الرئيسية » » مجرد ذكريات ناقصة | حسن شاحوت

مجرد ذكريات ناقصة | حسن شاحوت

Written By Lyly on السبت، 4 يوليو 2015 | يوليو 04, 2015

إلى عيسى الشيخ حسن
تذّكر... حين كنتَ تحترق بنار الشعر، فتركض نحو الحقول الخضراء، لتطفئ ناركَ بقطرات الندى وتنثر فاتحة روحك لرائحة العشب وثرثرة الطريق، حين كنتَ تضخّ دماءكَ في الجنوب وتراقب قطرات أحلامكَ تنزل بقوةٍ في الشمال،
كنتُ من دون ملامح أو ذاكرة للكلام، أعيش الحياة طولاً وعرضاً في بطن أمي .
تذّكر... حين كنتَ تربط خيط القصيدة في معصم يدكَ، كي لا تضيع في مدن الحرب وتقف على مسافة فاصلة أو وردة من موسم قطاف زهرة الخُبيزة وتدير رأس فرس الحنين الأصفر في اتجاه الأرض التي أرضعتكَ حليب سنابلها،
كنتُ أمشّط شَعر الشوارع الطويل، كلّ الشوارع، بقدمين حافيتين،
أنا الطفلُ اليتيمُ في شوارع الله أطرزُ أزقة القرى بخسارات.
تذّكر... حين كنتَ تهزّ جذع القصيدة ليلاً ويسّاقط عليكَ الرزق والرطب والخيل ووجوه الأصدقاء، كنتُ أحسب المسافة بين خطوط يدي وأكتب لأمّي ربّكِ يحبّكِ، أستعدي للرحيل، كانت أمّي عصية على الموت وكان دفتر قلبها يتسع لكتابة كلّ الحروف... كلّ الحروف.
تذّكر... الصباحات المشاغبة، خطى العشب، وحل الدروب، قيلولة الظهيرة، شاي العصاري، قصائد المتنبي، الندى الليلي، بئر الماء التي أنفقتَ عليها نصف حياتكَ، حارس الزرع يُشعلُ عينيه في رحم الظلمة، فانوس أبيك لم يُطفأ ما زال يُقلّب قصائدك حتى منتصف الليل، أناشيدكَ المكتوبة بالطبشور والقلب الأبيض...
حين كنتَ تروي في وقتكَ الثمين أحسن القصص والأشجار، وتهشّ قطيع الذكريات بعصا القصيدة،
كنتُ أفكر في رفس الحياة النائمة فوق تخت الحديد الصيفي للمرة الأولى أفكر في سيارة مازدا تسابق الشمس بالأعراس وتحمل صورة شهيد بلا جسد إلى جدار البيت الطيني .
أوه... يا عيسى، تحسّرتُ من كلّ قلبي، تذّكرتُ في هذه الزاوية ظلال بيوت وأشجار وأصدقاء وتذّكرتُ امرأة من أحلام، فتناثرت أوراقي وأفكاري المجنونة.
كانت الجزيرة حقلاً واسعاً من الذكريات والدموع، وكانت لنا أحلامٌ بسيطة في قارورةِ الأيام؛ غرفةٌ يكسوها طين المحبة، نغفو بين أضلاعها؛ حصيرةٌ بيضاء، تطبع قُبلتها على خدي؛ مدفأةٌ لليالي الشتاء العصبية والصباح الواقف على نافذةٍ من دون ستائر، وحديقةٌ نركض خلف ظلالها في ظهيرةٍ صلعاء.
قالت المرأة وأكلت الحرب أحلامها...



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads