القمة
إبراهيم ناجي
يا أيُّها العالي الغفورُ الصفوحْ | هل ترحم القمَّةُ ضعْف السُّفوحْ |
تاجُك في النور غريقٌ وفي | عرشك غبَّى كل نجمٍ صَدُوحْ |
وأين هامات الربى نُكِّسَتْ | من هامةٍ فوق مُنيفِ الصُّروحْ؟ |
وأين أوراقٌ خريفيّةٌ | أرْجَحَها الشكُّ فما تستريحْ |
من باسقٍ راسٍ به خضرَةٌ | ثابتةُ الرأي على كل ريحْ |
بَرئتَ من هذي الوهادِ التي | نَغْدُو على أنّاتِها أو نروحْ |
وأين في مبتسمات الذرى | برق الأماني من وميض الجروحْ؟ |
أصغِ لهذي الأرضِ واسمعْ لما | تشكو، لمن غيرك يوماً تبوحْ؟ |
تطفو على طوفان آلامها | وأين في آلامها فُلْكُ نوح |
أروع شيء صامت في العُلى | أفصح مفْضٍ بالبيانِ الصريحْ |
يعيِّر الأرضَ إذا أظلمتْ | بما على مفرقِه من وضوح |
هل تسخرُ الحكمةُ مما بنا | من نزواتٍ وعنانٍ جَموحْ |
حمقى، قُصارى كل غاياتنا | عزمٌ مَهيضٌ وجناحٌ كسيحْ |
أُعيذ عدل الحقِّ من ظلمنا | فكم على القِيعان نسْر جريحْ |
أنت له كل الحِمى المرتجى | وكلُّ مبغاه إليك النزوحْ |
ما النسر إلا راهبٌ في العُلى | محرابُه وجهُ السماءِ الصبيحْ |
وقلبها السَّمْح فما حطَّه | على الثرى الجهم الدميمِ الشحيحْ |
على الثرى حيث تسابيحُه | نوح الحزانى ونداء القروحْ |
مبتهلٌ باك بدمع الأسى | على الليالي وسقيم طريحْ |
ما أتعس الأرضَ بعُبَّادها | تبْهِجُ من أخلاطِهم ما تُبيحْ |
قد أنكرَ الهيكلُ زوَّارَه | وأصبح الديرُ غريبَ المُسوحْ |
لم يعرف الجسمُ خلاصاً به | من كدرةِ الطين ولم تنجُ روحْ |
يا سيِّد القمّةِ أنصِتْ لنا | لا يعرفُ الأشفاقَ قلبٌ مُشيحْ |
وانظرْ إلى اسِّكين في ساحةٍ | قد زمجرتْ فيها دماء الذَّبيحْ |
واسكبْ نَدَى الحبِّ بأفواهِنا | كم من بَكِيٍّ وظَمِيٍّ طليحْ |
فربما يُشرقُ بعد الضّنى | وجهٌ مليح وزمانُ مليحْ! |