الرئيسية » » الشعر | مصطفى السيد سمير

الشعر | مصطفى السيد سمير

Written By هشام الصباحي on السبت، 6 يونيو 2015 | يونيو 06, 2015

الشعر
كيف أفلت من يديكَ اﻷرنب، رغم أنه كان الوحيد الذي رأيتَه يحمل وردة في فمه، وردة حمراء نابضة كشفتين تتهيئان لقبلة، ونصف ذابلة كقبلة لم تحدث. كيف أفلتت الطفلة التي تلتقط الكرة من داخل هرم من القمامة، رغم أنها كانت المرة اﻷولى لكَ، التي ترى فيها الفوضى الوحشية للألوان تتباعد عن قدميها، كديدان ملونة مهزومة، لتترك فراغا لضحكة صباحية لم يستعملها أحد. كيف راوغتكَ الستائر، التي كانت تحاصر غرفتك كحشرات عملاقة، تأكل ضوء الشمس إذا نسيتَ أن تحفظه جيدا في علبة محكمة الإغلاق. كيف لم تستوقف بائع العطور ذا اللحية الحمراء، حين وعد أن يعيد إليكَ طفلتك التي فقدتها في حادث، بمجرد أن تجلس على كرسي لديه مغمضا عينيك، وتخمن اﻻسم الصحيح ﻷحد العطور، كيف تركته عائدا إلى المدينة، التي ظلت تتابع حواركما لدقائق، محايدة كتمساح يشعر بألم في فكه.
كيف تركت كل هذه القصائد، دون أن تريق دمك على أعتابها، وعلى حواف نوافذها. ودون أن ترويها بقطرات من إناء الماء. ألم يخبرك أحد أن القصيدة تحدث شرخا في إنائك، شرخا صغيرا ﻻ يرى، حين ﻻ تعاملها باهتمام كاف، وتسمح لها بالهرب.
كنت تسير في أحد شوارع وسط المدينة، ذات يوم حار. الشمس تفيض كآﻻم المشاعر. المارة يمسكون بمظلات ﻻ ظل لها، بينما مسام جلودهم تورق أزهارا شريرة تتبادل الصراخ. أجهزة التكييف تنفض الذنوب الساخنة إلى هواء الشارع، لينعم السكان في الداخل بالمغفرة الباردة. كنت تسير سعيدا بجحيمك، منتظرا قصيدة سادية تحكم الفخ حول قدمك، وتطوحك أمام عينيها. ألم يخبرك أحد، أن هناك شوارع ضيقة بعيدة، ﻻ تتسع لمرور قصيدة ذات شطرين، تتخذ الشمس من أجساد قاطنيها سجادة ﻷقدامها الثقيلة، تلك اﻷقدام التي تترك علامات ملتهبة على أجسادهم. ألم يحدثك أحد عن رجل التقى قصيدة مختبئة هناك، تبيع الظل في زجاجات للمارة، وقال لها "صباح الخير"، فتحول إلى ذئب ظل يعوي، يعوي ويركض في الطرقات، وفي آثار خطاه ينبت العالم.
ربما لم تعد يداك تقويان على حمل الإناء، وربما جف ماؤك تماما، كصداقة أعقبت قصة حب طويلة. ربما أردت أن تعيش طويلا، أو ربما أصبحت تروي أعمدة الإنارة، على أمل أن تصير أشجارا تورق شموسا وعذابات. ربما أنت ﻻ تسمعني اﻵن، أنا قصيدتك اﻷخيرة، ﻻ تجعلني أنتظر، أو سأجعل الماء يجري بلا
انقطاع داخل روحك، وأحمل إنائي، وأمضي.
مصطفى السيد سمير

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads