الرئيسية » » هيرتا مولر.. لغة الصمت | ترجمة نصر عبد الرحمن | حوار

هيرتا مولر.. لغة الصمت | ترجمة نصر عبد الرحمن | حوار

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 24 أغسطس 2015 | أغسطس 24, 2015



ولدت “هيرتا مولر” عام 1953 في رومانيا، لأبوين ينتميان إلى أقلية تتحدث الألمانية. وكان والدها في الحرس الخاص النازي خلال الحرب العالمية الثانية وقام الشيوعيون الرومانيون بترحيل والدتها إلى معسكر اعتقال في الاتحاد السوفياتي بعد الحرب. عانت من الاضطهاد في عهد الديكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو، ومنعت الرقابة مجموعتها القصصية القصيرة الأولى.
من بين أشهر رواياتها “جواز السفر”، و”الترحال على ساق واحدة”، و”الشيطان منعكسًا في المرآة”. تصف أعمالها المجتمع الروماني تحدت كم الديكتاتورية، وتحارب فقدان الذاكرة الجماعي الذي أصاب الشعب الروماني. ترجمت أعمالها إلى عدة لغات، ونالت جائزة نوبل في الأدب عاو 2009. وفي هذا الجزء من حوار أجري معها، تتحدث عن اللغة وموجبات الصمت.
لماذا تقومين بقراءة ما كتبتِ بصوت مُرتفع؟

أقرأ كل شيء بصوت مرتفع، من أجل ضبط إيقاعه. تكشف القراءة بصوت مرتفع خلل الإيقاع، وبالتالي خلل الجملة. يجب أن يكون الإيقاع منسجماً؛ هذه هي الطريقة الوحيدة التي أعرف بها أنني اخترت الكلمات المناسبة، وكتبت الجملة بالطريقة الصحيحة.
هل تقودك اللغة أثناء كتابة النص؟
بيني وبين اللغة علاقة جدلية.. أحاول معرفة ما أريد، وأعلم أن اللغة تسعى إلى الحضور، لكني أحاول كبح جماحها حتى يكون حضورها وفق خطتي. لذلك أكتب ببطء شديد، وأحتاج الكثير من الوقت، أكتب النص الواحد أكثر من عشرين مرة. اللغة تختلف عن الحياة كثيراً، وأجد صعوبة في التوفيق بينهما. ولكي أقوم بإنجاز هذه المهمة، أحاول تفكيك الأشياء. عادة ما أبحث عن حقيقة ما، ثم أستخدم اللغة في خلق شيء مختلف تماماً. وإذا حالفني الحظ، تتمكن اللغة من التعبير عن تلك الحقيقة.
كتبتِ في رواية “أرض البرقوق الأخضر”: “الكلمات في أفواهنا تجرح، كما تدهس أقدامنا العشب، وكذلك يجرح صمتنا”. ما هو مفهومك للصمت؟
الصمت نوع من أنواع الكلام. الصمت والكلام مُتشابهان تماماً، وهما من مكونات اللغة الأساسية. نحتار دائماً ما نقوله، وما نُحجم عن قوله. لماذا نقول شيئاً ونصمت عن الآخر؟ نحن نفعل هذا على نحو غريزي، ودائماً ما يفوق المسكوت عنه، حجم ما نطقنا به من كلام. وليس السكوت سعياً إلى إخفاء في أغلب الأحيان، ولكنه تأكيد على اختيار ما نقول. ويتنوع الاختيار من شخص إلى آخر، ملثما تتنوع طريقة الحكي ووجهة النظر. للناس خيارات متباينة في يقولون وما يسكتون عنه. لقد وعيت هذه الفكرة مبكراً، منذ أن كنت أعيش في القرية، والناس من حولي لا ينتطقون بأكثر من الحد الأدنى المطلوب من الكلام. وحين انتقلت إلى الحياة في المدينة، أدركت كم الكلام الذي يتفوه به أهلها، وأغلبه بلا هدف. وكلما تحدث الناس أمامي عن ذواتهم، كلما شعرت بانفصال عنهم.
كان الصمت بالنسبة لي نوعاً آخر من الحوار. يمكن أن تقول الكثير بمجرد نظرة. كنا في القرية نعرف الكثير عن بعضنا البعض، دون أن يتكلم أحدنا عن ذاته. ولكن هناك نوع من الصمت الإجباري.. خوف يمنعك من قول ما يجب أن تقول أو تعبر عن أفكارك الحقيقية.
هل تقصدين في قريتك؟
ثم يمررت بقليل من هذا في قريتي، ولكنني أقصد الديكتاتورية بشكل عام. لأنك حين تعيش في ظل نظام قمعي، تُدرك أن الكلام قد يكون خطيراً، وعليك أن تمسك عليك لسانك. وهناك نوع آخر من الصمت، هو الصمت أثناء الاستجواب، وهو نوع هام من الصمت. عليك أن تتحرى الدقة والحرص في كل حرف تنطق به. عليك أن تقيم توازناً دقيقاً. فأنت لا تريد تقول الكثير، وفي ذات الوقت، لا تريد أن يعتقد المحقق أنك تخفي عنه شيئاً. والأسلم في هذه الحالة أن تكون إجاباتك قصيرة، وتجعل المحقق يعيد عليك السؤال من جديد، بينما تحاول النفاذ إلى عقله ومعرفة ماذا يُريد أن يعرف، ولماذا يريد معرفته. ويتطلب هذا الأمر الكثير من الصمت.
هناك نوع آخر من الصمت لدى شخصياتك. “كاتي”، في رواية “ملاك الجوع”، على سبيل المثال. إنها تعاني من خلل ذهني، وقدرة محدودة على التعبير.
ولكنها تقول الكثير، أكثر من الشخصيات الأخرى. أفضل دائماً الحوارات القصيرة، ولا أحب تعقيدات القواعد النحوية في اللغة الألمانية، تلك الأبراج من الأزمنة والصيغ المختلفة للأفعال، وغيرها من التعقيدات التي تتسم بالثقل والرتابة وعدم القدرة على التعبير عن العواطف. أحاول الكتابة دائماً بزمن المضارع البسيط أو الماضي البسيط. أشعر بأن تلك التعقيدات اللغوية شديدة الوطأة عليّ، وربما كان السبب هو اللغة الريفية التي استخدمتها منذ صغري.
تحبين الاقتضاب؟
والمباشرة. ويجب أن توجد ثمة حدود للحوارات. ربما كان لهذا علاقة بنشأتي أيضاً. لقد عشت بين أناس لا يتحدثون لفترات طويلة، ولا يتحدثون سوى لأمر طاريء. يريدون توصيل المعنى مباشرة، فليس لديهم وقت للمُهاترات البلاغية.
تستخدمين علامات الترقيم في أضيق نطاق، ولا تستخدمين علامات الاستفهام.
لا أحتاج إلى علامات الاستفهام أو علامات التعجب ولا علامات الترقيم. لا حاجة لي بها، إنها تتضح من طريقة الكتابة. من السخف أن يتكدس النص بكل تلك العلامات، في يستطيع القاريء مواصلة القراءة دونها.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads