الرئيسية » , » الشاعر تشارلز بوكوفسكي: القصيدة بعوضة.. انتظرها لتصطادها | ترجمة عواد ناصر

الشاعر تشارلز بوكوفسكي: القصيدة بعوضة.. انتظرها لتصطادها | ترجمة عواد ناصر

Written By هشام الصباحي on الخميس، 17 سبتمبر 2015 | سبتمبر 17, 2015

ترجمة: عواد ناصر
هنري تشارلز بوكوفسكي - 16 آب (أغسطس) 1920 - 9 آذار (مارس) 1994 – شاعر وروائي وكاتب قصة قصيرة أمريكي واقتبس بعض أعماله إلى السينما. ولد في ألمانيا، نشأ وعاش في الولايات المتحدة. المحيط الاجتماعي البائس الذي نشأ فيه كان من أكبر المؤثرات في تجربته الأدبية خصوصاً أثناء إقامته في لوس أنجلوس. أضاءت كلمات هذا الشاعر/ الكاتب تلك الزوايا المعتمة في حياة الأمريكيين العاديين، وفي القلب منهم فقراؤهم، في ثيمات أساسية مثل فعل الكتابة، والكحول (كان مدمناً وله كتاب بعنوان "دفتر ملطخ بالنبيذ")، والعلاقات مع النساء، والكدح في العمل. كتب بوكوفسكي آلاف القصائد ومئات القصص القصيرة وستاً من الروايات، ونشر في نهاية المطاف أكثر من ستين كتاباً.
عاش سنيّه المبكرة وسط لوس أنجلوس ضمن عائلة معدمة، فأبوه أمضى جل حياته عاطلاً عن العمل وأمه كانت تعاني قسوة زوج متوتر وعصبي، مما جعل الإبن (تشارلز) خجولاً، وانعزالياً، وكثيراً ما تعرض لسخرية أطفال الحي بسبب لكنته الألمانية وملابسه التي كان والداه يلبسانها إياه، وإلى جانب هذا كان يعاني من صعوبات في القراءة، لتبدأ معاناته مع إدمان الكحول، شاباً، ويصف تعاطيه الكحول بأنه وسيلته الوحيدة التي ساعدته على التآلف مع الواقع. ومع بداية الحرب العالمية الثانية ارتحلت العائلة إلى نيويورك لتستقر هناك، ومنها بدأ بوكوفسكي حياته ككاتب محترف. في 22 يوليو عام 1944، بينما كانت الحرب العالمية الثانية مستمرة، اعتقل من قبل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في فيلادلفيا، بنسلفانيا، حيث كان يعيش في ذلك الوقت، بتهمة التهرب من التجنيد. احتجز لمدة 17 يوماً في سجن فيلادلفيا، وفي وقت لاحق فشل في امتحان التأهيل للخدمة العسكرية الإلزامية وحصل على إعفاء لأنه غير صالح للخدمة. كتابات مبكرة عندما كان بوكوفسكي في الرابعة والعشرين من عملاه نشر قصة قصيرة في مجلة تختص بنشر القصص، بعد إن رفضها الناشر مطولاً،. لينشر بعد عامين قصة قصيرة بعنوان "عشرون دبابة من كاسلداون"، عن دار نشر "The Black Sun" في عددها الثالث، لكن مسيرته الأدبية تعثرت بشكل حاد، وأصيب بخيبة أمل كبيرة من تحقيق أي نجاح أدبي وتوقف عن الكتابة لمدة عقد من الزمان، تقريباً، وهو العقد الذي وصفه بوكوفسكي بـ (عشر سنوات من السكر) الذي مثل له "سنوات ضائعة" حسب تعبيره. خلال هذه الفترة واصل حياته في لوس انجلوس، وعمل في مصنع للمخلل لفترة قصيرة مع قضاء بعض الوقت في زيارات بعض المدن والأماكن في الولايات المتحدة وأقام في منازل متواضعة ورخيصة ثم استقال من وظيفة أخرى هي العمل في مكتب للبريد، قبل أن يكمل فيه ثلاث سنوات. في عام 1955 كان يعالج من نزيف قرحة شبه قاتلة وبعد خروجه من المستشفى قال إنه بدأ في كتابة الشعر. في عام 1957 وافق على الزواج من شاعرة في إحدى المدن الصغيرة بتكساس تدعى باربارا راي لكنهما انفصلا، ثم توفيت في وقت لاحق في ظروف غامضة في الهند، فاستأنف حياته الكحولية من دون أن يتوقف عن كتابة الشعر. بحلول عام 1960 عاد بوكوفسكي إلى مكتب آخر من مكاتب البريد في لوس انجلوس، وهي الوظيفة التي تولاها لأكثر من عقد من الزمان، وبعد سنتين وقع في غرام جين بيكر كوني، وهو أول حالة عشق رومانسي في حياته لكن جين توفيت، أيضاً، ليعيش الشاعر حالاً من الخراب الداخلي والعذاب الكبير ما أثمر سلسلة من القصص والقصائد، إذا أن رحيل حبيبته ألهمه الكثير مثلما ألهمته في حياتها، كما كتب جوري شيرمان كاتب سيرة حياة بوكوفسكي. بداية عام 1967 بدأ الشاعر كتابة عمود صحفي بعنوان (ملحوظات عجوز قذر – صدر لاحقاً في كتاب حمل العنوان نفسه) لصحيفة (Los Angeles' Open City) لتغلق الصحيفة بعد سنتين، وينتقل بعموده إلى صحيفتين الأولى في لوس أنجلوس والثانية في نيو أورليانز، وتمكن بالاشتراك مع نيلي تشيركوفسكي، من إصدار مجلة ثقافية خاصة بهما صدر منها ثلاثة أعداد خلال سنتين. سنوات بلاك سبارو برس قبل بوكوفسكي، عام 1969، عرضاً من جون مارتن ناشر دار Black Sparrow Press)) لينهي عمله في مكتب البريد ويتفرغ كلياً للكتابة وقد بلغ التاسعة والاربعين من عمره. وعن تجربته الجديدة في دار النشر علّق في إحدى رسائله قائلاً: "لدي خياران: العمل في مكتب البريد حتى الجنون أو ممارسة الكتابة خارج هذا المكان حتى الموت جوعاً، فاخترت الموت جوعاً". بعد شهر واحد من ترك عمله السابق أنهى بوكوفسكي أولى رواياته وكانت بعنون "Post Office". ووفاء منه للسيد مارتن، مديره الجديد، الذي أبدى له أقصى دعمه الممكن مالياً ومعنوياً، واحتراماً لموقفه الإنساني منه ككاتب غير معروف، نشر بوكوفسكي أغلب أعماله الرئيسة التالية عبر هذه الدار، مع استمراره في نشر الكثير من المجاميع القصصية والشعرية لدى مطابع ودور نشر صغيرة، مستقلة، بهدف دعمها وتشجيعها. نساء يتحولن إلى كلمات شرع بوكوفسكي في إقامة علاقات عاطفية مع عدد من النساء، منها ما هو جاد والآخر عابر لا يتعدى الليلة الواحدة، فكانت ليندا كينغ، شاعرة ونحاتة، واحدة منهن، ليتألق الأثنان في عمل مسرحي، عرض لليلة واحدة فقط، بلوس أنجلوس، بعنوان (The Tenant) في السبعينات، كما قال الناقد روبرت بيترس. تجربته الغرامية الثانية كانت مع منفّذة تسجيلات، بشعر أحمر، تبلغ الثالثة والعشرين من عمرها، خصص لها الشاعر العاشق مجموعة شعرية بعنوان (Scarlet) نشرها لدى (بلاك سبارو برس - 1976)، وهذه المجموعة شكل من الإشادة الشخصية والإعجاب بالمحبوبة. ثمة امرأة أخرى أحبها بوكوفسكي واختار لها اسماً مستعاراً هو (تانيا) لاسم مستعار آخر هو (أمبر أونيل)! التقى بوكوفسكي، عام 1976، بليندا لي بيغل، صاحبة مطعم يقدم الغذاء الصحي، وهي ممثلة طموحة، أيضاً، ومحبة لماهر بابا زعيم إحدى الطوائف الدينية الهندية. بعد سنتين انتقل بوكوفسكي من منطقة شرق هوليوود، حيث عاش أغلب فترات حياته، إلى تجمع جديد في مدينة سان بيدرو، إحدى المقاطعات التابعة إلى لوس أنجلوس. لحقت به بيغل إلى هناك ليقيما معاً لمدة سنتين في علاقة شبه زوجية، بشهادة متصوف وكاتب يدعى مانلي بالمر هال. ظهرت بيغل، هذه، بإسم (سارة) في رواية كتبها بوكوفسكي، لاحقاً، بعنوان (النساء وهوليوود). تلكم العلاقات الغرامية أمدت الشاعر بمواد خام لكتابة قصص وقصائد عديدة. رحيل شاعر توفي بوكوفسكي إثر إصابته بسرطان الدم في 9 آذار (مارس) 1994، في سان بيدرو، في الثالثة والسبعين من عمره، بعد وقت قصير من إتمامه لروايته (Pulp)، وأقيمت طقوس العزاء بإشراف أرملته وعدد من الرهبان البوذيين، لتوضع على قبره شاهدة تقول "لا تحاول!" وهي عبارة وردت في إحدى قصائده التي ضمنها إجابته على سؤال عن سر الخلق الإبداعي، كما أو ضحها في رسالة إلى جون وليم كورينغتون، عام 1963، بقوله:" قلت لسائلي: لا تحاول، سواء للحصول على كاديلاك أو أن تبدع، أو تتخلد، فمن المهم جداً هو عليك بالانتظار، وإذا لم يحدث شيء انتظر أكثر، إن ما تنتظره مثل بعوضة هناك على الحائط عليك انتظارها حتى تكون طوع صيدك. اصطدها عندما تكون في أقرب نقطة". عشق بوكوفسكي لوس أنجلوس بشكل متعصب فهو لا يتخيل أن يعيش في أي مكان آخر، بل لا يستطيع أن يرى مدينة غيرها حيث نشأ وأقام وأحب وكتب. وصف أحد النقاد بوكوفسكي بأنه شاعر/ كاتب ضد السائد وكرس عمله الإبداعي لانتهاك المحرمات الاجتماعية حتى وصفه البعض بأنه معاد للمجتمع، ويتمتع بحرية داخلية مدهشة، ويمكن أن تدخل قراءاته الشعرية الحية في عداد "أعمال الشغب".

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads