الرئيسية » , , , » سعدية مفرح غاليانو.. ما زلتُ عاجزة!

سعدية مفرح غاليانو.. ما زلتُ عاجزة!

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015 | سبتمبر 08, 2015



سعدية مفرح


غاليانو.. ما زلتُ عاجزة!




بعد دقائق من قراءتي لخبر رحيل إدوادو غاليانو قبل يومين عدت وتذكرت أنني سبق وأن كتبت عن أول كتاب اطلعت عليه لهذا الكاتب العظيم في كتابي "شهوة السرد.. هوامش على حافة التأويل". عدت لما كتبت لأنقله هنا حرفيا، ولأكتشف الدهشة المبكرة التي كنت أعيشها وأنا أتلمس طريقي نحو عالم غاليانو. يومها كتبت؛ "الأصوات الأولى".. عنوان واحد من أجمـل الكتب التي أحتفظ بها دائما في أقرب رفوف مكتبتي إلى متناول يدي منذ أن أهداني إياه صديق ما زلت أتذكر حماسته الكبيرة وهو يقدمه إلي قبل سنوات قليلة بكلمات شفيفة.

 


و"الأصوات الأولى" هو الجزء الأول كتاب يقع في ثلاثة أجزاء ويحمل عنوان "ذاكرة النار" لكاتب أميركي لاتيني اسمه ادواردو غاليانو، ولد عام 1940 في الأورغواي وبدأ حياته رساما للكاريكاتير ثم محررا صحفيا نشيطا في كتابة مقالات حادة ولاذعة مما عرضه للنفي عام 1973 إلى الارجنتين حيث عاد فيها إلى ممارسة نشاطه الصحفي الانتقادي الساخر قبل أن ينتقل للعيش في أسبانيا ثم يعود إلى الأرغواي منتصف العقد الماضي (الثمانينيات).

 


وفي ذاكرة النار يحاول إدواردو غاليانو أن يختط لنفسه خطا أدبيا غير مسبوق وليس من السهل تصنيفه بدقة، يساعده في ذلك حس فطري ساخر وانتقادي يوظفه بعفوية في انتقاد الكثير من الظواهر والعلاقات الجديدة بحرية كاملة وعبر أكثر من وسيلة نتلمس فيها ملامح للقصة والمقالة والقصيدة واللوحة التشكيلية والرسالة التقليدية والشهادة الوثائقية والتحقيق الصحفي والتأريخ وأشياء أخرى من الصعب إدراجها في شكل محدد مسبقا.

 


ومن خلال مقدمة الجزء الأول من "ذاكرة النار" والذي ترجمه إلى العربية ووضع مقدمته الموجزة أحمد حسان، بلغة بسيطة تليق بنوايا الكاتب اللغوية، نعرف أن الكاتب في الأجزاء الثلاثة من كتابه "يبعث تاريخ القارة (أمريكا اللاتينية) منذ الفتح وحتى أيامنا على طريقته، ليس كوقائع مغلقة ميتة، بل كلهب يضيء ويحرق. وقد اختار أن يرسم لقطات هذا التاريخ كأنه يرسم لوحة جدارية هائلة يحار المرء في تصنيفها؛ هل هي تاريـخ أم رواية أم دراما، إنها كل ذلك وأكثر. ورغم ذلك فإن كل حرف يقوله يرتكز على أساس راسخ من الوثائق"، كما يقول حسان.

 


ورغم أن المترجم يتحدث في مقدمته عن مجمل الكتاب بأجزائه الثلاثة إلا أن ما بين أيدينا هو الجزء الأول منه فقط ولا ندري إن كـان المترجم قد أتم ترجمة الجزئين الباقيين أم لا خاصة وأنه يتحدث في نهاية مقدمته تلك إلى ما أسماه بشروط الناشرين الضيقة ومنطقهم الخاضع لاعتبارات الربح والخسارة، ألا أن هذا الجزء من الكتاب ينجح تماما رغم حجمه الصغير (ثمانون صفحة من القطع الصغير) في رسم ملامح متكاملة تقريبا لشخصية الكاتب والكتابة عززتها لدي ترجمة أخرى لبعض مقتطفات من الجزء الثالث من ثلاثية "ذاكرة النار" أنجزها أسامة إسبر ونشرت في أحد أعداد مجلة الكرمل الأخيرة.

 


ورغم أنني أعترف بعجزي عن تقديم مثل هذا الكتاب المهم في مساحة المقالة المحدودة هذه للقارئ إلا أن هذا لا يمنع أخيرا من الإشارة إلى بعض العناوين التي تندرج تحتها الاكتشافات الإنسانية " التي يتعامل معها غاليانو بموهبة مدهشة ولغة طازجة، مثل: الحب والخلق والزمن والشمس والقمر والمطر والسحب والريح والنار واللغة والنهار والقوة والحرب والأخطار والنبي والأرض الموعودة وغيرها من عناوين حاول من خلال إرجاعها إلى أصولها في أساطير الهنود الحمر أن يدافع عن تاريخ إنساني مهيض الجناح تحت وطأة القوة.. الحديثة".

 


انتهيت من قراءة ما كتبت لأجدني عاجزة مرة أخرى، وبعد أن أتيح لي أن أتعرف على عوالم غاليانو من خلال معظم ما نشر وترجم إلى العربية حتى الآن، عن توصيف كاتب يكتب بأصابع من نار عن تاريخ أمة واجهت قدرها بشجاعة لكنها شجاعة الضعفاء الذين يواجهون أسلحة القوى الغاشمة بقصيدة ووردة وحبة رمل ولمعة سراب بعيد لنهر يتدفق باطمئنان يحسبها الرائي دمعة وما هي بدمعة. إنها الشجاعة الحقيقية على أية حال!



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads