الرئيسية » , , , , , » روي بيتر كلارك: ما الفرق بين كتابة التقارير وكتابة القصص؟ | ترجمة: علي سيف الرواحي

روي بيتر كلارك: ما الفرق بين كتابة التقارير وكتابة القصص؟ | ترجمة: علي سيف الرواحي

Written By تروس on الأحد، 14 فبراير 2016 | فبراير 14, 2016

روي بيتر كلارك: ما الفرق بين كتابة التقارير وكتابة القصص؟
ترجمة: علي سيف الرواحي

استخدم التقارير لإعطاء المعلومات والقصص لخلق التجارب

بعض الصحفيين يستخدمون مصطلح القصة برومانسية مبتذلة. يرون أنفسهم كنقلة للأخبار في وقتنا المعاصر، كالحكائين يروون القصص، ينسجون من التفاصيل العادية أعظم الحكايا، وفي أغلب الأحيان ما ينتج عنهم بعد كل ذلك هو تقارير مملة جدًا.

التقارير لا يجب أن تكون مملة، والقصة  يجب ألا تُحكى بمبالغة زائدة قصد خلق التشويق. لكن الفرق بين التقرير والقصة هو أمر هام لكل من القارئ وتوقعاته والكاتب في طريقته في الكتابة.

تظهر في الكثير من التقارير شذرات من القصة بما يشبه الأمثولات أو الأقصوصات، لكن مصطلح القصة له معنى خاص، والقصص لها معايير محددة الأهداف، إذ أحد أغراضها خلق تأثيرات متوقعة.

لكن ماهي الفروقات بين القصة والتقرير، وكيف يمكن للكاتب استخدامهما لأهداف استراتيجية؟

 يعتقد الأكاديمي المميز لويس روزنبلات أن الناس بصورة عامة تقرأ لسببين رئيسيّين؛ التزود بالمعلومات ومعايشة تجارب حياتية.

وهو نفس الفرق بين التقارير التي وظيفتها إيصال الأخبار، وبين القصص التي تخلق في وعي القارئ تجارب جديدة.  التقارير تنقل المعارف، أما القصص فهي تعبر بالقارئ عبر الحدود الزمنية والجغرافية وتسافر به إلى عوالم خيالية. التقارير توجهنا إلى مكان ما، بينما القصص تأخذنا إلى هناك.

 التقرير قد يبدو كالعبارة التالية: سوف يجتمع مجلس المدرسة يوم الخميس للحديث عن الخطة الحديثة لمعالجة التمييز العنصري. أما القصة فهي تشبه ما يلي: لوحت واندا ميتشل بقبضتها في وجه رئيس مجلس المدرسة والدموع تنهمر بشدة من مآقيها.

الأدوات المستخدمة لتأليف التقارير والقصص أيضا تختلف. تعتبر الأسئلة الخمسة المعروفة في الصحافة (من، ماذا، أين، لماذا، ومتى) بالإضافة إلى (كيف)، وسائل ساعدت الكاتب كثيرًا في الحصول على المعلومات التي يتوقعها القارئ في المادة. وهي تستخدم بكثرة في كتابة التقارير، لأنها مخصصة لكي تعطي معلومات محددة ليس لها امتداد زمني، معلومات يسهل على القارئ استيعابها.


التقارير لا يجب أن تكون مملة، والقصة يجب ألا تُحكى بمبالغة زائدة قصد خلق التشويق.

انظر ماذا يحدث عندما نحلل تلك الأسئلة ونحولها إلى مكونات سردية:

من تتحول إلى الشخصيات.
ماذا تتحول إلى أفعال (ماذا الذي حدث).
أين  تتحول إلى مكان  وقوع الحدث.
متى تتحول إلى تسلل زمني. 
لماذا تتحول إلى السبب أو الدافع.
كيف تتحول إلى العملية (كيف حدث)
يجب على الكاتب أن يحدد مسبقًا إنْ كان ما سيكتبه يتطلب منه أن يصيغه على شكل قصة أو تقرير أو خليط بينهما.

الكاتب  والمعلم جون فرانكلن يرى أن القصص تتطلب لحظات صعود وهبوط في الأحداث، حبكات معقدةً، عمقًا فكريًا، وحلولًا لتلك العقد.

وبينما يخترع الروائيون هذه العناصر في قصة ما، يقوم كتاب الواقع بنقلها كما هي من أرض الواقع. في عقد الستينات من القرن المنصرم قام توم وولف بإيجاد الرابط بين الكتابة الواقعية للتقارير وبين تقنيات الكتابة الخيالية، من قبيل وضع المشاهد، عرض تفاصيل الشخصيات، تنسيق الحوارات، وتغيير صيغ سرد الأحداث.

 يحتاج السرد إلى قصة وراوٍ أو سارد لتلك القصة لكي يكتمل. في المشهد التالي من كتاب “قراءة لوليتا في طهران”، تسرد آذر نفيسي لحظة  مفاجئة من أحد دروسها السرية في الأدب:

عندما طرحت السؤال عمّن يحسن الرقص على الطريقة الفارسية على الصف، توجهت أنظار الجميع نحو سناز. وهي فتاة خجولة، ترفض أن تظهر مواهبها في الرقص على الملأ. قمنا بالتحلق حولها لحثها وتحفيزها لكي تقوم وترقص. وحين بدأت في التحرك من مقعدها بتردد كبير قمنا نحن بالتصفيق والشروع في الغناء. نبهتنا نسرين بأن نكف عن ذلك، لأن سناز كانت في طور القيام من مقعدها في بطء شديد، لاوية خصرها باشتهاء مقدس. وفي غمرة ضحكنا ومرحنا كانت هي تزداد شجاعة وجرأة. بدأت في تحريك رأسها يمنة ويسرة، تناغمت جميع أعضاء جسدها في تواصل أثيري.  تلوّى جسمها وهي تأخذ خطوات صغيرة لترقص بأصابعها ويديها. وجهها أضاء بنظرة مميزة توحي بالتحدي والجرأة وتجلب الاهتمام من حولها، لكن في اللحظة التي توقفت فيها عن الرقص، اختفت تلك الهالة المغناطيسية ورجعت لوضعها السابق.

يظل المقطع السابق يحرك مشاعري في كل مرة أقرأه. ربما لا أكون أعرف الكثير عن جنس المؤلفة أو معتقدها أو ثقافتها أو بلدها أو نظامه السياسي، لكن الثواني التي أستغرقها في قراءة تلك الكلمات أجد نفسي مع المؤلفة في نفس الغرفة. أقف في نفس الدائرة مع  الفتيات الإيرانيات، منتشيا بسحر الراقصة وهي ترقص.

 الكاتب الجنوب إفريقي هينك روسو يمزج بنجاح بين تقنية القصة والتقرير، حيث ينقلنا إلى عالم وزمن مختلفين، ويجعلنا في جملة واحدة  نمر بتجربة مريرة في غاية التأثير:

 حين أفاقت (اكالو جرايس جرال) من نومها كان بإمكانها الشعور بنسيم الليل البارد يلفح وجهها، لكنها لم تستطع التحرك قيد أنملة. كانت معظم أجزاء جسدها مغطاةٌ بالرمال. لكن أين ذهب مسدسها؟ كانت تعلم أن عقوبة إضاعة سلاحها الناري هي الضرب المبرح على يد قائدها في جيش المقاومة. وبينما هي تصارع للقيام من قبرها الضحل، تذكرت بوضوح أحداث ذلك اليوم.

لكي نفهم السبب وراء اهتمام المؤلف بحياة هذه المرأة الإفريقية، يشرح لنا روسو كيف قامت برحلة عصبية من جحيم الجهل إلى نعيم الدراسة في الجامعة، مستخدمًا الأسلوب التقريري لكي يقرب إلى عقولنا استيعاب هذه الرحلة القاسية:

 عدد النساء اللواتي يلتحقن بالتعليم ما بعد المدرسي على أطراف الصحراء الافريقية لا يتجاوز الربع من إجمالي الطلبة بحسب تقديرات البنك الدولي لتلك المنطقة في منتصف التسعينات. إذ يقضي حوالي ٦٠ بالمئة من النساء الإفريقيات حياتهن في العمل في الحقول والمزارع وتربية الأطفال. ومعدل إنجاب النساء في أوغندا هو سبعة أطفال للمرأة الواحدة، حيث الزواج المبكر شائع هناك، وعمر الفتيات اللواتي يتم تزوجيهن لا يتجاوز الرابعة عشر أحيانا في المناطق الريفية. وبينما توفر الحكومة الأوغندية ٩٠٠ منحة دراسية فقط  للراغبات في تكملة تعليمهن الجامعي، يصل مجموع المتقدمات لهذه المنح ١٠٫٠٠٠ امرأة.

 

رأينا كيف أن الكاتب خاطب عقولنا وقلوبنا في آن واحد عن طريق مزج أسلوب كتابة القصة والتقرير، مما جعلنا نفهم منطقيًا ونتعاطف شعوريًا.

ورش عمل: 

ضع في بالك وأنت تطالع الصحف اليومية الفرق بين القصص والتقارير. ابحث عن المواضع التي كان يجب أن تحتوي على بعض السرد، وميز في التقارير القصص المختبئة بين جنباتها.
استخدم النشاط السابق في مراجعة أعمالك. ابحث عن التقريرية في قصصك وعن السرد في تقاريرك.
أعد قراءة تحليلنا للأسئلة الستة في الكتابة الصحفية، وضعها حولك في المرة القادمة التي تكتب فيها. استخدمها لتحويل بعض مكونات التقارير إلى مشاريع سردية.
عندما تقرأ أية رواية مستقبلًا، انظر كيف زرع الكاتب بعض المعلومات السياسية أو التاريخية أو الجغرافية أو غيرها في نسيج السرد. وتعلم كيف لك أن تستخدم نفس التقنية حينما تكتب أعمالك الشخصية.

المصدر | تكوين

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads