الرئيسية » , » بثينة العيسى | لماذا كتبت إيميلي ديكنسون؟

بثينة العيسى | لماذا كتبت إيميلي ديكنسون؟

Written By تروس on السبت، 2 يناير 2016 | يناير 02, 2016

بثينة العيسى: لماذا كتبت إيميلي ديكنسون؟
ليس ثمة ما يفسّر الأمر.

لماذا يمكن أن يلجأ أحد إلى فعل أي شيء من دون مقابل؟


الكتابة هي المكافأة على الكتابة

إيميلي ديكنسون (1830-1886) رفضت أن تتزوّج، وأن تنتظم في وظيفة، ولم تسافر طوال حياتها. كرست حياتها الصامتة والمجهولة تمامًا للكتابة، وكتبت 1775 قصيدة لم تنشر منها، في حياتها، إلا سبع قصائد منسوبة لمجهول.

كانت تكتب بكثيرٍ من الجِدة والابتكار لدرجة خافت معها أن يعجز القارئ عن تذوّق ما تكتب، أن تتهم بالتجديف الأدبي، بأنّ ما تكتبه ليس شعرًا، بأنها تعبث بقوانين النحو الصارمة. كانت تكتب على طريقتها إلى الحد الذي جعلها تمتنع النشر. فما معنى أن تكتب شعرًا لا يشبه، بأي شكل، الشعر المتعارف عليه؟

نشرت الأعمال الكاملة لإيميلي ديكنسون عام 1955، أي بعد 69 سنة من وفاتِها. لم تتمتع في حياتها بالمجد الأدبي الذي حصلت عليه بعد رحيلها عن العالم. لم تكتب عنها الجرائد ولم تُدعَ لحضور المؤتمرات وإلقاء الندوات وإقامة حفلات التوقيع. لم تشهد العدد الهائل من المبيعات لمؤلفاتها ينمو أمام عينيها، ولم ترَ صورتها منشورة في جريدة. لم يكن ثمة مجد، مادي أو أدبي، من وراء الكتابة التي ارتكبتها إيميلي ديكنسون. فلماذا كتبت يا ترى؟

يعجز العقل المادي عن فهم الأمر، ولكن العقل الفنّان، العقل الكاتب، يعرفُ بأن الكتابة هي المكافأة على الكتابة. أن الفنّ هو الرحلة والوصول، أن الفن هو مكافأة نفسه.

العمل الفني لا يخضع لمنطق الفائدة، بل لمنطق الشغف الذي لا يعترف بأي منطق! العقل الفنّان يعرفُ بأن “الكتابة امتياز خاص، يحسدك عليه الملوك” كما يراها الشاعر البحريني الجميل قاسم حداد، ولأنها شيء يحسدك عليهِ الملوك والعبيد على حدّ سواء، فهي شيء فوق قوانين العالم الجافة، فوق الربح وفوق الشهرة وفوق المجد. إنها فوق الفوق، تنتمي إلى سماءٍ ما، إلى دنيا الشغف.

* نشرت في الصدى الإماراتية.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads