فيما بورخيس يحاضر حول الخلود ادواردو غاليانو مثقف يناصر كرة القدم

Written By هشام الصباحي on السبت، 26 سبتمبر 2015 | سبتمبر 26, 2015

مونتفيديو -د ب أ

لم يعانق ادواردو جاليانو كرة القدم وبدون أي ندم فحسب، بل وفي غياب حالة انعدام الثقة التي كانت تولدها اللعبة الشعبية في باطن مثقفين آخرين سواء من اليسار أو اليمين، الذين كانوا يؤمنون بفكرة أن كرة القدم أفيون الشعوب، أو ببساطة أحد مظاهر السوقية، كانت له الريادة كمثقف ينخرط في هذا المجال حتى النهاية.وخير دليل على التيار السائد بين المثقفين هو القصة التي يضرب بها المثل في هذا السياق، ففي نفس الوقت الذي كان يخوض فيه المنتخب الأرجنتيني لكرة القدم أولى مبارياته في مونديال 1978، كان الأديب الأرجنتيني الأشهر خورخي لويس بورخيس يحاضر حول فكرة الخلود.

ومن الجانب الاخر، يقول خورخي فالدانو، الذي توج مع المنتخب الأرجنتيني بمونديال 1986 وأحد اللاعبين القلائل المهتمين بالأدب «إذا كانت كرة القدم بعيدة عن الفكر والثقافة، فهذا لأن المثقفين تركونا وحدنا»، مشيرا «المسؤولية تقع على كاهلهم هم، وليس نحن».

ولكن بالتأكيد هذا الكلام لا يشمل جاليانو، الذي لم يتنصل من رياضة هي في بلاده أوروجواي أكثر من مجرد لعبة. فهو يشعر بالشغف الذي أثارته في نفوس أدباء بارزين في أمريكا اللاتينية، بينهم مواطنه ماريو بينديتي والأرجنتيني روبرتو فونتاناروسا و البرازيلي شيكو بواركي.وفي إسبانيا كان الأديب مانويل فاسكيز مونتالبان والمغني جوان مانويل سيرات الاستثناء بين رموز عالم الثقافة الذين لم يخفوا شغفهم برياضة كثيرا ما استخدمها النظام أو انتزعت قيمها القواعد التسويقية، وفقا لما أكده جاليانو؛ لذا، فليس من الغريب أن ينعى عالم كرة القدم جاليانو بعد معرفة نبأ وفاة الكاتب الأوروجوائي.

وكتب النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، لاعب برشلونة الإسباني، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، «سيظل حاضرا في قلوبنا بأعماله»، وذلك رغم أن «البرغوث» أقر في أكثر من مناسبة بأن القراءة لا تثير اهتمامه كثيرا.

وعلى خطى ميسي، سار مواطنه وزميله في الفريق خابير ماسكيرانو، الذي وجه الشكر لكاتب «كرة القدم بين الشمس والظل»، بينما أعرب مواطنه دييجو مارادونا، متأثرا برحيل الأديب، مشيدا «كفاحه كلاعب وسط في منتصف الملعب، ولتسجيل الأهداف في ذوي النفوذ كرأس حربة»، و»تعليمي قراءة كرة القدم».

كما قدمت تعازيها العديد من الشخصيات والمؤسسات الكروية، بينها اتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم (كونميبول) والاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم ونادي برشلونة، وهي المدينة التي نفي إليها بين عامي 1976 و1985 خلال حقبة الديكتاتورية الأوروجوائية التي اعتبرته مثقفا خطرا.

وتوفي جاليانو في 13 من أبريل الفائت في مونتفيديو عن عمر يناهز 74 عاما، وكان على قناعة بأنه لاعب كرة قدم «متألق، الأفضل في العالم.. عندما كنت أحلم»، ولكنه لم يكن على أرض الواقع يتمتع بالمقومات التي تجعل منه لاعبا محترفا، وهو ما دفعه لأن يكون كاتبا.

 بهذه البساطة أوجز الأديب الراحل عشقه لهذه الرياضة التي أسرته منذ نعومة أظافره، متأثرا بالميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأوليمبية عامي 1924 و1928، والفوز بالمونديال في نسخته الأولى في 1930 وكذلك في 1950 بالبرازيل، عندما كان يبلغ من العمر عشر سنوات.ويرى الأديب أن كرة القدم هي «الديانة الوحيدة التي لا يلحد بها أحد»، وفي عالم الساحرة المستديرة كان فريق ناسيونال الأوروجوائي، عشق الأديب الأول، الذي «جعله يهتز بانجازاته ويعاني من اخفاقاته، وكان جزءا مهما للغاية من حياته»، وفقا لما جاء في نعي النادي لأحد أشهر مشجعيه.

ولكنه كان قادرا على تقدير موهبة المنافسين، وهو ما لم يمنعه من إبداء إعجابه بخوان ألبرتو سيكافينو (1925-2002) وخوليو سيزار ابادي (19930-2014)، واللذين كانا نجمي بينارول، الغريم التقليدي لناديه المفضل، ناسيونال.

بعد ذلك، أصبح من عشاق النجم الأرجنتيني مارادونا، ومن بعده ليونيل ميسي، حيث كان يقول مازحا «كما كانت الكرة مربوطة بقدم مارادونا، فإنها تكون داخل قدم ميسي، في ظاهرة فيزيائية غريبة.

وكتب جاليانو في «صاحبة الجلالة كرة القدم» (1968)، الذي سبق «كرة القدم بين الشمس والظل» (1968)، «لا نرى أنفسنا نحن رجال حوض نهر لابلاتا، وخاصة الشرقيون منا في أي نشاط آخر سواها»، وفي كلا الكتابين، أظهر الأديب الأوروجوائي شغفه وعشقه لتلك الرياضة، ولكنه ندد في الثاني بهياكل السلطة في كرة القدم، مثل الشركات، حيث كتب «تكنوقراطية الرياضة الاحترافية فرضت كرة قدم تعتمد بصورة كبيرة على السرعة والقوة الكبيرة تتخلى عن السعادة وتضعف الخيال وتحظر الجرأة».

وأضاف «لحسن الحظ لا يزال يظهر في الملاعب، وإن كان ذلك من حين لآخر، يظهر شخص جريء يخرج عن السيناريو ويرتكب حماقة مراوغة كل الفريق المنافس والحكم والجماهير بدافع متعة الجسم الخالصة الذي ينطلق نحو مغامرة الحرية المحظورة».

وكان جاليانو يحب كرة القدم في السراء والضراء، ولذا عندما عاد من المنفى كان من المعتاد أن يظهر في المدرجات يشارك الآلاف من المشجعين الذين لم يكن يعرفهم ولكنه يشعر معهم بألفة شغف أمسيات الأحد، لحظات السعادة والحزن التي يمر بها فريقهم.

بهذه المشاعر المترسخة، كان محتوما أن يتفاعل مع منتخب بلاده، خاصة بعد النجاحات التي حققها مع مديره الفني أوسكار واشنطن تاباريز الذي تولى المهمة في 2006 ليقود أوروجواي إلى المركز الرابع في مونديال جنوب أفريقيا 2010 والتتويج ببطولة كوبا أمريكا 2011 في الأرجنتين، والصعود إلى المركز الثامن في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).وفي منزله الكائن بحي بويثو على بعد عشر دقائق من وسط مدينة مونتفيديو لا تزال هناك اللافتة التي اعتاد جاليانو وضعها على البوابة الرئيسية خلال النسختين الماضيتين من المونديال، ومكتوب عليها «مغلق بسبب كرة القدم». 

مغلق بسبب كرة القدم
في منزله ادواردو جاليانو الكائن بحي بويثو على بعد عشر دقائق من وسط مدينة مونتفيديو لا تزال هناك اللافتة التي اعتاد جاليانو وضعها على البوابة الرئيسية خلال النسختين الفائتتين المونديال، ومكتوب عليها «مغلق بسبب كرة القدم».




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads