الرئيسية » » رواية سرير الرمان (٦) | اسامة حبشى

رواية سرير الرمان (٦) | اسامة حبشى

Written By تروس on الاثنين، 21 ديسمبر 2015 | ديسمبر 21, 2015


(6)

 البدوى يقيم فى خيمة أشبه بغرفة مفتوحة الاتجاهات ماعدا السقف الخيمة مصنوعة من جريد النخل، ومفروشة بالكليم البلدى، بجانب الخيمةفى منحدر بينها وبين الجبل- صنع البدوى بئراًصغيراً من أجل الحصول على الماء، لا محتويات بالخيمة سوى بعض الأغطية التى جلبها من أولاده، يمتلك جملاً وماعزين وحصاناً، يقول أنه كل فترة يذهب حيث الكهرباء
والمحال- كما يحب أن يسمى القرى/المدينة السياحية-  يبتاع بعض السكر والشاى والخبز، يخزن منها ما يكفى لشهور، خلالها لايفعل شيئاً سوى مراقبة الرمال والصخور والجبال، يجمع الحصى،ويحصى الخطى، علمنى البدوى فى ثلاثة أسابيع لغة الصمت والمراقبة، وصيد الحيوانات البرية وكيفية تخزين لحومها بعد الشواء، وأيضاً كان حديثى معه قد ساعدنى فى تدريبات التذكر التى صنعتها بطريقتى، فكل كلمة قالها البدوى، أتذكرها، لذا هناك أمل فى استعادةذاكرتى، كان البدوى يرقبنى عندما أكتب فى صمت وفضول، وكثيراًما قاطعنى سائلاً أسئلة فضولية، انتهت جميعها بكسر توقعاته الأولى عندما ظن مثلاً أننى صحفى أو باحث، وعندما أنهيت فضوله وأخبرته أننى روائى  وأننى بصدد كتابة سيرة حياتى، قال بخبث وذكاء:
- كيف تُكتب اللحظات ؟ وهل يمكن أن تكتب إحساس الشمس مثلا عندما تتوسط السماء أو احساس ذرة الرمل عندما تدهسها بقدمك؟.
  السؤال كان محيراً جداً، فهل فعلا هناك كاتب قادر على وصف هذه الأحاسيس؟ وذهبت فى صمت ،أخرجنى منه البدوى عندما قال مجدداً:

- لاتهتم يا بنى بسؤالى، وتابع ما تفعل، فقط ؟
أردت فقط - قبل أن تسطر الكلمات بجانب بعضها البعض- أن تفهم أن لكل شىء فى الطبيعة إحساسه الخاص به والذى من المؤكد يختلف عن إحساسنا به، لا أعرف لماذا سألته عن حياته مع الرمان، ولاأعرف لماذا أجابنى:
-
النساء كالرمال تتغير لمستها مع تغير انعكاسات أشعة الشمس عليها،ولكن دائما هناك رمانة/أمرأة تستيطع فقط وحدها الإحتفاظ قدر المستطاع بلمسة تتحدى كل متغيرات الحرارة ،أتفهم يابنى؟
قلت:
-
تقريبا سيدى.

  الحقيقة أننى قرأت كثيراً فى الأدب العالمى وفى المدارس النقدية والنظريات الفلسفية، ولكن هذه الكلمات القليلة المختصرة منلسان البدوى لم أجدها فى كتاب من قبل.

 فى نهاية الأسابيع الثلاثة أخذنى هو عبر ممرات جبلية مهجورة لمكان أشبه بجزيرة صغيرة، أخذنى للبحر، كان المكان مهجوراً فعلاً، وساعدنى العجوز فى صنع خيمة صغيرة مثل خيمته خلال أيام قليلة، وفى صنع بئر صغير، البدوى كان كل يوم يأتينى بما يلزم للخيمة ، وأخيرً جلب لى بعض الغطاء والسكر والشاى. وكان يقول إنه لاينتظر شيئاً فى المقابل سوى السماح له بالمجىء والفضفضة عندما يحتاج. والحقيقة أنه لو لم  يطلب منى هذا لطلبته منه أنا، صرت والبدوى  صديقين يتقابلان من آنٍ لآخر.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads