الرئيسية » , , , , , , , , » مقطع من كتابها »أصوات من تشيرنوبل«: مونولوج الأكاذيب والحقائق | أحمد صلاح الدين

مقطع من كتابها »أصوات من تشيرنوبل«: مونولوج الأكاذيب والحقائق | أحمد صلاح الدين

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015 | أكتوبر 13, 2015

ذهبت جائزة نوبل للأدب هذا العام وقيمتها ثمانية مليون كورونة سويدي إلي الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليسكيفيتش، وهي المرأة رقم 14 التي تحرز الجائزة المرموقة في التاريخ. وقع الاختيار علي سفيتلانا من بين 198 مرشحا للجائزة. وقد أعلنت الخبر سكرتيرة الأكاديمية الدائمة سارة دانيوس، الناقدة والكاتبة السويدية، التي تعتبر المرأة الأولي التي تشغل هذا المنصب، خلفا لبيتر انجلوند اختيار الكاتبة اليبلاروسية لنيل الجائزة  لهذا العام جاء "لكتاباتها متعدد الأصوات: معلما أثريا  للعناء والشجاعة في عصرنا". وقد رشحت سارة للقراء "وجه الحرب  غير الأنثوي" الذي صدر عام 1985 في انجلترا، وهو عبارة عن مجموعة من المقابلات مع مئات النساء  السوفيت ممن شاركوا في الحرب العالمية الثانية. وصفت سارة الكتاب أنه "تاريخ مجهول" استطاع  أن "يقربك من كل فرد". خلدت أليكسيفيتش أصوات تلك النساء: "سترحلن جميعا، خلال سنوات قليلة." وعندما اتصلت بها سارة لإبلاغها بالخبر، ردت سفيتلانا بكلمة واحدة "رائع!" قالت دانيوس أن جائزة هذا العام قد فتحت مجالا أوسع لمفهوم الجائزة في مجال الأدب. وقد ابتكرت أليكسيفا، وفق قول سارة، "نوعا أدبيا جديدا"، محققة تفوقا واضحا "لا يقتصر علي المحتوي فقط، إنما في الشكل كذلك". وامتدحت سارة كتابة سفيتلانا و"اكتشافها للفرد السوفيتي، فقد أجرت الآف وآلاف من المقابلات مع النساء، بأطفال ورجال. وقدمت تاريخا من العواطف، تاريخا للروح."
ولدت الكاتبة سفيتلانا أليكسيفيتش عام 1948 في المدينة الأوكرانية إيفانوفراكفيسك، لأم أوكرانية وأب بيلاروسي. انتقلت العائلة للعيش في بيلاروسيا بعد أن أنهي والدها الخدمة العسكرية. عملها الأول "وجه الحرب غير الأنثوي" واحد من مجموعة كتب لسفيتلانا حملت اسم "أصوات اليوتوبيا"، التي قامت فيها برسم صورة للاتحاد السوفيتي من وجهة نظر الفرد. ثم طبقت طريقتها التاريخية الثورية، وهي عبارة عن كولاج لمجموعة من الأصوات البشرية، خاصة بكارثة تشيرنوبل "أصوات تشيرنوبل" التي صدرت عام 1997، ثم الحرب السوفيتية علي أفغانستان في كتابها "صبية الزنك"، الذس صدر عام 1990. قضت الكاتبة، التي قدمت انتقادات للاتحاد السوفيتي، ثم النظام البيلارويس بعد ذلك، جزءا من حياتها في الخارج، من إيطاليا لفرنسا، ومن ألمانيا للسويد.
قال ديميتري بيكوف، الكاتب والصحفي الروسي الشهير، أن سفيتلانا أليكسيفيتش هي التلميذة التجيبة للعظيمة البيلاروسية أليسيا أداموفيتش.  وكما نعرف أليسيا أداموفيتش، فإنها نذرت حياتها لتناول تراجيديا القرن العشرين في كتاباتها، وهو ما يشير إلي مأساة جرح مشاعر البشر. وتشير أداموفيتش إلي أن هناك نقص واضح في الأدب في مسألة تناول الكوارث، الحروب، والمآسي الشخصية. وهكذا تفكر سفيتلانا أليسيفيتش. ويعتبر ديميترس بيكوف أن فوز سفيتلانا بالجائزة يشير إلي اهتمام لجنة التحكيم الأساسي بالبعد والأهمية الاجتماعية للنص، قبل التركيز علي قيمته الفنية. ويري بيكوف أن سفيتلانا تمك مهارة ومقدرة عالية في توظيف لغة الكتابة الصحفية. و أنها، كما يؤكد ديميتري، تستخدم تقنية سردية جديدة، وهو ما لاحظته لجنة التحكيم، فلجنة التحكيم رأت فيها تجسيدا لابتكارات جديدة في عالم الكتابة. كما أنها، والكلام لا زال لبيكوف، تعتبر الكاتبة السوفيتية الرابعة التي تفوز بجائزة نوبل للآداب. يقول بيكوف: "بالطبع بيلاروسيا دولة مستقلة ... لكن تكوين سفيتلانا ككاتبة ونيلها الشهرة كان في زمن الاتحاد السوفيتي، لذا يمكننا القول أنها تنتمي إليه." فقد فاز بجايزة نوبل من الروس باريس باسترناك، ميخائيل شولوخوف، ألكسندر سوجينتسين، يوسف برودسكي. 
وقد ذكرت سفيتلانا في احدي المقابلات : "أرسم صورة لبلدي وأهلي في زمن عشته. رغبت في رؤية أعمالي كسجل، موسوعة للأجيال التي أنا منها وبصحبتها أسير. كيف عاشوا؟ بم آمنوا؟ كيف قتلوا، وكيف قتلوهم؟ كيف أرادوا أن يكونوا سعداء، ولماذا فشلوا في تحقيق السعادة. "  كما قالت أيضا :" يتحدث في كتبي أناس حقيقيون عن الأحداث الهامة مثل الحرب، كارثة تشيرنوبل، وسقوط امبراطورية عظيمة."  وأنها "لا تكتب تاريخا جافا من الأحداث والحقائق، إنما أكتب تاريخا من المشاعر الإنسانية، ونقدم مقطعا من كتابها »أصوات من تشيرنوبل«

كتبوا عشرات من الكتب. إصدارت سمينة مصحوبة بتعليقات. لكن يظل الحدث دون أي وصف فلسفي. قال لي أحد الأشخاص، أو ربما قرأت ذلك، أن مشكلة تشيرنوبل تبدو كاشكالية لفهم الذات. يبدو هذا صحيحا. أظل أنتظر أحد الأذكياء ليقوم بتفسير ذلك لي. الطريقة التي أخبروني بها عن ستالين، لينين، والبلاشفة، أو الطريقة التي ظلوا يها يطرقون علي عبارتهم "السوق! السوق! السوق الحر!" لكننا  نحن الذين كبرنا في عالم دون تشيرنوبل، لازلنا نعيش في ظل تشيرنوبل. 
مهنتي حقيقة تتعلق بالصواريخ، فأنا متخصص في وقود الصواريخ. أخدم في مركز إطلاق الصواريخ في بايكونر. أخذت برامج مثل كوزموس، انتركوزموس جزءا كبيرا من حياتي. كان زمنا اعجازيا! تمنح الناس السماء، القطب الشمالي، كل شيء! تمنحهم الفضاء! ذهب كل فرد من أفراد الاتحاد السوفيتي إلي الفضاء بصحبة يوري جاجارين، انفصلوا عن كوكب الأرض معه. كلنا فعلنا! لازلت واقعا في حبه  كان رجلا روسيا رائعا، يملك هذه الابتسامة البديعة.  حتي أن موته بدا كأنه خضع للإعداد الجيد.
كان زمنا اعجازيا! انتقلت لبيلاروسيا لأسباب عائلية، انهيت مهنتي هناك. عندما وصلت، اندمجت في عالم فضاء تشيرنوبل، وكان هذا تقويما لإحساسي بالأشياء. كان من المستحيل أن تتخيل أي شيء مثل هذا، رغم أنني تعاملت دوما مع أحدث أنواع التكنولوجيا، تكنولوجيا الفضاء الخارجي. من الصعب علي أن أشرح  أمر لا يناسب الخيال  فعلا . منذ لحظة مرت، تصورت أني أمسكت بها، فقط منذ لحظة  وهذا يدفعني للتفلسف. لا يهم مع من تتحدث عن تشيرنوبل، الجميع يريد أن يتفلسف. لكني أود أن أخبرك بم يتعلق بعملي. ما الذي لا نفعله! نبني كنيسة  كنيسة تشيرنوبل، تكريما علي شرف أيقونة أم الرب، نكرسها للـ "عقاب". نجمع التبرعات؛ نزور المرضي ومن هم علي وشك الموت. نكتب التاريخ. ننشيء متحفا. اعتدت علي الاعتقاد أنه في الحالة التي عليها قلبي، لن يكون في استطاعتي أن أعمل في هذه الوظيفة, كانت تعليماتي الأولي: "هاك المال، قسمه بين خمسة وثلاثون عائلة، أي بين خمسة وثلاثون أرملة." كل الرجال صاروا مسئولي تصفية/تفليس. لذا عليك أن تكون عادلا. لكن كيف؟ لدي احدي الأرامل ابنة مريضة، أخري لديها طفلان، وثالثة مريضة، تدفع ايجار شقة، ورابعة لديها أطفال أربعة. أستيقظ ليلا وأنا أفكر: "لماذا لا أخدع أحدا؟" فكرت وحسبت، حسبت وفكرت. لكني لم استطع أن أفعلها. لقد انتهي بنا الأمر أن نوزع المال بعدل، وفق القائمة.
إبني الحقيقي هو المتحف: متحف تشيرنوبل. إنه صامت. أحيانا كنت أظن أنه سيكون لدينا صالة للعزاء، وليس متحفا. أعمل في لجنة الجنازات. لم انزع معطفي هذا الصباح عندما جائتني امرأة باكية، ليست باكية لكنها تصرخ: "خذ ميدالياته وشهاداته! خذ كل شيء! أريد زوجي!" ظلت تصرخ هكذا لوقت طويل. ثم تركت ميدالياته وشهاداته. حسنا، سيتم وضعها جميعا في المتحف، للعرض. يمكن أن يشاهدها الناس. لكن بكائها، لم يسمع بكائها أحد غيري، وعندما أضع هذه الشهادات في المتحف للعرض، سأظل أذكر البكاء.
الكولونيل ياروشوك علي فراش الموت الآن. كيميائي ومحدد للمعدلات. كان يتمتع بصحة كثور، الآن يرقد مرتعشا. تقلبه زوجته كوسادة. تطعمه بملعقة. عنده حصوات علي الكلي، يجب تفتيتها، لكن لا نملك المال لمثل هذه العمليات الآن. إننا فقراء، نحيا علي ما يعطيه الناس لنا. وتتصرف الحكومة كمقرض للمال، فقد نست هؤلاء الناس. عندما يموت، سيطلقون اسمه علي الشارع، المدرسة، أو علي وحدة عسكرية، لكن هذا فقط ما يحدث عقب موته. كولونيل ياروشوك. تمشي في المنطقة وحدد نقاط الإشعاع الأقصي  استغلوه بكل ما تحمل الكلمة من معني، وكأنه انسان آلي. وقد فهم هذا، لكنه ذهب، وخرج من المفاعل نفسه علي قدميه إلي الخارج حيث القطاعات التي يغطيها المجال الإشعاعي. علي قدميه، حاملا جهاز قياس المعدلات في يديه. عندما يحدد نقطة اشعاع، يدور حولها، حتي يمكنه تحديد مكانها علي الخريطة بدقة.
ماذا عن الجنود العاملين علي سطح المفاعل؟ تم اسقاط حوالي مائتي وعشرة وحدة عسكرية وقت وقوع الكارثة، بما يعادل 340 ألف شخص. أكثر من عاني المجموعة المسئولة عن تنظيف السطح. ورغم ارتدائهم للجواكت الواقية، إلا أن الإشعاع كان يصعد من أسفل، ولم تتوفر لهم الوقاية المناسبة. كانوا يرتدون أحذية جلدية رخيصة. كانوا يقضون فترة منن دقيقة ونصف إلي دقيقتين علي السطح يوميا، ثم يتم عزلهم، مع الحصول علي شهادة ومكافأة قدرها مائة روبل. ثم يختفون في أطراف بلدنا الواسعة. علي السطح، كانوا يجمعون الوقود والرصاص من المفاعل، مع قطع الأسمنت والمعادن. يستغرق امتلاء عربة يد من عشرين إلي ثلاثين ثانية، ثم ثلاثون ثانية للتخلص من "النفايات" وإلقاؤها من علي السطح. هذه العربات الخاصة وحدها تزن أربعين كيلوجراما. لك إذن أن تتصور: واقي رصاصي، أقنعة، عربات يد، وسرعة جنونية.                   

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads