الرئيسية » , » أوتوبيا أنثى | نمر سعدى | العدد الخامس عشر | كتاب الشعر

أوتوبيا أنثى | نمر سعدى | العدد الخامس عشر | كتاب الشعر

Written By غير معرف on السبت، 30 مارس 2013 | مارس 30, 2013


أوتوبيا أنثى | نمر سعدى | العدد الخامس عشر | كتاب الشعر
أوتوبيا أنثى








نمر سعدي









شعر






قلقُ الحياةْ






متدثِّراً بعباءةِ الأمطارِ
كانَ شجارُهُ مع نفسهِ يشتدُّ
يُولمُ للذئابِ خرابَهُ العالي
ويُصغي للرياحِ بقلبهِ قبلَ انهمارِ البرقِ
قبلَ هبوبهِ
متصالحاً مع رغبةٍ عمياءَ
تحملُهُ على أمواجها
وتحضُّهُ في الوحدةِ الزرقاءِ
كيْ يبكي.....
يقولُ بأنَّ دمعاً ما خفيَّاً عاطراً
قد راحَ ينـزفُ من دماءِ نسائهِ كندىً خُرافيٍّ
وأنَّ ملاءةً في روحهِ احترقَتْ بغصنِ فراشةٍ
أو لمسةٍ من إصبعٍ 
مرجانُهُ في القاعِ ينتحبُ احمراراً صامتاً أو غامضاً....



لا شيءَ ينهرُ عن هسيسِ النارِ أعضائي
أنا بجريرتي الأولى أعيشُ مُتوِّجاً قلقَ الحياةْ

مُتأمِّلاً فيما وراءَ كلامِ شيخِ الحبِّ
حيثُ ينامُ في أقصى دمشقَ متيَّماً ومُقوَّماً
بالوردِ لا بالسيفِ
مفتوحاً على الدنيا كصفحةِ لوعةٍ بيضاءَ اغريقيَّةٍ...
أو فاتحاً أسوارَها في العشقِ أو أسرارَها
ومُهذِّباً في كلِّ طفلٍ أمردٍ شبقَ المياهْ

إنِّي أراهُ ولا أراهْ
وأشمُّ خطوَ زمانهِ المنسيِّ بالعينينِ
أُسلمهُ لعاطفتي وأضلاعي
وتسملُني بلا إثمٍ يداهْ
هو حصَّتي ممَّا يقضُّ الأرضَ والنعناعَ
سلَّمُ فكرتي المكسورُ والمنخورُ
شهوةُ ذاتهِ وهوى سِواهْ

مُتطَّهراً من نزوةِ التفكيرِ
أنفضُ عن غدي المصقولِ مثلَ أظافرِ الأفعى
رذاذَ النومِ.....
أستلُّ الحقيقةَ من جواريرِ الصباحِ
ملمِّعاً بالدمعِ والتقبيلِ.... ذُلِّ الشاعريَّةِ
كلَّ ما في أسطري المُلغاةِ من صَدأٍ 
ينامُ على الشفاهْ

لا قوسَ في هذا المدى العاري
يشدُّ سنا خطاكِ
إلى أديمِ الظَهرِ مُجترحاً رؤايْ
لا كأسَ يجمعُ ما تناثرَ منكِ
فوقَ صدى خُطايْ
وأنا سليلُ الحالمينَ المتعبينَ الطيِّبينَ
الذاهبينَ إلى سدومَ بحزنهم وبخيطِ نايْ

قلقُ الحياةِ يحضُّني في الوحدةِ الزرقاءِ
كيْ أبكي على نفسي
كما لو كنتُ إنساناً سوايْ





كانون ثاني 2010





***********
ساهراً في النهارْ






(1)
ساهراً في النهارْ
أُدحرِجُ غيمَ الأمَلْ
عن سماءٍ مُصوَّبةٍ نحوَ قلبٍ مريضِ الأماني
كسهمٍ على قابِ هاويةٍ من قُبَلْ
أُمرِّرُ أهدابَ سَوسنةٍ مزَّقتها الرياحُ
وأُنشبُ ظُفري بعطرِ العسَلْ
لعلِّي أُصادقُ أفراحَ ذاكَ الجمالِ
بما ظلَّ لي من نحيبِ الرمالِ
لعلِّي بعينيَّ أغرزُ راياتِ حُريَّتي في مهبِّ الدمارْ

ساهراً.. حاملاً شهقاتِ الفجيعةِ فوقَ الأصابعِ
مغرورقاً باللهيبِ وبالحبِّ... بالمطَرِ الجافِّ.. بالإستعارةِ..
يبدؤني الماءُ.. يلغي سواحلَ عينينِ من لازوردٍ عميقِ البكاءْ
ساهراً في النهارْ
أُفكِّرُ في لحظةِ الإنكسارْ

(2)
الهواءُ دمٌ يتقطَّرُ من طعنةٍ غيرِ مرئيَّةٍ
هكذا خُيَّلَ الآنَ لي
عندما كنتُ أُمسكُ ديوانَ غيلانَ
أشتمُّ مسكَ العذابِ لذي رمَّةٍ
في تجاويفِ جرحِ الكتابْ

الهواءُ الذي هبَّ من جهةٍ لستُ أعرفها
عطشٌ عارمٌ دائمٌ لدموعِ الجمالْ
لغةٌ لا تطاوعني كي أُداعبَها
ويدٌ من دمقسٍ لفضِّ السؤالْ
السؤالِ المعلَّقِ مثلَ الهلالِ
بكاملِ نقصانهِ وخشونتهِ في الدماءِ
التي سهرتْ عندَ أطرافِ ذاكَ النهارْ
تفكِّرُ في لحظةِ الإنتصارْ

(3)
سآخذُ بعضَ المتاعِ القليلِ لذاكَ المساءْ
أشعَّةَ عينيكِ والنظرةَ التائبةْ
ومياهَ التعَبْ
والطيورَ التي شرَّدَتْ قلبَ طفلٍ أحَّبْ
وبعضَ صفاتِ الربيعِ
وقسوةَ أيلولَ
بستانَ خوخٍ وحقلَ عنَبْ
سآخذُ من عطرِ ليمونةٍ في يديكِ اللَهَبْ
ومن شفتيكِ دماءَ الحطَبْ
ونهراً يُطوِّقُ قامتكِ المُشتهاةَ
وخصرَكِ بالبيلسانِ الجريحِ
ويدخلني كسيوفِ العرَبْ
سآخذُ نارنجةً في أقاصي الخيالِ
وتنهيدةً من فمِ المستحيلْ
وناقوسَ دمعٍ صغيراً صغيراً
وكلَّ قصائديَ المستباحةَ
تلكَ التي لم تجئْ بعدُ أو قُتلتْ في الطريقِ الطويلْ

سآخذُ حزنَ المزاميرِ
آخذُ لونَ الهديلْ
واعترافاتِ شاعرةٍ قتَلَتْ نفسها في ربيعٍ جميلْ
سآخذُ زرقةَ أمطارِ أشعارها
ولوعةَ أزهارها في مهبِّ الفصولْ
والرمادَ المضيءَ الذي يتدفَّقُ من دمِها في ليالي الجليلْ
وفي كأسِ حمصَ التي أينعَتْ مثلَ حقلِ المُحارِ
وطافَتْ بوردٍ قُبيلَ الرحيلْ
وبعدَ اشتعالِ مفاتنها بالندى الكوثريِّ
وبعدَ انطفاءِ أصابعها بمياهِ الصليلْ
سلامٌ على حزنِ وردٍ
سلامٌ على جمرةٍ في قلوبِ الخيولْ
وسلامٌ أخيرٌ أخيرٌ على ما أقولْ

(4)
سأستلُّ قوساً بمفردتينِ وأغمدهُ في حواشي بياضكِ...
أغمدهُ في أقاصي اليبابِ
سأستلُّ قافيةً من حدائقِ عينيكِ يوماً
وأُطلقها في سماءِ العبيرِ
وأُنهي قراءةَ يوسا بكلِّ امتداحاتهِ وانفعالاتهِ العاليةْ
لأبدأَ في كشفِ ذاتي وأسرارها من جديدٍ
وأغرقَ في عالمٍ يتأرجحُ
ما بينَ قلبي وبينَ صدى العاطفةْ
سلامٌ على وخزةِ الحبِّ في القلبِ
والسهمِ في قدَمِ العاصفةْ

(5)
ساهراً في النهارِ أُرتِّبُ أسماءَ أزهارها في القواميسِ
أهذي بما تتركُ الأبجدِّيةُ من مسكها
فوقَ مسربِ عينيَّ
أستمطرُ الدمعَ من مُقلَتيْ ظبيةٍ
من غصونِ أصابعها
من دمٍ ظلَّ يبكي
على جمرةِ الحبِّ في روحها
حينَ تمضي لها وحشةٌ
تقتلُ الذئبَ فيَّ...
وحينَ تجيءْ
تذرذرُ أنهارَها في المهبِّ المضيءْ

(6)
هنالكَ ما بينَ صوتي وبينَ صدى المفردةْ
جفَّتِ الدمعةُ السابعةْ
وجفَّتْ زهوري التي كنتُ أودعتُها
صحنَ بسمتكِ الجامدةْ
ونهرَ الحريرِ الذي في يديكِ
يشقُّ اختلاجاتِ قلبي الوحيدِ بأقصى قرارْ
جفَّتِ البسمةُ التاسعةْ
وتهاوتْ على قدمِ الريحِ
كلُّ أصابعها اليانعةْ
في مَهاوي البحارْ

ساهراً في النهارْ
أُفكِّرُ في لحظةِ الإنكسارْ




كانون ثاني 2010



 
***************


الكلامُ الذي لم أقُلْهُ




(1)
لقلبيَ عينانِ نضَّاحتانْ
وسمعٌ رهيفٌ لرَفَّةِ مُخملكِ الرطبِ في الليلِ
حينَ تجيئينَ مكتظَّةً باللهيبِ وبالثلجِ
مشغولةً بالمحارِ الحليبيِّ
مدهونةً بالشذى مثلَ نرجسةِ الشعرِ
مسكونةً بالبكاءِ المُشعِّ
على ما استقالَ من الشمعِ منكِ
وعابقةً بندى الأُغنياتِ العصيَّةِ...
حافلةً بالخرافةِ....../

قلبي بعينينِ نضَّاحتينِ
يرى فيكِ كُلَّ الذي لا تراهُ العيونْ
ويلمسُ همسَ الخطى
وانتباهَ الأصابعِ فوقَ الغصونْ
ورفَّةَ مخملكِ الرطبِ في الليلِ
حينَ تجيئينَ لاذعةً كالدموعِ
وشفَّافةً كبكاءِ الرضيعِ
وصافيةً كالينابيعِ
قاتلةً كأكُفِّ الشتاءِ
وناعمةً كحريرِ الصقيعْ
تجيئينَ عبرَ المساماتِ
عبرَ الخطى الوالهاتِ
وعبرَ انتظارِ القصيدةِ
عبرَ انهمارِ الكلامِ الجميلِ
المخاتلِ كاللصِّ أنثى الربيعْ
تجيئينَ.....
تندلعينَ بقلبي كسربِ السنونو
كحقلٍ من الجمرِ
تستنبتينَ الخرافةَ والمجدَ والنهرَ والحُلمَ
تنكسرينَ على صخرةٍ عاشقةْ
تجيئينَ موَّارةً بالأناشيدِ
منذورةً للطفولةِ
ملغومةً بالعواصفِ والقُبَلِ الحارقةْ
ومُزدانةً كالطبيعةِ في عُرسها
كإناثِ الطيورِ التي لم تعُدْ
من سِفارٍ إلى الحُبِّ والهاويةْ
أنتِ كالأبجدِّيةِ في قاعِ قلبي
وأيقونةٌ للمحبَّةِ ملءَ دمي ذاويةْ

(2)
كلَّما اندلعَتْ في عيوني الرياحينُ
واحتشَدَتْ في عروقي الزلازلُ
يـمَّمْتُ قبلةَ رائحةِ المسكِ في صدركِ المرمريِّ
ولوَّحتُ بالبَيرقِ المُتمزِّقِ
تحتَ الشفاهِ التي عمَّدتني
بماءِ الحنينِ ونارِ الطهارةِ
ذاتَ نهارٍ عصيٍّ على ما تقولينَ
عن وجعِ الكلماتِ التي لم تُحالفْ رؤاكِ
وراءَ المعاني الحبيسةِ مثلَ الأحاسيسِ...
أو شهقاتِ الفرَحْ
تجيئينَ أو تذهَبينَ كقوسِ قُزَحْ
وها أنني لا أُلملمُ إلاَّ بقاياكِ
مثلَ الذئابِ الوديعةِ
أو أنتشي بالرمادِ الحبيبِ.. ولذعِ القدَحْ
ألفُ نجمٍ على طرَفِ الخصرِ منكِ يُصيحونَ بي
وأنا بسمةٌ لا تغادرُ عينيكِ حينَ تنامينَ
أو طيفُ أمسكِ أو ظلُّهُ
أو مرايا اشتهائكِ
أو حقلُ رائحةٍ من سرابٍ
لرغوةِ شهوةِ قلبكِ خلفَ الفضاءِ انبطَحْ
وأنا دمعةٌ لا تغادرُ كفَّيكِ
حتى تُحيلَ دمي نهرَ نيلوفرٍ
في مهبِّ الرياحِ
وشوقي ضباباً لمعنى العدَمْ
كلُّ هذا الكلامِ الذي لم أقلْهُ
انتصارٌ لما فيكِ من رغبةٍ أو ندَمْ

(3)
لقلبيَ عينانِ نضَّاحتانْ
وأجراسُ وردٍ
وأنهارُ شهدٍ
وتسبيحةٌ للصباحِ الحزينِ
وأمطارُ دمعٍ لشوقِ الزمانْ
إلى ما تقولينَ يوماً بحسِّ الخريفِ المُروَّضِ
من غيرِ أن تنبسينَ ببنتِ شفاهٍ....
وتشتعلينَ بماءِ الحنانْ
لقلبيَ عينانِ نضَّاحتانْ

(4)
كانَ حُزنكِ أكبرَ من فسحةِ الصبرِ ملءَ يديَّ
وأوسعَ من قُبلةٍ كحوافِ الهلالِ المُقالِ من الجنَّتينِ
وأضيقَ من بسمةٍ عابرةْ
على مشهدِ الأرضِ والآخرةْ
كانَ حزنكِ يأخذني كالغريبِ إلى اللا مكانْ

(5)
كُلُّ هذا الكلامِ الذي يتمايلُ
مثلَ النسائمِ في غابِ روحي
ويُرجئني كالقصيدةِ من دونِ قصدٍ
إلى لحظةٍ غابرةْ
كلُّ هذا الكلامِ يُراودني عن وفائي
ويخلطُ كلَّ لعابِ الذئابِ
وسُمِّ الأفاعي..... بمائي

(6)
لماذا تريدينَ نقضَ الغيومِ التي
نسجتها أصابعُ بنلوبَ يوماً ثياباً لقلبي....
ونقضَ خيوطِ القمَرْ..؟
أنا لا أحبُّكِ أكثرَ من أيِّ شيءٍ
وليسَ أقلَّ من الأُقحوانِ الغريبِ بفصلِ الشتاءِ
فرُدِّي إليَّ نقاوةَ فجري
وبعضَ براءةِ شعري
وعمري الذي نقَّطتهُ دموعُ السفَرْ
ولا تقتلي بلبلاً في سَحَرْ
ولا تصبغي فلَّةً بقتامْ
................
أنا لن أُسائلَ لو مرَّةً واحدةْ
ولو كانَ سائلَ بعضُ انفعالي
وبعضُ جنونيَ فيكِ.....
فلا تصمتي أو تُجيبي
ولكن إلى الحبِّ توبي
وتوبي إلى نجمتي الشاردةْ
وراءَ سماءِ عيوني
وهاويةٍ في أعالي حنيني

(7)
شُرودُكِ بحرٌ كئيبٌ كئيبٌ.. ونارٌ طقوسيَّةٌ كالنوارسِ
راحتْ تُرفرفُ فوقَ جبيني
تُخلِّدُ مجدي القتيلَ الجميلَ صباهْ
تلذِّعُ قلبي بطعمِ الجليدِ الذي نزَّ من بسَمَاتِ الشفاهْ
وأنَّكِ أطهرُ من نسمةٍ في الضحى المُستعادْ
وأنصعُ من قبلةٍ لا تحطُّ بأيِّ بلادْ
وأشرسُ من ذئبةٍ في الفلاهْ

(8)
تستحمُّ دماؤكُ بالأغنياتِ
كما بالشموسِ الأليفةِ في كلِّ ليلةْ
ويُزهرُ وجهُكِ بالعنفوانْ
كأنَّكِ زنبقةٌ عاريةْ
وحوريةٌ لا تفارقني منذُ بدءِ الزمانْ
على صهوةِ الوجدِ والحلُمِ المستباحْ
فأزرعُ عينيَّ ماءَ بحارٍ
وحقلَ نجومٍ وراءَ الصباحْ
وأفهمُ فيكِ غموضَ الحياةْ
والوضوحَ الذي يتقطَّرُ من ساعديكِ
كماءِ الوضوءِ على شهقاتي
أنتِ سرٌّ لأفعى الأنوثةِ ينسابُ في قلبِ فُلَّةْ
وأنَّ عذابي المُتوَّجَ فيكِ قصيدةُ منفى
وسيفُ هيامي الذي هو أهيبُ
من غابةِ النارِ في ملكوتِ الظلامْ
بهِ سوفَ أُقتلُ يوماً بأُمِّ يميني
وأُصبحُ بعضَ الهديلِ القليلِ
وظلاًّ من الياسمينِ الحزينِ

(9)
الفراغُ يحفُّ دمي بالعذاباتِ
يرفعُ عينيَّ فوقَ الصليبِ المتوَّجِ بالشوكِ
يحضنني في الأعالي
ويُكملُني بالمعاني
التي نقصَتْ من كياني
الفراغُ يُمسِّدُ أظفارَهُ
بحريرِ الكلامِ الذي لم أقلهُ أنا.....
وأنا لم أكُنْ غيرَ ظلِّ الكلامِ المعلَّقِ بينَ السماءِ
وما بينَ أرضِ الخسارةِ.....
ما بينَ عينيَّ أقصى جحيمِ سدومَ
وما بينَ حُلمٍ يُرفرفُ أعلى سماءِ اليمامِ الذبيحِ
إلى لا انتهاءْ
ليتني كنتُ ظلاًّ لأنثى الخزامْ.


كانون أوَّل 2009



********

ينقصُني قمرٌ كيْ أعيشْ


إلى أُمِّي في غيابها






(1)
للقصائدِ مذبحةٌ في المساءِ خياليَّةٌ...
لا تمُتُّ إليَّ بأيِّ صِلةْ
ألفُ عوليسَ في تيهِ روحي يموتونَ...
لا من غناءٍ يشُدُّ الضلوعَ إلى من تحبُّ.. ولا بوصلَةْ
للقصائدِ مذبحةٌ في المساءِ
وأسئلةٌ دونها أسئلةْ

(2)
كانَ ينقصُني كيْ أُتمِّمَ هذا الغيابَ المُعلَّقَ
مثلَ التميمةِ في عنقِ أيلولَ
وردٌ من الماءِ
شمسٌ من اللازوردِ
فراشاتُ دمعٍ
ظلامٌ مُقفَّىً
ووقتٌ يصادقني في أعالي الأحاسيسِ
حبرٌ.. وشمعٌ نبيلٌ
وصبرٌ مُذابْ
كانَ ينقصُني كيْ أُتوِّجَ موتي الخصوصيَّ لا موتَ أمِّي
القليلُ من الشعرِ ينثرني في العراءِ المُضيءِ
ويُشعلُ ثلجَ دمي كالشهابْ

(3)
من أنا الآنَ في مشهدٍ جامدٍ....؟
قطعةٌ عالمي من رؤى لوحةٍ غابرةْ
يضيقُ بياني رويداً رويداً
وأفقُ خيالي يضيقُ
وكفَّايَ ترتميانِ على صخرةِ الآخرةْ
من أنا الآنَ في هذهِ الدائرةْ..؟

(4)
وأنا صامتٌ مثلُ عينينِ بحريَّتينِ
فمي بُلبلٌ ميِّتٌ
ودمي مُغلقٌ مثلُ آسٍ تعذِّبهُ الريحُ عندَ الهبوبِ
ومُحتشدٌ بالحنينِ لأنثى الترابْ
ليسَ يستلُّني قدَري من خطايايَ هذا الصباحَ
ويُوغلُ في النورِ صوتي إلى نجمةٍ في أقاصي الدموعِ
بزنبقتينِ وفجرٍ وبابْ
ويُوغلُ في النورِ بيتي إلى ما يشاءُ الطريقُ السحيقُ
ويرجعُ مخضوضراً بالأغاني التي لا تموتُ
ومُستسلماً لغرامِ الشبابْ
سأبكي بكاءَ الطيورِ على جنةٍ عاثَ فيها الخراب

(5)
كانَ ينقصُني قمرٌ كيْ أعيشَ
وكيما أُتمِّمَ هذا الغيابَ / الحضورَ
بلا أيِّ معنىً يخلُّ بمبنى العبارةِ
أو أيِّ لفظٍ يخلُّ بمعنى الكلامِ الجريحِ
كأنثى الحمامِ التي اندثرَت مثلَ نقطةِ ماءٍ
مذوَّبةٍ في عروقِ السماءْ
قمرٌ واحدٌ كانَ ينقصُني
كيْ أُتمِّمَ هذا الحضورَ / الغيابْ

(6)
قمرٌ على عينينِ صافيتينِ ينبضُ بالمحارِ
على حواشي القلبِ
ينكسرُ النهارُ على شفا عينيهِ
يقتلني كأيلولَ الذي أحببتُ منذُ نعومةِ الأشعارِ
يقتلني بشيءٍ من غموضِ الموتِ ملءَ مدى المكانِ
وملءَ ما في الوقتِ من صمتِ الحياةِ
ومن صُراخِ الروحِ فوقَ الكوكبِ المأفونِ.....
قُمتُ أشُدُّ ما في النفسِ من مِزَقٍ
لصاريتي فمالَ البحرُ فوقَ يدي
ودوَّخني بكاءُ العطرِ فوقَ نصاعةِ الأحلامِ.....
يرفعُني انهياري
ويُذيبُني دمعي..
كأنِّي في السماءِ عمودُ ملحٍ تائهٍ يبكي...
كأنَّ دموعَهُ ودموعَ قلبي
في المدى شفقُ البحارِ

(7)
تُعمِّدني لحظتي الفانيةْ
بماءِ انتباهِ الفصولِ وماءِ التعَبْ
فأغرقُ في لهفةٍ عاريةْ
لتقبيلِ ما في يدينِ ربيعيَّتينِ
من الحُبِّ والحدبِ والخيرِ والشعرِ
مُستسلماً لعبيرٍ يكونُ شفاءَ العَصَبْ

(8)
فجرٌ على عينينِ غارقتينِ في البلَّوْرِ
في أقصى دمائي
فجرٌ يجيءُ على جناحِ حمامةٍ بيضاءَ
من ضلعِ السماءِ
وبكلِّ أسبابِ البكاءِ اليومَ يُبكيني
ويزرعُ وردةً حمراءَ في أعلى بكائي

(9)
لا أستطيعُ رثاءَ أمِّي
لا لأني مصابٌ بالإغماءِ العاطفيِّ
والشعريِّ.. والوجوديِّ.. والسرياليِّ
لا أستطيعُ رثاءَ أمِّي
فقط لأنني أحببتُها حتى الجنونْ
ولأنها هيَ وحدَها من بينِ جميعِ الكائناتِ
في الكونِ من أحبَّتني بصدقْ

(10)
رحيلُ أمِّي جعلني أخلطُ الشعرَ بالنثرِ
والمنطقيَّ باللا منطقيّْ
والحياةَ بالموتِ
والعصافيرَ الزرقاءَ بالرصاصِ
والبحرَ باليابسةِ
والماءَ بالنارِ
ودمائي بالزهرِ
وصمتي بصراخي الأبديّْ

(11)
كأنِّي بغيرِ فمٍ لأخطَّ رثائي الأخيرَ
كأنِّي أجسُّ دمي لأحسَّ حياتي
التي يبسَتْ كعروقِ الغيومِ...
كأنِّي الذي ماتَ من دونِ قصدٍ
وشيَّعهُ العابرونَ إلى ما وراءِ الحقيقةِ..
ماذا أقولُ..؟
هل أقولُ غدي مُوحشٌ دونَ عينيكِ؟
أو سوفَ تقسو الحياةُ عليَّ إذنْ كالغريبْ؟
لا أجيدُ العبارةَ
لا أحتفي بنصاعةِ روحي
أنا الآنَ لا شيءَ يُرشدني نحوَ سرِّ الحنانِ
ولا شيءَ يُكملُني بالجمالِ
الذي غابَ خلفَ خريفٍ من الصمتِ...
من دونِ قلبٍ أحسُّ
وحُريَّتي لا تطاوعني..
هذهِ لحظةٌ من سديمِ العذابِ
وهذا ابتداءُ كتابِ الدموعِ وراءَ سماءٍ هُلاميَّةٍ
هذهِ لحظةٌ لا أُحاولُ إلاَّ قياساً لها
في جحيمي على هذهِ الأرضِ مخضوضراً بالسرابِ
كأنِّي الذي ماتَ من دونِ قصدٍ
وطافَ بهِ اللهُ أرضَ النعيمْ
كأنِّي تحوَّلتُ طيراً من الدمعِ.. أو سرَّ زنبقةٍ
من رمادِ الغيومْ
كأنِّي أمُدُّ يدي لأزيلَ غبارَ السديمِ
عن الروحِ في تيهها.......


(12)
الآنْ أعظمُ ما أشعرُ بهِ هو التعَبُ
التعَبُ الهائلُ
حتى أنني أشعرُ وكأنني أحملُ كلَّ صخورِ العالمِ
على ظهري وحدي
وأعبرُ بها محيطاتٍ لا سواحلَ لها
في كواكبَ أكبرَ من كوكبِ المرِّيخْ

(13)
آهِ ماذا سأفعلُ بعدكِ...
بعدَ الخريفِ الأليفِ
وبعدَ انطفاءِ الجمانِ على شجرِ الروحِ...
ماذا سأفعلُ من دونِ وردكِ..؟
لو لم تكوني انعكاساً بريئاً لقلبِ الملاكْ
آهِ ماذا سأفعلُ بعدكِ ماذا سأفعلْ..؟

(14)
ما الذي كانَ ينتابني من نداءِ الحبيبةِ
في زمهريرِ الحياةِ؟
أُسائلُ قلبي فيبكي بدمعٍ عصيِّ المهبِّ
على زرقةِ البحرِ....
آهِ.. أنا لمْ أُقطِّرْ ندى جرحِها في دمي....
لم أُهذِّبْ جنوني على قبرها بعدُ
أو أنعفِ الروحَ عاصفةً من زَهَرْ

(15)
تحترقُ على شفتيَّ آخرُ قُبلةٍ توَّجتُ بها رأسكِ
وتترمَّدُ أوصالُها في قلبي
تحترقُ عنقاءُ روحي إلى الأبدِ
على شاطئِ الأبديةِ
ويطيرُ رمادُها مع رياحِ سدومَ
في جهةٍ لا أعرفُها

(16)
الوحدةُ بعدَكِ تُشعلني كعودِ ثقابٍ
وترميني بعيداً بعيداً في الفضاءِ الهلاميِّ
الوحدةُ وحشٌ مفترسٌ يطاردني
في جنةِ الروحِ وحدي
وينهشُ قلبي المُتفتِّتَ بعدَ غيابكِ كالحجرِ الجيريِّ
الوحدةُ بعدكِ تكسرُني كرذاذِ الضوءْ

(17)
حزني قديمٌ عمرُهُ مليونُ عامْ
وغشاوةٌ حطَّتْ على عينيَّ مثلَ الطائرِ المنسيِّ
لا قلبي يُطاوعني على النسيانِ
لا لغتي ولا بحرُ الظلامِ
ولا الضحى الدُريُّ
لا أمسي ولا يومي
ولا كنـزُ البلاغةِ
لا أعالي الحُبِّ
لا العطرُ النبيلُ ولا الهيامْ
حزني قديمٌ عمرُهُ مليونُ عامْ
وعلى جميعِ الكائناتِ
على ربيعِ الأرضِ بعدَكِ وهو يذوي
كالجمالِ... وكالشتاءاتِ السلامْ

(18)
لم تُفدني الكُتُبْ
حولَ ما أبتغي في الردى والمنامِ الجميلْ
من علومٍ إلهيَّةٍ...
لم يُفدني دمي المُتبصِّرُ أيقونةً
في يدِ الموتِ مرهونةً
من دموعِ الذهَبْ
كأنَّ دمي جاءَ هذي الحياةَ بدمعٍ كَذِبْ

(19)
عبثٌ كلُّ ما في الحياةِ يعانقني
ثمَّ يطعنني بخطايا الكلامْ
عبثٌ كلُّ ما تحتَ هذي السماءْ
وحنينٌ مُضاءْ
برغبةِ أوجاعنا في المنامِ الجميلْ
...........
زهرةٌ ألمي... والرحيلْ
هوى فوقها مثلَ سيفٍ صقيلْ

(20)
قمرٌ على عينيكِ أزرقُ
مثلَ صوتِ البحرِ ينهضُ من بكائي
ويطيرُ كالعنقاءِ نحوَ اللهِ.....
تخفقُ فيهِ أحلامي التي احترقتْ بأكملها
على مرأى الضلوعِ
مُعذَّباً برؤى دمائي
قمرٌ يحطُّ على يديكِ
وبسمةٌ بيضاءُ من نيلوفرٍ تُنهي شقائي

(21)
أنا لا أُصدِّقُ موتكِ المرفوعَ
فوقَ الكرملِ المفجوعِ مثلي
لا أُصدِّقُ صمتكِ العالي
وتركَكِ قلبيَ المجنونِ يبحثُ في الأناشيدِ
المُقدَّسةِ البعيدةِ عنكِ
يسألُ في الدروبِ ولا مُجيبَ
مُطوَّقاً بلظى الحنينْ
الآنَ في الزمنِ العصيِّ على التأمُّلِ
في الزهورِ وفي العيونْ

(22)
قلبي سماءٌ من رمالٍ
وردةٌ حجريَّةٌ
نهرٌ يجفُّ نداؤهُ
صفةٌ لأنثى الصبحِ
عاطفةٌ تُفكِّرُ
روحُ أيلولَ
انتباهُ الطائرِ الدوريِّ
قُبرَّةٌ.... وسيفٌ من غمامْ
ضوءٌ خفيُّ الحزنِ يسكنُ في اختلاجاتِ الكلامْ

(23)
كفَّاكِ نعناعٌ يُسبِّحُ في الصباحاتِ الرخيَّةِ
خفقةٌ للماءِ
سرٌّ للمحارِ
ندىً تراكمَ فوقَ قلبي في مدى الصحراءِ
أغنيةٌ... ملاذٌ للدموعِ
بنفسجٌ للنورِ..
أجنحةٌ... وأسفارٌ لحزنِ الياسمينْ

(24)
عندما ماتتْ أمِّي تحوَّلتْ روحُها
إلى جوقةِ أطيارٍ تطيرُ على قابِ قُبلةٍ من رأسي
أينَما ذَهبْتُ
ولم أكُ أسمعُ في الليالي والأيامِ
التي سبقَتْ وأعقبَتْ موتَ أمِّي
إلاَّ رفيفَ الملائكةِ
وبسملةَ الكائناتِ
وتسبيحَ الكونْ

(25)
ظهورُ قصائدي مقصومةٌ كلُّها
وحدائقي الشعريَّةُ تأكلها النارُ
وقلبي مُثقلٌ بكلِّ حديدِ الأرضِ ودموعها
وصخرةٌ تربضُ فوقَ لساني إلى الأبدْ
وأنا كأنني تحوَّلتُ إلى روحٍ هائمةٍ
على وجهها في الشوارعِ الغريبةْ

(26)
سلامٌ على الماءِ في فمِ عصفورةٍ
وسلامٌ على روحِ أمِّي
سلامٌ على قبرها
وعلى حقلِ نيلوفرٍ وعلى داليةْ
تحملُ الشمسَ في وجنتيها
سلامٌ على عودةِ العاملينَ
إلى الأمِّ والزوجةِ الحانيةْ
سلامٌ على بهجةِ الصُبحِ فيَّ وبسمتهِ الصافيةْ
على شفتيَّ
سلامٌ على لغتي
وسلامٌ على ما يضيعُ من الروحِ
في غمرةِ الجمرةِ العاريةْ
سلامٌ عليَّ
على قمرٍ مثلَ طفلٍ يتيمٍ على الرابيةْ

(27)
أُحاولُ تضميدَ جرحي بجرحِ الحبَقْ
وما يختفي من كلامي وراءَ ضبابِ القلَقْ
أُحاولُ أن أملأَ القلبَ بالقبلاتِ العصيَّةِ...
لكنَّ قلبيَ أمسِ احترَقْ
أُحاولُ أن أجعلَ الأرضَ طائرةً من ورَقْ

(28)
أغرفُ الصمتَ من قاعِ بئرِ الحياةِ
أصبُّ لنفسي قليلاً
فيا حبَّذا كانَ صبري جميلا
فقد ينفعُ الحبُّ نفسي فتيلا
أغرفُ الصمتَ أروي ضلوعي بهِ
غيرَ أنَّ الحرائقَ في الروحِ تزدادُ
والجمرُ يزدادُ طُهراً نبيلا
أغرفُ الصمتَ يقتلني
كانَ خيراً لنفسيَ أو كانَ شرَّاً وبيلا

(29)
تكسَّرَ معراجُ قلبي وقايضتُ روحي
التي مرضَتْ ببياضِ الأهلَّةْ
درتُ كالثورِ أعمى
رحايَ الليالي التي انبثقتْ من ضلوعيَ
بيضاءَ بيضاءَ مثلَ دموعِ السماءِ على وجهِ فُلَّةْ
تكسَّرَ معراجُ قلبي وحدَّقتُ فيما يقولُ البنفسجُ
من لذعِ جمرٍ وراءَ عيوني
ينامُ كأنهارِ شوقٍ دفينِ
كأحلامِ صيفٍ وراءَ دمي مضمحلَّةْ
...................
تُصبحينَ على وجهِ ربِّي
تُصبحينَ على ألفِ قُبلةْ

(30)
تكسَّرَ معراجُ قلبي ولمْ أكُ أعرفُ
أنِّي على موعدٍ باذخٍ مع بكاءٍ مؤجَّلْ
أفي لحظةٍ حيَّةٍ يرحلُ النورُ عن جنَّتي
وتموتُ الطبيعةُ فيَّ وتنتحرُ الكائناتُ الجميلةُ...
تنحلُّ في الضوءِ... تنحلُّ في قاعِ هاويةِ الليلِ
مثلَ السَمندَلْ
كلُّ شيءٍ سوى غدرِ أيلولَ بي
بعدَ طولِ وفاءٍ لهُ ولأشيائهِ
ألفُ سهلٍ وأسهلْ
كلُّ شيءٍ سوى غدرِ أيلولَ بي
ألفُ سهلٍ وأسهلْ
آهِ... تذوينَ حُبَّاً على بُعدِ أيقونةٍ من دمي
من وفائي ومن وردِ عينيَّ
من شعلةِ الروحِ فيَّ...
على بابِ أيلولَ أرفعُ أبهى الجنانِ على كتفيَّ
ووحديَ أذبُلْ

(31)
ذاتَ ليلٍ هناكَ وراءَ الفضاءِ المُضاءِ بروحكِ
شاهدتُ رعشةَ نجمٍ فأيقنتُ
أنَّكِ أصبحتِ ضوءاً وماءً هناكْ
هناكَ وراءَ رذاذِ الضياءِ
وراءَ السماءْ
ذاتَ ليلٍ هناكَ على سقفِ بيتي
تحومُ الطيورُ الأليفةُ حولي
فأعلمُ في سرِّ نفسي بأيِّ قداسةِ روحٍ
تحومُ الطيورُ الأليفةُ حولي
ويخضلُّ ليلي
ذاتَ ليلٍ على بُعدِ تنهيدةٍ من فمي
درتُ كالثورِ أعمى
على أفقٍ مخمليِّ الحنانِ
وأيقنتُ أنَّكِ منِّي على قابِ قُبلةْ
على بُعدِ تنهيدةٍ من فمي......

(32)
سيأتي زمانٌ وأبكي إلى أن تجفَّ الدموعُ الأخيرةُ...
أو تيبَسَ الأغنياتْ
سيأتي زمانٌ بهِ سوفَ ينطقُ حزني الحبيسُ بلا كلماتْ
سيأتي زمانٌ.....
ويحترقُ القلبُ بالقُبلاتْ

(33)
عينايَ حافيتانِ في حقلِ الرؤى المفروشِ
بالأشواكِ والنيرانِ
وجهي فوقَ هاويةِ الشتاءِ فراشةٌ عمياءُ
تبحثُ عن أمانِ اللهِ في يومِ الحسابْ
عينايَ حافيتانِ في حقلِ السرابْ

(34)
عينايَ حافيتانِ عاريتانِ
إلاَّ من جراحِ الموتِ
من أبهى الصراخِ على شفيرِ الصمتِ
بوصلتي ذوَتْ كالوردِ
ثمَّ تهاوتِ الأضلاعُ في الريحِ العقيمةِ كاليبابْ
عينايَ حافيتانِ عاريتانِ في الشفقِ المُذابْ

(35)
من يصطفي قمَري؟
ومن يتسلَّقِ الألحانَ في أعلى الرثائيَّاتِ
من فيكمْ يزوِّجُ دمعتي لبُكا أرميا الصرفِ
من يمشي بنرجستينِ واثقتينِ فوقَ السيفِ
يمسحُ دمعَ هذا الصيفِ
عن وجهِ القصيدةِ والسحابْ..؟

(36)
فكرتي ليسَ تُسندني مثلما تسندُ الأرضَ قطرةَ ماءْ
وفي مهجتي شعلةٌ من نصاعةِ هذا الظلامْ
وفيَّ نداءٌ غريبُ الوفاءِ لهذي الحياةْ
نداءٌ غريبٌ يقولُ بأنِّي عققتُ الحياةَ التي ولدتني
عققتُ الحياةَ بكاملِ فتنتها...
منذُ شهدِ الطفولةِ شُرِّدتُ من جنَّتي
دونَ أيِّ خطايا
سوى إرثِ حزني الثقيلِ
كما كوكبٍ من صخورٍ
أجرجرهُ في مهبِّ الحنينْ
وحيداً ..... وتسحقني فكرتي

(37)
تطايرَ نثري الذي لم أقلهُ
على سطحِ هذا الفراغِ اللعينْ
تطايرَ مثلَ الرسائلِ مثلَ الخطى الذاهباتِ
إلى باطنِ المعصيةْ
تطايرَ نثري المُلوَّنُ مثلَ الحمامِ على الأقبيةْ

(38)
أُكفكفُ دمعي عن القلبِ والمقلتَينْ
أُكفكفُ جمري عن الوجنتَينْ
وأُخفضُ رأسي
كسيراً غريباً
وحيداً... طريداً... شريداً
كمَنْ خسَرَ الجنَّتينْ
ندائي رياحٌ جنوبيَّةٌ
وبكائي رمالٌ على الضفَّتينْ

(39)
أُهذِّبُ نيرانَ حزني وأجنحةَ العاطفةْ
أُرتِّبُ أوراقَ هذا الخريفِ
التي في دمي نعَفتها يدُ العاصفةْ
أُهذِّبُ في طيَرانِ الحمامِ
خطايَ بأشواقها نازفةْ

(40)
أتسلَّقُ أشجارَ الليلِ المرجانيَّةْ
وأسقطُ من أعلى نجمةِ قلبي
أتسلَّقُ هاويةً في أقصى حُبِّي
وأسقطُ ملفوفاً بدمي الأبيضِ كالثلجْ
من يرفعُ عن صدري صخرةَ أحلامي؟
من في شعراءِ الأرضِ جميعاً يشرحُ ما في النفسِ
من الهمِّ العاري
أو يصفُ اللوعةَ في قلبي الواري؟
من في الناسِ جميعاً يرثيني
أو يبكيني ...؟
أو يرفعُ عن صدري الصخرة؟
أو يُطلقُ من قلبي الفكرة..؟

(41)
سأهرعُ كالدوريِّ المُعذَّبِ إلى فضاءِ الموسيقى
لعلَّها ترفو جراحَ التأمُّلِ والذكرى
سأهرعُ نحوَ البحارِ الزرقاءِ الصافيةِ
كعينَيْ شاعرةٍ إغريقيَّةٍ
فكُلُّ ما على هذهِ الأرضِ
فزَّاعاتُ طيورٍ
وفزَّاعاتُ بشَرْ

(42)
تحوَّلَ قلبي إلى دمعةٍ كبيرةٍ
معلَّقةٍ على أهدابِ الكونْ
وتحوَّلتُ أنا إلى قطعةِ موسيقى حزينةٍ
أو وردةٍ مجففَّةٍ في كتابِ الحياةْ
تحوَّلَ قلبي إلى سفينةٍ ضائعةٍ
في محيطٍ لا آخرَ لهُ
فهلْ من حبالٍ رخاميَّةٍ بيضاءَ أو خضراءَ
تشدُّني إلى القمرِ المعلَّقِ في خيالي..؟
آهِ من تلكَ اللحظاتِ التي
كانتْ أشدَّ وقعاً من قبيلةٍ من السيوفْ

(43)
كأنني كنتُ سنبلةً على شفا المقصلةْ
أو صرخةَ ماءٍ في فمِ صحراءٍ قاحلةٍ قاتلةْ
كأنني صرتُ نجمةً صخريةً
أو يداً بلا أصابعَ
أو رمادَ قبلةٍ طائراً في الريحِ السوداءْ

(44)
للقصائدِ مذبحةٌ تتأرجحُ في آخرِ الكلماتِ
وفي أوَّلِ الريحِ
لي ما يقولُ المغنِّي
شذى شفقٍ مُمطرٍ
خيطُ حلمٍ رفيعٍ تسلَّلَ من فجوةِ اللحنِ
بعضُ التأمُّلِ في الليلِ والناسِ
أنثى السكينةِ
ذاكرةُ الأرجوانْ
للقصائدِ مذبحةٌ في الخيالِ المجرَّدِ
والواقعِ الشاعريِّ
وليسَ لنا نحنُ جرحى الزمانِ وصرعاهُ
إحصاءُ نصفِ الضحايا
وتخليصُ أجسادنا من قيودِ المرايا
كأنَّا التماثيلُ في لوحةِ الملحمةْ

(45)
حزني طفلٌ جميلُ الشغبِ والعينينْ
ربَّتهُ الليالي الخضراءْ
منذُ ابتداءِ الخليقةِ إلى الآنْ
فكيفَ سأتخلَّى عنهُ في لحظةٍ واحدةٍ
وبدونِ أيَّةِ مقدِّماتٍ قصيرةٍ للوداعْ..؟

(46)
إلى متى أسألُ الكتبَ القديمةَ والجديدةَ
والبشرَ البسطاءَ
والشعراءِ المرموقينَ
ونفسي
وكلَّ ما في الكونِ من كائناتٍ بريئةٍ
وملائكةٍ
وأشجارٍ
عن ماهيَّةِ النسيان..؟

(47)
سأتركُ دمعي على بسمةِ الصبحِ
مثلَ المحارِ العجيبِ
وأستلُّ من ضلعِ صدري
صدى ألفِ جيتارةٍ...
وحوريَّةً للنحيبْ
.................
في الشرايينِ ترجيعُ نايٍ
يخيطُ إلى شفتي بُرعماً من لهيبْ
في الشرايينِ تسبيحُ نيلوفرٍ
وشفاهي كتابْ
لعائلةِ الوردِ....
صلصالُ قلبي لظىً في ضبابٍ
لظىً في ضبابْ.....




قصيدةٌ كُتبتْ من أيلول إلى كانون أوَّل عام 2009



 ********





أُفكِّرُ بأشياءَ كثيرةٍ




 (1)
أُفكِّرُ أحياناً بأشياءَ كثيرةٍ
بفلسفةِ علمِ الأحاسيسِ
بالصرختينِ اللتينِ تطلقهما عيناكِ من حنجرتي طائرٍ حبيسٍ
بملايينِ النجومِ والمجرَّاتِ... وبمصيرِ الكونْ
وأحلمُ مطعوناً بشظايا الأمَلْ
فيقولُ لي صديقي الذي لا صديقَ لهُ
أنَّ ما أفعلهُ أشبهُ بجنونِ نيتشة...

(2)
يحدِّثني صديقي الذي اشتعلَ الثلجُ في رأسهِ
كما اشتعلَ في قلبي
في غمرةِ اليقظةِ والحلمِ
والفضيلةِ والخطيئةْ
عن همِّهِ الشخصيِّ الساذجِ كهمومِ دون كيشوت
عن أزمةِ العالمِ الاقتصاديةِ الخانقةِ
والملتفةِ حولَ عنقي أنا وحدي كأفعى شرسةْ
يحدِّثني بفتورٍ قاتلٍ عن المستقبلِ الغامضِ لطيورِ السنونو
وللشعرِ العربيِّ والعالميِّ
قالَ أنَّ الشاعرَ عصفورٌ أزرقُ اللونِ والصوتِ
ستسحقهُ كلُّ جسورِ العالمِ المتحضِّر
فهيَ لا شكَّ سوفَ تسقطُ عليهِ وحدَهُ
وهو في الطريقِ إلى مكتبِ العَمَلْ
في مدينةٍ ساحليَّةٍ حزينةٍ برتقاليَّةِ اللونِ...
فيزدادُ عجبي
فما شأنُ الشعرِ بالبطالة؟؟!

(3)
أُفكِّرُ بأشياءَ كثيرةٍ
وأحلمُ بتحرُّرِ القصائدِ العربيَّةِ المظلومةِ
من قيودِ الوزنِ والعبثيَّةِ التي لا طائلَ وراءها
فهيَ في نظري المتواضعِ على الأقلِّ أقفاصٌ ذهبيَّةٌ
تسجنُ الطيورَ المُلوَّنةَ وراءَ قضبانِ الصيفِ في برجِ الروحْ

(4)
أفكِّرُ بأشياءَ كثيرةٍ
وبكلامِ الستينيِّ الذي لا صديقَ لهُ سوى الوهمِ
وبسخريتهِ من مواجهتي الحياةَ بنشيدِ الإنشادِ
وسيفِ الرومانسيَّةِ الحريريِّ

(5)
يُثرثرُ عن فشلِ تجربتهِ الشعريَّةِ
التي كثيراً ما تبجَّحَ بها أمامَ أرباعِ المثقَّفينَ والشعراء
عن نجاحِ أحفادهِ في الصناعةِ الحديثةِ
أشياءَ لا أفهمُ عنها شيئاً ولا أريدُ أن أفهمَ
ولكنني أراهُ في مرآةِ قلبي
حينَ يكشفُ لي عن بكائهِ الخفيِّ
وعن دموعهِ غيرِ المرئيَّةِ وراءَ الغمامْ

(6)
في الظهيرةِ المُشتعلةِ كأُوارِ الجسدِ
كشبقِ العينينِ الجائعتينِ إلى النورِ
الظهيرةِ الملساءِ كفروِ قطةٍ تركيةٍ
كنتُ أغبطُ شاعراً جميلاً انفجرَ شريانُ قلبهِ
من فرطِ شلاَّلِ حبِّهِ
وماتَ قبلَ أُمِّهِ

(7)
كنتُ أغبطُ شاعراً لم يتحمَّلَ دموعَ أمِّهِ
فلاذَ  بموتهِ في ظهيرةٍ غامضةٍ

(8)
آهِ يا يهوذا خُنتني مرَّتينْ
وها أنا أتفتَّتُ كالملحِ
وأنفرطُ كسنبلةِ القمحِ
على مدخلِ سدومْ
ها أنذا أموتُ موتاً بطيئاً على عمودِ النورْ

(9)
لا أريدُ أن أشمَّ كلاماً هلاميَّاً بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا رائحةْ
عن وصولِ الغربِ إلى المرِّيخِ ونومِ الشرقِ في زوايا الكهفِ المظلمِ
لا أريدُ أن أغمزَ وألمزَ بمعلَّقةِ طرفةَ ابنِ العبدِ ووصفِ الناقةِ
وبأشعارِ امرئ القيسِ ووصفِ المعشوقةِ
وبكبرياءِ المتنبِّي وزهوِ شعرهِ
أريدُ فقط أن ألعنَ الثرثرةَ
وأبعثَ قبلةً ساخنةً إلى جون كيتس

(10)
لا أريدُ أن أهذي كالمحمومِ في ليلةِ الكوكائينِ
 التي أغرقتْ رمبو والوحشَ الذي أفلتَ من مختبرِ العالمِ

(11)
تحفُّ جسدي القصائدُ الرجيمةُ الملعونةُ
وقلبي يتدَّلى من شرفةِ الكونِ الفضِّيةِ
كشالٍ مطرَّزٍ بالقُبَلْ

(12)
سأثبتُ لكَ يوماً أيُّها الآخرْ
أنَّ حياتَكَ لا حياتي
مطروحةٌ بجانبِ الطريقِ كالمعاني المُستهلكةِ
كقشرةِ موز

(13)
أُدرِّبُ القلبَ على الطيرانِ العصيِّ على الريحِ
والمقصلةِ الصدئةْ
أُدرِّبُ الروحَ على الهبوطِ والمشيَ في شوارعِ القدسِ
وأزقَّةِ أثينا الجميلة
أدرِّبُ الروحَ على السباحةِ في فضائكِ

(14)
وحدي أُكلِّمُ الصمتَ وظلَّ الشجرةِ العجوزْ
وحدي أقاتلُ مع سبارتاكوس
وأُصلبُ فوقَ شعلةِ المجدِ الوحيدةِ
في الطريقِ إلى روما

(15)
ما شأني بمخمورينَ على أرصفةِ المدنِ الكبرى
ما شأني بأحلامِ راعي الغنمِ المسكينِ المكسورةِ فوقَ رأسهِ
ما شأني بالعالمِ الغبيِّ الذي يسيرُ بسرعةِ الضوءِ إلى الكارثةِ
ما شأني بسقوطِ جمهوريَّةِ الشعرِ
وما شأني أخيراً بقلبِ الحبيبةِ الثلجيِّ

(16)
تجربتي مغموسةٌ بدمِ الطفولةِ الأبيضِ وبدموعِ أوفيليا
ومنقوعٌ حبِّيَ العربيُّ بهواءِ سمرقندَ الطازجِ كالرصاصِ الحيِّ..
كجمرةِ الكتابةِ.. كالعذابِ.. كالماءِ.. كالأنثى

(17)
لماذا تتداخلُ قصائدي الصوفيَّةُ
بموسيقى الصباحْ؟

(18)
لماذا تتشابكُ فكرتي برقصةِ مارلين مونرو
وبأغاني البيتلز
فما شأنُ مقامِ الحجازِ بأنظمةِ الحكمِ في أمريكا اللاتينية

(19)
أُحاولُ أن أتنفَّسَ محارَكِ المعجونَ في قدميَّ
ولكنني آهِ لا أستطيعْ

(20)
أُحاولُ أن أمشي على عينيَّ أو على أضلاعي
أُحاولُ أن أشدَّ قلبي شراعاً لصاريةٍ في بحرِ المساءْ
أُحاولُ أن أتحوَّلَ إلى صفةٍ وراثيَّةٍ للحمامِ الزاجلِ

(21)
أُحاولُ كلَّ ما هو مستحيلٌ
أُحاولُ إرضاءَ الحديقةِ العامَّةِ
ومعانقةَ الوردتينْ
بالشفاهِ وباليدينْ
أُحاولُ أن أهمسَ في آخر الليلِ
" آهٍ كم أتعبني اللورد بايرون "

(22)
أُحاولُ حلمَ الربيعِ العصيِّ..
أُحاولُ البسمةَ المعلَّبةَ
أُحاولُ إضاءةَ مساحاتِ عينيكِ
أُحاولُ ما لا أستطيعْ
أحاولُ كتابةَ قصيدةٍ عصماءَ في مديحِ التبغِ

(23)
أُفكِّرُ بالقلبِ فيكِ
وأستلُّ أحجارَ طفولتي من وادٍ أخضرَ الصبحِ
وأرشقُ الشمسَ القاسيةَ بها
أُفكِّرُ بالقلبِ فيكِ وأحملُ ما تبَّقى من قُبلاتي وأرحلُ
كالمغولِ إلى الأسطورةِ
في باطنِ هذا الشرقِ
أو باطنِ هذا الحُبِّ...

(24)
سئمتُ من مطاردةِ الحريَّةِ سأمي من وجهِ ممثِّلٍ عربيٍّ
قضيتُ عمري كلَّهُ في متابعةِ أفلامهِ الفارغةِ
ومغامراتهِ الرومانسيةِ التافهةْ

(25)
الضوءُ الأخيرُ يتساقطُ كنقاطِ الماءِ من أقواسِ قزحٍ
ومن أجنحةِ طيورِ المُحيطِ
وأنا من تعبي وحزني أسقطُ تحتَ الضوءِ الأخيرِ
كشمشومَ عندما انهارتْ عليهِ
أعمدةُ الحكمةِ السبعةْ



آب 2009 





 



*****************



تأمُّلات حجريَّة





كلُّ ابتساماتِ صيفي زنبقٌ وندىً
فمَنْ أحالَ دمي أو ضحكتي خشبا؟
ومنْ أحالَ شفاهي صخرةً.. وفمي
ريحاً.. وحلمي الذي عانقتهُ لهَبا؟
وما تأوَّدَ من أغصانِ عاطفتي
ومن ضلوعي وأطيارِ الرؤى حطَبا؟
أستفُّ ما في سديمِ الروحِ من لغةٍ
عمياءَ تمشي على أشواكها خبَبا
وأحملُ الطعنةَ النجلاءَ في عُنُقي
كما حملتُ بأمسي قُبلةً كَذِبا
خطايَ تخفقُ في الفردوسِ.. ألويةً
وتقتفي أثرَ النورِ الذي احتجَبا
كأنَّ مجدَ خطيئاتي يُتوِّجني
ليلاً ويغدرُ بي فجراً.. ولا عجبا
كأنني جئتُ مسمولَ الفؤادِ إلى
حبيبتي نينوى الخضراءِ مُغتربا
أشيلُ جمرةَ أشعاري على كتِفي
ومن رمادِ خساراتي لها سبَبا
وأنتضي سيفَ نيرودا الصقيلَ.. وقدْ
يُغني عن النارِ قلبي ينتضي السُحُبا
إنِّي تأمَّلتُ أنهاري على حجَرٍ
تبكي وتتركُ في ريشِ الحمامِ ظُبى
***

في الحُلمِ يقضمُ ذئبُ النومِ زهرَ يدي
يأساً وينعفُهُ فوقَ الضحى سلَبَا
في الحُلمِ ينخسُني الجلاَّدُ.. يلدغني
روعي كطيرٍ وحيدٍ يذرعُ القُطُبا
في الحلمِ أغفو كزهرٍ في سدومَ على
صفِّ الجماجمِ... روحي تقطفُ الشُهُبا
ويلٌ لما خطَّ في سِفْرِ العذابِ دمي
وألفُ ويلٍ لمَنْ أملى ومنْ كتَبا
جوعُ الأصابعِ ممدودٌ ومٌرتعشٌ
كثعلبٍ في ظلامٍ يبتغي العِنَبا
والقلبُ ذئبٌ شريدٌ أنتِ ظبيتُهُ
خلفَ السرابِ الذي من نارهِ شَرِبا
طالَ التأمُّلُ في دنيا الغرورِ سدىً
وعوسجُ الجمرِ في عينيَّ قدْ نشَبَا
وجرَّدَتني الليالي منكِ في قِحَةٍ
وقلَّدَتني الهوى والشوقَ والنَصَبا
فرُحتُ أضربُ في الأرضينِ... أحملُ من
إرثِ الخساراتِ همَّاً أصدأَ الذَهبا
أرودُ والحكمةُ البيضاءُ تُوجُعني
فضاءَ روحي.. وأقتاتُ الرؤى تَعَبا
كلُّ ابتساماتِ صيفي زنبقٌ وندىً
فمَنْ أحالَ دمي أو ضحكتي خَشَبا؟
إنِّي تأمَّلتُ أعضائي على حجَرٍ
تبكي وتتركُ في دربِ الحصى عُبَبَا
***

شيءٌ بعينيكِ مجهولٌ يُحدِّثني
بأنَّ ألفَ شقيٍّ دونَهُ صُلبا
شيءٌ بعينيكِ مجهولٌ كخيطِ سناً
جرَّ الضرامَ على قلبي فما انسَحَبا
شيءٌ بعينيكِ مجهولٌ يُراوغني
كأنهُ طيفُ وحيٍ في النهارِ خَبَا
شيءٌ بعينيكِ مجهولٌ يُعرِّفني
يوماً إلى آخري المُلتاعِ خلفَ صِبا
شيءٌ بعينيكِ كالجوعِ القديمِ إلى
ما تعرفينَ.. كأفعى تحرسُ الرُطُبا
باتَت تُحاولُهُ الأيدي وتلثمُهُ
عشقاً وتُخفيهِ بينَ جوانحي سبَبَا
باتَتْ تُعصِّرهُ الأيدي وترفعهُ
على السماءِ دماً يستنهضُ العرَبا
قدْ قيلَ.. كُثرٌ بنارِ الحُبِّ من لعبوا
فمَن بنورٍ على عينيكِ قدْ لعبَا
إنِّي تأمَّلتُ أحلامي على حجَرٍ
تبكي وتُطلقُ زهرَ الدمعِ لي نَهَبا
***

يا لوتسَ الروحِ في قاعِ الظلامِ غفا
والعطرُ والطلُّ من أهدابهِ انسَكَبا
إنِّي حملتُ جناحي والهوى مرضٌ
عبرَ المتاهاتِ أمشي من رُبىً لرُبى
أرمي لشبَّابةِ الراعي وغنوتهِ
أذنيَّ... سحرُ مزاميرٍ لها سَرَبا
وأجتلي من ربيعِ الحُبِّ في رئتي
في كلِّ سفحٍ.. وراءَ السفحِ طيفَ صِبا
عندَ المساءِ وفي فجرٍ يُغازلني
يحلو بعينيَّ سهداً.. ليتَ ما ذَهَبا
هنا سأخلعُ ثوبَ القلبِ من طَرَبٍ
على رخامٍ مُقفَّىً... أو رمالِ خِبا
***

ظنِّي شظايا سؤالٍ سابحٍ أبداً
خلفَ المجرَّاتِ كالبدرِ الجميلِ كَبَا
صوتي تحجَّرَ في هذا المدى ودمي
وأُمنياتي ولونُ البحرِ قدْ نَضَبا
وصارَ حبري مُحاراً فوقَ أجنحتي
يُضيءُ كُوَّةَ أفكاري إذا غَرَبا
تأمُّلاتي وراءَ الصمتِ أغنيةٌ
تحجَّرتْ وتهاوى برجُها غضَبا
تأمُّلاتي وراءَ الصمتِ هاويةٌ
تعلَّقتْ بوريدي في الفضا طرَبا
***

كلُّ ابتساماتِ صيفي زنبقٌ وندىً
فمَنْ أحالَ دمي.. أو ضحكتي خشَبا؟
ومنْ أحالَ شفاهي صخرةً.. وفمي
ريحاً.. وحُلمي الذي عانقتهُ لَهَبا؟
وما تأوَّدَ من أغصانِ عاطفتي
ومن ضلوعي وأطيارِ الرؤى حطَبَا؟
هنا سأخلعُ زهوَ الشعرِ عن كثَبٍ
لعلَّ ظبيَ الندى والشهقةِ اقترَبا




***********


نشيدُ الإنشاد




(1)
كسيرةٌ أنتِ كشقَّيْ هلالٍ
كوجهِ السماءِ المائيِّ
كسهمٍ رمليٍّ
كسيفٍ فاطميٍّ
جميلةٌ أنتِ كأسطورةٍ
وشفافةٌ كماري أنطوانيتْ
ومُرتعشٌ ومخلوعٌ أنا كلويس السادسِ عَشرْ
كالحُريَّةِ... كطفولةِ القصائدْ..

(2)
جسدُكِ نبيلٌ كأنهارِ الذهَبْ
وطافحٌ كالشهواتِ المؤجَّلةْ
وبعيدٌ كحقلِ نوارسَ
وغامضُ كالأنوثةِ
ومُشتعلٌ بالزهرِ الملعونِ
ومُتأهِّبٌ كسيَّافٍ من العصورِ الوُسطى
ومُستسلمٌ كصحراءَ عربيَّةٍ
وجامحٌ كمهرٍ إسبانيٍّ
ونائمٌ كحقلٍ من السيوفِ
وواضحٌ كالقبلةِ الأولى
وحزينٌ كغناءٍ عراقيٍّ
ومُكتظٌّ بالطيورِ الزرقاءِ
والفسيفساءِ البيزنطيَّةْ
وأنا فقيرٌ كمحراثِ الفلاَّحِ
ومحنيُّ القلبِ والبسمةِ كسنابلِ القمحِ
وحافٍ كنَهَرٍ في الصحراءْ

(3)
جسَدي عُشبٌ بريءٌ
وكُلُّ مجدهِ كزَهرِ الصحراءِ
كما قالَ إرميا ذاتَ يومٍ
وجسدُكِ زهرٌ لمجدِ الماءْ
ونافورةٌ أندلسيَّةٌ للغناءِ العربيِّ الأصيلْ
وموطنٌ للسيوفِ الدمشقيَّةِ
والندى المولودِ من رحمِ الهواءِ
ومن رحمِ الخطيئةْ

(4)
كُلُّ الكلماتِ تُهاجرُ إليكِ فُرادى وزرافاتْ
وتقبعُ في حنينِ صوتكِ المكسالْ
والراقدِ مثلَ ظبيٍّ حجازيٍّ

(5)
كسيرةٌ أنتِ كشقَّيْ هلالٍ
وقائمٌ وسليمٌ قلبُ الكلامِ الإيروسيِّ
وصحيحٌ قلبي النابضُ
في أبياتِ ابنِ عربيْ
فأنا منذُ آلافِ السنينِ
أُحاولُ رشوةَ حاجبِ شقوتي بالأشعارْ
ولكن دونَ جدوى
أُحاولُ إصلاحَ العالمِ الغارقِ في الجفافِ
بالينابيعِ الطافرةِ من أصابعكِ المحاريَّةْ
ولكن دونَ جدوى
أحاولُ إطعامَ الذئابِ فتاتَ الحُلمِ البريءِ
وتكميمَ الخناجرِ بالأزهارِ
وتغطيةَ المقاصلِ بالأُقحوانِ الحزينِ الغامضِ اللونِ
ولكن عبثاً أُثقلُ أجنحةَ القلبِ بالرصاصِ

(6)
جميلةٌ أنتِ كعَينَيْ إلسا
ومُشرَّدٌ أنا كلويس أراغونْ
وعلى قلبي تضغطُ نفسُ القدَمِ الحجريَّةِ
التي ضغطَتْ على قلبِ مُحمَّدِ الماغوطْ

(7)
مُطهرَّةٌ من خطاياكِ أنتِ كجانداركْ
بالنارِ والدماءِ التي تحوَّلَتْ إلى بخَّورْ

(8)
أجملُ قصيدةٍ تلكَ التي لن أكتبُها أبداً
أجملُ الحرائقِ تلكَ التي تطلعُ كالعنقاءِ من دمائي
أجملُ النساءِ من لن ألمسَها أبداً
أجملُ الأيامِ ما قدْ مضى إلى لا رجوعٍ
وأجملُ الأطفالِ على الأرضِ ناضم حكمَتْ

(9)
أينَ أذهبُ من حُزنِ عينيكِ المُتربِّصِ بي
كذئبٍ قاتلٍ؟
أينَ أذهبُ من لعنةِ الذهبِ الأحمرِ في جيدكِ؟
فهيَ تلاحقني أينما توجَّهتُ
في الأرضِ أو طرتُ في الفضاءْ

(10)
ينهشُ سربروسُ أصابعَ قلبينا
في طريقنا إلى أولمبْ
أو إلى المُعجزةْ
وتعترضُنا ألفُ ميدوزا حيثُ لا هرقلَ
يُخلِّصنا من قبضاتِ الأفاعي
المُتدَّثرةِ بالأزهارْ

(11)
كسيرةٌ أنتِ كشقَّيْ هلالٍ
ومُشتعلةٌ كلؤلؤةٍ فريدةٍ برتقاليَّةِ اللونْ
واضحةٌ أنتِ كشمسٍ بيضاءَ
في ليلٍ ناصعِ السوادْ
وراءَ جزيرةٍ من أشجارِ مُرجانٍ
وبلَّورٍ وليمونٍ ونعناعْ

(12)
وكسيرٌ ومُنطفئٌ أنا
كآخرِ ملوكِ الأندلسْ
وحزينٌ كنقشٍ فاطميٍّ
في جامعِ السلطانِ حسَنْ
ومُرتدٌّ قلبي إلى الخلفِ
كعينَيْ زوجةِ النبيِّ لوط
مائلٌ ميزانُ الأنوثةِ بينَ يديَّ

(13)
ودمي كفتاتِ الخُبزِ على مائدةِ المساءْ
وروحي كالغيمةِ الحجريَّةِ
الذاهبةِ إلى الشمالْ
تحدوها الذئابُ البشريَّةْ
بسياطِ الأفاعي
روحي قناعُ دانتي وقناعُ فرجيلْ
والوجهُ الحقيقيُّ لابنِ الفارضْ

(14)
في الليلِ الأخضرِ
في الظُلمةِ الخضراءِ
أمُدُّ صوتي إلى آخرِ العالمِ
وأنتظرُ أن تهبَّ نورسةٌ أو قُبَّرةٌ لأصطادَها
أنتظرُ أن تسقطَ ورقةَ حُبِّي
عن شجرةِ الأحلامْ
أنتظرُ إلى ما لا نهايةْ

(15)
في الربيعِ الخضيلِ سأنفضُ الندى
عن زهرةِ دمائي الضبابيَّة
وأُطلقُ الظبيَ الحبيسَ في سفحِ جلعادْ
الظبيَ الحبيسَ كقلبي وقلبكِ
وراءَ قضبانِ الشتاءِ
حيثُ السماءُ كلوحٍ صقيلٍ من الرمالِ
تلمعانِ خلفهُ عينا بودليرَ الجائعتانْ
إلى جسدٍ من الأبنوسِ المُصفَّى
تحتَ الشموسِ الإستوائيَّةِ
والشفَّافِ كالشهوةِ الأولى
والمُشبعِ برائحةِ الصلصالِ
وعنفوانِ خيولِ الإسكندرِ المقدونيِّ
الجامحةِ في فضاءٍ لا مرئيٍّ إلى الأبَدْ

(16)
أعترفُ الآنَ أنَّ كلَّ الكلامِ
الذي كنتُ أوَدُّ أن أقولَهُ
قد تساقطَ منِّي على حافةِ الطريقِ
إلى مدينةِ (أين)

(17)
ها أنا ذا أتوِّجُ خسارتي
بجيتارةٍ أخرى
وأبتسمُ مثلَ لوركا
وأرقدُ تحتَ الزيتونةِ ذاتها
في ذاتِ الضجعةِ
ثُمَّ أرثي صديقي
مُصارعَ الثيرانْ ....


آب 2009




********
يا قَمَراً يُصوِّبني إلى نفسي

إلى نلسون مانديلا





أنفاسُهُ في الريحِ أغنيةٌ مسافرةٌ
ربيعٌ صمتُهُ المختالُ بينَ أظافرِ الجلاَّدِ..
نهرٌ صوتهُ يمشي على قدمينِ عاريتينِ من عاجٍ وفولاذٍ
يقومُ كما تقومُ طفولتي الأنثى من الأطلالِ
غُصَّتهُ غصونٌ وارفاتُ الصيفِ..

من ذا جاءَ من خلَلِ الضبابِ
كأنَّهُ ما تخلعُ الأحلامُ من أسمالها
وكأنَّهُ برقٌ يُروِّضُ بالشموسِ
حديدَ هذا السجنِ والصلصالَ...
أو عرَّابُ أرضٍ مزَّقتْ كُلَّ الغيومِ
الذاهباتِ إلى شمالِ القلبِ....

يعترفُ النهارُ بأنَّهُ يبكي على قدمٍ
وتعترفُ البحارُ بأنَّ أودوسيوسَ أغواها
وأنَّ غناءَ حوريَّاتها
لا زالَ يتبعهُ ويُرهقهُ...
يُحيلُ دموعَهُ خشَباً من الأبنوسِ
أو زهراً كلونِ الماءِ...

في شَغَفٍ أدُقُّ شتاءَ هذا السجنِ
كالمحمومِ من وَلَهي
وأُطلقُ من صميمي في الفضاءِ سفائنَ التحنانِ...

يا قَمَراً يُصوِّبني إلى نفسي
كسهمٍ من فقاعاتٍ ومن شجرٍ
ومن طينِ الهشاشةِ والتوحُّدِ...
لا تُنِرْ دربي ودعني في السماءِ مُروَّعاً كيمامةٍ
ومُجرَّعاً بأنينِ من غابوا
وحاوِرْ فكرتي المُلغاةَ من قلبِ الرمالِ
ولا تُعذِّبني بصلصالي....

هناكَ وراءَ صخرِ النارِ
أفعى الليلِ
يقبعُ في حريرِ الشمسِ فردوسي...

سأخرجُ ذاتَ حُلمٍ من مدى جَسَدي
أنا الموعودُ بالأنهارِ
تخفقُ في ضلوعِ حبيبتي الأولى
وسيِّدُ ما تبقَّى من رؤى حُريَّتي
وأميرُ هذا الموجِ
والمُلقى على صدرِ الجحيمِ
أنا انتباهُ فراشةٍ في جنَّةٍ أرضيَّةٍ.. عُلويَّةٍ
ولهيبُ كُلِّ حدائقِ المُستعبدينَ
يهبُّ من غضبي ولعنةِ كبريائي

ذهبٌ يُحوِّمُ حولَهُ تعَباً
ويختمُ ساعديهِ بلمسةٍ عمياءَ
يُرشدهُ إلى ما ليسَ في الأوهامِ من معنى
ويختمُ قلبَهُ المُضنى
برائحةِ السماءِ...

سيحملُ الأطفالُ مجدَ الأرضِ والمُستعبدونَ
ووردةَ الشُعراءِ
ميراثَ البياضِ
وشهقةَ الأمطارِ
قاموسَ الجماليَّاتِ
سرَّ التُربةِ المُلتاعَ
بسمةَ حاضرٍ يبكي على مُستقبلٍ ماضٍ
حنينَ البحرِ للعينينِ..

أنفضُ عن دمي ماءَ النثارِ الحيِّ للأشياءِ
تُسندُني الطفولةُ بانكسارِ الضوءِ والأشعارِ
نظرةُ نرجسٍ في الليلِ تُسندُني
وقطرةُ حكمةٍ بيضاءُ
تُسندُني الثلاثونَ التي أمضيتُ في قبرِ العدوِّ
وضلعُ أنثايَ الرقيقُ
وحسُّ بلَّورِ الشبابيكِ الحزينةِ
والندى المَلهوفُ....
زهرُ الأقحوانةِ والثلوجُ
على الرسائلِ والعواطفِ....
يقتفي جَسَدي المحبَّةَ
ثُمَّ تنخطفُ العيونْ

عُشبٌ يُزوِّجُ كاحليكَ إلى النضارةِ
بينما الأعداءُ يلتفُّونَ حولَكَ
يرشقونَ ربيعَ وردكَ بالرصاصِ وبالجماجمِ
ثُمَّ ينتحرونَ عندَ التلِّ
قبلَ الخائنينَ
وقبلَ موتِ النجمةِ الحُبلى
وقبلَ ذهابِ عُشتارٍ كنرجسةٍ مُعَذَّبةٍ
إلى مهدٍ خفيفِ القُطنِ
غضِّ النومِ
قبلَ نحيبِ تمُّوزٍ على شفتيَّ
تكسرهُ البحيراتُ العصيَّةُ....

ثُمَّ تنهزمُ الصخورُ على يدَيكَ
وأنتَ وحدكَ من سيمتشقُ العواصفَ
هالةً من عنفوانْ
تمتدُّ من أقصى ضلوعكَ...
جذرها في اللازمانْ

أنفاسُهُ في الريحِ أُغنيةٌ مُسافرةٌ
ربيعٌ صمتُهُ المُختالُ بينَ أصابعِ الجلاَّدِ
غصَّتُهُ غصونٌ وارفاتُ الصيفِ
ظبيٌ قلبهُ المُلتاعُ
سحرٌ نثرُهُ.... حُرٌّ فلا ينصاعُ
إلاَّ للغناءِ وما تقولُ الياسمينةُ
يقتفي عطرَ المحبَّةِ مثلَ خيطِ الثلجِ..
يبكي مثلَ نايٍ..
ثُمَّ تنخطفُ العيونْ.




تمُّوز 2009




************

هذيَانُ ديكِ الجنِّ الحمصيِّ الأخيرُ





مُطفأٌ مثلَ قنديلِ عينيكِ في هدأةِ الفجرِ..
فوقَ غصونِ الشرايينِ
تعدو الوساوسُ خلفي كليلِ الشياطينِ
في خطوتِكْ
تحاصرني في زوايا الكلامِ
ويخنقني شبحي المتمثِّلُ في صورتكْ

مُشعلٌ بدمي.. مُطفأٌ.. مُرجأٌ
مثلَ زرقةِ صوتكِ... كالطفلِ في اليمِّ
يا نورسَ الروحِ... يا ندمَ الشعرِ
يا شغفي بالنصاعةِ في خنجرِ الحُبِّ
يا ماءَ ضلعي وجمرةَ دمعي الحبيسِ...
نداءَ دمي في النجومِ...

شفاهُكِ معصيتي...
حطبُ الشهوةِ البِكْرِ
سُلَّمُ روحي إلى النارِ
في وهدةِ الندمِ المُرِّ...
وجدي المُعلَّقُ مثلَ التمائمِ فوقَ الجبالِ
وفي معصمِكْ

شفاهُكِ هاويتي في أقاصي سدومَ
وعيناكِ نهرا هَوانْ
وطعمُ الرمادِ المُطيَّبِ سرِّي وسرُّكِ
أحشو بهِ رئتي وعظامي لتَجهشَ بالضوءِ
إذْ ينتهي العاشقانْ
ثُمَّ أطلو بهِ ريشَ زهوي وعُرفي
لكيْ تستقيمَ الخطيئةَ...
كَيْ يستقيمَ البيانْ
ها هنا تنتَهي رغبتي في بُكاءِ الكمانْ

مُقسَّمةٌ في جميعِ النساءِ... موحدَّةٌ فيَّ أنتِ
وضائعةٌ في خلايايَ ملءَ الفراغِ
ومرهونةٌ لزهورِ الغوايةِ في كاحلِ الأرضِ
يا وردُ يا لعنتي في الحياةِ العقيمةِ
يا ما عصى المُخمَلُ الرَخْصُ منِّي
ويا نقْصَ ما في ضلوعي من الطينِ
يا وشمَ أفعى مُطهَّرَةٍ في العُنُقْ
ويا فتنتي فوقَ أرضِ الصراطِ... وسرَّ الشفَقْ
تُسمِّيكِ أشجارُ حمصَ عروسَ السماءِ
يُضيئكِ حبرُ القلَقْ

مُوزَّعةٌ في الليالي التي انطفأتْ
مثلَ شمعِ الشرايينِ
مسكونةٌ بالبحارِ الأليفةِ
منثورةٌ كالغمامِ الزجاجيِّ فوقَ دموعِ الطُرُقْ

كنتُ أبحثُ عن وجهِ معنايَ فيكِ
فتحملني غُربتي مثلَ طيرٍ شريدٍ
إلى ما وراءَ الأفقْ

نداؤكِ ألفُ شتاءٍ يصيحُ بأقصى دمائي
ويطلعُ كالزنبقِ المتهدِّجِ من بحرِ رملي
ويبزغُ كالنهرِ من لمسةٍ لرمادِ بُكائي

ذراعايَ أُغرودتانِ تهزَّانِ ليلكِ
ذئبانِ يقتتلانِ بسهلكِ
عندَ المساءِ
هلالانِ يقتحمانِ حزيرانَ
أو خنجرانِ يلُفَّانِ خصركِ
فيما وراءَ الحياةِ
ذراعايَ أُغرودتانْ
وخصرُكِ عرسٌ لحمصَ التي
انبثقَتْ من منامي كحلمِ النبيِّ...
لحمصَ الفتاةِ التي فيكِ أحبَبتُ.. أو مهرجانْ

هَلْ كانَ عليَّ لكَيْ أُثبتَ برهانَ الحبِّ
الصارخِ فيَّ وفي لغةِ الأشياءِ
وفي أقصاكِ إلى أقصايْ
أن أصنعَ من جسدي منفايْ..؟
هل كانَ عليَّ مُراودةُ الجُرحِ الناغرِ
في جسدِ الليلِ بزهرٍ غامض؟
ودفعُ حياتي ثمناً للحُبّْ؟
هل كانَ عليّْ...
قتلُكِ يا توأمَ روحي
كيْ أُثبتَ لكِ برهانَ الحُبّْ..؟

تصحو دمائي على أطرافِ أُغنيةٍ
زرقاءَ يحملها نهرٌ إلى الأبدِ
وأنتِ ما أنتِ..؟ ما هذا التمنعُّ في
حريرِ قلبكِ إذ يبكي وراءَ يدي
أنحَلَّ مثلَ رفيفِ الضوءِ في جَسَدٍ
ناءٍ وأجمعُ طيفي منكِ في جسدِ
تصحو دمائي وأحلامي تراودها
عن ضجعةٍ في خيالِ الشاطئِ الغَرِدِ
خلَّفتُ ذاتي ورائي في سرابِ رؤىً
وجئتُ أبحثُ في عينيكِ عن أمدي
وأنتِ لا حمصُ لا قوسُ الحمامِ ولا
أشجارُ روحي ولا حزني ولا بلدي
أصبُّ عطرَكِ في كأسي وأشربهُ
ناراً تُعشِّشُّ في قلبي وفي كبِدي
أصبُّ عطرَكِ موَّاراً أربُّ بهِ
نبتَ الحشا الغضَّ بينَ النارِ والبَرَدِ

مُطفاٌ مثلَ قنديلِ عينيكِ
في هدأةِ الفجرِ
لا سرَّ لي في دمائكِ..
لا ظنَّ لي في الحياةِ سواكِ
ولا وجهَ لي... لا خُطىً
لا مرايا تُصادقني
ودمي فاغرٌ فاهُ يعوي
كشوقِ الغريبِ إلى اللا مكانِ ...

دمي.. ديكُ جنِّي الذي صاحَ
من نطفةِ الإثمِ في رحمِها
سوفَ يُوقظُ – لا بُدَّ – أنثى القصيدةِ
من نومِها.



تمَّوز 2009


**********
يُخيَّلُ لي





صغيرٌ كثغرِ المنونِ..
وفي قلبهِ قمرٌ لا ينامْ
يؤلِّبُ ما في الحصى المرمريِّ
على ما تقولُ مياهُ الظلامْ
ويُصغي لأبعدَ من بسمةٍ
من شفاهٍ مُعذَّبةٍ...
من نجومٍ على حافةِ القُبَلِ الضائعةْ
للأنينِ المُوَّزعِ بينَ فمي
بينَ يقظةِ روحي على تُربةِ الأنبياءِ
وأحلامها اللاذعةْ
يُخيَّلُ لي ما يُخيَّلُ لي
من بلادٍ على أُهبةِ النايِ
خلفَ دموعِ الهواءْ
يُخيَّلُ لي ماياكوفسكي القتيلُ
بما اجترحتْ كائناتُ الحَجَرْ
تحتَ قبَّةِ فجرٍ شحيحِ النساءْ
تميلُ... فتسندُها نقطةٌ من مَطَرْ
يُخيَّلُ لي ما يُخيَّلُ لي
وأنا من بكاءِ الثرى والسماءْ
صغيرٌ كقبلةِ نرجسةٍ
وكبيرٌ.. كبيرٌ كبحرِ الفضاءْ
كحزني... كرعشةِ صوتِ المحبِّينَ
فوقَ مياهِ القَمَرْ

سأُهدي الغزالةَ آخرَ ما في كلامي
من العشبِ
آخرَ ما في دمي من حليبٍ وشهدٍ وماءْ
وآخرَ حبَّاتِ قمحٍ بأرضِ الجليلْ
سأُهدي الوعولَ وأحزانها
فرحةَ المستحيلْ

سأُهدي الحياةَ مقامَ الرَصَدْ
وناري التي عانقَتْ أبدي
ما وراءَ الأبدْ
سأُهديكِ حُريَّةَ الشهداءِ
وأيقونةً لمعَتْ كالشموسِ بليلِ الجسَدْ
إنَّني لا أحدْ
إنَّني لا أحدْ
صغيرٌ كثغرِ المنونِ وشهوتهُ من زبَدْ
صغيرٌ كثغرِ المنونِ... كبيرٌ كمعنى السديمِ
يخاصرهُ شفقٌ لا يُحَّدْ

يُخيَّلُ لي ما يُخيَّلُ لي
من أفاعٍ وفردوسِ شوكٍ ووردْ

آهِ مثلوجةٌ ضحكتي
في الصباحِ المُسافرِ بينَ الغيومِ
ومثلوجةٌ شهقاتُ القصائدِ فوقَ الأصابعِ
ميِّتةٌ وردةُ المستحيلْ
في حنايا الطلولْ
ومرفوعةٌ فوقَ هذا الصليبِ خطى الغائبينْ.


********
   



حدائقُ من شهقاتْ







(1)
من ظلمةِ أيامي الموبوءةِ بالحبْ
من قاعِ الجُبْ
من أقصى شمسٍ تلتحفُ القلبْ
أصرخُ مسكوناً بلهيبِ الصمتْ
ودبيبِ الوقتْ
وأُزيحُ غباشَ الرملِ عن العينينْ
في الدربِ إلى قيصرْ
(2)
من ظلمةِ أيامي أتعلَّقُ كالضوءِ المنهوكِ برمشينْ
لامرأةٍ قاسيةٍ كشتاءِ المرِّيخِ
وناعمةٍ كمياهِ الصوتْ
يخرجُ من بينِ يديها ذئبْ
يلعقُ أحلامي كالدَّمْ
(3)
آهٍ من يُرجعُ لي ماضيَّ الحُلمْ ؟
من يُرجعُ لي ماضيَّ الحُلمْ ؟
(4)
من ظلمةِ أيامي استيقظتُ... وكانَ النومْ
يلمسُ لي أوجاعي المخبوءةَ في أصدافِ الروحْ
بأناملَ من حبقٍ مجروحْ
(5)
من ظلمةِ أيامي أصرخُ عبرَ بحارِ اللغةِ
المعجونةِ بالأزهارْ
(6)
أبكي طفلاً أحمرَ كالزنبقِ سافرَ
في أهدابِ الجنِّياتْ
طفلاً أخضرَ كالفجرِ ينامُ على الشرفاتْ
طفلاً أزرقَ كالبحرِ يسيرُ على الطرقاتْ
ينثرُ أزهاراً مذعورةْ
يُصبحُ مزموراً من أضواءٍ مكسورةْ
يُصبحُ قمراً من فرحٍ وندىً
وحدائقَ من شهقاتْ
يُصبحُ مركبَ أُغنيَّاتْ
في البحرِ الغافي الجاهلِ ما فينا
يُصبحُ أُفقاً من آياتْ
أُفقاً من قُزحِ الكلماتْ
(7)
يا أملَ الليلِ الهاربِ من أجفانِ المظلومينْ
يا أملَ الليلِ الهاربِ من أسوارِ الخوفِ
ومن أشواقِ المُتحدِّينْ
يا صرخاتِ الدمعِ اليابسْ
طوفي في الأرضْ
طوفي أيَّتها القبلاتُ الثلجيَّةْ
طوفي أيَّتها الأناتُ المسبيَّةْ
مُرِّي من حيثُ يمرُّ النهرُ القلبُ.. العمرُ الحُبْ
فجليدُ سمائي لا يكسرهُ إلاَّ صيفْ
كالنسمةِ... كالضوءِ يُرشُّ على أفئدةِ المسحوقينْ
تحتَ نعالِ الشيطانِ البائسْ
هم فديةُ روما العذراءِ الشمطاءْ..!

********

نيسانُ أقسى الشهور



(1)
رمَتْ في الفضاءِ المُلوَّنِ أزهارَ صفصافها
رمَتْ نارَها في دمي ومضَتْ
لا مُباليةً بالحرائقِ في نهرِ قلبي
تعانقُ أشواقَ أطيافها
(2)
رمَتْ فوقَ وجهِ حياتي
كخفقِ الصَبا شالَها
وكُلِّي طيورٌ من الماءِ تعجنُ صلصالَها
(3)
كُلَّ عامٍ بأوَّلِ نيسانَ أُولَدُ
من ضحكةٍ في الشفاهِ الرقيقةِ
كالخيمياءِ الغريبةِ...
يهمسُ بي القلبُ.. يبكي من الصدقِ
والحُبُّ ألفُ دعيٍّ دعيّْ
(4)
كُلَّ عامٍ بأوَّلِ نيسانَ أحبو
على جمرِ هاويةٍ في الفضاءِ جحيميَّةٍ
تصلبُ الوجهَ فوقَ الرمادِ
وتمتدُّ حتى أقاصي يديّْ
ونيسانُ أقسى الشهورِ.. أحبُّ الشهورِ إليّْ
(5)
ضمِّديني بجيتارةِ الغجرِ الراحلينَ إلى أمسنا
بأعشابِ جسمي وجسمكِ
بالوَجعِ المتخفِّي كنهرِ الكلامِ الإباحيِّ
في لغةِ الشاعرِ المُتمرِّسِ
بالليلِ في مخدعِ الشمسِ يقتاتُ من شمسنا
(6)
لفتاتٌ وراءَ زجاجِ العبيرْ
لفتاتُ الغريبِ على ماءِ وجهي
تلوبُ كأنثى الطيورْ
لفتاتُ الغريبِ يشيِّعنَ قافلةً من حياتي
ويملأنَ قلبيَ بالأقحوانِ الكسيرِ النضيرْ
(7)
كلُّ ما في الرسومِ التي جسَّدتكِ
ظلامٌ بريءٌ جريءٌ ونورْ
كلُّ ما في دمائي التي عشقتكِ
هباءٌ مُضاءٌ يمورْ
(8)
أنتِ بنتُ الحياةِ ابنةِ الكلبِ
هذي الشقيَّةِ... من كنتُ أعطيتها
قمراً وغزالاً وصفصافتينِ
تضمَّانِ بعضَ رمادي
وأعطَتْ حناني ذئاباً بلا رحمةٍ
في ظلامِ النوايا
وقلبي خناجرَ مسمومةً بلعابِ الأفاعي
أنتِ بنتُ الحياةِ التي كلَّما صرتُ أعشقها
ضعفَ ما كنتُ في الأمسِ
روَّتْ ذوائبها بدموعِ انكساري
وشهقةِ ناري الأخيرةِ
والدمِ في أغنياتِ البراءةِ في عُرسِ قتلي
أنتِ بنتُ الحياةِ التي كنتُ أعطيتها
خاتماً.. وردةً من ضبابِ الأنوثةِ يوماً
فناشَتْ وفائي بأقذرِ نصلِ
(9)
وجهُ نيسانَ لي..
قلبُ نيسانَ للشعراءِ وللنرجسِ الصرفِ
أشعارُهُ للرياحِ المريضةِ
أزهارُهُ للبحارِ.. وأنهارُهُ العاشقةْ
لدَمي المتدفِّقِ في كلِّ أرضٍ
وفي كلِّ شعلةِ برقٍ
وراءَ انبهارِ الدجى مارقةْ
(10)
وجهُ نيسانَ لي.. ثمَّ لي... ثمَّ لي
ولمعنى البياضِ الأخيرِ
على شهقةٍ شاهقةْ
(11)
كانَ يكفي لكيْ أتأمَّلَ هذا الربيعَ
قصائدُ مغموسةٌ برذاذِ الضلوعِ
قصائدُ مرفوعةٌ كالنساءِ الوحيداتِ
أو كالبحيراتِ... حُبَّاً نبيَّاً
على هاوياتِ الصقيعْ

 نيسان 2009


********
في مرتقى شفةٍ


(1)
شفتايَ نرجستانِ ظامئتانِ في قفرِ الخيالْ
قدمايَ قُبَّرتانِ ضائعتانِ في أبدِ الظلالْ
وهسيسُ ماءِ الصبحِ يصنعُ نشوتي الحُبلى بأنداءِ الجمالْ
(2)
يا شاعري الضلِّيلُ... يا غجريُّ يا جوَّابَ بحرِ السندبادْ
شُدَّ الشراعَ بما يجنُّ من العواصفِ أو يكادْ
فكنوزكَ السحرّيةُ الأسماءِ خلفَ جزيرةٍ خضراءَ
ما خلفَ البحارْ
وشعاعكُ الخمريُّ تشربهُ العيونُ الساجياتُ إلى القرارْ
(3)
يا أنتَ يا أحدَ الذينَ ذووا كزنبقةٍ بلا معنىً هناكْ
في مرتقى شفةٍ مراوغةٍ وشعرٍ كاسدٍ
إرمِ الشباكَ على الشباكْ
ما زلتُ ألمحُ من بعيدٍ... عبرَ قلبكَ من بعيدْ
حشداً من الأسماكِ غافيةً ترودْ
يا أنتَ يا قُزحاً تكسَّرَ أو تبعثرَ في دمي
كفمِ الحبيبةِ شعَّ من خللِ الضبابِ المستنيرِ
كأنَّما انفجَرَتْ رؤى الشعراءِ
ملءَ الكونِ عن أزهارِ نارنجٍ
وأجنحةٍ مضببَّةٍ.. وأنهارٍ مُلوَّنةٍ....
وعن فمها وراءَ البسمةِ العذراءِ يُرعشهُ ارتباكْ
(4)
ضحكاتها كذبٌ على قلبي
" أراكَ غداً.... أراكَ...."
تزمُّ خيطاً من نجومٍ ساهياتٍ في المُحالْ
ويزمُّني شفقُ اعتلالْ
ينسابُ في لغتي وفي رئتي كأطيافِ الزوالْ
(5)
بغرورها كسَرَتْ رؤى عينيكَ... قلبكَ...
أو خطى قدميكَ فوقَ طريقكَ الحافي كعاطفةِ الرمادْ
(6)
بغرورها كسَرَتْ بياضَ قصائدِ الصبحِ الربيعيِّ الجميلِ
وأنتَ من فزعٍ تُحدِّقُ في الرمادْ
(7)
عينايَ كالمطرِ الحزينِ تهوِّمانْ
عيناكِ كالقمرِ الحزينِ تهوِّمانْ
ودجايَ تثخنهُ الجراحُ وفي سمائكِ كوكبانْ
أحسستُ في غوريهما كلَّ ارتعاشاتِ الزمانْ
(8)
يا عطرَ كلِّ حمامةٍ هبَّتْ على جهتي
ويا ألقَ الخيولْ
ضاعَ الكلامُ القرمزيُّ فلستُ أدري ما أقولْ
والشهقةُ البيضاءُ بينَ يديَّ تهزأ بي
وأوراقي وأقلامي تراقبُ في ذهولْ
(9)
تبَّاً لوحيِ الشعرِ لا يسعُ الصراخَ ولا العويلْ
أتُرى تجفُّ الذكرياتُ
وحالُ أيامي وأحلامي تحولْ..؟
(10)
آهٍ من الحُبِّ الذي يمتدُّ بي كغمامةٍ
كصراخِ بوقٍ موجعٍ
كخطى النشيجِ على رمالِ هوايَ
من وجعٍ ومن ولعٍ يهيجْ
(11)
حُبِّي الذي يمتدُّ من أقصى المحيطِ إلى الخليجْ
(12)
وأنا بلا مغزىً وفي سأمٍ أُفتِّشُ عن نجومِ المستحيلْ
ضاعَ المَحارُ وضاعَ من كفيَّ وجهكِ والصليلْ
(13)
أوَّاهُ يا قصري الخرافيُّ الجميلْ
يا رحلتي عبرَ الزمانِ ودهشةَ السفرِ الطويلْ
سأظلُّ مثلَ السندبادِ بلا بلادٍ
طائراً في الأرضِ من منفىً إلى منفىً...
ويوصدُ دونيَ الصبحُ البهيجْ
باباً من اللعناتِ فرَّتْ منهُ كلُّ حمائمي
في منتهى ليلٍ يضرِّجهُ الضجيجْ
(14)
قلبي كخفقِ غزالةٍ ملءَ الفلاةْ
قلبي شعاعُ الشمسِ يصحو ثُمَّ يمتلكُ الحياةْ
وحنينُ فلاَّحٍ يُعانقُ فيكِ تربتَهُ الحبيبةْ
وعلى ثرى كفَّيكِ قبلةُ عاملٍ
في محجرِ النسيانِ في الأرضِ الغريبةْ
تتصوَّرينَ لهُ فيغمضُ مقلتيهِ
على طيوفٍ من لقاءٍ من تصابِ
يهواكِ حينَ يراكِ موتاً فوضويَّاً
مثلما يهوى صليبهْ
ويغيبُ في أبدِ الرجوعِ إلى ابتداءاتِ
التذكُّرِ والعذابِ
(15)
يا ليتني كنتُ اختصرتُ الأرضَ / سرَّكِ أنتِ
في الكفِّ الخضيبةْ
وشردتُ في المطرِ البهيرِ
نفضتُ من كِسَرِ السحابِ
عن وجهكِ المغسولِ بالصحوِ النقيّْ
أوَّاهُ يا قمري الذي طمروهُ ما بينَ
السنابلِ في الروابي
يا خنجرَ الريحانِ والحبقِ الذي
يحتلُّ خاصرتي كجيشٍ بربريّْ
(16)
هبطَ الظلامُ على خطاكِ وجرَّ كلكلَهُ عليّْ
وعلى الضحى في مقلتيّْ قلبي
فلم أرَ خُلَّبَ الأحلامِ فيكِ
وما طلعتِ ولو لثانيةٍ بلهفةِ مقلتيّْ
تحنو عليكِ زنابقُ الغيمِ الشفيفِ
فمن تُرى يحنو عليّْ..؟


********
لعلَّ أزهاراً ستُشرق


(1)
شِعري انسكابُ الشمسِ في دمها
انسكابُ النرجسِ البيتيِّ في شفقِ اليدينِ..
شذى سؤالْ
أبداً يُغمغمُ في النهاراتِ العصيَّةِ
مثلَ ماءِ اللحنِ في المزمورِ
يسكنُ كُلَّ أقواسِ المحالْ

(2)
شِعري بلا شفةٍ يُقبِّلُ عريَ ما في عريكِ الناريِّ
يلبسُ لونكِ المغسولَ بالأنداءِ
ينشرُ في حوافِ الليلِ عاطفةً على حبلِ الجمالْ

(3)
كُلُّ احتراقاتي على طرفِ الكلامِ
تضيءُ صمتكِ بالقناديلِ القتيلةِ والندى
كلُّ اندحاراتي تؤسِّسُ لانتصاركِ أنتِ
في هذا الوجودِ
على المغولِ القادمينَ من الجنوبِ
لسحقِ أفئدةِ الورودِ
وزهرِ نيسانَ الأخيرِ
وما يخطُّ الشاعرُ المشغوفُ فوقَ النهرِ من دمهِ
ومن عبثٍ سُدى

(4)
أنا ظلُّ ظلِّكِ في المدى
وأنينُ روحكِ وانهمارُ شذاكِ
فوقَ دمي غدا
وحصانكِ المحمومُ بالجمرِ السماويِّ
انتشارُكِ في مساماتِ الحياةِ
وفي متاهاتِ الردى

(5)
أستلُّ من حجرٍ نداءَكِ عسجدا
أستلُّ قافيةً تخاتلني وتقتلني وترفعني
على نظراتكِ الحيرى تهوِّمُ فوقَ غاباتِ السكينةْ
بغوايتي... وتضيءُ آفاقي التي انسدَّتْ
وأُطفئتِ النجومْ
فيها كأزهارِ السياجْ
والليلُ ساجٍ في ضلوعِ الكونِ..
في أقصى انتباهكِ للحفيفِ وللخريفِ
وقلبُكِ الأعمى وقضبانُ الحديدِ
وماءُ عينيكِ المُعذَّبُ والسياجْ
سجنوا طيورَ الحُبِّ فيَّ فلن تحومْ
أبداً ولن ترفو ضميرَكِ بالأشعَّةِ
ذاتَ فجرٍ أخضرَ القسماتِ
لن تغفو وراءَ خطاكِ ثانيةً
وتنشرَ ذلكَ الألقَ المُراشَ بها
على وجهِ المدينةْ

(6)
سأكونُ مثلَ رصاصةٍ بيضاءَ
تقرأُ سرَّ جسمَكِ في الهواءِ الطلقِ
كالإنجيلِ يقرأهُ الحواريُّونَ في دعةٍ حزينةْ

(7)
سأكونُ روحَ مدينةٍ أنثى انكسرتُ
على يديها مرَّةً كالعاشقِ الصوفيِّ
أضواءً حزينةْ

(8)
وسأجهلُ المعنى الذي تعنيهِ أنتِ
أعيشُ كالغجريِّ تيَّاهاً
بجيتاري وسوسنَتي.. وأحلامي وأوهامي
لعلَّ فراغَ ما في الروحِ
يصنعُ لي هنا أسطورتي
ولعلَّ أزهاراً ستشرقُ
من دمي أو فكرَتي


نيسان 2009 

***********

كائنُ الشمسْ

( إلى الدكتور عز الدين أبو العيش في الطريقِ إلى نوبل للسلام )




(1)
دمي خجلٌ منكَ... منكسرٌّ قمري في السماءِ الوحيدةِ
مُغْرورِقٌ شجري بدموعِ البحارِ البعيدةِ
صمتي يُجلِّلُ حزنكَ.... صوتي غريقٌ هناكَ
فقلْ ما يَجيشُ بخاطرِ عشبِ الشواطئِ
قُلْ ما يجيشُ بأحلامِ شاعركَ الطفلِ
يعدو وراءَ طيوفِ النوارسِ خلفَ حقولِ الغروبْ
وخلفَ التماعِ فراشاتهِ في مطافِ اللهيبْ

(2)
آهِ يا قطعةً من نحيبي الخفيِّ وراءَ ضبابِ الحياهْ
يا صديقي الوفيَّ الذي لا يُبدِّلُ أحزانهُ
بابتساماتِ سيِّدةٍ من شعوبِ الشمالِ....
ولا لنْ أقولَ لأني أحبُّ أخي / آخري
من شعوبٍ برابرةٍ... أو غُزاهْ
ولا أتشاجَرُ مع آخري في المحطةِ من أجلِ سيجارةٍ
مثلما فعلَتْ قبلَ أمسِ مسافرةٌ
ربمَّا دونما سببٍ... ربمَّا من جنونِ الحرارةِ
في شهرِ أيَّارَ....
يا سيِّداً لنصاعةِ أشواقنا للترابِ
أضئْ شفقي في الظلامِ المُعذَّبِ
وازرَعْ بعينيكَ / قلبكَ / كفَّيكَ
ألفَ قرنفلةٍ في يبابِ الشفاهْ

(3)
أُحدِّقُ في الغيبِ... لا شيءَ يستلُّني من حياديَّةِ الحُبِّ
في الزمنِ الصعبِ.....
أهذي بغيرِ انتباهٍ لزرقِ العصافيرِ تبزغُ من لُجَّةِ القلبِ
أسألُ من يجلسونَ بقربي
فلا ينبسونَ ببنتِ شفَهْ
ويقولونَ لي بعدَ خمسِ دقائقَ
كانَ يحبُّ حمامَ السلامِ صغيراً
وسحرَ الزنابقِ في أوَّلِ الفجرِ
كانَ صديقاً لنا في الأغاني
صديقاً حميماً لنا في انشغالِ الأساطيرِ عنَّا....
وكانَ يُربِّي وحيداً زهورَ الأمَلْ
-       مثلَ أطفالهِ - في الجحيمِ المؤدِّي إلى بيتهِ...
آهِ يا سيِّدي ما العمَلْ ؟

(4)
صوتهُ في الصباحاتِ صفصافةٌ
تتمَايلُ في زرقةِ الكلماتْ
وعاطفةٌ للترابِ المُراقِ على جرحهِ في أعالي الضبابْ
صوتهُ بسمةٌ تَرَكتْ دمعَها في كتابِ العذابْ

(5)
زنبقاتٌ ثلاثْ
يَتمايَلنَ في حلمِ يقظتهِ في مهبِّ السنينْ
زنبقاتٌ على شُرفةِ الأبدِّيةِ
لَوَّحنَ بالشمسِ والماءِ في الليلةِ التتريَّةْ

(6)
كُنتُ أهذي بأحلامِ روحي وراءَ ندائكَ
مُغرورقاً بالقصائدِ... مُخضَوضِراً بالبكاءْ
أخي يا أخي لا تُمزِّقْ دمي بالخناجرِ
لا ترفعْ الجَسدَ المتلعثمَ مثلَ حياءِ الصبايا
على رمحِ قنبلةٍ في ظلامِ الفضاءْ

(7)
دمي خجلٌ منكَ.... منتشرٌ ندَمي
في قوافي الكلامِ الجريحْ
وهابيلُ في قاعِ نفسي يَصيحْ
ولا يسمعُ العالمُ المُتحضِّرُ شهقتهُ والبكاءَ
كأنَّ احتراقكَ يا كائنَ الشمسِ
أغرودةٌ من صفيحْ
على سطحِ عالمنا الجلفِ....
أغرودةٌ من صفيحْ

(8)
سأُرتِّبُ ما شئتَ من بَسَماتِ الطفولةِ
فوقَ مرايا دمي
وأُناديكَ في آخرِ الكلماتِ
التي نَبتَتْ مثلَ عشبِ الجسَدْ
فوقَ أُمنيةٍ قُتلَتْ في الطريقِ إلى بيتها...
لم يُغثْها أحدْ

(9)
سيِّدي آهِ يا سيِّدي
كنتَ عذَّبْتني بكلامكَ من غيرِ قصدٍ
إلى ما وراءَ الأبدْ...!



أيَّار 2009





***********

أمشي كيوحنَّا



بالحكمةِ المُثلى لقدِّيسٍ
من اللاشيءِ أستلُّ القصيدةَ
بالأصابعِ والنداءِ لذلكَ المجهولِ
أحفنُ ما تبقَّى من نُثارِ الضوءِ
في اللغةِ الأخيرةِ
مثلَ صيَّادٍ جميلِ الصبرِ
أنتظرُ الذي يأتي ولا يأتي
بقلبٍ مُوجعٍ كصراخكِ الأعمى
بهاويةِ السماءِ يمُرُّ كالمسحورِ والمبتلِّ
بالرؤيا وبالأزهارِ
قلبٍ مُفْعمٍَ بنداكِ فوقَ العُشبِ
تحملهُ الخيولُ إلى الجهاتِ الستِّ
تجمعُهُ وتنعفُهُ الفصولْ
فوقَ الجبالِ الخضرِ
حيثُ دمي هناكَ يُطرِّزُ القممَ العنيدةَ
بانتباهاتِ الجمالِ
ولسعةِ الأملِ العصيِّ
وما تمخَّضَ عن لقاءِ البحرِ بالعينينِ
في أعلى الهديلْ
أمشي كيوحنَّا إلى حتفي
على الحدَّينِ من سيفي
وقلبي مُشبعٌ ومُجرَّعٌ بصدى الذبولْ





حزيران 2009



****************


في حضرةِ الماء





كنتُ في حضرةِ الماءِ مخضوضراً بالنجومِ
أُهادنُ قلبَ البنفسجِ
في السرِّ والعلَنِ المُرِّ
أهذي بغيرِ مرايا وأقطفُ زهرَ المسافاتِ
من جنَّةِ الغيبِ
أركضُ خلفَ طيورِ السَمندَلْ

كنتُ في حضرةِ الماءِ وحدي
كما شهوةٌ تترجَّلْ
كلَّما مرَّ بي خُلَّبٌ لابتسامتها
في الدروبِ الوحيدةِ
تذبحني رغباتُ الحياةِ على جمرِ أعتابها
بالسيوفِ الصديقةِ..... أعلى وأكمَلْ

وأنا لم أُوحِّدْ صدى دمها في دمي
مثلَ عشقٍ مُؤجَّلْ
يُبايعُني ليلها بالشموسِ القتيلةِ
في طرفِ الأرضِ
هذا الصباحَ المُشِّعَ على عطشي المُستباحِ
كلعنةِ مُخمَلْ

وأنا لم أُشذِّبْ ينابيعها بالأصابعِ عندَ المساءِ
ولمْ أتصدَّقْ على حقلها الليلكيِّ الهوى
بمعلَّقةٍ من سرابٍ ومَقتَلْ

أُحاولُ أن أتوسَّدَ بعضَ النشيدِ
كما يفعلُ الغجريُّ الطريدُ
كما يفعلُ القمرُ المُتلعثمُ
والوردُ في عتباتِ الوريدِ ولا أتوسَّلْ
إلى شجرِ القلبِ في العاصفةْ
إلى لغةٍ من دمي نازفةْ
لأرفعَ هاويةَ الشعرِ
فوقَ بهاءِ الوجودِ المُراقِ كحزنِ النجومِ...
كشارةِ حُريَّةٍ في دُجى العُمرِ....
ثُمَّ أقولُ بأنَّ غدي
رغمَ ما كانَ في حاضري
من ظلامٍ ومن قسوةٍ
في الحقيقةِ أحلى وأجمَلْ

بحرُ أسطورتي خلفَ ما تحملينَ
وما تصنعينَ... قليلٌ ومُهمَلْ
ومنفتحٌ مثلَ أبوابِ نرجستي
في ربيعِ الحياةِ... ومُقفَلْ

كُلَّما عانقتني بأوجكِ صفصافةٌ من حنينٍ
أرُدُّ اشتهائي إلى أوَّلِ النهرِ
أو أنثني مثلَ سنبلةِ الروحِ
نحوَ البهاءِ المُطوَّلْ

كأنَّ شتاءً من القُبلاتِ اليتيمةِ
ملءَ المساماتِ يعوي انكساراً
على إرثهِ المُتلاشي
من النرجسيَّاتِ والموجِ
في أرخبيلِ القصيدةِ لا يترجَّلْ

كنتُ أستنبتُ الهذيانَ العنيدَ من الصخرةِ / الحلمِ
مثلَ الجنودِ القُدامى
بلا أيِّ عاطفةٍ... ثُمَّ أُقتَلْ
وحيداً... وحيداً كفجرِ قرنفُلْ

طارَ قلبكِ خلفَ دموعِ الينابيعِ....
كنتُ أُعدُّ السهوبَ لضحكِ الطيورِ
وأشربُ ألوانها القرمزيَّةَ في شهوةِ الوقتِ....
هل طارَ قلبي وراءَ النداءِ
المُضمَّخِ بالعسَلِ المُشتهى..... ؟

كنتُ في حضرةِ الشعرِ
أغرقُ في لُجَّةِ الغيمِ
أنفضُ عينيَّ من نزعةِ الإثمِ
أنزعُ كُلَّ سهامِ كيوبيدَ عن ثوبِ قلبي
وألبسُ دهشةَ روحِ الغريبِ
على عجلٍ من هيامي... وأرحَلْ

ليسَ هذا النشيدُ رمادَ التأمُّلِ
فيما وراءَ الأنوثةِ
أو فسحةً لاخضرارِ البكاءْ
ليسَ غيرَ دمائي التي لثمتها شفاهُ السماءْ
وارتعاشةِ ضحكتها في خضمِّ الفراشاتِ
خلفَ السديمِ المُضاءْ
بأحلامِ زهرةِ نيلوفرٍ في خيالِ النساءْ

لستُ غيرَ نشيدي المُعلَّقِ فوقَ الرياحِ
كيُتمِ التمائمِ فوقَ الصدورِ
كنومِ الطيورِ
كحلمِ المسيحِ على الجُلجلةْ

سوفَ أمضي إلى ما أُريدُ كعاصفةِ الأسئلةْ
كالتماعاتِ عنقاءِ معناكِ في ظلماتِ الشرايينِ
مثلَ انفجارٍ مؤجَّلْ

أُقتلي ألفَ تمُّوزَ بي
مثلَ عبَّادِ شمسكِ
مستسلمٍ في سهولِ الحنينِ لفتنةِ جسمكِ
لا تنـزعي عن دمائي شذى الأقحوانِ الأخيرِ
ولا تنعفي فوقَ نهري المجفَّفِ
ضحكَ الطيورِ على ما نقولُ
أُقتلي واصلبي ألفَ تمُّوزَ بي
مثلَ عبَّادِ شمسكِ في حضرةِ الماءِ
لكنْ رويداً رويداً....
على مهَلٍ من جنوني
أُقتليني... أُقتليني لكَيْ أتأمَّلْ.




حزيران 2009


****************

وشمُ نوارسْ




وترٌ لماءِ الصمتِ بينَ حديقتينِ
صغيرتينِ لساعدَيها
تسمعانِ النبضَ في قاعِ البحارِ
وترفعانِ على حدودِ الليلِ
قلباً غيرَ مُكترثٍ
بما البلُّورُ يهمسُ فيهِ
مثلَ صليلِ أجسادِ المُحارِ الحيِّ
في شغفِ الأصابعِ......

ها هنا أتأمَّلُ الأيامَ دونَ عواطفٍ سوداءَ
أُصغي لانتباهاتِ الحفيفِ وراءَ فصلِ الصيفِ
كيفَ تُشعُّ من أفكارِ ماضيها
وأُبصرُ فوقَ عنقكِ أنتِ
وشمَ نوارسٍ زرقاءَ أو بيضاءَ....
أحلمُ مُرهفاً ندَمي على حلمِ الحصى
الملتاعِ في طوقِ الحمامةِ
من مرورِ سحابتينِ عليهِ

لا أُلوي إلى ما فاتَ حكمةَ شهرزادَ
من انصياعِ دمي
إلى فجرٍ خرافيِّ يهدهدُ زرقتي
المُلغاةَ في الأشعارِ......

أسألُ كُلَّ ما في الأرضِ
عن ماهيَّتي الأولى
وعن شبقِ الترابِ إلى الندى....

أتأمَّلُ الأوهامَ تغدرُ بي
وتصنعُ من شراييني مشانقَ لي
وللشعراءِ فيَّ...

هناكَ منفيُّونَ يقتسمونَ خبزَ الحزنِ في عينيَّ
ينقسمونَ آونةً عليَّ...
ولستُ أُبصرُ من رمادِ الكونِ - إن أبصرتُ –
غيرَ نوارسٍ موشومةٍ زرقاءَ.. أو بيضاءَ
نائمةٍ على أبهى انكساركِ
كالضلوعِ على السنينْ



حزيران2009


***********


إغمدي قُبلةً في خفايا الوريدْ









إغمدي قُبلةً في خفايا الوريدْ
لعلِّي بما يتكاثرُ منِّي وراءَ ظلامِ الخطايا أعودْ
لعلِّي بما يتناثرُ منِّي على وردةِ الثلجِ
أخطو على جمرِ روحي
وأستلُّ من نهرِ قلبي طيوراً مهاجرةً
في فضاءِ النشيدْ

إغمدي قُبلةً في خفايا الوريدْ

هنالكَ خلفَ المجازِ المُفخَّخِ بالعطرِ يوماً
سأشربُ سحرَ الحجازِ
وأُقعي كذئبِ الفرزدقِ في آخرِ السطرِ
أصعَدُ غيمَ الندى والحنانِ
وألبسُ أوجاعَ قيثارتي في مهبِّ الزمانِ
وفي مُرتقايَ إلى ما أُريدْ

إغمدي قُبلةً في خفايا الوريدْ

آهِ يا جسداً للقصيدةِ في بحرهِ يتشمَّسُ
في غابةٍ للمُحارِ
يُقايضُني بالنهارِ
أنا.....؟ ما أنا....؟ من أنا دونهُ..؟
ما دمي... ما عروقُ الينابيعِ في فضَّةِ الإنكسارِ..؟
وما ظلُّ أُمنيتي ؟
ظلُّ أُغنيتي قادماً من بعيدْ..؟؟

إغمدي قبلةً في خفايا الوريدْ

بسمةُ القلبِ تنسلُّ منِّي وراءَ
الرمالِ المُشعَّةِ في كوكبٍ مُجدبٍ
كفراشاتِ ضوءٍ وماءْ
يُجاذبها صوتُ بايرونَ ليلاً بخيطِ الدماءْ
بسمةُ القلبِ تنسلُّ منِّي وتخفقُ مثلَ السنونو
بعالمكِ الطفلِ
أو مثلَ بوحِ السنابلِ
في قلبِ أيَّارَ تنمو رؤىً للبراءةِ
يسحقُها شبقٌ من حديدْ

إغمدي قُبلةً في خفايا الوريدْ

الضلوعُ سفينٌ تكسَّرَ..
عيناكِ موجُ السنينْ
ودمي سندبادٌ وحيدٌ تشرَّدَ في العالمينَ
حصاناً كخفقِ الأغاني على لهفةِ الحاصدينْ

حفيفُ القصيدةِ ملءَ مساءِ حزيرانَ
يُوجعُني كالجمالِ
ويُشعلُني كالرخامِ الوحيدْ
ومعنى كلامِ ابنِ حزمٍ
يُحيلُ فمي بُرعماً من رمالٍ
على ضفةٍ من نداءِ الورودْ
فاغمدي ها هنا قُبلةً فلعلِّي
بما يتكاثرُ منِّي
وراءَ ظلامِ الخطايا.... أبيدْ..!





حزيران2009


******************

                 
                           





          أوتوبيا أنثى الملاك












             أوتوبيا أنثى الملاك


             1              

كانَ يحلمُ مستيقظاً جمرهُ في دمِ الكونِ
 أنْ ولدتهُ الحياة مغطىًّ بدمعِ مشيمتها
 والدمِ الأنثويِّ المقطَّرِ من جنةِ الرحمِ
عبرَ رمال الشتاء الأخير بروحي
وعبر بحار الضحى المتدَّفق في جسمها
يغسل الماء من جاهلِّيته بابتسامتها.. والظلام بتوبتهِ
عن شذى شعرها المتناثرِ في زرقتي
الظلام الذي كان يصرخ في نقطة الضوءِ
مستوحشَ القلبِ في جوِّهِ شاعري / آخري
علِّقيني على ما تبقى من الغيم في زمن ممطرٍ بأُحبكِ حتى البكاءِ
أُحبكِ حتى البكاءْ
               2

كان يبكي بلا سببٍ عند حدِّ سماءٍ خلاسيةٍ
كانَ يصرخُ مستسلما لعذاباته ولألوان رمبو : شتائيةٌ هذهِ الروحُ

يا من تربيّن رؤياكِ في كلٍّ قلبٍ حزينٍ كفرخِ القطا

كمْ أحبكِ كمْ
 عندنا تملئين نوافذَ حريتّي بالحنين إلى كلِّ شيءٍ
أما كان يمكنُ تأجيلُ هذا الألمْ ؟
إلى موعدٍ آخر وغدٍ شاغرٍ
من تثّنيكِ في الماء والمفردة
أما كان يمكن يا شهرزادُ ولو مرةً واحدةْ
تبّني الطيور التي ترجئيّن بغير صباح. . . . لليل القمم؟
أما كانَ يكفي من الحبِّ حتى نحيّي الهواءَ القديمَ على رئتينا

على ضفةِ النيلِ في غرب أرواحنا... النيلِ في شفتينا

أما كانَ يكفي لنصعدَ هذا الخريفَ الأخيرَ ونخزنَ ما ظلَّ
من برق شهوتهِ في يدينا

               3

كانَ ينظرُ لي عبر بلورِ دمعٍ شفيفٍ يحُدّثني  عن ضمير المدنْ

كان يحلمُ بامرأةٍ لا تمشِّطُ أحزانه في الصباحاتِ
 إلاَّ بما يترقرق في روحها من حنينٍ إلى شفقٍ أزرقَ في فضاءِ الزمنْ
هي من صيَّرتْ قلبه سادناً للجمالِ الذي ظلَّ
 يبكي بدمعِ سيوفِ العربْ
هي من صيَّرتْ روحه قبلةً لأهلة نيسان باحثةً عن رياح المصب
آه , أنثى ملاكٍ تنام على نوم سجني هنا في تراب السماءِ
يصلِّي لها الماءُ.. يرفعُ من ساعدي حفنةً من شذى نبويٍّ 
غدي حنفة من ضياءِ المقيمين في ليلِ أعضائها
وغدي حفنةٌ من عذابٍ سيبذرها في دمي حبُّها. . . .

          

              

كنتُ أحببتها عندما أمطرتنا أنا وأبا الطيِّب المتنبي مصائبنا
كنت أعرفها جيِّداً حين تبكي بلا سببٍ مثل عصفورةٍ في حديد الجسور
معلقة مثلَ حلمٍ صغيرْ
كنت أعرفها كلُّ أنتروبولوجيا الطبيعيةِ فيها وسرُّ الصفاتْ
صارت اللغةَ.. الطاقةَ المستحيلةَ للحظة المشتهاة

               5

لا يماثلها أحدٌ حيث تنظرُ في قاعِ روحي
وأشعار رمبو التي لم يقُلها
ولكنَّها – حين  تنظرُ – مأخوذةً بالشواظ الإلهيِّ مغسولةً بالبرَدْ
في  ظهيرة آبٍ يماثلها آخري
ويضيءُ لها قمرُ الدمع فوقَ رصيفِ الأبدْ
               6

ربّما ربّما في اليوتوبيا غداً أتقمصها حينما يتبلورُ في ذاتها
صبحها الأزرق الزنبقي
وأنا لا  نبيٌ لأشرح معنى مزاميرها
حين تعبر في الروح برقاً. . . . يجرِّدني
من أنوثةِ  آبٍ.. أنا لا نبيٌ
لأصنع من حزنها ظبيتين / وعصفورتين

                7

ربَّما ربَّما في أوتوبيا بلا كلمات
ألتقيها اذا فرَّقتنا الحياة
فيغمرني ضوءُ نجمتها
ربمَّا ربمَّا ألتقيها أنا في أوتوبيا المماتْ
نرتدي شفقاً ازرقَ ونطيرُ بأجنحةٍ من
دموعِ الحريرِ لأنثى الملاكْ

                8

في اليوتوبيا أكَذِّبُ ماءَ الحنينِ العموميِّ في رغبةٍ

تتأصَّلُ أو صفةٍ تتأرجحُ ما بيننا
وأصدِّقُ ما فيكِ من عسلٍ جارح ٍأن عينيك لوزيتانْ
وعيناي في غمرةٍ منهما فيهما تسبحانْ

               9

في اليوتوبيا أنا بالمجاز أقيسُ جمالك... أو بالصباح الخريفيِّ
يشعلنا بالغموضِ الضبابيِّ والعاطفةْ
لقراءة عينيك في صيف أرواحنا. . . .  أن نعرِّي حنينَ الظلامِ. . . .
ونمشي على حدِّ قبلتك النازفةْ

               10

ستوافيكِ أمطارُ روحيَ أنَّى ذهبتِ فحزنك بوصلةُ القلبِ في الريحِ

يلمع مثل دموع غصون الغمام العتيقِ التي تتقطَّرُ من عالمٍ ما. . . .
توافيك ذكرى ورائحة الوطن المتسلِّل وقت الظهيرة فينا
يوسِّعُ دربَ المساءِ إلى قبلةٍ ضيقة

             11

مريضٌ بأسطورةِ الذئب أو بكِ. . . .  قلبي
يعلِّق أنفاسه فوق حبلِ الحياة
مريضٌ كألبير كامو بالمحبةِ واللعناتْ
مريضٌ بما تتركُ الذكرياتْ
على القلب من وجعِ الصبحِ أو تترك الكلماتْ
على فمنا من رحيقٍ توزّعه الشمس في دمِ كلِّ نهارٍ بشرياننا
ناوليني مسدس أحزاننا / ناوليني مسدس أحزاننا

             12   

في اليوتوبيا نطير بأجنحة الروح متحدّين كزوجيْ يمامٍ
 بعيدينَ عن حافةِ الأرضِ. . .  عن جسدِ الهاوية
في اليوتوبيا نسبِّح لله باسمِ الحياة
نُدبِّج مدحاً رقيقاً له
/كم نحبك كمْ يا الذي أنت فينا
وأقرب منَّا إلينا
إلهاً نصدِّقه ونكذِّب أنفسنا
ونصادقُ رغبته . . . .
ما تخليت عنَّا غداة اشترانا يهوذا الرجيم
وساق قوافلنا في سدوم الجميلةِ . . . . لا
 نريد سدوم الجميلة بل فسحةً في ربى جنتكْ /

             13

في اليوتوبيا نذيبُ الحجابَ الذي بيننا والإلهْ

بدمعٍ ضعيفٍ ونمشي على حافةِ الصلواتِ . . . .
إلى الأبدية . . . . لا ننحرفْ

             14

قال لي مرةً شاعرٌ :

القصيدة أنثى تراودني في العشيَّات عن نفسها

ولكنني ساقولُ : القصيدة غيبِّية الروحِ

حسِّيةٌ في تشكُّلنا.. أحرقتْ نفسها قبلةً قبلة ًفي مهبِّ الصدى

القصيدة خلق المجرَّدِ في ذاتنا. . . .  سرُّ معنى نبيلٍ لعشقِ الحياةِ سُدى

والقصيدة عشبٌ جريحٌ على هامةِ الأبدية ينـزف أحزاننا والندى

قال لي آخري


 

             15

 

أتلاطم بالحبِّ أو باشتهائي الجمال الممضِّ كزهرة أفعى. . . .

تهدهدُ جسمي بحيراتُ من لذةٍ لا تُسَمَّى

الأعاصير تملأ رأسي تخضُّ دمي

يتوَّسلُ  قلبي بشعر سفوكليس أو بنشيدِ سليمان أو يتسوَّلُ بالحبِّ

أو بالجمال الممضِّ كزهرة أفعى... ويسعى

على وجههِ في دهاليزِ قصر الأميرةِ في عالم ٍثالثٍ للمجازِ.....

 

             16 


في اليوتوبيا. . . . 
تستحمُّ النجوم بعينيك إذ يستحمُّ بعينيَّ عبَّادُ شمسكِ
والمفرداتُ. . . .  تصيرُ نوارسَ أعلى فأعلى تطيرُ
على ساحل الروحِ في الزمن الكوكبيِّ الفضائيِّ حتى الحريرُ
استحمَّ بكفيك من غدِ ماضيهِ حتى الحريرُ

 

             17

في اليوتوبيا. . . . أستعيدُ غموض الشعور / الحنين الممضَّ
إلى زمن لاحقٍ كنت فيهِ......
توزَّع وجهك في الأبيض المتوسِّط مثل زهور الشتاء المحمَّل ِ
بالفتيات الجميلاتِ.......
لا زمني  يستطيع الخروجَ ولا زمنكْ
من دوائر دمّي ودمّكِ في زرقة العاطفة
....................
 أستعيد البروقَ التي أينعت فيَّ من قبلُ
والزمن الكهربائيُّ يملئني بالرؤى الخاطفةْ
أستعيد الهواءَ الذي كنت عبَّأتهُ أمس بالقبلاتِ.. وأودعته طعمَ حرِّيتي
الهواء الذي صار يبكي بدمع قطيعِ الطيورِ المهاجرِ عن جنة وارفةْ
أستعيد بحرفين سرَّ الحياة ولذتها المرّة الخائفةْ
أستعيد الحنان الأُنوثيَّ في شبقِ العاصفةْ

             18

سأجلس يوما وحيداً على شرفة الأبدية دون رجاءْ
ودون حراكٍ... أفكرُّ فيكِ... أحدّقُ فيما
تكسرَّ في قلبنا من زجاج الهواءْ
أحدّقُ في زمن هاربٍ مثلَ قيصرَ دون مساءْ
إلى أن يجىءَ الشتاءْ
بدموعٍ نسائيةٍ  ينحني تحتها قلبنا
قلبنا واحدٌ واحدٌ واحدٌ في دموعِ الشتاءْ

             19

تتراكم فوقي سماواتُ لا طعم لي ولها.. يتوَّضأ سرب ملائكة ٍ

طيّبين بحزني. . . .  يضيئون ظلِّي بنرجس أحلامهم وبليل المجاز الشتائيِّ

يأتي ابن عمار طيفاً لماء القصيدة. . . .  أندلسٌ فيه عطشى ومسجونة ٌ

مثل روحك في جسدي
يأتي ناظم حكمت. . . . يشرب قهوته بالنبيذ ويذهبُ
برقاً خفيف الأماني على القلبِ
يأتي غرامتشي يشاطرني غرفتي والفراشَ وقنديل حرِّيتي الذهبيَّ
 إلى الصبحِ..... أما أنا... فسأنفضُ عن شِعر نلسون مانديلا دمع الندى
المتحدِّرِ من عالمٍ آخرَ للبنفسجِ نحو فضاءٍ بلا قبلاتٍ
وليلٍ بلا شرفاتٍ
تنامين وحدك فيهِ
وأنثى ملاكٍ تنامُ على نومِ سجني هنا . . . .
قمرٌ أحمرُ في أصابعها كان يركضُ مغرورقاً
بنشيدِ الأناشيد. . . .
آن لنا أن نهذِّبَ ما فاضَ
عن ليلنا من كلامٍ
لنظرة إلسا. . . . وآن
 لنا أن نرّتب ما فاض
عن  روحنا  من  خزام ٍ
أليفٍ  على أيطليْ  ظبيةٍ أو حمامْ 

               20

تمشين  أنتِ  على الأمواج  حافية ً
والبحر مشتعلٌ بالنرجس  الكابي
وترجعين  وصيفُ الحبِّ  زنبقة ٌ
ينمو سنا  الثلج  فيها فوق  اهدابي
غسلت  بالنارِ عن قلبي أناملها
وراح  ينزعُ  عنها  الماءُ  أنيابي

                21

فسحةٌ أرى صوتَ أوريديس فيها...
أرى  ملء قلبي الهبوبَ المقفَّى لطيرِ خطاكِ

على حيرتي في القصيدة ِ

أو عزلةِ اللونِ  فيها على قمر ٍ  من  هلامْ

******


         تحوّلات لمرايا نرسيس

       
   

                     1

يدورُ الفراشُ كأزهارِ عبَّادٍ شمسٍ عليكِ

بلا جاذبِّية عينيكِ
فيَّ... وحولي أدورُ
    
                
               2

معرّىً أنا من قرنفلةٍ  لصباحكِ تومضُ في ليل روحي
أصابعها.. كلما اغرورقتْ بيديكِ جروحي
معرّىً أنا من حنيني إلى صيفك المشتهى
من ينابيعَ تركضُ مكسوَّةً بعيون المها
في شوارع ذئبيةٍ لا تسيرُ
آه يا تعباً يتحدّرُ من جنة الأنبياء ليرفعَ صوتي الحريرُ  
الذي يتحدّرُ مما تربيّن من وجعِ الأغنيات الطليقةِ
تحمل منفايَ فيكِ عصافيرُ من شبقٍ أبيضَ لسوادِ الحقيقة
عذابيَ نهرٌ تعلّقهُ الريحُ في خصرها في نجومٍ سحيقةْ
يضيءُ لها جسدُ الوردِ في جنةٍ مرجأةْ
كيف أغلقتِ ليلَ البحارِ عليَّ وأسكنتني شمعةً مطفأةْ ؟

             
                3

آه يا سيّدي إنَّ حزني يضيءُ باصبعها
غير أني كجميزةٍ أشتعلْ
في مرايا الجبلْ
ولا شيءَ لا شيءَ يا سيِّدي
إنَّ مملكة النحلِ في الروح غاصتْ
وعامتْ على جسدي كالقُبَلْْ
   
               4

سلامٌ على ما يشفُّ بجسم القصيدةِ عن جسمها
ويمسُّ الثوانيَ من شغفٍ لاختزال الأزلْ
سلامٌ على قلبيَ المتهدِّج ِفي ليلها الكستنائيِّ
خلفَ البلادِ التي غمستها الشُعلْ
بندى الضوء فيها.. ولا شيءَ لا شيءَ يا سيِّدي. . . .
غير ما يصلُ القلبَ من حلم المعمدانِ. . . .
وما لا يصِلْ

               5

فسحة ٌ لعذوبة مشيتها. في نهاري الذي صفدَّتهُ شياطينُ إنسية ٌ
وأتى راكعاً. خاشعاً. ناصعاً. دامعاً
بالوشاح الذي يتهدَّلُ من شفقٍ زنبقيٍّ عليها
ويرشحُ بالعطر أو بدموعِ الخصَلْ

               6

أحاولُ رسمَ نوارسِ قامتها
إذ تهبُّ على لوعتي العربيةِ
أن أفتدي قمرَ العاجِ في أمسها المتردِّدِ مثلَ الحجَلْ
فلا أستطيعُ.. هنا ألفُ لون ٍتوَحدَّ فيما تناثرَ من ظلِّها
في الفضاءِ الغريبِ على رئتي
وعلى لغتي
آه لا أستطيع تنفسَّ ما شاع من صوتها في دمائي
وتأثيثَ أحلامها بالأملْ
...............
ربّما أستطيعُ تمّثلَ أشواقها مرة ً
واحتضان سراب الأعالي وحيداً على قمةٍ للفشل

******
      الرؤيا  

    إلى بابلو نيرودا


               1

رأيت نيرودا على حصانه الأبيضِ مجروحاً بزهرٍ استوائيٍّ. بلونِ امرأةٍ . . . .
أمرُّ في غنوةِ فلاحٍ يرشُّ قلبها الأعمى بماءِ الذهب الأزرق ِ
كي يضيءَ عينيها لنيرودا الذي ماتَ على ذراعها البيضاءِ
في المرقصِ من سنينَ
والجالس ِ عبرَ البحرِ طفلا ًيشحذُ الأنفاسَ بالحنينِ
أو مخزونِ عطرٍ ذاقه منها بأرض الشام ِ
أو بأرض مصرَ قبلَ ألفِ عامْ
... في هجرته الأولى وفي ثورته الألفِ
أمرُّ وتراً من فضةٍ يربط جسمَ الكرة الأرضيةِ الطفلَ
بحبل سرَّةِ الشعرِ.. بعَينيْ  قمرِ البكاءْ

               2

 الشعر لعنتي/ التي / قد أنعم الله بها عليّْ

رؤيايَ مفترسة ً عينيْ
يقول نيرودا ويمضي كلهيب السيفِ. . . . 
يأتي كعبيرِ الصيفِ في القصيدة  / البلادْ

               3

يروِّضُ البحارَ في الطريق مغمورَ الحنايا بشذى الغزالِ

قال شاعرٌ : صديقتي زنبقة ٌ بيضاءْ
توَضأتْ بدمِ لوركا قبلَ هذا الصبحِ يا بابلو
وكلُّ البشر الفانين لي أعداءْ
قال آخرٌ : صديقتي نورسةٌ زرقاءُ
 تستحِّمُ أنثى الشمس في عيونها. . . ...
أقولُ ما من مرَّةٍ أبصرت فيها وجهك النابتَ في أجنحة الفراشِ
إلاَّ رقصت فيَّ غزالاتٌ بأعلى الفرح المنهارِ كالجبال فوق
جسدي الضعيفِ. . . .
ما من مرةٍ أبصرتُ فيها برقك المخزونَ بالجنة والنار المغطىَّ
بحفيف الحزنِ...  إلاَّ استيقظت أطياف شهرزاد من حرائق العنقاءِ
ما من مَرةٍ قرأتُ ما كتبتَ الاَّ هطلَ المساءُ فوق لغتي
 بكلِّ زهر اللوزِ في نيسان. . . . ما من مرةٍ. . . .
..................
إلاَّ وطارتْ كالعصافير لقوس القزحِ الأسماءْ

               4

لن ينقص النشيدُ
مما أبدعَ الله ولن يزيدَ
في جسم التي أحببتُ
يا تزاوجَ الأنهار ِبالروح التي تهمي من السماءِ
كالقرنفل الأحمر فوق وجهها الضائع في مملكة الطير ِ. . . .
يمرُّ طيفكَ الضوئيُّ  مغسولاً بحزن ٍ أسود ٍيسألني عنهُ. . . .
هنا قلبكَ في الليل شعاعٌ غيرُ مرئيٍّ
وقلبي قوسُ عينيها... النشيدُ الخاصُّ والعامُّ وما تشاءْ

               5

أسألُ هل يغسلني ضبابك الهاطلُ
من وردتك الأنثى من النبوءة / العذابِ
في برِّية الصين ِ
وفي حوض الأمازون
وفي تشيلي ؟. . . . فلا يجيبني الصباحُ. . . .
مأخوذاً أعضُّ. . . . إصبع القطنِ/ أناديكَ :
أنا جذرُ شموسٍ غربتْ في بحرِ عينيكَ
انا أمطار شوقٍ شربتْ من وجع ٍ كفيكَ. . . .
ليس في يدي قلبي. . .  . ولستُ انتَ. . . ./
هل يغسلني ضبابك الهاطل من وردتك الانثى من النبوءةِ / العذابِ
مأخوذا أعضُّ في براريكَ سنى ثلوجها السوداءِ
يا آخرَ ما يحمله الطيرُ إلى المنفى
من اللوعة أو من زرقة الاضواءِ....
في شعرك صيادونَ
يبحرون في أواخر الرؤيا بلا نرجسةٍ..... ولا يعودون
إلى الميناءِ... أو غزالةٌ ترودُ دربَ التوت في مجرَّةٍ عمياءْ

********

                 يغنّي المغنّي
          


                1


يغنّي المغنِّي :  " على هذهِ الأرض ما يستحقُّ الحياة "
الطفولة ُ والحبُّ والفرحُ المرُّ. . . . طعمُ الضحى
في القلوب الضعيفةِ وهي تحثُّ الخطى للشمال ِ
أناشيدُ هوميرَ في الحربِ والحبِّ.. شعرُ سفوكليس ....
ما تتركُ النسوةُ المتعباتْ
على القلب من حزنهنَّ المضبَّبِ والقرمزيِّ الثقيلْ الجميلْ
يغنيِّ المغنيِّ على شفةِ الموجِ زنبقة ً داميةْ
بعطرٍ خفيفٍ. . . .
ولم يفرغِ القلبُ من موته بعدُ
ما زال في الوقتِ متسعٌّ كي يعيدَ البحارَ إلى لونها. . . .
وأنا شرَّدتني الأغاني الشقيَّةُ مذْ كنت طفلاً
تعشِّشُ عوسجةُ الصبحِ تحت رموشي وتحت رموشِ الصهيلْ
وأنا سحقتني الأماني على ساحلٍ ضائع ٍ
في القصيدِ. . . . أحالت زهوري فتاتْ

              2

" على هذه الأرض ما يستحقُّ الحياة "
وأضحكُ سرَّاً وأبكي... فينبجسُ القلبُ .... تخرج منه الفراشاتُ
يستسلمُ اللاعجُ  الأبديُّ ويطلع حلمُ الحبيبْ
من قرون الوعول القديمة في أرضِ جلعادَ
من زبدِ البحر في ذكريات جليليةٍ
من مراثي أرميا النبيِّ .... ومن جهةِ القلبِ . . . .
يطلعُ من فلقةِ البدرِ حمراءَ شفافة ً
تقطرُ الدمَ ذوبَ عذابٍ على السنديان الكئيبْ
يغني المغنيّ ..... / وينسى بأنيّ
الذي قتلته الحياة ُ
على صخرة الشهواتِ . . . .
ولم يفرغ القلب من موته بعدُ... ما زال في الوقتِ
متسعٌّ كيْ يعيدَ السماءَ إلى ذاتها في المغيب ْ

          ******

                 الحياة ُ تعلِّمني
              _________

الحياةُ تعلِّمني اللامبالاة َ في كل شيءٍ. وفي الحبِّ أيضاً

تعلِّمني رغبة َ الآخرينَ. الحلولَ بما يشتهونَ
وحاجتهم للتخلُّصِ من زهرِ أحلامهم فهو يجذبهم نحو بئر الخطايا
الحياة تعلِّمني أن أرى
ما يُرى بالقلوبِ.. وما لا يُرى
بالمجاز ِ المراق ِ على ليلها قمراً قمرا  !

            ********
             كيف يأوي الى نارها القلب
            __________________

كيف يأوي إلى نارها القلبُ مستسلماً

 للوجوه التي تتناثرُ في جوِّ برِّيتي كالخلايا ؟

سوف تُولدُ ممَّا يفيضُ على الليل من وحمِ الأغنياتِ
وأولدُ ممَّا يهبُّ على ناطحاتِ السحابِ البعيدةِ
من دمعِ عشتارَ.. كي يتناسلَ فينا حنانُ المرايا
على صدر نيسانَ.. واللانهائيُّ في البحر والناس ِ
يا رغبة ً صنعت من خطايا
طيوراً لأحزانها في نهار ٍ بغير خَطايا
كيف تأوي الى نارها الروحُ من دمعةٍ في غيومِ الوصايا ؟

******  
 
  
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads