ من الاستكشاف والتجاوز. لم أرَ أبدًا علامة ” ممنوع العبور” إلا ووثب أمامها دمّي الثائر. تلك العلامات، المخبوءة بالشك والمعلقة على درابزونات الممتلكات والأسيجة، قد تناديك لكي تأتي. 

” أن تكتب يعني أن تغزو مساحة الآخر، لتستثيرها. أن تكتب يعني أن تدعو استهجانك الغاضب. الفن بطبيعته فعل متعدّي.”

 بما يشبه المفارقة فقط إن البحث عن الجسارة اللازمة كي تقولها بطريقتك يخدمها بالمقابل بحث موازٍ لما قد يرشدك. ستجد طريقك من خلال الآخرين. ماركيز لمّا صادف كافكا، جرب ما قاله ميلفيل عن مصادفته حين قرأ لمرشده، ناثانيال هاوثورن: ” صدمة الإدراك“.  كادت أن ترمي به خارج سريره. “صدمة الإدراك” هذه، عادة ما تصعق عندما تكون آخر ما يُتوَقع، والاهتزازة التي توصلها ما هي إلا إشارة تحدث في حياة أي فنان. حينما تضرب فإنها دائما تخبرك عن شيء مصيري بداخلك. لا تخطئه بإعجابك الصرف لعمل كاتب آخر، ولا حتى باحترامه وإجلاله. صدمة الإدراك هي لحظة هيجان ترعد داخل الروح. ربما يصعب الوصف، ولكنها كأيِّ شكل من أشكال الحب، ستعرفها عندما تشعر بها. مهما كان زمان ومكان مرورك بهذه التجربة، فإن حدثًا مهما ظهر في حياتك الفنية. بالتأكيد، ليس كل مرشد أو معلم سيكون وقع تأثيره بعمق كهذا. غالبهم بالكاد سيعلمك أو يساعدك. ولكنهم يجب أن يفعلوا. يجب أن يجعلوا من عملك ممكنًا أكثر. وإن فشلوا في هذه المهمة يجب أن تدير ظهرك لهم.

لا تخف من التقليد. لا أحد يتخذ واعيًا من أسلوب التقليد هدفًا بعيد الأمد، ولكن كل الكتاب البارعون فطنوا أن نزعة الأصالة الخالصة ماهي إلا حلم طفولي. إلى حد ما، التقليد طريق للاكتشاف وأساسي للازدهار.  بعد اكتشاف كافكا: ” شرعت مباشرة بكتابة القصص القصيرة،” يتذكر غارسيا ماركيز. ” كانت بالمجمل قصصًا قصيرة عقلانية، لأنني كنت أكتبها استنادًا على خبرتي الأدبية ولم أكن حينها قد وجدت بعد تلك العلاقة بين الأدب والحياة.” أمنية الظهور بمظهر المتفرد ما هو إلا شكل من أشكال الزهو، ومثل الخيانة فإن شكلها جميعا هو شكل من أشكال الغرور: ما قد دمرت على الكثير مَلَكةً ما. قصص غارسيا ماركيز القصيرة الأولى لم تعْدُ كونها اشتقاقًا مباشرًا عن كافكا. ولكنها وضعت كاتبها على طريق جعل منه أكثر ذوي الأساليب تفردًا وإدهاشًا في جيله. أنطون تشيخوف الشاب علّم نفسه عن طريق إعادة الصياغة، بمصطلحاته الخاصة، قصص كاملة لتوليستوي و تورجينيف. أبدلها، كما كانت، بلغته الخاصة. العديد من الكتاب – سومرست موم و جون ديديون مثلًا – يتذكران نسخ مقتطفات طويلة حرفيًّا من كتابهم المفضلين، يتعلمون بذلك مع كل سطر. النتيجة بصراحة كانت تودي إلى سلة المهملات، ولكن هذا النوع من الالتحام من شأنه أن يُتيح لحميمية رائعة مع النثر.

أخيرًا، دعنا نُقرّ أن طموحك هذا يتحتم عليه أن يجعلك مرتبكًا بعض الشيء. وقد يبالغ بول جونسون، ولكن ليس كثيرًا بقوله:

” الكتابة حرفةٌ مؤلمة بمعدل إصابات مرتفع. كثير من الكتاب ينتهي بهم الأمر لفشل جزئي أو كامل. يجب عليهم محاربة الإحباط في شبابهم، والخوف في رشدهم، وشواهد تواري القوى المتزايدة كلما تقدم بهم العمر.”

من بوسعه ألّا يخاف ولو قليلًا؟ لذلك كن مقدامًا. ستحتاج لكل الشجاعة التي تملكها. ستحتاج الشجاعة كي تعيش حياة الكاتب المملوءة بالمجازفة. ستحتاج الشجاعة كي تتجنب القوالب الجاهزة وما هو مأمون.  ستحتاج الشجاعة كي تُبقي على نضارتك وعنفوانك، وستحتاج الشجاعة كي تقول الأشياء على طريقتك وتجعل صوتك مسموعًا. لا تعطِ أبدًا لفراشات الخوف المبثوثة بداخلك فرصة إيقافك. أنت لست وحدك: مهما كانت مواهبهم أو درجة نجاحهم، فإن كثيرًا من الكتاب قضوا من حياتهم الكثير محاولين التحكم في دراما الثقة التي تتصارع بداخلهم. مهمتك أن تبرم دولاب مغزلك المغبر بغبار الحيرة والخوف حتى يستحيل لمغزل من ذهب البهاء واليقين الخالصيّن. وإنها لمُهمة تستغرق عمرًا بأكمله.

المصدر : تكوين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads