أمي لا تعرف الفرق
لكنها تقرأ الرسائل
صبحى موسى
وحدها الأنهار
تعرف ما تريد
و تصبح ما تتمنى
وحدها أصدقاؤنا الذين لا نستطيع استعادتهم
بغير أن نقطع بضع خطوات
بعيداً عن الموتى الذين يصدرون أنفسهم
كآلهة أخطأت طريقها إلى السماء
وحدها
سأذهب إليها
وأخلع ملابسي
إلى أن تصبح أعضائي
قطرة منها.
كان لي أخ يحلم بذلك
خلع ملابسه ذات مساء وقال
" سأنزل "
فظلت ثيابه على الشط
ثلاثة أعوام
ترسل الرسائل ولا تنتظر الإجابة
قالوا أنه غرق
وقالوا أن جنية الماء ابتلعته
ووحدها لم تصدق
ووحدي كنت أعرف
أنه الآن أصبح نهراً.
كان المعلمون في المدرسة يقولون
إن الماء نتاج تزاوج بين الهيدروجين والأكسجين
ويرمز له ب H2O
لكننا لم أصدق
فلا يمكن للحلم الكبير أن يختصر
ولا يمكن للملابس أن
تنتظر مجرد حريفين ورقم
لذا سأذهب قاطعاً بضع خطوات على الجسر المندى بالرمل
بضع خطوات على رفات الأهل
لا تختصر
لم تكن أمي
تعرف الفرق بين البحر والنهر
ولم يكن المعلمون في زمانها
ليقولوا أن البحر أكبر
لكن النهر يأتي من السماء
لم تكن تعرف الفرق
لكنها تقرأ الرسائل
وترتدي ثيابها السود
وترحل أينما رحل
ربما كانت الملابس أكثر وعياً منا
لأنها الوحيدة التي
تركت خزانتها
وجلست على الشط
ترسل الرسائل
ولا تنتظر الإجابة
في قريتنا رجل يشبهها
كان ينتظر رسالة من أناس لا يعرفهم
يصف الرسالة ولون ظرفها وطابع بريدها
ولا يعرف مرسلها
حين مات ساعي البريد
قرر أن يصعد أعلى بناية
ويطلق نفسه رسالة
يالنا من حمقى
ننتظر الرسائل
ولا نفكر مرة في الذهاب
رغم أن المسافة
لا تزيد عن بضع خطوات
على جسر مندى بالرمل
بضع خطوات
بعدها
يتسع الفضاء لنصبح قطرة
تنساب في نهر .