نوبل للآداب...خنجر في ظهر بوتين - حميد عبد القادر

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015 | أكتوبر 13, 2015




لا يمكن قراءة فوز الروائية البيلا روسية سفيتلانا ألكسييفتش، بجائزة نوبل للآداب أول أمس الخميس، إلا من زاوية السياسة. إذ يُعرف عن ألكسيفيتش، أنها كاتبة ملتزمة، ناهضت الإيديولوجية ما بعد السوفييتية في جل أعمالها الروائية، وتحدثت عن انحرافات "البيروسترويكا"، واعتبرتها بمثابة "لحظة عمى"، وقدمت الإنسان ما بعد السوفيتي في صورة شرير يتوق لخوض غمار حروب استعادة المجد الضائع. وتعتقد أن "الإنسان السوفيتي"، وعقلية انتاج "الغولاغ"، لم يعرف الزوال، بل بقي قائما في النفوس، مع بقاء ثقافة العنف، والعبث اليومي.
 
وجاء منح سفيلتانا أليكسييفتش جائزة نوبل للآداب لهذا العام، لتأجيج النقاش والجدل ليس على الرواية والأدب، بل على شخص وطموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى بلد صغير يدعى "روسيا البيضاء" لا يزال يعيش تحت وطأة الديكتاتورية. فالروائية البيلا روسية، لا تحمل الرئيس بوتين في قلبها، وتكن له الكثير من الكراهية. وقالت في تصريحات صحفية إنها تحب الفضاء الروسي، الطيب والإنساني، الذي ينحني العالم برمته أمامه، وهو فضاء فن الباليه، والموسيقى، والأدب، لكنها تشعر في المقابل بالقرف والتقزز من عالم "بيريا"، و"ستالين"، و"بوتين". وتنظر الروائية لروسيا اليوم كدولة "تتلذذ بمشاهدة الآخرين وهم يحتضرون، وتؤمن أن المشاكل لا تحل إلا بالقوة والعنف".
 
وبحسب أليكسييفتش، التي تبدو امرأة جريئة، لطيفة، ومُسالمة، فإن بوتين "ديكتاتور مُستبد"، وزعيم شعبوي، يحمل عقلية "عقيد الكا، جي ، بي"، لم يتردد على اخضاع الشعب الروسي لغسيل مخ، بغية تحقيق حلم امبراطوري كبير هو "انشاء روسيا الكبرى". وفي عام 2014، قالت ألكسييفيتش في حوار مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن روسيا التي يريدها بوتين بصدد العودة للقيم التقليدية الروسية، على حساب القيم الغربية، فأبدت تخوفاتها مما أسمته "تنامي الروح الوطنية". وفي المحصلة، فإن أليكسييفتش، تعتبر بمثابة الروائية والمثقفة الأكثر قدرة على توجيه سهام النقد، ضد فلاديمير بوتين وأنصاره، وضد كل من يريد التخلي عن القيم الليبيرية، ويميل إلى اعادة أفكار كارل ماركس في مثل هذه الظروف الاقتصادية العصيبة التي يمر بها العالم، جراء سياسات ليبرالية متطرفة. 
 
لقد أرادت لجنة نوبل أن تبرز للعالم قوة روائية تعتقد أن "الإنسان السوفيتتي" لم ينته مع سقوط جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفييتي. ففي روايتها الشهيرة "نهاية الإنسان الأحمر"، كتبت أن مرحلة ما بعد السوفيتية ليست مرحلة سعيدة، يمكن الافتخار بها، بحكم أن "الإنسان ما بعد السوفييتي" ورث الستالينية وتمسك بها. وأخطر من هذا، قدمت أليكسييفيتش الإنسان السوفيتي لمرحلة ما بعد الشيوعية، كانسان خاضع للرغبة في الانتقام، يعيش على وقع "نوستالجيا" مرضية تعيده دائما للزمن القديم، وللنظام العتيق الذي يريد بوتين احيائه حسب اعتقادها.
 
وتعبر اليكسييفيتش عن أفكار التيار الليبرالي داخل الفضاء الروسي، وهو تيار يناهض أفكار وتوجهات التيار "السلافي" الذي يدعو إلى اختيار نهج مستقل عن الغرب. واليوم نجد أن كل الصراع السياسي في روسيا يخضع للجدل بين هذين التيارين، وهو جدل يعود إلى القرن التاسع عشر. 
وتبقى جائزة نوبل للآداب بمثابة انعكاس للقيم الغربية لوحدها. جائزة غير بريئة لا تقبل الاختلاف، مشبعة بالسياسة إلى حد كبير، لها أغراض أيديولوجية، وهي وسيلة ناجعة للوقوف في وجه كل ما يخالف هذه القيم، ويختلف عنها. فهذا هو دأب اللجنة مع الكتاب الروس بالأخص، فقد اختارت اسم بوريس باستيرناك سنة 1958، بعد أن كتب رواية "الدكتور جيفاغو" التي رسمت لوحة سوداء عن روسيا السوفياتية. ثم التفتت لألكسندر سولجنتسين سنة 1970، نظير ابدائه مواقف منتقدة للنظام الشيوعي في عز الحرب الباردة. وفي عام 1987، منحت الجائزة لجوزيف برودسكي، الذي عاش منفيا في الولايات المتحدة، وفضح بدوره مساوئ الستالينية. وفي عام 2015، اختارت اللجنة اسم روائية من بيلا روسية أين يتداول القراء رواياتها الخمسة في سرية تامة، خوفا من ردود أفعال نظام الرئيس "ألكسندر لوكاشينكو" الذي تقدمه وسائل الإعلام الغربية في صورة "أخر ديكتاتوري أوروبا". 

 
أعتقد أن منح الروائية البيلا روسية جائزة نوبل للآداب، لم يخضع للمعيار الفني والأدبي، بقدر خضوعه لظرف سياسي ظهرت فيه روسيا كقوة مستقلة، وبرزت كصوت مختلف له تصورات مغايرة في السياسة الدولية، وهو اختيار على شكل استعمال سياسي، يريد للرواية أن تحقق أغراضا سياسية.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads