الرئيسية » » محمد علي شمس الدين | يوم الأحد الواقع فيه صمتي

محمد علي شمس الدين | يوم الأحد الواقع فيه صمتي

Written By غير معرف on الأربعاء، 13 مارس 2013 | مارس 13, 2013



محمد علي شمس الدين  |  يوم الأحد الواقع فيه صمتي


إلى أبي حامد الغزالي في محنته العظيمة

ماذا بيدي؟
ماذا أفعل؟
هل يومي بيدي
وغدي...؟
يومياتي نافلة وقديمه
لكن
مَنْ خوّلني
أن أفصل
بين اللحظات المعدومة
واللامعدومه؟
ما دامت ايامي هَلْكى
سُفني غرقى في البحر
وساريتي في القاعْ
ماذا سيكون اذنْ بيدي؟
سيان أكنت النائم
أم كنت الصاحي
خذلتني الرؤيا، وصباحي
أفلت من كفّ الليلْ
فلأخرج من بين سيوف النوم قليلاً
وأحدّقْ في هذا الويلْ
في الجهة الشرقية من غرفة أحوالي
(حيث صنوبرةٌ تنشط فيها الغربانُ)
وفي الجهة الغربية (حيث الشطّانُ يعذّبها سوط الموج)
أحدّق بين هنا وهناك
لأعرف سرّ البحرِ
وسرّ الشجرهْ
دُقّ البابْ
الوقت سرابْ
يوم الأحد الواقع تقريباً فيه صمتي
آليتُ بأني
(منتقماً من هذا العالم)
لن أخرج من بيتي
فليبقَ الخارجُ في الخارج
والداخل يبقى في الداخلْ
وأنا بينهما
أتأرجح كالمرتابْ
هل أدخل في النوم أم اليقظة؟
حِيلي شتّى: بين التحديق
بأطراف الأشجار وأطراف الموسيقى
والتحديق بأطراف السيلْ
يأتي يجرفني مجرى من كلماتٍ غامضةٍ
أتبعها حين تؤرقني الأفكارُ
ومجراها يبدأ من أذني
ويدحرجني فيه فأصحو...
ما هذا الأرقُ الدهريُّ
الوسواسُ
الخنّاسُ
الآخذ بالأنفاسِ
القاطع مني كل كلامٍ وطعامٍ ومنامٍ
في رأسي ينمو كهدير الموجْ؟
ماذا يشغلني الآنْ؟
تشغلني هذي اللحظة من أيام الربّ
لي حق في أن آخذ منها بنصيبي
بعض نصيبي
سبعون من السنوات تساوي
خمس دقائق من أيام حبيبي
كيف إذن أتدبّر أحوالي فيها؟
قلّبت الأمر على أكثر من وجهٍ واحدْ
وبدا لي
أول ما يبدو لي
أن أغفو
سنوات لا عدّ لها
لا أُحصيها
كانت يقظة أحلامي فيها
حتى كدت أُجَنّْ
تتدافع في بابي أسئلة
وجموع طيورٍ عمياءَ
حشود لا أعرف كيف
تناسل منها الشك إليَّ
فأوشك أن أهوي تحت الأنواءْ
فاليقظة أغرتني
حتى صرتُ كبحّارٍ يسقط في قاعِ سفينته
وتُحرّكُ مجدافيهِ الريحْ
وقديماً كنتُ سألتُ عن الجدوى
في النوم (وأعني الموتَ)
فهل أقضي خمس دقائقَ من أيامِ
الربّ إذنْ في الموتْ؟
سيكونُ إذن
تبذيرٌ في النعمةْ
وولوجٌ في الخُسرانْ
وأزحْتُ بكفّي هذي الفكرة عن رأسي
كيما أبصرْ
(كانت خصلة شَعْرٍ تؤذي العينينْ)
ووقفتُ أحدّقُ في خمس دقائق من أيامي
وتُحدّقُ بي
ماذا أفعل؟
قَدَري شكّي
كنت بدأتُ أحسُّ الجوعَ
وشدّتني رغباتٌ شتّى نحو السير بلا هدفٍ
ومخاطبة الناسِ
وإيتاءِ ذوي القربى
في حلقاتِ الذِكرِ
وإيتاءِ ذوي الرغباتِ المدفونةِ
كالأشجارِ
على البلوى
واستئنافِ العشقِ، وما أدراكَ،
على الأرصفة الصغرى
ووجدتُ كأن السعي هنا سعيي
لا جدوى
لم ينفعني في شيءٍ
إذ حين أخذتُ إنائي المغلقَ بين يديَّ
وصرتُ أصبّ الماءَ عليه وجدتُ الماءَ
مضى هدرا
ما نفعُ الماءِ المتدفّقِ فوق إناءٍ مُغلق؟
أفكارٌ عاطلةٌ
في زمنٍ أخرقٍ
وإناءٌ مقلوبْ
ماذا بيدي؟
ماذا أفعلْ
كنت شريداً
أخبط فوق الرمل بأسمالي
غسقٌ فوق الموجِ يذوبُ
وحبر البحر يروبُ
على زبدٍ فوق الصخرةْ
وأنا لستُ بصيّادٍ يحمل صنّارتهُ
أو يلقي فوق الموج شباكَه
فالسمكُ الغائر في القاعِ أبي
والسمكُ الدائخ منه فوق الموج أخي
فلماذا أصطاد إذن جسدي؟
وأنا طفل يحبو نحو الماءِ يحاول أن يلفظ حرفاً
ويُهجّي الكلماتِ الأولى
ولعلّ بهذا البحر جبالاً
ومسالكَ لا يعرفها إلاّ الغوّاصونْ
ولعل به
ما يشبهني من شغفٍ وخيالْ
ولعلّ به سُفُناً
ومراكبَ ما زالت في سَفرٍ
وعليها نوتيّون سكارى
وقراصنةٌ جوّابونْ
ولعلّ كنوزاً في القاعِ
يحيط بها رَهطْ من جان
وجنودٌ من مَرْ... جانْ
أمشي
وهواء الشاطئ يحمل لي
أنفاس الملحِ
وأشلاءَ الموسيقى
صدري مفتوحٌ
ويداي مشرّدتانِ بلا مأوى
لا شيء سوى النجوى
شَرَّدني هذا الدّورانُ
وقلبي كالدولاب يدور معي
ويعانقُ مَن أهوى
لا شطّ ولا مرسى
كم عصفتْ ريحٌ
وتوالى رعدٌ بعد البرقِ
وأُغدِقَ من مطرٍ حولي
وأنا أمشي
ألْفٌ
ألْفانِ من السنواتِ تمرُّ كمرّ سحابٍ
فوق الغَمْرِ
الغمر يحدّق في وجهي
وأنا في وجه الغَمْرِ
كساريتين معاً
في فُلكٍ يتأرجح كالسكرانْ
ومعاً نمضي
في رحلتنا المجهولةِ نحو الشطآنْ
أحياناً
أشعر أنّ البحر أسيرٌ في كفّي كالعصفورْ
ولخمس دقائقَ من أيامِ الربِّ
أعدتُ الشِعرَ صبيّا
غادرني الشيبُ
وسبعون شتاءً وخريفاً
سقطتْ خلفي
وتكاد عظام الموتى
تنهض حين أكلّمها
من فَرطِ الشوقِ
وترجعُ نحو الصِفْرِ تقاويمُ التكوينْ
وبدأتُ بأنْ:
جمّعتُ نوارس أربعةً
كانت تختالُ على مَهَلٍ
فضربتُ بهنّ يدي
فتناثَرْنَ على أربعِ تلاّت البحرِ
وعُدْنَ بأمر الربّ إلى كفيّ
ومرَجتُ بهذا ذاكَ
وذاكَ بما لا يدركُ مِنْ
فَيْضِ إشاراتِ الأزمانِ
أخذتُ عصا
وشقَقْتُ بها جلدَ البحرِ
لكي تعبُرَ بين الجبلين جنودي
وأشرتُ لمن ماتوا
أنْ قوموا
ولمن أنهكه الداءُ، تماسَكْ
ولمن غيّبه الظنُّ تعالَ
وكُنْ... فيكونْ
وكمثل نبيّ في أرضِ الربِّ
غفوتُ هنا ملء جفوني
عمّا تروونْ
أسدلتُ ستائرَ أسبابي
وتركتُ الشكَّ صبيّاً
يلهو
ويدبُّ على بابي
***
***
هذي كلماتي
حضرتْ عند الفجرِ
تماماً عند صلاةِ الفجرْ
كنتُ وقفتُ على شرفة بيتي من جهة الغربِ
وكنتُ سألتُ البحرَ
إذا ما كان سيسمح لي
أنْ أسمعَ صوتَ الموجِ
وأن أصغي
لصراخ طيور البحر
وإنّات الغرْقى
وشعرتُ بأنّ البحر
استسلم في راحة كفّي
لا أعرفُ هل أطلقهُ
أم أتركُهُ يغفو كحمامٍ
متعبْ؟
ورجوتُ الغوثَ ففاجأني
وتسلل نحوي ضوء من ثقب البابْ
ضوءٌ؟
لا بل نورٌ غلاّبْ
خُفّايَ خفيفانٍ
وثوبي أوسعُ من أطرافي
ويدي بيضاء كغيمهْ
وتأهبّتُ لكي أضربها في عُرْض البحر
يقول صديقي: ماذا تفعلْ؟
فأقول له: ماذا تبصر؟
كُنّا نمشي فوق الشاطئ (مثل صديقين)
ولكنّا منفصلانْ
كدتُ أسّميه ظلّي
ويقولُ: تبعتُك في هذا السَفَر المُضني
لا تتركْني أمشي وحدي بين الحدينْ
لكنّي أمشي مثلك بين الحدينٍ
فكيفَ تخافْ؟
دَعْكَ إذنْ وانظرْ
ها... تتكأكأُ من ناحية الشرقِ الأصواتْ
تتحرّك آلاتُ الفَجْرِ
وتبزغ شمسٌ من خلف ذؤاباتِ الدنيا
ويقوم كُسالى من مرقدهم
وتسيل على الشارع أعناق العرَباتْ
وفتاةٌ ذات قميصٍ
تلمع عيناها في الضوءِ
تقوم وتخبط فوق الرملِ
وتتبعُني
كلبٌ يلهو ويناورُ منتظراً أن أدعوهُ
فيتبعني
طفل يحبو
ظبيانِ وسيّدةٌ
وفتى مذعور القلبِ
بعيدُ مدى الرؤيا، يُشبهني
وأنا أتقدّم في زحمة أيامي
في زحمة سَيْري
نحو اللّه.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads