الرئيسية » , » الشاعر الأمريكي إزرا باوند: أنا الذي يعرف كل الدروب ترجمة وتقديم: صبحي حديدي

الشاعر الأمريكي إزرا باوند: أنا الذي يعرف كل الدروب ترجمة وتقديم: صبحي حديدي

Written By هشام الصباحي on الأحد، 9 أغسطس 2015 | أغسطس 09, 2015

الشاعر الأمريكي إزرا باوند: 
أنا الذي يعرف كل الدروب
ترجمة وتقديم: صبحي حديدي

 
لا يختلف مؤرٌخو الأدب الغربي، كما يجمع معظم نقٌاده، أنٌ الشاعر الأمريكي إزرا باوند (1885 1972) هو أحد أبرز آباء الحداثة الشعرية الأنجلو أمريكية، والشخصية الأشدٌ تأثيرا في ممثٌلي وتيٌارات وأساليب تلك الحداثة علي امتداد القرن العشرين بأسره. ولكنه قبل هذا كان شاعرا من طراز فريد، في ما يخصٌ مهارات كتابة الشعر من جهة، ومهارات التجريب فيه والتنظير له من جهة ثانية، فضلا بالطبع عن مكانته كناقد مثقف متمرٌس لم يكن أعظم شعراء الإنجليزية في مطالع القرن الماضي (الإيرلندي و. ب. ييتس) يتردد في تسليمه قصيدته ليجعمل فيها باوند ما شاء من تصحيح وحذف وتبديل. هذا أيضا كان حال شاعر كبير آخر هو ت. س. إليوت، الذي عهد إلي باوند بقصيدته الأشهر الأرض اليباب، فانتهت إلي ما نعرف اليوم. ويجقال، دونما مبالغة البتة، أنٌ مجموعة القصائد التي تناهز ال 120 قصيدة طويلة أو متوسطة، والتي كتبها باوند تحت عنوان موحٌد هو الأناشيد The Cantos، هي الإنجاز الوحيد العظيم للغة الإنجليزية في ميدان النوع الملحمي، ربما منذ قصيدة ملتون الفردوس المفقود، التي تعود إلي القرن السابع عشر. والأناشيد هذه تأملات روحية وفلسفية، وحفريات ثقافية وتاريخية مدهشة في الحضارة الحديثة، تعيد إنشاء أكثر من ألفي سنة من التاريخ الغربي، في مونتاج من الأسطورة القديمة والشذرة التاريخية والأغنية والحكاية. ولم يكن مدهشا أن يحقٌق هذا النصٌ الفريد المعادلة الصعبة بين إحياء الكثير من عناصر التراث، وتجريب الكثير من أدوات الحداثة.
ولد إزرا لوميس باوند في هايلي، آيداهو، ودرس في جامعة بنسلفانيا، حيث تعرٌف هناك علي الشاعر وليام كارلوس وليامز والشاعرة هيلدا دوليتل (ه. د.)، ثم انتقل إلي نيويورك وحصل من جامعتها علي درجة في الفلسفة، وعاد إلي بنسلفانيا لدراسة الماجستير في لغات الرومانس. وبعد تجربة تدريس عاثرة أبحر إلي أوروبا، مارٌا بفينيسا حيث طبع هناك مجموعته الشعرية الأولي بذبالات خامدة A Lume Spento، 1908. استقرٌ باوند في لندن، ودخل الأوساط الادبية لأمثال ييتس، فورد مادوكس فورد، وت. ي. هيوم، وسرعان ما حاز الشهرة كشاعر مع صدور مجموعته شخوص Personae، 1909، وكناقد في كتابه روح الرومانس The Spirit of Romance، 1910. ومنذئذ سوف يلعب دورا حيويا في تنشئة ورعاية عدد من الأدباء الطالعين، مثل إليوت وجيمس جويس، والإسهام الفعٌال في الكثير من المجلات الأدبية مثل Poetry، وThe Egoist، وThe Little Review، وNew Age. تزوٌج من دوروثي شكسبير سنة 1914، وفي سنة 1917 نشر أوٌل قصيدة من الأناشيد، ثمٌ أصدر مجموعته Hugh Selwyn Mauberley في سنة 1920، وغادر إلي العاصمة الفرنسية باريس، حيث أقام صداقات واسعة مع الدادائيين، جان كوكتو، إرنست همنجواي، وجرترود شتاين. 
وهناك أيضا، بدءا بالعام 1932، انخرط في صفٌ موسوليني، ونشر كتابا في الدفاع عنه بعنوان جيفرسون و/أو موسوليني، وبلغ حماسه للفاشية الإيطالية ذروته في الأحاديث الإذاعية الدورية التي كان يلقيها من راديو روما. وحين احتلٌ الحلفاء إيطاليا سنة 1945، ألقت القوٌات الامريكية القبض علي باوند وزججٌ به في سجن عسكري في بيزا. وفي تلك السنة تعرٌض لانهيار عصبي، أعلن الاطباء إثره أنه غير مؤهل نفسيا للمحاكمة، فنجقل إلي مصحٌ عقلي قرب واشنطن قضي فيه 12 سنة، حتي أفرج عنه سنة 1958 بعد سلسلة من حملات التضامن التي نظمتها شخصيات وهيئات ثقافية علي امتداد العالم. 
كان، إذا، شاعرا وناقدا ومؤلفا غزير الإنتاج متعدد الاهتمامات، ولكنٌ الجوهر في كلٌ نشاطاته كان إحياء الحداثة في الفنٌ والمجتمع من خلال خلق وحدة جديدة بين الماضي والحاضر. ولقد نهل من كلاسيكيات منسية أو مهملة في الآداب الأوروبية والأمريكية والآسيوية، ولهذا فإنٌ شعره يمثٌل مزيجا فريدا من الأشكال العتيقة، والتضمينات المعقدة، والتجريب الطليعي، والمهارات الفنية العالية، والسيطرة البارعة علي الشكل والمعمار. ومجموعته الأولي بذبالات خامدة، تعكس ميوله الغنائية الرومانتيكية المبكرة، وقربه من الموضوعات الكلاسيكية والقروسطية، فضلا عن تاثره بشعراء مثل روبرت براوننج، شارلز سوينبرن، وفرانسوا فيون. والمجموعات اللاحقة سوف تكشف المزيد من مهارات باوند الشعرية، والمزيد من تمثٌله لأشكال الشعر الأوروبي الكلاسيكي، والأنجلو ساكسوني، والفرنسي، والإيطالي، وشعر التروبادور في هذين البلدين، فضلا عن الأشعار الآسيوية والمشرقية.
وكان اهتمامه بالآداب الصينية قد ترك أثرا عميقا في شعره، وسرٌع في ابتكاره منهج الفكرة المرسومة Ideogram، وهي توسيع لمباديء المدرسة التصويرية بعد استلهام دقٌة ومحسوسية الحرف الصيني. وهذا ما يبرٌر استخدامه لمفردات أجنبية، وكتابات مصوٌرة صيني، أو حتي سلالم موسيقية للتعبير عن حالات أو مفاهيم محددة. وكانت ترجماته من الشعر الصيني، والتي صدرت في مجموعة Cathay، فضلا عن ترجماته لسونيتات الإيطالي جيدو كافالكانتي، بمثابة العلامات الأولي علي ميله إلي الأقنعة الدرامية أو الشخوص الوكيلة التي تتيح استدخال الماضي في نظائر تنتمي إلي الحاضر. وإذْ اتكأ علي الشاعر الروميٌ سكستوس بروبرشيوس لإبراز الموضوع الملحمي، فإنه ابتكر شخصية هيو سلوين موبرلي لكي يقارب موضوعات السخرية السوداء، ويرسم كاريكاتور الإنسان الغربي المعاصر، دون أن يغفل الجوانب المأساوية للإنسان ذاته وهو يعيش شرط ما بين الحربين الكونيتين.

قصائد

الشجرة

نهضتج ساكنا وكنتج شجرة وسط غابة،
عارفا حقيقة أشياء لم يقعْ عليها بصر من قبل:
عن دافني وقوس الغار
وعن الزوجين العجوزين الضيفين علي مائدة الربٌ
اللذين استنبتا الدردارة والسنديانة وسط السهل المنبسط.
ولولا التضرٌع الرقيق في كنف الآلهة،
ثمٌ دنوٌ الأرباب من المصطلي في قلب موطنها،
لمَا كان لهذه البدائع أن تجري:
ورغم هذا، ها أنني شجرة وسط الغابة
وثمة الكثير الجديد الذي أدركه
وكان، قبلج، حماقة في بصيرتي. (1)

بعيدا عن مصر

أنا، حتي أنا، هو الذي يعرف الدروب
في منعرجات السماء، والريح لهذا جسدي.

لقد أبصرتج سيٌدة الحياة،
أنا، حتي أنا، الطائر مع السنونو.

الأخضر والرمادي رداؤها
تجرجر أذياله في طول الريح.

أنا، حتي أنا، الذي يعرف الدروب
في منعرجات السماء، والريح لهذا جسدي.

Manus animum pinxit
 

يراعي في يدي

لأكتب القول المقبول...
وههنا فمي ليشدو بالغناء الصافي!

مَن عنده الفم الذي يتسلٌم النشيد،
أغنية اللوتس البلدي؟ 

أنا، حتي أنا، الذي يعرف الدروب
في منعرجات السماء، والريح لهذا جسدي.

أنا الشعلة الناهضة في الشمس،
أنا، حتي أنا، الطائر مع السنونو.

القمر لؤلؤة هائلة في مياه الياقوت الأزرق،
وباردة بين أصابعي المياه الدافقة.

أنا، حتي أنا، الذي يعرف الدروب
في منعرجات السماء، والريح لهذا جسدي. (2)
وهكذا في نينوي

بلي! أنا شاعر وعلي ضريحي
ستنثر الصبايا أوراق الورد
والرجالج الغارَ، قبل أن يفلح الليلج
في ذبح النهار بسيفه المظلم.

صاحِ! هذا الشيء ليس لي
وليس لكَ لكي تخفيه،
ذلك أنٌ العادة عتيقة، عتيقة
وهنا في نينوي أبصرتج
أكثر من صادح يمرٌ ويحتلٌ مكانه
في تلك القاعات المعتمة حيث لا أحد يعكٌر
صفو منامه أو أنشودته.
وحيث الكثيرون أنشدوا أناشيده
بمهارة أعلي، وروح وثابة أشدٌ منٌي بأسا:

أكثر من شاعر واحد سوف يتفوٌق
علي جمالي الذي تتآكله الأمواج،
بما لديه من رياح الزهر
بيد أنني الشاعر، وعلي ضريحي
سينثر كلٌ الرجال ورق الورد
قبل ان يذبح الليلج الضياءَ
بسيفه الأزرق.

وليس، يا رعنا، أنٌ رنين أغنيتي هو الأعلي
أو أحلي في النغمة من أيٌ سواها، بل أنني أنا
هنا الشاعر، الذي يحتسي الحياة
بأيسر ممٌا يحتسي أغرارج الرجال النبيذ.

العيون

إمكثْ أيها المعلٌم، فإننا متعبون، متعبون
ونتحسس أصابع الريح
علي هذه السقوف التي تجثم فوقنا
مخضلٌة ثقيلة كالرصاص.

إمكث أيها الشقيق، وانظرْ! الفجر يتململ
والشعلة الصفراء تشحب
والشمع يتناقص.

حرٌرْنا، فإننا نندثر
في هذه الرتابة الطافحة الطاغية
لعلامات الطباعة القبيحة، وللأَسود
علي الرقعة البيضاء.

حرٌِرْنا، فثَمٌ واحد وحيد 
لابتسامته نفع أعمٌ
من كلٌ المعرفة العتيقة الدفينة في أسفارك:
وإليه سوف نشخص.


روما

ثلاثا سوف تنبعث روما بروبرشيوس

أيها الوافد الجديد الباحث عن روما في روما
والذي لا يعثر في روما علي أيٌ شيء نسمٌيه روميا:
نبال اهترأت من قديم وأماكن باتت مشاعا،
واسم روما وحده يجبقي صفة الموطن بين هذه الأسوار.

أنظرْ كيف يمكن أن يحلٌ الفخار والخراب
علي بلد ضمٌ العالم بأسره في شرائعه،
وكما غزا، هو اليوم يجغزي، لأنه
فريسة الوقت والوقت يأتي علي الكلٌ.

وروما التي روما ليست، بعدج، سوي نصب واحد أعزل،
روما التي بمفردها اجتاحت روما التخوم،
وحده نهر التيبر، زائلا عابرا دانيا من البحر،
يتبقي من روما. أواه أيها الكون، يا لسخريتك المتقلبة!
ذاك الصامد الراسخ في أزمانك ينحدر،
وذاك الفارٌ الذي تولي، يسابق الزمن الخاطف. (3)


العودة

أتري، ها هم يعودون: أتري
الحركات المترددة، والأقدام البطيئة،
الإضطراب في الخطوِ وتلك
التلويحة الحائرة!
أتري، ها هم يعودون، واحدا، واحدا،
بالفزع، بنصف استفاقة:
كأنٌ الثلج ينبغي أن يتردد
ويغمغم وسط الريح،
ثم يعود في نصف استدارة:
تلك هي المجنٌحة بالرهبة
التي لا تجنتهَك حرمتها

آلهة الحذاء المجنٌح!
ترافقها كلاب الصيد الفضٌية
تتشمٌم أثر الهواء!

إليٌ! إليٌ!
تلك كانت الأسرع في الإغارة:
تلك، ذات الرائحة النفاذة:
تلك كانت نفوس الدم.

بطء علي المقود،
شحوب يعتري رجال المقود! (4)
 


مجاز الرقصة

لأجل العرس في قانا الجليل
يا سوداء العينين،
يا امرأة أحلامي،
ذات الصندل العاجي،
ليس مثلك بين الراقصات،
ليس لأيهنٌ الأقدام الرشيقة.
لم أعثر عليك بين الخيام،

في الظلمة المنكسرة.
لم أعثر عليك عند رأس البئر
بين البنات حاملات الأباريق.
ذراعاك فتيٌان مثل شجيرة تحت اللحاء:
وجهك مثل نهر طافح بالمصابيح.

بيضاوان مثل زهرة لوز كتفاك:
مثل لوزة طازجة سجلخت قشرتها:
لا يحرسك المخصيون:
وليس بقضبان النحاس.

اللازورد المذهٌب والفضٌة في رَخْص ساعدك.
بالثوب البنٌي، بخيوط ذهب حيكت
رسوما، التفٌتْ قامتك.
أيتها الشجرة اللابثة عند النهر.

مثل ساقية صغيرة وسط البردي يداك عليٌ،
ومثل جدول صقيع أصابعك.

وصيفاتك بيضاوات كالحصي:
وموسيقاهنٌ تصدح بك!

ليس مثلك بين الراقصات،
وليس لأيهنٌ الأقدام الرشيقة. (5)


(المقدٌمة موسعة، والمزيد من القصائد والأناشيد الطويلة، تجنشر بالتزامن في فصلية الكرمل الفلسطينية، العدد 85، خريف 2005)

هوامش المترجم:
(1) قصيدة مبكرة تعود إلي عام 1908، وتجقتبس عادة كمثال علي النزعة الغنائية الرومانتيكية التي اتسم بها شعر باوند في المراحل الأولي. في السطر 3، دافني في الميثولوجيا الإغريقية تحوٌلت، بناء علي طلبها، إلي شجرة زيزفون لتتفادي ملاحقة أبوللو. السطر 4، هما فيلمون وبوكيس، اللذان درٌبا ومَوٌها زيوس وهيرميس فكافأتهما الآلهة بالاستجابة إلي طلبهما في الموت معا، وفي التحوٌل إلي شجرتين تتعانق أغصانهما. 
(2) قصيدة مبكرة بدورها، كجتبت سنة 1907، وهي مثال كلاسيكي علي المهارات الشكلية والإيقاعية العالية التي ستصبح قرينة القصيدة الباوندية، فضلا عن كونها تنذر بما سيترسخ في نفس الشاعر من ولع بالآداب الشرقية، وبينها كتاب الموتي الفرعوني الشهير والتراث السومري البابلي، كما يتجلي في قصيدته هكذا في نينوي. 
(3) الاقتباس باللاتينية في الأصل: Troica Roma resurges، وسكستوس بروبرشيوس (50 15 ق. م.) شاعر روميٌ، صاحب سينثيا التي تعدٌ واحدة من عيون الرثاء في الأدب الغربي الكلاسيكي. وسيكرٌس له باوند مجموعة القصائد المعروفة باسم في إطراء سكستوس بروبرشيوس.
(4) أثارت هذه القصيدة إعجاب الشاعر الإيرلندي الكبير و. ب. ييتس، حتي يتردد أنه بعد قراءتها وافق أن يمرٌ باوند بالقلم الأزرق علي بعض قصائد ييتس، أي أن يتدخٌل فيها حذفا وتصحيحا وتحريرا كما فعل مع قصيدة ت. س. إليوت الأرض اليباب. وعبارة المجنٌحة بالرهبة غامضة، وإن كان بعض الشرٌاح يحيلها إلي الإلهين زيوس وجوبيتر، وكلاهما رمزه النسر.
(5) كتب باوند هذه القصيدة لتكون علي غرار العودة إيقاعيا ومعماريا، مع فارق أنها أيضا مثال علي طرائقه في اعتماد الأوزان ضمن شكل الشعر الحرٌ بحيث تكون الحركة مثل ضربات الطبل وعلي وقع المفردات ذاتها،
كما قال. والإشارة إلي عرس قانا الجليل تحيل
إلي يوحنا (2:1) حيث قام يسوع بأولي معجزاته فحوٌل الماء نبيذا. هنالك أيضا، في السطر 10، صدي لأسطورة دافني التي انقلبت إلي شجرة: وفي السطرين 12 و13 إحالة إلي الأسطورة الإغريقية عن الحورية فيليس التي انقلبت إلي شجرة لوز. والشجرة اللابثة عند النهر، في السطر 19، وترد في الأصل هكذا: Nathat-Ikanaie، قد تعود إلي أخناتون.

(نقلاً عن أخبار الأدب)


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads