الرئيسية » , » حرس شخصي للوحشة | إبراهيم زولي | العدد الثالث والستون | كتاب الشعر

حرس شخصي للوحشة | إبراهيم زولي | العدد الثالث والستون | كتاب الشعر

Written By Unknown on الجمعة، 5 سبتمبر 2014 | سبتمبر 05, 2014

                      إبراهيم زولي



                حرس شخصي للوحشة


                                                                  كتبت نصوص هذا العمل بين عامي 2008 و 2010م
                                 
                                       (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَاب)
                                                                              قرآن كريم.

                                                                ما عدا الهواء
                                                                وصخب الشارع
                                                                كل شيء هنا.
                                                                           بسام حجار.







                       ليل بلا حكمة

لا يتحكّم بهذا العبث الهزيل الذي يؤكد
فضائحه، كلما حلّ إزار الريح،
العبث الذي ضاقت الطير ذرعاً به،
واختفتْ في سرير الأفق،
تطهّر قلائدها بدم حارّ
عرْضٌ كان يتكرّر دون مباهاة،
وأنت تتقاضى عرشك النحيل،
خائفاً، أن يقودك إلى شجر عارٍ،
إلى ليل يفرك غباره بلا حكمة،
ليل يبارك نارك الفصيحة،
ويقول لك:
ابتعدْ.


                        جذع مكسور


حين لا أجِدُ أحداً على السرير
أحمل نسل الرياح
إلى منحدر في البعيد..
انتظرُ، حتى يزهر النسيان
على الأصابع،
ووجهك يصبح بوصلة العالم.

حين لا أجدُ أحداً..
أصحبك على ضوء القصيدة ،
وأقِفُ كجذع مكسورٍ
عند بابك.



                         الولد


الولد الذي خرج ذاهلا،
دون أن يعلم أبواه عنه شيئا،
الولد الشبيه ب "جان" في رواية شعائر الجنازة.
" هل سأعشقُ باستقامةٍ ، بنُبلٍ ؟ كلما سَكَنَتني روحُ جان سكنني جانُ ذاته – مُغرَماً بالجبناءِ سأغدو ، وبالخَوَنةِ ، وبالسيئين الحقيرين "*
الولد استوى شجرا  في حقول التوجّس،
هُم يعرفونه كهواجسهم الليلية
يدلّ العابرين إلى صراط غير مستقيم
يمنحهم كساء النصيحة
دون أن يغسل أوساخها،
النصيحة التي كانت كغلام وسيم ،
وغرّر بها دون سبب وجيه
الولد الذي خرج..
كان محتشداً بآثامه،
ولم يعد يعرف طريقا
إلى أهله.


*من رواية شعائر الجنازة لجان جينيه, ترجمة أسامة منزلجي.











                       حماقة












صامتاً، وكأنّ منطقه حجر في سرّة
الأرض. آوى إلى امرأة أكثر حكمة
من ملابسه الداخلية
كان مشحوناً، لأنه لم يتمكّن
من دفْع الغيم
ثمّة طعم أبيض في فمه
وفي وقت قصير قرّر أن تكون زواياه
معتمة، كجزء لا يتجزّأ من جسده،
معتقداً أن ذلك سوف يحرّر النساء
اللواتي تنبّأنَ بالحكاية..
لكنّ حماقته بوصفها شرفاً،
 كانت تشير إليه بعناية،
مثل إبرة بلا دليل، أو كفلاح آثر العودة
إلى نسْله، كما يحدث أثناء التغيّرات الحاسمة.
غير أنه ليس سعيداً بهذه النهاية
على الأرجح.














                          مغلق للصيانة










أعرف أنك الخليل بن احمد الفراهيدي
رغم أن موقعك الالكتروني
مغلق للصيانة
تلك كفّك إذا لم تخنّي الذاكرة ،
تنحت بإزميل جاهلي القارب الذي يخوض به
الشعراء بحر القصيدة
(بحر القصيدة  لم يكن متلاطم الأمواج)
كنت تدلّهم
على ساعات المدّ والجزر
حتى لا تميل بهم الريح،
وتنخس ظهورهم بعصا القافية
هذا ما شاهدته
على رابطك في اليوتيوب.

















                             الوحيد









أنت الوحيد الذي لم يسفك دماً في السرّ،
الوحيد الذي لا يترك رائحة
على الإطناب، ولم يبجّل
فجور الإيقاع.
لا تأسف..
لأنك جئت كحبة رمل،
كصلصالٍ مموّه بالشوك،
كنذْرٍ حبلتْ به الأسطورة




لست بحاجة لسماع الصدى
في الطرقات الخالية من المارّة.

أنت الوحيد الذي كتبتَ
عن امرأة مريميّة،
امرأة لم تتركْ أثراً
أسفل فراشك،
امرأة بالكاد خرجَتْ كالقدر
من مشكاة صدرك،
امرأة لم تشهدْ مرح
الآتين من مجدٍ منحنٍ.
بيد أن ذلك لم يدم طويلاً
كلّ ما عليك أن تظلّ مستيقظاً،
أو ترمي الليل
في سلّة المحذوفات.









                             عادة مدرسيّة








هناك..
يتعاظم قبالتهم وزْر الفضيحة،
ابتسامتهم المعدنية لا تفارقهم
كعادة مدرسية
ينصت أجملهم إلى جسده بشكل مغاير
هناك..
على ما يبدو
كانت أصابعهم الأفّاقة
تعرف رائحة غير مناسبة،
رائحة تفيض منهم،
رائحة تختال في أوردة الحجر،
رائحة تقف بكبرياء حتى إشعار آخر،
رائحة تتخلّى عن التصفيق, وما تبقّى
من فوضى البرد
لم يكن هذا الفعل
يدعو للشجب والاستنكار،
الفعل الذي ظلّ يهيمن
على العصافير الطليقة،
ويحبس الأغنيات
في لوحةٍ إعلانية.














                  إيّاك




إيّاك
أن تشقّ بمفردك الطريق إلى الغابة
بحجّة أن عاصفة تطعن أشجارها
إيّاك أن تضبط عيونا تشعّ بالحنين
لأنك إما مخبولاً أو..
إيّاك أن تبحث عن معنىً..
ذلك أن القصيدة
هي النصل الذي يشق الفراغ
إيّاك..
أن تتوجّه وحدك لاستقبال النهاية.


                      مصطلح غامض












نام على رأس امرأة
أثمرتْ في الغياب
لأوّل مرة يتمدّد على فوضاه؛
مثل نجم يسقط من سموات القصيدة،
ثمّ يحرق العالم
تلك الليلة
اعتقدَ أن الحمّى
تتلمّس بأصابعها الرثّة حافة مياهه،
والرعد يلفح أشجاره الخاوية
لم يحتمل أن تستيقظ الجياد
الموثقة في عظامه
كان من النادر أن يجد عقب ذلك
مصطلحا غامضا كالمطر.
















                            طقس












جسدك المغزول من مطر الضحى
لا يتريّث أمام عاداته الشاذة
على هذه الحال؛
يتنبّأ بطقس طويل، آتيا من ذهب المدائح،
طقس يستطيع التعساء أن ينسجوا
أكفانهم الحامضة عليه
خارجا من رؤوسهم الكسولة،
كخشب وبّخته العاصفة،
كنشيد مدرسي يتمايل في ألسنتهم،
في طرف رديء من ذاكرتهم
جسدك المغزول من مطر الضحى
لا يثق بالآخرين وهم يلوّحون له
بإشارة مضطربة، لها فداحة الرؤيا
جسدك المغزول ..
في الهواء يواري شواهد عفّته،
يقتفي شارعا حيادياً كالأحجية
شارعاً يقف قبالتك بالمرصاد.













                          العبارة











آلمتْه العبارة التي على حافّة القدح
آلمتْه كثيرًا
حتى أنّه أخطأ الكلام،
الكلام الذي وضعه بعناية أمامه
لا يعرف إلا القليل
عن عاصفة تتراءى له،
عن غياب اللون
في ملامح عذراء أوان الولادة
لم يستطعْ أن ينهض،
أو يمارس الزحف الكريه
حين كان ينبش في تربة
غنيّة بالحياة
تلك الحرفة كانت
آخر شعائره.
















                                   كالفراغ








كالعادة ..
هو مختلفٌ تماماً
كلما دلّتْ عليه عصا الهشاشة،
أو اخترقت رأسه الكئيب
نطفة باردة.
بنزاهة شديدة
يلمع ماء طهور في بئر كلماته
كالعادة..
هو مختلفٌ تماماً،
من جيب سترته
يستلّ نصلاً
يخلع به باب سكِينتِهِ

لم يره أحدٌ
حين كان يرتجف
مثل أضحية العيد
م
ت
د
ل
ي
ا
كالفراغ.








                             أبي







داخل هذه الغرفة
تمرّ الحكايات الغريبة
كان من المثير أن يمرّ أبي،
يسترق السمع.
بوحشة فائضة
يحاول أن يأمرني بالاعتراف
فيما فاصلة أنيقة
تحدّق ذاهلة في وجهي.

أبي:
ربما لستُ أنا
الذي يبذر حنطة العشاق،
ويسوّي بين حواسّ الطير
لكنّني كنت أضع تاج وصاياك
على رأسي،
وألهب ظهر القصيدة
بسياط القلق.


















                            يحرس فضائحه بجدارة








هذا الجسد
لا يأبه كثيراً بالموت
لأنه يحرس فضائحه بجدارة،
ولا يهتمّ بتسديد النفقات
على الأقلّ، حريصًا على العزلة،
في خلاف دائم مع الجنون،
تمنّياته الطفولية:
أن يتعلّم صلاة الجنازة،
وما يدعوه للضحك باستمرار.




                            انتظار











سوف ابحث عن وجهك
خفية من الآخرين
لا أعرف أيّ الطرق
تحفظ أسماءك عن ظهر قلب!!
لكنّني سأذهب
عارفًا أنني امتحن مصيري،
مصيري الذي لم أره من قبل
كلّ مرة أكون في انتظارك
تتصاعد هذه الرجفة،
وأفقد الكثير الكثير
مما يصعب تجاوزه
وأنا في طريقي
إليك.


















                   كمائن










في البدء..
أفكّر جدّياً في نجمة تلهث
محمومة في الظلام،
أشعر أن الكتابة تتدحرج
تحت السرير، والليل يحفل
بمراثٍ لم تتسمّ بعد،
أرى شهوداً يجلسون
تحت شمس مكسورة،
يصطادون الأجنحة في الخفاء.
قبل أن أمدّ يدي
خرجوا  في خفّة،
صوب كمائن لا هويّة لها
يتسكعون في الشوارع
حيث حارس الموت
واقفاً في انتظارهم.














                        طرق لا تدلّ عليك






يبحث عن طرق
لا تؤدي إلى الأصدقاء،
طرق ليس لها شئونٌ فضفاضة،
طرق لا تدلّ عليك
حين يخطئك شبح الكتابة،
طرق تشرب الحدّ الأدنى
من الظلّ،
طرق في عماء مبين.
غير أني أتوجّس
من هذه الصفة الشاقة.




                             صباح












صباحك ضوؤه ناحل هذا اليوم؛
يتحرّك على درجات السلّم
بسرعة تنذر بصمت خبيث،
صباح يتمدّد بنهمٍ
على زهر فقير في الحديقة،
صباح لم يلتفت إلى الأبواب التي لا تفتح
في العادة إلا بتوسّل شرّير،
صباح لا يجرؤ على سماع أنفاسنا
المنسيّة كتذكار
تاركاً بين أصابعنا أنقاض الرائحة،
والقلق المحدودب الظهر،
صباح بمزاليجَ تفهرس العتمة
كضلالة تتشقق في قميص البارحة
صباح كالحمّى وهي تغافل
ثياب الأنوثة..
هذا صباحٌ كأنما
يخرج الآن من الهاوية.












                              سخافات










في محاولة لإقناعه
أن الصحراء لم يجلبها معه
إلى هذا المكان،
وأن سخافاته لن يتمكّن من فكّ شفرتها
لكنّه كان مستعدّاً للاعتزاز بها
لم يبق أمامه خيار إلا أنْ يعود
إلى عريه
لأنه ليس مضطرّاً
لتأويل كلّ شيء.
آنذاك ..
رأى ذاكرة خائنة
تتجهّم قبالته
وتسدّ الطريق عليه.


















                     فكرة 







يتفحّص قامته
يتأكّد أنّه ما فتئ مجرّد
خيال شاحب
يتمتم بطريقة لا حياء بها:
الباب لا ينكث عهدا مع الجدار،
الباب يغمض عينيه لو رأى نزوة فاضلة،
( أنتم يا منْ  أردتم أن تخرجوه من البيت ..)
الباب لا يغتاب الفوانيس في الغرف المظلمة.
 بحكم العادة كان يهجس بأصدقاء
يشاركونه هذه الفكرة التي يكتبها وهو بكامل
قواه العقلية، فكرة حاول أن لا يبوح بها لأحد
لكنها كانت تنهره، وتخرج عنوة
من فضاء الشبكة،
من الماء،
من العشب،
من زرقة السماوات
اخترتُ أن أصطفيها لنفسي
أرتّب أطرافها
أتتبّع روائحها في الضواحي
أعاشرها قبل شروق الشمس، وبعد الغروب،
أخْتلي بها في الشوارع  الخلفيّة لقلبي،
أحرس وجهها المأهول بالعسل.
كان الأصدقاء يتخافتون
وهم يكيدون لها كيدا:
في الخارج ضوء
يحتمل أن تكون فكرةً،
فكرة لن تصمد طويلا
أمام الحرس الشخصيّ للوحشة،
أو نهاراً انتهت مدة صلاحيته.
الآن
الآن فقط
يمكنه أن يكتب
دون أن يتحاشى تعاسته.


                       تحيّة











ليس إفكاً أن تولّيَ وجهك،
إذا نام شفقهم الأحمر في الظلّ،
أو تترصّد رواحلهم
حين يرفعون اسمك الجالس
قرب ظهيرةٍ سمراء،
ظهيرة تهزم الغناء المتوحّش
بخنجرٍ مسعور،
تقود حصانك المرابط على
سهر يفرط في غربته،
سهر يكاد يسمع صليل الألم
من خلف الأبواب،
سهر يحتاج إلى تحيّة تليق
بقمح الفوضى.
...
...
ذلك ما تبقّى من
شجرة العائلة.













                            ظلال كسولة












عندما تكون أصابعه كثيرة الحركة؛
يستنشق الوقت بعمق،
يمدّ ذراعيه في سهوب العطش
والليل يدفعه بشكل متزايد،
يكنس ظلاله الكسولة،
ظلاله التي تهبّ كالهواء القديم
 كالكوابيس،
كالمجازات الضيّقة،
كاستغاثات الرصاص
ظلالا تجثو كالقرابين
تحمل قدْراً بسيطاً
من زاد المجازفة.

آنئذِ يستطيع النوم بهدوء.














                        مهنة











أنت تريد مهنة
تتعامل معها بسرّية،
مهنة تتماوج في وجهها الأثيم،
مهنة لها ذاكرة تلمع في الظلمة،
وعينان تلتقيان بملابس رسمية.
ملوّثًا كنت بسقف القرى،
وحنين الأمهات،
بأحاديث مهيّأة للاندثار
مصفّدا في جميع الجهات
يداك تغتسلان بمياه التيه
فيما العالم يصحب أشباهه
للضفّة الأخرى.


















                                عرضة للشتاء










.. وأنت تطلّ على حنينك البعيد
صاعدًا على حافة الشهوات
تسقط من علوّ شاهق
وتكون عرضة للشتاء
- الشتاء أكثر دفئًا وإنسانية -
حين تطلّ
على حنينك القريب..
تخرج في مشهد رشيق
قامتك تقف شاهدة عليك
لا تريد الدخول معك
في جدلٍ لا ترغب فيه.
حين يطلّ على..
يجفّ حِبر اللوعة
وترتدي الوجوه أول سوءاتها.

















                     فتنتها الكبرى











يدك البيضاء تنهض
مرتبكة من النوم,
عارفة بفتنتها الكبرى
يدك البيضاء تسهر
قرب مطر لا يهدأ،
مطر يهذي بالريح،
مطر يتهوّر بفعل ضرورات قبليّة،
مطر لا يفرّق بين أحد في المضاجع،
مطر يصهل بنبرة
خارجة عن المألوف.
بهذه اليد..
اصْطدتُ الرائحة ذاتها
تاركًا بريق الحمّى
يشقّ لحاف الليل،
ويستعيد بوصلة الأسلاف.


















                       دون إباحيّة











غالبا، يحمل منجل المعنى،
يستأصل به لحم المجهول
مثل شحاذٍ يجوب الشوارع
غير مطمئنٍّ لمؤشر الأسهم،
أو كصيّاد يذرّ الرماد
على ذاكرة الأسماك
ذلك سره المكنون،
السرّ الذي لم يكاشفْ به أحداً،
سرّ له طعم الغايات
وقناعة الأيديولوجيا
سرٌّ ليس في حاجة لغسْل تميمته
لأنه واثق من السحر
الذي سقاه - دون إباحيّة -
للقصيدة.















                          ألم







الألم, بقايا وردة على المنضدة،
عيون شبْه مطفأة،
الحقيقة التي لا تقبل الجدل،
سهر الحرّاس تحت أعمدة النور،
أثر المحاربين على الحدود،
غناء الغرباء.
الألم, ظلّ ظليل
تقطعه حماسة الريح
في ذراعيه تتخبّط طواويس الكتابة
لولا النعاس الذي يضرب الروح
ما كان له  أن يعود إلى البيت
يداهمني دفعة واحدة
يترصّدني في نشوة ماكرة
يتآخى معي، غير مبالٍ
بملابسه المتّسخة،
بقبّعته المقلوبة،
بتفاصيله الوحشية التي عبرتْ النافذة
دون إنذار بالحريق.

















                                كما أنا








...كما أنا
استخدم المناديل المستعملة
أقرأ الجريدة من الصفحة الأخيرة
اضطجع على الأرض عندما
يفاجئني السعال
أشكر التاريخ على نتائجه الفانتازية
أتحمّل بين الحين
والآخر عبء الأسماء
أحلم بقصيدة لا نبوءة لها
أتخفّى في الخرائط ولا أجد مدينتي
لا أصمد أمام الاختلاف
أكتب قبل النوم
حتى أصدّق كوابيسي.

يا للفضيحة.

















                     ما يتحدّث به الموتى أثناء السهرة












لم يعتقد يوما أن الأشجار
بهذه الحكمة التي تقتل
القلق الكالح في السكينة،
وأن ظلالها تختفي آخر الممرّ،
تجلب أفكاره سهوا،
كلما حاولت المنكرات مبايعته
الأشجار ( بكلّ أسفٍ ) لا تهتمّ كثيراً
بما يتحدث به الموتى أثناء السهرة
لم تحدّق يوما  في وجهه
المصنوع من دنس الضلالة.
كان عليه أن يبدأ من شريانه
المشدود من طرف واحد
غير أن الشارع مرّ
ولم ينتبه.















                       رقْص










بعد توقف المارّة
شرع يرقص بهدوء
يداه تحرس أطرافه التي تتناثر
كرقائق القصدير
دخل في رجفةٍ لم يعتدْ عليها،
رجفة تواصل تهديده بالذبح،
رجفة تتنزّل من شرفات المنازل،
كضباب دائخٍ في الأزقّة.
بكسلٍ لذيذٍ
تمكّن من رؤية جنازته
وهي تتجوّل في الميادين
فيما العابرون يحدّقون فيه
بسخرية.

















                        ضواحٍ






متثاقلاً، يمشي في ضواحٍ مفترضة
حيث الفوضى التي تهبّ من النافذة
- كثيرا ما تدفع النافذة ثمن السلوك السيّئ لليل -
بوهنٍ، يسحب ثيابه الجديدة
تتبعه شهواته التي تتحرك بسرعة
تشبه تماما طريقته في الحديث.
لم يكتشف ذلك المساء أنّه نام
في سرير شرس،
سرير لا يستحقّ هذا السرد.







                                 وجوه












الوجوه التي كانت
نائمة على ضمير البحر
لم تعد تسوّل لها نفسها
المريضة "كباولا الليندي"
الوجوه التي اطمأنّتْ على حائط اللامبالاة،
حكّتْ خشب الخوف بسبّابة الأمل،
الأمل الذي اصطحبني بحذر بالغ،
الأمل الملتبس بروائح شخصية،
الأمل الذي مشي بخطوات غير محسوبة
على الموسيقى،
ونفض خيباته بعد فوات الأوان،
غير مكترث
بأخطائه الإملائية، وهو يدوّن مكابداته
اليومية في سجلّ الغياب.














                               اختيار







قبل أن يتلاشى..
همستْ الطير في أذنيه
لامستْ أهدابه بمرارة
وأحْصتْ خرافاته
فيما استعجل الدخول
إلى شجرة العصيان
شجرة كانت تحت جلده
كرة من لهب،
طغيانا مفتوحا من أثر الإهمال،
جحيما يتأهب للنوم المبكّر،
أفقا آخذا في الترنّح والسقوط،
فتنة لا تحمد عقباها،
حياة تصلح للزينة, والغربة أيضا.
هذه المرة لم يخطئ في اختياره
مع أن ثمّة هدفاً
لم تحدّده البوصلة.



















                        تنظيف الهواء من القسوة








لابأس...
أن تنزع عن ظلك ما تدثّر به مساء البارحة،
شبيها باللوعة التي كانت تجاهر بالدهشة،
وهي تتفرّس ملامحك الخشبية
من البديهي أن تتذكر تلك اللوعة التي حاولتْ
أن تغيّر مسارها، ثمّ غدوتَ تتعقّبها حتى اللحظة الأخيرة
 كنت تمارس هوايتك في تنظيف الهواء من القسوة
 كلٌّ منّا كان ينظر في عين الآخر، غير أن أحدا
لم يبح برغباته السرية.
فيما يخصّ المساء، لم تكن الظلمة تفزعني،
والقلب لم يتوقف عن الخفقان.
حسناً، سيكون هناك وقت آخر للمنازلة،
حين القصيدة تفتح ذراعيها، وتستعدّ للطيران
يومئذ، يمكن أن تبرّر للوعة سببا منطقيّا،
وتتدرّب على ضيافة العزلة.
















                         غير بعيد











غير بعيد عن السرير المكسو
بالوجع الفاخر
أزوّر الحنين الذي يتأرجح
في الغرفة،
حنين  يختطف اللذة،
( دون أن يرفّ له جفن )
حنين ليس في انتظاره أحد،
يميل إلى الرياء حين يعبر
منطقة الوجع،
حنين  مثل مرتزق مأجور
يعمل بأجر شهري.
في الساعة التي عثرتُ عليه
مسجّىً كان  ( لقد أكّدوا موته )
وروحه لم تكن طاهرة
فيما قافيته صعدتْ
كرايةٍ محترقة.

















                                وقت كافٍ









لديك وقت كافٍ لتدرّب
شفتيك على ماء مثلّج
استعداداً لأيّ طارئ.
أنت لا ترتكب إثماً، حين تجرّد
القصيدة من كامل ملابسها
ستكون قلقة من محاولتك الغريبة،
متّهمة إياك بمحاولة اغتصاب
لا تخفْ..
تلك محاولاتها البائسة
مع كلّ الشعراء الذين سبقوك
لا تلبث أن تكون غارقة
في جدولها المهجور
ربما تتصل على هاتفك الذي
دوّنته في الفيس بوك،
وتدعوك للممارسة.


















                       كحقائب السفر









يتخفّف الليل من عتمته
في تباطؤ, تجرحه الذكريات المكفهرّة
لم أره، وهو يحرّض الأناشيد المتروكة
في حرّ الصيف على الشرفة،
الأناشيد التي تنبض في حصى الكلام،
الأناشيد الساطعة بالضجر،
الأناشيد التي ترفع قبضتها ولا تبالي،
الأناشيد الخارجة بمفردها
مخفورة بالجوارح واللعنات
ساعتئذٍ، ترتعش روحه ، وتلتقط وصيّتها،
وصيّة كانت رهينة الفحشاء،
وآهلة بالذنوب
 كحقائب السفر.
















                            خروج




الليلة، يعبر رهانه
حدوده الشاسعة
نام متأخّراً،
باحثاً عن قمر لئيم،
عن شغفٍ مجازي،
يستنشق العطش في صحبته
خروجه متوتّر هذا المساء
خروج لم يره في كتاب الأبدية،
خروج يضمن لفؤاده الوحدة،
خروج خائر القوى،
خرج يحسن الإصغاء للخطيئة،
خروج، كان يقْسمَ أن يكرّر قيامته
بعيداً عن التسلية.





                    حساسية مفرطة










لا شيء أكبر من هذا الضجيج
أعزلاً، كجدارٍ يتذمّر من وحدته
يتذمّر بحساسيّة مفرطة
غير متأكد
من معنىً يبلّل رمق القصيدة،
معنى ينزع ما تبقى
من غطاء البلاغة.
...
...
لا شيء أكبر من هذا
الضجيج الذي يجترئ عليك
لسبب غير خافٍ؛
عادةً، يسرف بسوءٍ في الوزن،
ويسرد نشيداً،
يتكرّر بحْره  دون شفافيةٍ
لا أقلّ ولا أكثر.













                         إن لم تجدْ ما يشعلك
                  








من الضروري، أن تعرج كشظيّة تتبختر
في الأعالي، ثم تعود إلى الظهور تقتفي أثر
طفولتك. من الضروري، زجْر القصيدة
إذا كانت كلماتها عُرضة للقنص. من الضروري
أن تكون مجهولاً مثل قبر على جزيرة تتعالى
على قراصنتها. من الضروري دفْن رأسك
ببسالة في الغموض المباح،  حتى ولو لم تقرّ بذلك
علنا أمام الناس.

من الضروري، أن لا تسامح نفسك إذا كنت لم تحرّر
السراب من عزلته، وتحترم نفسك بالكتابة فقط. من الضروري
النزول إلى ضريحك، بأسرع ما يمكن، إذا ما بدا
قلبك غارقا في عتمته، وشعلتك تنهار، وليس هناك نجمة
واحدة في السماء. من الضروري أن تصاب الصور
الفوتوغرافية بظلال شاحبة من الشمس، أو من عينيك في
أحسن الأحوال. من الضروري التصالح مع هذا الفراغ
حتى لا يكرّر الحنين شراسته.
من الضروري، أن تضرم النيران في بدن الاستعارة،
إن لم تجد في الليل ما يشعلك.














                           رنين








أخيرًا
ابتكر طريقة تدخله بسهولة
إلى فسحة غامضة،
فسحة تبلّل فجيعته
في غبطةٍ ظاهرة،
فسحة كالطين اللزج،
كالرنين الذي في رأسه
لم يتبقّ شيء يملأه بالمهابة،
بالمصابيح التي تهدّد الظلمة،
بالسواعد المكتظّة بالسيئات،
بالفضول الذي يوقظ الفتنة
النائمة  في خرافته
ذلك عيب يخصّه وحده
عيب سيجعله سيرة قذرة
في أحاديث نزقة،
ومجوناً أشدّ إثارة
من أيّ شيءٍ آخر.















                                    تاج







تحوم في فلك
خِيطَ من قماش المخيّلة
يرجمك الشعراء، ثم يرتجلونك
نجمة من فخّار،
مركبا يخوض حافة البحر
أنت عروة الأحلام،
وخلاصة النفير
فلتحلّ في بدن الينابيع
متوّجاً بالذهب والخطيئة.

             
                     ما تساقط في الأعالي






يتذكّر العزاء جيّداً،
ما تساقط من روحه الخفيّة في الأعالي،
النوافذ الأكثر ظلاًّ،
أولئك الرفاق، من لا يطالهم الشك أبدا،
الواجهات الزجاجية في المدن العمياء
شعاع العاشقين حين كان يتسرّب خلسة إليه
قلبه الذي تربّى على الظمأ، ولم يعبأ بتوسلاته،
ما اعتُبر في حكم الموتى.
فلتكنْ الجذع الذي يترقّب قسوة الحطّاب
ويتهيّأ دائماً لاستقباله.




                        مزاج العتمة









 قرب منفضة السجائر
( رغم أنه لا يعرف التبغ بما يكفي )
غناء يليق بمزاج العتمة،
غناء يصغي إلى جنّة تفصح
بالكثير من الشرّ،
غناء يستدرج الأسئلة المراهقة،
أسئلة تلمع على رسْلها،
في بهاء سخيّ
يباركها مطرٌ ساخنٌ
وبعض بروق الخسارة.
             
                              هُمْ






ها هُم في سُعار الليل،
أقدامهم تتعثّر في منتصف النشيد،
يتصيّدون الطمأنينة الهشّة،
النوايا المخمورة بالمعصية،
العفاف السادر في همجيّته،
المدائح وهي تنزلق
على رغيفهم الناضج حينما يحدث
ما يشغل اليقين عن نفسه.
ها هم في سعار الليل
يخيطون بأكبادهم جلد الخسارة
غير مكترثين بصدورهم
وهي تصعد محمومة
على وحش الرغبة.


                               بحث في قوقل










لم يكن الأمر حقيقيّاً
ذكريات  كالدم العابس
تصطاد مزقا من ملامحه المنهوبة،
ملامحه التي كانت تتنزّه في فناء المدرسة،
ملامح يصعب التعرف عليها
أثناء ثرثرة مجّانيّة،
أو بحث عابر في قوقل،
ملامح  كان يستطيع الوصول بها
إلى غيبوبة حقيقية،
ملامح  لم تعامل جسده وهو ينتحب
باحترام يليق بالقسوة
لا تطلق رماح شياطينك بهذه الرومانسية
لا تجازف
فالنزوات تتمدّد في فخامة
وترقد إلى جانبك
على فراش الغثيان.















                  شغف










لك شغف يشدّ إطار الصورة
يعشب في ندائك الخافت،
شغف يتوهّج ،
يقضم ظلّك الأعرج
يتنزّل بين ساقيك
شغف يخرج للعراء
طافياً على خيالك الشقي،
ومتطايراً كالذباب.




                    وسط الفوضى







قال لنفسه:
قُضي الأمر
لم يترك له الأثر فرصة لليقظة
في ضراعة يجذب الدروب النائمة،
دروب تدسّ هواجسها في إزاره.
وسط هذه الفوضى
طلع النهار من جهة أخرى
لدرجة يمكن استخدامه
كخلفيّة لجهاز الكمبيوتر
قرّر أن يبقيَ فمه مفتوحاً،
أو تتوقف طفولته عن التحديق
في بشاشة الكلمات
ظلّ يراقب المشهد
وهي تجرّ قدميه
إلى حجرة تستبيح طرائدها
...
...
يحدث ذلك
لأنه لا يرقص بما فيه الكفاية.












                      كلام أكثر جدوى










هَبْ أنك ساعة من حجر،
ريح جامحة في الجغرافيا،
ليل يعلّق الشمس في عنقه
هبْ أنك "محبوبة توني موريسون"
هبْ أنّك ميّتٌ..
كيف ستعرف العائلة هذا النبأ العادي،
وأنت تُحْكم قَفْل الأبواب
أثناء تصفّحك مواقع محظورة
في الساعة المحرّمة من الليل
هبْ أنك لا تعرف أدوات الربط
 من سيوثق أعضاء الجمَل التي لا محل
لها من الإعراب
هبْ أنك لم تكمل هذه النصّ
هل سيلعنك هذا الدفتر، أم سيدّخر
كمّية البياض الفائض عن الحاجة
إلى كلامٍ أكثر جدوى؟!
















                                     مشنقة











بخفّة الذاهبين لنزالٍ عبثي،
وعلى وجل من حياته التي تتشبّث
بالإقامة على طرف جناح
يحمل لحظاته الخفيّة،
إلى خراب يمجّد خطوته
قبل أن يصل إلى أول سلالته
تأخذ الطريق شكل الهاوية
ليس ثمّة من يحتفل بمشنقة
تهزأ من عظامه جهرة
ها هو يتساقط كالسخافات
التي تقنعه أحياناً
ي
       ت
   س
                  ا
         ق
ط

كخيالات ملعونة
بمحض إرادتها.










                    المرضوض بحجر الأخطاء



أضاف صفة
(من المحتمل أنها ليست حسنة)
إلى يقينه المرتبك،
يقينه المغمور بالفحم،
والصدف غير المحتشمة
يقينه المشنوق على رصيف الغفلة،
المرضوض بحجر الأخطاء
 لم يفكر في نهاية
تجفّف فواصل الرياح
أو تمسح الرمل عن فمه
هو الذي لا يصدّق أحداً
يمسك جيّداً بالغيم
غيم فوق ما تتحمّل مراهنته
ولفرط ما كانت نهايته متوقعة
لم يطلْ مكوثه عالياً.


                        مأخوذٌ بصواعقه









تنضج اللهفة من ملامحهم،
من غيوم سجائرهم،
تتهدّل في المنحنيات
عارية,
تقود عربة الغواية،
في ليل القرى المهادن،
والحياديّ أحيانا
فيما الجسد
ينهض مأخوذاً بصواعقه
التي تتلألأ في العزلة.
لسبب ما،
سبب ليس واضحا حتى الآن
لم يجِدْ الوقت الكافي
لسحْب الأهلّة من نواصيها،
والذهاب لحتفه على طريقته الخاصة
دون أن يخرج كثيرا عن النصّ.














إبراهيم زولي
شاعر من السعودية
له:
• رويدا باتجاه الأرض، ط1 مركز الحضارة العربية، القاهرة 1996 م .
 وط2 دار طوى، لندن، مع منشورات الجمل 2009 م
وصدر عن الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة، سلسلة "آفاق عربية"،  2014م
• أول الرؤيا ، السعودية ، نادي جازان الأدبي 1999 م .
• الأجساد تسقط في البنفسج ، ط1 مركز الحضارة العربية، القاهرة، 2006م
 وط2 الانتشار العربي، بيروت 2009م
•  تأخذه من يديه النهارات ، السعودية ، نادي الشرقية الأدبي 2008 م .
• رجال يجوبون أعضاءنا ، الانتشار العربي، بيروت 2009م
•  قصائد ضالة: كائنات تمارس شعيرة الفوضى ، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010 م
0 من جهة معتمة ، مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، القاهرة، 2014م
0 شجر هارب في الخرائط - شذرات - ، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2014م
للتواصل i_zooli@hotmail.com
تويتر  @izooli


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads