الرئيسية » » رواية سرير الرمان (٧) | أسامة حبشى

رواية سرير الرمان (٧) | أسامة حبشى

Written By تروس on الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015 | ديسمبر 22, 2015


 ​
(7)
أنا والبحر وخيمتى، فقد تذكرت رواية" بالومار"عندما جلس"بالومار" يحاول قراءة موجة ، حاولت تقليد" بالومار" وفشلت، وتذكرت مقطعاً من الرواية  
ل "كالفينو" يقول(ولولا هذا التلهف إلى التوصل لنتيجة ناجزة ونهائية، لكان مجرد النظر إلى الأمواج تمريناً مريحاً جداً من شأنه أن يبعد عنه الإنهاك العصبى وسداد شرايين القلب وقرحة المعدة . والأرجح لأنه ربما كان مفتاح السيطرة على تعقيد العالم برده إلى آليته الأكثر بساطة.)
 نعم أشعر براحة الآن ولكن لماذا تأتى أولى الذكريات من الأدب؟! وخاصةً من الروايات ؟ لا أعرف ؟ ربما لأن الأدب هو القيمة الإنسانية الخالدة رغم تبدل الزمن..ربما، بداخلى كنت أود عن حق تذكر أغنية محددة عن الرمان، ولكننى عجزت ولم أحزن كثيرا لعجزى.
مارست تدريباتى اليومية فى التذكر مستخدماً كل الوسائل، كالتحدث دائماً بصوت عالٍ وكتابة كل حرف يخرج من فمى وكل كلمة تعبر بذهنى. وأيضاً كتابة كل شىء أستطيع تذكره بمجرد استيقاظى من نومى. أما بقية اليوم فكان للحياة وللحفاظ عليها بيولوجياً.
​البحر...ترى ما هو إحساس البحر بنفسه وماهو إحساس الأمواج بذاتها، وماهو إحساس الرمال عندما تلتقى بماء البحر؟ البحر فى صلاته وفى كبرياءه يشبه الرمان، وبالنظر للبحر أدركت أنه أصل الرمان ،منه يثمر، وبه يكتمل وفيه ينفرط ، البحر هو الجنون الحاسب لخطواته بكل الظروف ، البحر هو المرادف لمملكة الطبيعة عبر اتحاده بالمرادف الآخر ألا وهو الصحراء ،وأنا الآن بين الصحراء والبحر.
   كتبت كثيراً فى هذا مستعيناً بكل ما أوتيت من قدرة لغوية سواء مجازية أو مباشرة، وكل مرة أكتب وأحتفظ لحين قدوم البدوى، أٌسمعه ماكتبت، واٌمزقه عندما أرى انفعالاته على ما كتبت ، والتى تؤكد أنه لم يحب ما سمعه . وذات يوم عندما أحس البدوى أن فشلى يقتلنى قال:
- يا بنى هل تركت روحك تهيم وتحط فى كل ماحولها؟ هل جربت رؤية كل مايحيط بك مرة أخرى؟ هل نظرت إلى أعضاء جسدك وفهمت ماتعانيه عندما تجبرها على شىء وهى متعبة؟ يابنى انظر إلى كف يدى هل تصدق أنى أعشق هذه الكف مثلما يعشق الرجل امرأة ما؟ أعشقها مثلما يعشق الرمان حبيباته ؟؟
كان البدوى محقاً والغريب أننى أجبته بمقطع أحبه كثيرًا. المقطع كان نهاية رواية"السيد بالومار" وكان يقول(إذا كان ينبغى أن ينفد الزمن ، فبالإمكان وصفه لحظة تلو اللحظة ،هكذا يفكر بالومار، وكل لحظة حين توصف تتسع لدرجة يصعب معها إدراك مداها).
 سألنى البدوى عن السيد بالومار ووجدتنى أقرأ له الرواية كاملة وأكثر جزء أحبه هو جزء "الكون بمثابة مرآة"
فى نهاية الحديث وجدتنى أصرخ:
- أنا أتذكر.
  احتضننى البدوى، ساعتها أدركت أن الكتابة تراوغنى وتستعصى علىّ مثل امرأة جميلة، وهو أن كل ماكتبت كان ينقصه شىء واحد ألا وهو التوحد مع ما أكتب، كيف يمكن أن أنسى أننى جزء من  الطبيعة؟ أننى قطعة من هذه الجبال؟ أو ذرة من هذه الرمال كما قالت السيدة العجوز منذ ثلاثة عقود مضت؟ ألم تقل لى إننى شجرة؟ فكيف تحس الشجرة ذاتها وتربتها وفروعها؟ إنه التوحد الذى هو روح الحال فى حد ذاته مثل الصوفيين .الغبار/الريح/ الهواء/ العمق الفراغى/ الماء/ النبتة/ الرمال/ الحصى/ الفضاء/ الشط/ الصخور/ الروح/ التبدل/الفناء/ الحياة/ الجنون، كل هذا ما يجب أن أكون عليه وعلىّ أن أتوحد معه وأيضا يجب أن أصف التوحد، فإن وصفته جيداً، فسأصبح ماهراً، لذا تدربت على جسدى وأعضائى فهى جزء منى، والتوحد لايكون إلا بالحب، أحببت يدى وقدمى وأصابعى وكل جزء بجسدى، إنها سحر الفلسفة، أن تصنع قوانين وإشارات خاصة لما تحب ولما تعتقد، وتذكرت سطراً ل"دوستويفسكى"فى رواية"الأبله"يقول( وكان الأمير ،على عادته،ينسب إلى نفسه كثيرا من الأخطاء وينتظر صادقا أن يعاقب) وتأكد لدى الآن أننى السيد بالومار والأمير مشكين ودومينجو المنحوس، بدأت التذكر حقا ،وتذكرت فتاة البار الأخيرة حيث تلك الليلة الغريبة كنت مقررا الذهاب للمقهى  والجلوس بمفردى لتذكر فتاة الأمس ومحاولة استطعام رمانها الذى مازال يسكن فمى، ولكن حضر صديقان ثم ثالث ودار نقاش بينهم حول أهمية مشوار الفنان محمد منير من عدمه، وتركز الحديث عن آخر " سى دى  أهل العرب والطرب" ، وهم لايعلمون بالطبع أننى أرى منير كالشمس الكاملة النضج والجمال لها أن تفعل ماتشاء وقتما تشاء حتى وإن قتلت أحيانا ، الخبث أحيانا من مميزات الكاتب ،لم يكن دفاعى عن محمد منير محض حب لفنه فقط وإنما محض عشق للرمان خاصة وأنه غنى للرمان، لم تكن أغنيته عن الرمان بمثابة أغنية وإنما كانت بمثابة الحالة التى صنعتها وصنعت منها محيطا كالطبيعة يحيط بى، الرمان يقذف بى للجنون وأنا أقذف العالم بالرمان، لذا حولت حياتى لشهور وكأنها مسرحا للرمان، كل من حولى لاينادوننى إلا برمان والفيس بوك على صفحتى تحول لصفحة الرمان ، وصارت الدقائق والثوانى فى حياتى رمانا ، وبالفعل كات أشهرا مليئا بالنساء وكأن القدر يأمرنى بالتحرك للبحث عن فتاة جديدة أو بمعنى أدق رمان جديد بطعم جديد،  أيها القارىء ها أنا أتذكر أغنية الرمان ،وأتذكر النساء ،عامة أيها القارىء ذهبت لهناك، وعجبا ما رأيت يا قارئى العزيز، ولا تستعجلنى فى السرد وتمهل، فالصيد أيها القارىء له طقوس وعادات وليس مجانيا او سهلا.
  المكان ليس مزدحما كالعادة، وهى مع صديقة و صديق أو عاشقها لاأعرف؟ جلست  بالقرب منهم ، يبدو أنها شمالية ،أى من الدول الإسكندنافية أو ايرلندا لا يهم من أين هى !!؟
 بيدها وشم الحناء يرقص على بياض بشرتها وسط الزغب، اليد بتناقض الألوان تشبه لوحة "للجزار" ومن الواضح أنها تفضل الاستايل الفرنسى فى الملبس، كل ذلك بصراحة لم يشدنى إليها ، ولكن  كان هناك ماهو أعمق وأجدى، نصفها الأسفل، كان أشبه بعالم خاص، كون خاص ،عالم ينتفض من قوة الكمال، بالفعل يالها من ساقين تلك التى تنتهى بإستدارة إلهية الصنع ، الحقيقة أن بطن فخذيها تكاد تلتهم قاعدة الكرسى الخشيبة انتقاما من عدم فك أسرها، كان محيط فخذها به لسعات الجنون والغياب معا، محيط ينتقم من نفسه مثلما ينتقم طفل فقد كل عائلته بفليم هندى جيد الصنع، ها أنا أتلاقى مع نصفها الأسفل فى الجنون والانتقام ،هاهو نصفها الأسفل مثلى يشتهى الإجرام والقتل .
  تلاقت النظرات ، وصار الأمر مبارزة تحدٍ وجنون، كل منا اخترع طريقة  وسببا للكلام ،وأخيرا وجدنا جسر التواصل عبر اللعب مع الطفلة "حنان" بائعة الجرائد مع أمها، نعم أنا وهى قاتلان محترفان رغم فارق العمر بيننا فقد كانت فى الواحد والعشرين من عمرها، قمنا باستغلال طفلة واخترعنا عطفا لصالح الطفلة بالاساس لم يكن عطفا بقدر ما كان طَعما للصيد.
    انتقلت للجلوس بطاولتها، وبدأ نزيف الكلمات ، ولم تتوقف الأحرف عن التواصل ، كل منا أوصل للآخر ما فى العمق.
   فى لحظة حاسمة مالت علىَّ وقالت:
- انت تريدنى الليلة..أرى ذلك فى عينيك..صح؟؟
قلت:

- طبعا
ضحكت وقالت:

- عليك أن تحاول أكثر من هذا.
وبدأت تتحدث لصديقتها

قاطعت حديثهما وقلت لها هامسا وانا أشير على فخذها :

- هل يطيق الفخذ هذا البنطال؟؟
قامت بدلع وهى تكاد تقع من الضحك ثم مالت علىَّ هامسة:

- سأذهب إلى الحما م وسانزع بنطالى وسأسأله؟
مددت يدى وتحسست شعرها ، همستُ بغرض الضربة القاضية :

- لقد جاوبنى فخذك منذ فترة،  اذهبى وعندما ترجعين سنرى أية إجابة هى الصحيحة ؟
اعتدلت فى الوقفة ونظرت للجميع ومن الواضح أن صديقتها تتابع المباراة بيننا، وقالت بلهجة حاسمة ولغتها الدارجة شيئا حيث لم تعد تتحدث الإنجليزية ، ولكننى فهمت أنها ستفعل شيئا غير الذهاب للحمام الآن، وعادت للغة الإنجليزية وأخبرت الجميع أنها ستخرج لتشترى شيئا،ثم أشارت لى بالوقوف وقالت لهم

- سيصحبنى هو
وقفت وفهمت أنها تود الذهاب لمكان ما نستطيع فيه اكتشاف إجابة فخذها.

ذهبت لمنزل الرمان الجديد،الرمان الإسكتلندى وبمجرد الدخول قالت:

- أود الموت والحياة معا.هل تفهم ما أعنيه؟
قلت:

- وأنا أود أن أشمّ وأن أدخل فى كل مسام جسدكِ يا رمانة.
بحلول الصباح أيها القارىء أفقنا من الجنون وأغلقنا باب الجنة على الرمان وصارت الأجساد مرتعا للسعات الشمس الأولى بجانب النافذة واكتشفت أن للغياب لسعات كالنار ولفخذها لسعات الجنون.
   قرأت للبدوى ماكتبته ، ولم يعلق سوى بابتسامة عطوفة ، ولكن السير فى المكان المحيط بى الآن أفقدنى كل نشوة تخللتنى أثناء تذكرى وصار سردى لتذكرى فى محيط الورقيات البيضاء مجرد أحرف عاجزة عن تجاوز سحر موج البحر أو سحر النظر بالساعات لصخرة فى جبل يقف بشموخ.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads