يا قلبُ هذا نعيمٌ
زكي مبارك
يا قلبُ هذا نعيمٌ | من الصفاء وليدُ |
يا قلب هذا سعيرٌ | من الغرام جديدُ |
لقيتُه وفؤادي | غافٍ قرير السرائر |
فعدتُ أحيا بروحٍ | مشرّد الأنس حائر |
من مخبرى عن مصيري | في ظل هذا النعيم |
من مخبري عن مصيري | في لفح هذا الجحيم |
كيف انتهينا أجبني | يا قلب كيف انتهينا |
أللنعيم وصلنا | أم في الجحيم ثوينا |
أبالوصال اصطباحك | يا قلبُ أم بالصدود |
وبالسهاد اغتباقك | يا قلب أم بالهجود |
يا قلبُ طالت شكاتك | من الخدود الأسيله |
فكيف ترجى نجاتُك | من العيون الكحيله |
أحبّ نور الضلال | في ضافيات الغدائر |
ويزدهيني الخبال | في غافيات النواظر |
رباه ماذا تريد | من فتنتي بالعيون |
رباه ماذا تريد | من محنتي بالشجون |
أأنت يا رب راضٍ | عن حيرتي في الهيام |
إن كان هذا فإني | إذاً نبيُّ الغرام |
عصرتُ راح غرامي | من زاهرات الخدود |
وكان نقل مدامي | من ناهدات النهود |
يطوف بالحسن روحي | في صبحه والمساء |
فيجتني من شذاه | وشوكه ما يشاء |
عن أكؤسى ودموعي | روى رحيقُ الخلود |
عن مهجتي وضلوعي | روى سعيرُ الوجود |
عن شقوتي في هيامي | روى ظلامُ الليالي |
وعن صفاء زماني | روى صفاءُ اللآلي |
أنا الشقيّ السعيد | في لوعتي وشجوني |
أنا الغويّ الرشيد | في صبوتي وفتوني |
من الهوى والأماني | ومن زهور الجنان |
ومن فنون المعاني | رسمتُ وجه الزمان |
لولا غنائي وشعري | لمات روح الوجود |
لولا يباني ونثرى | لضاع سرُّ الخلود |
رأيتُ حين رأيُته | ما سوف يجنى الصفاء |
فصاح روحي يهذى | ما الحبّ إلّا بلاء |
أذاك نورٌ جديد | يلوح في قلب شاعر |
أم ذاك روح مريدٌ | يصول في قلب ساحر |
كان الفؤاد استراح | من فاتكات الشجون |
فمن إليه أتاح | كيد الهوى والفتون |
الغيُّ لو شئت ركنُ | من الرشاد ركينُ |
والشك لو شئت حصنٌ | من اليقين حصين |
للعقل عندي فنون | وللجنون مذاهب |
عندي بياض الصباح | عندي سواد الغياهب |
إن كان في الناس قومٌ | رأوا هلال السماء |
ففي سرائر قلبي | والروح ألف ذكاء |
ما عندكم حدثوني | يا إخوتي في الجنون |
فبى غرامٌ وشوقٌ | إلى حديث الفتون |
من الذي طاف منكم | ليلاً بتلك المناسك |
ومن هداه هواه | إلى ضلال الزمالك |
في ذلك الدوح غصنٌ | لولا العفافُ هصرتُه |
في ذلك الروض زهرٌ | لولا الحياء قطفتُه |
أباحني في التداني | والبعد عزّ الفضيحة |
وذاك لو يرتضيه | في الحب خير منيحه |
لقيتُهُ ذات يومٍ | في العصر عند الجزيره |
والنيل سكران صاحٍ | مثل العيون الكسيره |
لقيت من لو دعاني | إلى الفداء فديتُه |
لقيت من لو دعاني | بعد الممات أجبتُه |
لقيتُ فيه وجودي | وكان بالصحو زال |
فعدتُ نشوانَ حيّا | أعيش عيش الضلال |
رأيتُ حين رأيُته | ما سواي يجنى الصفاء |
فصاح روحي يهذي | ما الحبّ إلّا بلاء |
أذاك نورٌ جديدٌ | يلوح في قلب شاعر |
أم ذاكَ روحٌ مريدٌ | يصول في قلب ساحر |
كان الفؤاد استراح | من فاتكات الشجون |
فمن إليه أتاح | كيد الهوى والفتون |
أفي ظلال الجزيره | وفي شعاب الزمالك |
يهيم روحي ويشقى | ويلاه مما هنالك |
يا ليتني ما رأيتُك | يا أجمل الحافظين |
يا ليتني ما عرفتُك | يا أقبح الغادرين |
ما أنت والزهرات | على خدود الملاح |
يا لوعتي في المساء | وفتنتي في الصباح |
أثرتني للصيّال | يا أقحوان الرياض |
وهجتني للقتال | يا أفعوانَ الغياض |
أأنت ترمى وتمضى | إلى رحاب الخلاص |
غرّتك نفسك فاعلم | أن الجروح قصاص |
في لحظ عينيك نبلٌ | وفي عيوني نبال |
ونظرةُ الليث قبدٌ | لألفِ ألفِ غزال |
حاول خلاصك واسلُك | إلى النجاة المذاهب |
فلن يفوتك سهمى | ولو علوتَ الكواكب |
الرأيُ الرأيُ عندى | إذا نشدت الأمان |
أن تستحيل نسيماً | ونفحة من حنان |
عندي وفي ظل حبي | تحسُّ روح الوجود |
وفي ضريم غرامي | ترى شعاعَ الخلود |
أنا النجيّ القريب | من القلوب الشوارد |
أنا الظلوم الحبيب | إلى الصدور النواهد |
رباهُ ما الصادحات | من ضاحكات الأماني |
رباه ما النائحات | من شاديات المثاني |
رباه ما الشارقات | من النجوم الثواقب |
رباه ما الغاربات | من الظنون الكواذب |
رباه كيف تراني | وكيف حاليَ عندك |
هل كنت في كل حال | إلّا فتاك وعبدك |
الكون ما الكون قل لي | يا مبدعَ الكائنات |
هل كان إلا مراحاً | لأنفس حائرات |
أريتني في هواك | ما يوحش الصابرين |
فهل أرى من نداك | ما يؤنس الشاكرين |
رباه أنت الأمين | على خفايا الغيوب |
فهل تكون المعين | على مآسي القلوب |
خاصمت فيك أناساً | حجبتهم عن جمالك |
فأرجفوا بي وظنوا | أني ضللت المسالك |
قلبي وعقلي وروحي | نسائمٌ من شذاك |
فهل يكون ضلالي | إلا بقايا هداك |
رباه هذا زمان | قد طال فيه هيامي |
رباه أين الأمان | من لوعتي وغرامي |
هذا الجمال الجميل | وهذه الأزهار |
ونور هذا الأصيل | وهذه الأطيار |
يا رب ماذا تريد | يا رب ماذا تشاء |
آهات هذا القصيد | لحنٌ من الأهواء |
الشعر يا رب زهرٌ | قطفتهُ أنا وحدي |
الروح يا رب وحيك | واللفظ من عندي |
يا ملهماً للخيال | يا مبدعاً للجمال |
قلبي إلى الحسن مال | وهو الحرام الحلال |
الحسنُ صنع يديك | أبدعته أنتَ |
به سموتُ إليك | فعرفت من أنتَ |
يا رب هذا الجمال | وذلك الوجدُ |
أثارةٌ من ضلال | أشدو به أشدو |
يا فاطر الشعراء | يا رب يا ربي |
إجعل خفايا السماء | مما يرى قلبي |