الرئيسية » , , , , , , , » روي بيتر كلارك: كيف ترتّب الكلمات داخل الجملة؟ | ترجمة: رؤوف علوان

روي بيتر كلارك: كيف ترتّب الكلمات داخل الجملة؟ | ترجمة: رؤوف علوان

Written By تروس on السبت، 13 فبراير 2016 | فبراير 13, 2016

روي بيتر كلارك: كيف ترتّب الكلمات داخل الجملة؟
ترجمة: رؤوف علوان

ضع الكلمات القوية عند البداية والنهاية

ينصح سترَنك ووايت الكاتبَ، في كتابهما “عناصر الأسلوب”، بأن “يضعَ الكلمات المؤثرة من الجملة عند نهايتها. الاقتباس السابق مثالٌ جيد قائم بذاته. فنجد أكثر الكلمات تأثيرًا تظهر عند النهاية. إن تطبيق هذه الأداة سيطوّر أسلوب الكاتب بطرفة عين.

على سبيل المثال، تعمل الفاصلة كعلامة توقف، ذلك التوقف لجزء من اللحظة أثناء القراءة يلقي بضوء التأكيد على الكلمة الأخيرة، وهو تأثير يكثّفُ نهاية الفقرة، حيث الكلمات الأخيرة عادة تطل على الفراغ الأبيض (للصفحة). ففي الكتابة العمودية، عينا القارئ، كذلك، تجذبهما الكلمات التي بجانب الفراغ الأبيض. تلك الكلمات التي تبدو وكأنها تستغيث: “انظر إليّ أرجوك!”

إن تنظيم الكلمات المؤثرة يساعد الكُتّاب على حلّ المشكلات الشائكة. انظُرْ إلى هذه الافتتاحية من صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر، حيث يجب على الكاتب لاري كينغ أن يحكي ثلاثة عناصر مؤثرة ليصيغ منها خبرًا يُعقل: أولها موت سيناتور أميركي، ثانيها اصطدام طائرة خاصة، وثالثها كارثة في مدرسة ابتدائية:

“اصطدمت طائرة خاصة تحمل السيناتور جون هاينز بمروحية في عرض السماء الصافية لمدينة ميريون أمس، مما أدى إلى انفجار عظيم وسط الجو، تساقط على أثره الحطام المشتعل بساحة لعب مدرسةٍ ابتدائية.

مات سبعة أشخاص: منهم هاينز، وطيّارون أربع، وطالبات من الصف الأول أثناء لعبهن بساحة المدرسة. وقد جُرحَ على الأقل خمسة أشخاص كانوا بقرب الموقع، ثلاثة منهم أطفال، أحدهم في حالة حروق حرجة.

تهاوى اللهب والحطام المحترق على الأرض حول مدرسة ميريون الابتدائية بجادة باومان عند الساعة 12:19 ظهرًا، لم يُصِبْ المباني الرمادية وسكّانها أيّ أذى. وقد هرب الأطفال مذعورين بالوقت الذي كان فيه المعلمون يقودون البقية. خلال دقائق قليلة، بدأ توافد أولياء الأمور القلقين إلى المدرسة، بعضهم كان لا يزال بثياب الرياضة، والبعض الآخر بثياب العمل، وآخرون بأثواب المنزل. الكثير منهم تلقى بالأحضان أطفاله، وسط رائحة الدخان الحادة.”

في أغلب الأيام، واحد من العناصر الثلاثة في الخبر السابق كان سيكون كفيلاً ليتصدر الصحف. إنما باجتماع الثلاثة، تكوّن نسيج من خبر صحفي مؤثر جدًا، من النوع الذي يجعل المحرّر والصحفي يتعاملان معه بحذر. أيّ من هذه العناصر هو الأهم؟ موت السيناتور؟ ارتطام الطائرة؟ أم موت الأطفال؟

اختار الكاتب، في أول الفقرة، بأن يَذكُرَ السيناتور وتحطم الطائرة أولاً، واحتفظ بـ “ساحة لعب مدرسة ابتدائية” للنهاية. فنجد الفاعل والفعل يتقدّمان الفقرات مبكرًا – مثل عربات فحم في قطار سكك حديد قديمة- احتفظ بالكلمات المثيرة للنهاية – مثل قاطرة.

خذ بعين الاعتبار أيضًا بأن الترتيب الذي وضعه الكاتب للآباء القلقين، الذين يتوافدون للمدرسة في “ثياب الرياضة، ثياب العمل، أثواب المنزل”. يرفع من حسّ الخطر بنهاية الموقف: حيث الآباء خرجوا من المنزل بثيابهم كما هي.


سيساعد وضْعُ الأشياء المؤثرة عند البداية والنهاية الكُتّابَ على إخفاء العناصر الضعيفة في المنتصف.

سيساعد وضْعُ الأشياء المؤثرة عند البداية والنهاية الكُتّابَ على إخفاء العناصر الضعيفة في المنتصف. ففي الفقرة بالأعلى، لاحِظْ كيف أخفى الكاتب عناصر الخبر الأقل أهميّة – حول كيف ومتى (مدينة ميريون أمس) – في وسط الخبر. إن طريقة التنظيم هذه، تعمل أيضًا بشكل جيد عند استعمال الاقتباسات:

“كان المنظر مرعبًا”، قالت هيلين أماديو، التي كانت تسير بقرب منزلها عند جادة هامبدن لحظة وقوع الارتطام. “بدا مثل انفجار قنبلة. بعدها تدفق دخان أسود”. ابدأ باقتباس مؤثر. ولا تذكر قائله إلا في المنتصف. واختِمْ باقتباس جيدٍ آخر.

يشير بعض المعلمين إلى هذا الترتيب بأنه طريقة: 2-3-1 ، حيث الأكثر أهمية يقع في البداية، والأقل أهمية في المنتصف، لكن هذا التعريف يثقل عقلي بالكثير من الرياضيات. لنقولها بطريقة أبسط: ضع أفضل ما لديك من مادة قريبًا من البداية والنهاية؛ خبّئ أضعف ما لديك في المنتصف.

تزوّدنا آيمي فوسلمان بمثالٍ من افتتاحية كتابها: شريك الصيدلانيّ:

“لا تمارسي الحب على ظهر قارب إلا إن كنتِ تريدين الإنجاب”.

أكثر الكلمات إثارة للدهشة جاءت عند بداية الجملة ونهايتها. وبالمِثل يستخدم غابرييل غارسيا ماركيز نظامًا في افتتاحية مئة عام من العزلة، بتأثير ساحر:

“بعد سنوات طويلة، وأمام فصيلة الإعدام، سيتذكر الكولونيل أورليانو بوينديا ذلك المساء البعيد الذي أخذه فيه أبوه للتعرف على الجليد”. 1

إن ما يجري على الجملة يجري على الفقرة، كما آليس سيبولد تكتب بهذا المدخل:

“في النفق حيث اغتُصِبْتُ، نفق كان مدخلاً تحت الأرض يفضي لمسرحٍ دائري، ينطلق الممثلون منه مندفعين من تحت مقاعد الجمهور، إحدى الفتيات قُتِلَتْ ومُثِّلَ بجثتها. أخبرني أفراد الشرطة بهذه القصة. وقالوا، مقارنة بما حدث لتلك الفتاة، بأنّني محظوظة”.

إن صدى الكلمة الأخيرة يتردد بعذاب وألم، صدى استخدمته آيمي سيبولد كعنوان لمذكراتها: محظوظة.

إن أدوات التأكيد هذه قديمة قِدَمَ فن الخِطابة ذاته. فعند نهاية مأساة شكسبير المشهورة، تعلن إحدى الشخصيات لمكبث: “الملكة، يا سيّدي، ماتت”. بهذا المثال المدهش تتضح قوة تنظيم الكلمات المؤثرة، ويتبَعْه واحد من أكثر الحوارات المسرحيّةِ سوداويةً في الأدب قاطبة. يقول مكبث:

“كان لا بد لها أن تموت يوما ما
ولكن ثمة وقت أفضل لهذه الكلمة.
غدًا، وغدًا، وغدًا
يسير بخطاه يومًا بعد يوم إلى آخر حرف في سجّل الزمان،
وكل أيامنا البارحة قد أضاءت للحمقى المساكين الدرب إلى 
التراب.
انطفئي أيتها الشمعة قصيرة العمر،
ما الحياة إلا خيال عابر، ممثل مسكين
يختال قلقًا على المسرح،
ثم لا يسمع عنه أحد أبدًا.
إنها حكاية يحكيها معتوه مليئة بالصخب والعنف
دونما معنى.” 2

إن للشعراء ميزة يتفوقون بها على كُتّاب النثر. فالشاعر يعلم مسبقًا أين سينتهي به شطر البيت. فيعمل على استخدام الكلمة الأكثر تأثيرًا عند نهاية السطر، أو الجملة، أو الفقرة. بينما نحن كُتّاب النثر نتعامل بالمثل مع الجملة والفقرة، ولكن كي نشير إلى معنى.

تدريب عملي:

1. اقرأ خطاب لينكولن الذي ألقاه في غيتسبرغ، وخطاب مارتن لوثر كينغ “لديّ حلم”، انظر نظام ترتيب الكلمات المهمة فيهما.

2. اقرأ مقالًا أنت معجب به، وبقلم رصاص بيدك، ضع دائرة على أوائل وأواخر الكلمات من كل فقرة.

3. كرّر ما سبق على أحد أعمالك. راجع الجُمل المهمة والمؤثرة، لعل بعضها مختبئ في المنتصف، لتبرزها عند البداية والنهاية.

4. دوّن أسماء أصدقائك وأقربائك. رتّب هذه الأسماء حسب ترتيب حروف الهجاء. وتخيّل بأن هذه القائمة تظهر في قصة. تلاعب بترتيب الأسماء. أيّ منها يأتي أولاً؟ وأيّ منها يأتي آخرًا؟ ولماذا؟

1. من ترجمة صالح علماني. مئة عام من العزلة. دار المدى.
2. من ترجمة د. أزهر سليمان. مكبث. دار طوى.

المصدر| تكوين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads