الرئيسية » , » الزنجي الذي تابوته بياض وخضرة وزهر وشدو طيور الغابات العذراء...| إيمي سيزار / Aimé Césaire | ملف من إعداد وترجمة آسية السخيري

الزنجي الذي تابوته بياض وخضرة وزهر وشدو طيور الغابات العذراء...| إيمي سيزار / Aimé Césaire | ملف من إعداد وترجمة آسية السخيري

Written By Gpp on الجمعة، 13 أبريل 2018 | أبريل 13, 2018


الزنجي الذي تابوته بياض وخضرة وزهر وشدو طيور الغابات العذراء...

إيمي سيزار / Aimé Césaire

       





هي الكتابة التي توهمك ببدائيتها عند أول معانقتك لحروفها بل هي الكتابة البكر فعلا بكل ما فيها، المحيلة على الانعتاق من كل نواميس نظم قد لا تروي توق القارئ إلى التدفق شلالا باذخا آناء انغماسه حتى التلاشي والذوبان في تجاويف صرخات ولادته الأولى...

هي الكتابة المتوحشة التي لا ترضخ لأي قانون سوى ذاك الذي تتهجى فيه حروفا خمسة عندما يسقط من عددها اثنان يتكرران تغدو ثلاثة: أ ن س... هل ثمة ما هو أكثر ثقافة من توحش تلك الحروف الثلاثة المختزلة لكل تفاصيل الكون... إيميه/ إيمي سيزار لا يمكن أن يرسم بريشة الطائر المجروح عبر ما يكتبه غير مفردة واحدة تجتاح اللغة بكل ما أوتيت من عذوبة كي تعطيك كل معانيها المجتمعة في لفظة الــ .... إنسان... الإنسان هو من أنس مهما توحش... الإنسان هو ذاك الذي لا ينسى الغابة بكل منظومتها... الإنسان هو الذي تشتم في أغانيه رائحة الماء والطين والنار... الإنسان هو ذاك المبعثر في تفاصيل تيهه الأزلي الذي يهديه إلى الحقيقة... الإنسان هو الذي يصرخها:" لاء" قاصمة باترة ناحرة قاطعة لكل أشكال التواطئ والخيانة... الإنسان هو الذي يحفظ عن ظهر روح مهما ذهب في الحياة والموت أسرار البدء المنقوشة على حيطان كهف يسكنه وإن اجتاحته خرسانة خرساء وواجهات بلورية يفضح سطحها الأقنعة المتورمة... الإنسان هو الذي لا تترهل فيه الأغاني...      

شمس صاهدة جلاد لا يرأف اندفاع حشود عارمة تائهة الروح نحو المجهول روتينية الموت المكشر عن السكون الصاخب الصائغ للغربة الناهشة عندما تقصفها العينان الناريتان/ الأليوتيتان* ... تلك اللغة التي يفترض أن تكون سجنا للمجتث يقطع مع الأصول البعيدة صارت فضاء رحبا يمارس عليه المتمرد سطوته وينتقم من قهر ماض يأبى إلا أن يظل راسخا... اللغة عندما تنكسر على قارعة رجل يملؤه الحنين إلى الغابة... لا حروف عطف ترأف وتلم شمل المفردات البيضاء المتهاطلة ليلا نهارا غربة ووحشة... لا فعلا واحدا ينط بين الكلمات المتناثرة بلا وازع إذ كيف يسفر الفعل عن وجهه وكل الحروف تقوم بفعلها داخليا، رقصا وتحليقا وهسهسة وصيدا لفراشات هاربة لا يمكن رؤيتها إلا عبر وشوشة النار المعانقة لذرات الماء... لا نقطة واحدة يمكن أن تخرج الأغنية من دستور كتابة تسكن في قلب السافانا... لا فاصلة ترحم لهاثك وراء الفكرة الغافية تحت شجرة مانسينيليا باحثة عن سر كمون الموت في خضرة لا تعطي نفسها للذبول... لا أقواسا تشرح ما قد يأبق من المعاني الغائبة في عناقات ترشف دم الغرباء المتوحدين مع السؤال... الغناء الأول لرجل الكهوف البعيدة لم يكن يعطي نفسه لتوزيع يتناسخ... هو فقط ينساب ترانيم قدسية قائمة بتحليقها في عالم إنسان متوحش تستجير بداخله ثقافة لم تزيفها مدنية بألف وجه... هو ترتيل أبجدية التكوين في مهده الأول...

هكذا جاءت سوريالية إيمي سيزار على إيقاع أسطورة الطام الطام في ألف باء فرنسي استحوذ على خصوصيته فيه فصار أقرب منه إليه وارتفع به دون أن يجعله مسخا... هكذا جاءت سوريالية إيمي سيزار المغموسة في الطين وماء الأنهار التي تتمطى تحت حمامات شمس تخبئ في رحمها من كل جنس لما وجد منذ بدء الخليقة من الأسماء اثنين أولهما الموت المعانق لحياة لا تشبه أي حياة أخرى مهما استوى بذخها... وأولهما الآخر الذي ليس له نهاية الحب المتمدد في روح القرف... الأنس والوحشة... الفرح والحزن... الليل والنهار... البياض والسواد............. تلك هي المعادلة التي لا بد منها كي ندرك كم كل شيء عبث كم كل شيء حقيقة كم كل شيء موت كم كل شيء حياة كم كل شيء جميل مهما عتا قبحه كم كل شيء نحن... نحن السؤال نحن الذين نحيا في تراتيل إيمي سيزار وغيره ممن فهموا أغنية الحياة كما ينبغي لها أن تفهم.

كان يجب أن أحبك حتى الذوبان في وجهك الأسمر الذي يحكي قصة أجداد بعيدة ما زالت تغنيها المراكب المخترقة لحيطان البحر الغاضب... كان يجب أن أعشق حزنك  كي أقدر على السباحة في يم معانيك الشاردة ملء ضوئك بمهارة لا أثق بها كثيرا كوني متأكدة من أن تلك المهارة إن هي اكتملت ستقتل الجمال الملتحف بأسرارك التي أحس كم مكابدتك أثناء محاولتك خلقها من جديد.

عم حياة أيها الذي تابوتك بياض وخضرة وورد وشدو طيور جنة....
عم حياة أيها الملتحف بغيمة...

آسية السخيري     













ليلا... نهارا


الشمس الجلاد
اندفاع الحشود روتينية الموت وصرختي صرخة الحيوان المجروح وهكذا حتى لانهايات الحمى السد الهائل للموت الذي تقصفه عيناي الأليوتيتان*/ الناريتان اللتان من أرض ودود تبحثان بين الدود والأرض ونحو عينيك اللتين لهما بشرة الشمس مثل زنجي صبي الصيد في الماء حيث  لا تخطئ  الغابة العذراء المنبثقة من صمت العالم الغناء الغابة العذراء المتدفقة من عيني أنا تينك الناريتين وذلك هو الوثب المالح للأفكار الخنثى لنداءات النمور من منبع  الآرام*  في سافانات* قطفت فروعها من خلال مغامرتها الهامة الأولى : التنوير الرائع الذي تعبل* تحته حورية بارعة البهاء بين لبن*  المانسينيليا* وعناقات العلق* الأخوية.  

الهوامش:

* العينان الأليوتيتان/ الناريتان: نسبة إلى الجزر الأليوتية وهي سلسلة تتكون من أكثر من 300 جزيرة بركانية صغيرة هي جزء من منظومة جبال المحيط الهادي (أرخبيل يضم في المجموع 57 بركانا). مساحتها تبلغ 17666 كيلومتر مربع وتمتد على نحو 1900 كم وفقا لمحور نصف دائري... توجد غرب شبه جزيرة الألاسكا وقبالة شبه جزيرة الكامشاتكا. الجزر الأليوتية جزء من حلقة النار في المحيط الهادي. ولذلك فهي تتأثر دائما بالزلازل.   
*الرئم : جمع الأرآم والآرام : الظبي الأبيض.
*السافانات: جمع سافانا أو سفناء: سهل قليل العشب في المناطق المدارية الجافة.
*عبل: عبل يعبل عبلا الشجرة، حت ورقها أي سقط ورقها.
*المانسينيليا: le mancenillier : شجرة صغيرة يمكن العثور عليها في كل مكان في  المارتينيك، تشبه شجرة التفاح. يفرز اللحى في كل جزء (الأغصان والجذع والثمار) منها لبنا نباتيا يتسبب في حروق جلدية خطيرة.
*العلق: جمع علقة، علقة الدم وهي دويبة سوداء تمتص الدم.


      


نبوءة
 

هناك ،
حيث المغامرة تحافظ على عينيها صافيتين
هناك حيث النساء مشرقات باللغة
هناك حيث الموت جميل في اليدين كما طائر
الفصل الحليبي
حيث المغارات الجوفية تقطف من ركوعها الخاص ترفا باذخا  
جفونا أكثر شراسة من الأساريع*
هناك حيث الآية/ الأعجوبة الرشيقة تصنع السهم والنار من كل خشب.
هناك حيث الليلة القوية تنزف سرعة أنقى النباتات
 
هناك حيث نحل النجوم يلسع السماء من خلية  
أكثر توهجا من الليلة المزهرة
هناك حيث صخب أعقاب أقدامي يملأ الفضاء ويرفع
عكس الاتجاه سحنة الزمن
هناك حيث قوس قزح كلماتي هو المسؤول عن اتحاد الغد
بالأمل والأمير الصغير بالملكة.
 
إهانة أسيادي ملسوع جنود السلطان
التحسر في القفار
الصراخ نحو حراسي
التضرع لابن آوى والضباع
 
إنني أشاهد
الدخان يسارع مثل حصان وحشي إلى الأمام
من تحد للحظة الحمم
من ذيلها الضعيف الشبيه بذيل الطاووس الذي بعدها يتمزق
القميص ينفتح فجأة الصدر و
أتطلع إليها كجزر بريطانية كجزر صغيرة
كصخور متفتتة  يتم الذوبان
شيئا فشيئا في البحر الساطع للهواء
حيث يستحم بنبوءة
شدقي
تمردي
اسمي

 الهوامش:
*الأساريع: جمع أسروع وهي دودة الفراش أي يرقانة حرشفية الأجنحة. تتغذى بالأوراق والثمار ومختلف المواد العضوية. غالبا ما تكون مضرة.



الصخر البلوري التلقائي


ألو ألو / مرحبا مرحبا ليلة أخرى لا داعي للبحث هذا أنا رجل الكهوف ثمة زيزان* تدوخ حياتها كما تفعل مع موتها ثمة أيضا مياه بحيرات خضراء حتى وإن غرقت لن يكون ذاك اللون كي أفكر فيك أودعت كل كلماتي على قمم الورع نهر زلاجات السابحات في تيار النهار الأشقر مثل خبز وكحول نهديك

مرحبا مرحبا أود لو أكون في الجهة الأخرى المنيرة للأرض طرف نهديك اللذين لهما طعم ولون تلك الأرض

مرحبا مرحبا ليلة واحدة أخرى ثمة مطر وأصابعها النباشة ثمة رذاذ يضع قدميها في الطبق فوق الأسطح المطر التهم الشمس بعيدان الطعام الصينية
 
مرحبا مرحبا نمو البلورات هو أنت... إنه أنت أيتها الغائبة في الريح أيتها المستحمة بدود الأرض عندما ينبلج الفجر أنت من تبزغ عيناها النهريتان على الميناء المتحرك للجزر وفي رأسي أنت الصبار الباهر لارتداد أمواج النسور تحت شجرة البانيان.   

الهوامش:
*الزيزان: مفردها زيز وهي حشرة من فصيلة الزيزيات ورتبة نصفيات الأجنحة. رأسها كبير وأجنحتها طويلة. تحط على جذول الشجر وتسمع صوتا صرصريا كأنها تقول زيز فسميت به.
 *البانيان : le banian هي شجرة تين ضخمة تنمو في المناطق المدارية وخاصة في جنوب شرق آسيا و الهند . لديها فروع كثيرة تتدلى من أغصانها فتبدو وكأنها أشجار أخرى. ثمارها غير صالحة للاستهلاك وهي مقدسة لدى بعض الشعوب. 

ليلة الطام طام

أيا قطار أوكابي *  السهل أمام بكاء النهر ذي الأصابع المكتنزة انبش في شعر الحجارة عن ألف من الأقمار المرايا المدورة ألف لدغة ألماس ألفا من الألسنة بغير صلاة محمومة تشابك قوس/ كمان خفي منقاد للأيادي الصخرية المدغدغة ظلال الأحلام الغارقة في أشباح البحار.

 

الهوامش:

*الأوكابي: هي محمية في غابات إيتوري الموجودة في شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بالقرب من الحدود مع السودان وأوغندا. تبلغ مساحتها 13762 كيلومترا مربعا، أي أنها تغطي حوالي خمس الغابات بأكملها. أخذت اسمها من حيوان الأوكابي/ Okapi وهو نوع من الحيوانات النادرة الثديية المجترة من فصيلة الزرافات تعيش في الغابات المطيرة في وسط إفريقيا.  الأوكابي حيوان غريب يذكر بكل من الحمار الوحشي والزرافة.


العجلة
 
العجلة هي أعظم ما اكتشفه الإنسان وهي اكتشافه الوحيد
ثمة الشمس التي تدور
 
ثمة الأرض التي تدور
وثمة وجهك الذي يدور على محور عنقك
عندما تنشجين
ولكنك أنت أيتها الدقائق،لا تلتفي على بكرة
المحيية للدم اللعوق
فن المعاناة المسنون كما قرمة* شجرة
مقطوعة بسكاكين فصل الشتاء
أنثى الأيل الثملة لعدم ارتوائها
تلك التي تضعني على حافة غير متوقعة
وجهك السفينة التي فقدت شراعها
وجهك مثل قرية نائمة/ نعسانة في قاع بحيرة
وجهك المولود من جديد في نهار العشب ومن السنة
ينبت
الهوامش:
*القرمة: قرمة الشجرة أو قرميتها هو ما بقي من أسفل جذعها إذا قطعت.


الرحمة للمنتصرين علينا

استمعوا إلى العالم الأبيض
مرهق إلى حد الفظاعة لكل ما يبذله من جهود هائلة
مفاصله المتمردة تقرقع تحت النجوم القاسية
قساواته الفولاذية الزرقاء المخترقة/ الثاقبة للحم الزاهد
استمع إلى انتصاراته  المشبوهة  تنفخ في بوق هزائمه
استمع إلى أعذاره الفخمة وتعثره الحقير  
الشفقة للعارفين السذج المنتصرين علينا!






من دفتر العودة إلى أرض الميلاد 

أو

من دفتر العودة إلى الوطن

(مقتطفات)

رحيل...... 
كما أن هناك رجالا- ضباعا
ورجالا- فهودا،
سأكون رجلا- يهوديا
رجلا أسمر أبنوسيا
رجلا- هندوسيا- من كلكوتا
رجلا من هارلم - لا حق -  له في التصويت

سأكون
الرجل- المجاعة، الرجل المهانة، الرجل- التنكيل
يمكن الإمساك بي في أي لحظة، يمكن كسر عظامي
يمكن قتلي - قتلي تماما - دون اضطرار
لإعطاء حجة ودون حاجة للاعتذار
رجلا- يهوديا
رجل المحرقة المدبرة
جروا
متسولا بائسا متشردا
  
لكن هل يقتل الندم، الجميل مثل  
وجه السيدة الإنغليزية المذهولة  وجه سيدة التي وجدت
في قدح حسائها جمجمة أسمر من الحتنتوت*؟

أود لو أجد أسرار الاتصالات والاحتراقات الكبرى.
أود لو أحكي العاصفة.
أود لو أحكي النهر. أود لو أحكي الإعصار والزوابع.
أود لو أحكي الورقة. أود لو أحكي الشجرة. أود لو تبللني كل الأمطار.
مضمخا بكل الأنداء سأتقلب، أتدحرج، أدور مثل دم محموم حول الانسياب البطيء لعين الكلمات.
كالأحصنة المجنونة، كالأطفال الأندياء، كخثارات الدم عند منع التجول،  في أطلال  المعبد في الأحجار الكريمة البعيدة بما فيه الكفاية عن تثبيط همة عمال المناجم. من لا يفهم بشكل أفضل هدير النمر.
وأنت أيتها الأشباح اصعدي أزرق كيمياء غابة الحيوانات الملاحقة من طرف آلات معوجة، من طرف سدرة *جبلية ذات قلب متعفن أو سلة محار أو أعين أو شبكة من قطع الجلد المقصوصة في صبار بشرة رجل سيكون لي دائما عبارات واسعة كي أحتويك

وأنت أيتها الأرض المتوترة أيتها الأرض السكرانة/ المنتشية
أيتها الأرض العضو المرفوع نحو الشمس
أرض الأوهام الكبيرة لقضيب الله
الأرض المتوحشة الصاعدة من مستودعات البحر
وفي فمها باقة من الأطفال التلقائيين
أيتها الأرض لا استطيع مقارنة الواجهة المتلاطمة الثائرة
بغير الغابة البكر المجنونة التي أتمنى أن أكون قادرا
كما في الوجه على هدي عيون الرجال التي لا يمكنها فك الرموز

تكفيني رشفة من حليبك المني لأكتشف فيك دائما على نفس مسافة السراب – ميلادية أكثر ألف مرة هي الذهبية بشمس لم يحززها أي موشور الأرض التي كل شيء فيها حر وأخوي،
أرضي أنا.
 
رحيل... قلبي  يخشخش للسخاء المفخم... رحيل... سوف أصل مصقولا وشابا إلى هذه الأرض التي هي أرضي وسوف أقول لتلك الأرض التي طميها يسري في مكونات لحمي:" لقد تسكعت طويلا وتهت وطوحت بي الأراضي وها قد عدت إلى القبح الشنيع المهجور لجراحك."

 سوف آتي إلى تلك الأرض التي هي أرضي وأقول لها: قبليني دون وجل... وإذا كنت لا أعرف شيئا آخر غير الكلام فإنني لن أكلم إلاك."
وسأقول لها أيضا:
"
فمي هو فم المصائب التي ليس لها فم وصوتي، هو حرية أولئك الذين ترهقهم زنزانة اليأس؛ أولئك الذين يخضعون لزنزانة القنوط.

    
وأنا قادم، سوف أقول لنفسي :
"
وخصوصا، أنتما، جسدي فضلا عن روحي، لا تشبكا أيديكما كما في حالة المتفرج العقيم، لأن الحياة ليست عرضا، لأن بحرا من الألم ليست مقدمة مسرحية، لأن رجلا  يصيح ليس دبا بصدد الرقص..."

في الصباح الباكر البعيد


في الصباح الباكر البعيد، في شارع ضيق للغاية، بيت آخر صغير تنبعث منه رائحة سيئة للغاية. بيت صغير جدا يؤوي خشب أحشائه الفاسد العشرات من الجرذان وضجيج ستة من إخوتي وأخواتي، بيت صغير عنيف، تصلبه  يرعب نهايات الشهر وأبي غريب الأطوار يقرضه بؤس واحد، لم أعرف أبدا ما هو، لكن سحرا لا يمكن التنبؤ به يلطف ذاك البؤس ويجعله عطفا حزينا تارة ويحمسه في لهيب  غضب عال تارة أخرى. وأمي التي لجوعنا الدؤوب تدعس قدماها على الدواسة، قدماها تدعسان ليلا نهارا، حتى أنني كنت أستيقظ ليلا على وقع ساقيها اللتين لا تعرفان الكلل واللتين تدعيان على دواسة ليلا واللذغة المرة للحم الطري لليل ماكنة السنجر التي تدعس أمي دواستها، تدعسها لجوعنا ليلا نهارا.

في الصباح الباكر البعيد، الأبعد  من والدي، من والدتي، الكوخ المشقق بالحبيبات، مثل دراقة يعذبها التقرح، والسطح المرقق، المرقع بقطع صفائح النفط، ذاك يصنع مستنقعات الصدأ في الطين الرمادي الدنيء الذي نتنه القش، وعندما يصفر الريح، هذه التباينات تجعل الضوضاء غريبة، مثل طقطقة التحميص في البداية، ثم مثل جمرة نغطسها في الماء مع دخان العساليج المتطاير... وسرير الألواح الخشبية الذي علا/ نهض منه عرقي/ نسلي، كل نسلي من هذا السرير ذي الألواح الخشبية، بقوائمه صناديق الكيروسين، كما لو أنه مصاب بداء الفيل ذاك  السرير، وجلده الماعزي، وأوراق الموز المجففة، والخرق، وشوق المفرش إلى سرير جدتي.


الهوامش:


  *الحتنتوت/ les Hottentots : هم أيضا الخوي خوي وكان المستكشفون الأوربيون الأوائل يطلقون سابقا لقب الحتنتوت على كل فرد من شعب جنوب إفريقيا والمناطق النائية فيها وهو لقب تحقيري... أولئك يعيشون الآن بصورة عامة في المستوطنات الأوروبية أو في محميات الرسمية في الشمال الغربي من جنوب إفريقيا وفي ناميبيا. الخوي خوي/ les Khoekhoes (التي تعني رجال الرجال) هو الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم. مصطلح الحتنتوت (في وقت لاحق صار الإفريقي) صاغه المستوطنون الهولنديون وأغلب الظن أنه كان للسخرية والتحقير ذلك أنه في اللغة الإفريقية يعني البكم ولا شك أن به إشارة للغتهم الخويية المنتمية لمجموعة اللغات ذات النقرات التي يشتركون فيها مع البوشمان والبانتو.
كبدو رحل، عاش الحتنتوت في السابق في معظم المحافظات الجنوبية من جنوب إفريقيا عندما كانت المنطقة محتلة من قبل المهاجرين الأوروبيين في القرن السابع عشر.كانوا هم الذين التقاهم الملاحون البرتغاليون في نهاية القرن الخامس عشر عندما تجاوزوا رأس الرجاء الصالح.

تاريخهم: بالرغم من أنه قديم جدا، كان استقرار الحتنتوت في جنوب إفريقيا سابقا لتواجد البوشمان بها. هجرتهم إلى الغرب كانت ناتجة عن وصول قبائل نغوني (الزولو، زوسا) من الشمال نحو القرن السادس عشر، وخاصة وصول الأوروبيين الذين تصدوا لهم فيما بعد. لدى وصول المزارعين البيض اتخذوا من العديد من الحتنتوت عبيدا وخدما في منازلهم ومزارعهم. في البداية، ساهم تعايش المجموعتين السكانيتين تواجد مجموعة كبيرة من عرق مختلط لها لغة محددة، هي الإفريقية. فيما بعد، كان الخوف من تمازج الأجناس حاسما مما أنشأ نظام الفصل العنصري/ لابارتيد من قبل البيض في أوائل القرن العشرين، والذي أدى إلى التصنيف العنصري للسكان في المجتمعات المحلية. وهكذا انقسم الهجناء  الحتنتوت إلى فئات محددة (هجناء رأس الرجاء الصالح بصفة خاصة) في حين ظل الحتنتوت غير الهجناء محتفظين بأسمائهم التقليدية وهكذا فإنه من العسير تقدير تعدادهم اليوم.
بما أنهم كانوا في السابق معارضين لهيريرو ناميبيا والبوشمان فيما يخص القضايا الإقليمية، حافظ الحتنتوت معهم على علاقات عملية كطريقة للمقايضة. بيد أنهم يواجهون تهميشا في جنوب إفريقيا ما بعد نظام الفصل العنصري بالنسبة للبانتو الأكثر منهم عددا والذين يعتبرون في طليعة النضال القومي ولذلك هم يحتلون المراكز الأولى في السياسة والاقتصاد في البلد.
 
أسلوب حياتهم: الحتنتوت كانوا في الأصل شعبا من الرعاة الرحل. حليب قطعانهم المؤلفة من مواشي صغيرة الحجم، هو الذي يشكل مصدر غذائهم الأساسي، كانوا يعيشون أيضا على الصيد الذي يوفر لهم اللحوم، وجمع شتى أنواع الفواكه والدرنات. عملية التبادل كانت تعتمد أساسا على المقايضة بثروتهم الحيوانية. عند وصول الأوروبيين ، تم طرد الحتنتوت إلى الشمال والغرب، في المناطق الأقل إنتاجية في البلاد. استقروا هناك في المحميات وفي المناطق الريفية للعمل كعمال زراعيين. تنظيمهم الاجتماعي ساعد على التكيف والاستقرار بصفة دائمة والبعض منهم يعيشون إلى اليوم الحياة البدوية، التي تعتمد إلى الآن على الرعي والصيد.
التنظيم الاجتماعي والمعتقدات: بالنسبة للناما/   les Nama(شبه الرحل ذوي أنموذج الحياة الرعوية التي تعكس أنماطا موسمية قد تكون لا تزال قائمة منذ  ما لا يقل عن ألفي سنة في جنوب إفريقيا.)  فلكل قبيلة منهم كبير يرأسها في نطاق الهيكل الأبوي العشائري وهو الذي ينظم الزواج بين أبناء القبيلة. معظم  الحتنتوت الآن مسيحيون بيد أن المعتقدات الموروثة (الأرواحية) لم يتم التخلي عنها مع ذلك وهي تشمل تجسيد القوى الطبيعية التي تنتج الأمطار. يعتقد الحتنتوت في بقاء الروح بعد الموت وتمثلها في شكل آلهة عليا قادمة من الجهة الشرقية (قبورهم توجه إلى الشرق). في كل زيارة لأحد المقابر، هم يضيفون الحجارة على التلة التذكارية، مما أتاح للمؤرخين اقتفاء أثرهم على طرق ترحالهم البدوي وهجراتهم.
* السدرة : هي شجرة مثمرة ويطلق عليها شجرة النبق أو العناب. 

 

من أقواله:

- أنا لا أفهم كيف يمكن للفنان أن يبقى متفرجا غير مبال، رافضا أن يتخذ خيارا. (…) المشاركة/ الالتزام يعني، بالنسبة للفنان، أن يندرج ضمن سياقه الاجتماعي ، أن يكون لحم الشعب، أن يعيش بكل امتلائه مشاكل بلده، أن يؤدي شهادته.  

 - أرأيت؟ نحن كلما كنا زنوجا أكثر، صرنا رجالا أكثر.

 - هذا كل ما كان يتصوره الرجال في تشكيلهم للعالم، كي  يستوعبوه ويجعلوه جديرا بالإنسان.

- فمي سيكون فم المحن التي لا فم لها، صوتي، هو حرية أولئك الذين ترهقهم زنزانة اليأس/ أولئك الذين ينحطون لزنزانة القنوط.

- رجل الثقافة ينبغي أن يكون مخترعا/ خالقا للأرواح.

- هذا النهج الشعري هو نهج العودة إلى الطبيعة الذي يسير تحت القيادة المجنونة للخيال.

 
- للحقيقة العلمية علامة التماسك والفعالية. علامة الحقيقة الشعرية هي الجمال.

- المعرفة الشعرية هي التي  يضمخ فيها الإنسان الأشياء بكل ما يحتشد به من ثراء.

- العدالة تتصنت على عتبات أبواب الجمال.

 -  قلم رصاص الله نفسه لا يخلو من ممحاة.  

 - الحضارة التي تثبت أنها غير قادرة على حل المشاكل الناجمة عنها هي حضارة منحطة.

- جميع الرجال متساوون في الحقوق... ولكن من الحقوق المشتركة، أنه ثمة من يكون لهم نفوذ أكثر من الآخرين وهنا يكمن عدم المساواة.

- أنا أتحدث عن الملايين من الرجال الذين غرس فيهم بدراية وفطنة فائقتين الرعب ومركب النقص والارتجاف والركوع واليأس والخضوع والعبودية.

- لا يمكن لجنس من الأجناس أن يحتكر الذكاء والجمال والقوة. ثمة مكان للجميع حيث الموعد مع النصر.

- حركة الزنوجة تؤكد تضامن الـ دياسبورا* / الشتات مع العالم الإفريقي.

- الحرية هي قرصاني الوحيد.

- سيظل لنا دائما أراض تعسفية.

- الاستعمار: أول الجسر في حضارة البربرية، ومن هنا، فإنه في أي لحظة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإنكار التام لتلك الحضارة.

- الاستقلال السياسي المحض غير المقترن بالاستقلال الثقافي يبرهن على المدى الطويل على أنه الدرع الأقل موثوقية.
الهوامش:

 * دياسبورا : يشير مصطلح دياسبورا/ la diaspora إلى تشتت تجمع عرقي أو شعب في مختلف أنحاء العالم. في البداية، كان هذا المصطلح يغطي ظاهرة التشتت نفسها وحسب. لكنه اليوم، ولامتداده، صار يعني نتيجة ذاك الشتات أي مجموع أفراد المجتمع المتناثرين في العديد من بلدان العالم.

 

سيرة إيمي سيزار:

 


 

عن ويكيبيديا : ترجم بتصرف طفيف:


إيمي سيزار واسمه الكامل إيمي فرناند دافيد سيزار/ Aimé Fernand David Césaire ولد في 26 حزيران / يونيو 1913 في باس بوانت/ Basse Pointe بالـمارتينيك/ Martinique وتوفي في 17 نيسان/ أبريل 2008 في فور دي فرانس/ Fort-De- France . هو شاعر وسياسي فرنسي وهو واحد من المؤسسين للحركة الأدبية "الزنوجة" كما أنه  مغامر مكافح للاستعمار.
إيمي سيزار ينتمي إلى عائلة متواضعة مكونة من سبعة أطفال. كان والده أحد الموظفين في قطاع الخدمة المدنية وكانت أمه تشتغل بالخياطة. جده كان أول مدرس أسود في الـ مارتينيك أما جدته، وخلافا للكثير من النساء من بنات جيلها، فقد كانت تتقن القراءة والكتابة، ولذلك اهتمت بتدريس أحفادها في وقت مبكر جدا. التحق إيمي سيزار سنة  1919 بالمدرسة الابتدائية في باس بوانت وواصل بها تعليمه إلى سنة 1924 . تحصل على منحة دراسية من ثانوية فيكتور شولشر/  Victor Schoelcher بفور دي فرانس. في أيلول / سبتمبر 1931 ، انتقل إلى باريس بعد أن تحصل على منحة من الحكومة الفرنسية تخول له متابعة دروس القسم التحضيري بالمدرسة الثانوية لويس لو غران/ lycée Louis-Le-Grand  التي التقى فيها منذ اليوم الأول بليوبولد سيدار سنغور/ Léopold Sédar Senghor الذي أقام معه صداقه استمرت حتى وفاة الأخير.
ظهور مفهوم الزنوجة*:
باتصاله مع شباب وطلاب أفارقة في باريس، اكتشف إيمي سيزار وصديقه الغوياني ليون غوتران داما/ Léon Gontran Damas الذي تعرف إليه في المارتينيك تدريجيا ذاك الجزء المكبوت من هويتهما، العنصر الإفريقي، الذي طمس وصار  ضحية للغربة الثقافية المميزة للمجتمعات المستعمرة من غويانا الفرنسية والمارتينيك.
 في أيلول / سبتمبر 1934، أسس سيزار مع طلاب آخرين  أنتيو-غوييانيين وأفارقة ( الذين من بينهم الغوياني ليون غوتران داما، الغوادلوبي غي تيروليان/ Guy Tirolien ، والسنغاليان ليوبولد سيدار سنغور وبيراغو ديوب/ Birago Diop) صحيفة "الطالب الأسود". وعلى صفحات هذه المجلة ظهر لأول مرة مصطلح " الزنوجة*/ Negritude  ". هذا المفهوم الذي صيغ من قبل إيمي سيزار كرد على القمع الثقافي للنظام الاستعماري الفرنسي، كان يهدف من جهة إلى رفض مشروع الاستيعاب الثقافي الفرنسي ومن جهة أخرى إلى تعزيز إفريقيا وثقافتها اللتين تم تحقيرهما بسبب العنصرية المنحدرة من الإيديولوجية الاستعمارية.
بما أن تأسيسه كان لمناهضة الإيديولوجية الاستعمارية في تلك الفترة،  كان مشروع الزنوجة ثقافيا أكثر منه سياسيا. الأمر كان متجاوزا لرؤية التشيع والتأييد لجنس بعينه من العالم وبذلك أصبح هدفه الإنسانية الفعالة والعملية وقد عمل باتجاه جميع المظلومين والمضطهدين على هذا الكوكب. ويصرح سيزار في هذا السياق بما يلي:  "أنا من الجنس البشري الذي تم اضطهاده."
 بعد أن نجح خلال سنة 1935 في مناظرة الدخول إلى مدرسة المعلمين العليا قضى سيزار الصيف في دالماسيا (إقليم بجنوب كرواتيا) عند صديقه بيتار غوبيرينا/ Petar Guberina وهناك بدأ في كتابة "دفتر عودة  إلى الوطن" الذي أنجزه في العام 1938. قرأ سنة 1936 ترجمة " تاريخ الحضارة الإفريقية" لفروبونيوس/Frobenius .  تخرج بعد تقديم أطروحته  : تيمة الجنوب في أدب السود الأمريكيين في الولايات المتحدة. تزوج سنة 1937 من الطالبة المارتينيكية سوزان روسي/ Suzanne Roussi وبعد أن حاز على درجة الأستاذية/ التبريز في الآداب عاد إلى المارتينيك سنة 1939 كي يدرس هو وزوجته بمعهد شولشر.
المعركة الثقافية في إطار نظام فيشي*:
كان الوضع بالمارتينيك في أواخر 1930 قد جعل منها فريسة لغربة ثقافية عميقة وكانت النخب قد خيرت قبل كل شيء المرجعيات الوافدة من فرنسا العاصمة المستعمرة. بخصوص الأدب، كانت المؤلفات المارتينيكية النادرة آنذاك تذهب إلى حد تغليف الطابع الدخيل بعيار أصيل مقلدة النظرة الخارجية المنشورة في بعض الكتب الفرنسية عند الإشارة للمارتينيك. هذه النظرة الفولكلورية للمارتينيك التي توخاها كتاب منهم مايوت كابيسيا/ Mayotte Capécia ودافعو عنها غذت بكل وضوح القوالب النمطية الصارخة التي أساءت بشكل كبير لسكان المارتينيك.
كان تأسيس مجلة "تروبيك/ مدارات/ Tropiques سنة 1941 بمثابة رد فعل الزوجين على هذا الوضع وقد ساندهما مثقفون آخرون مثل روني مينيل/ René Ménil وجورج  غراتيان / Georges Gratiant وأرستيد موغي/ Aristide Mauguée . في حين كانت الحرب العالمية الثانية تحرض على حصار المارتينيك من قبل الولايات المتحدة (التي لا تثق في نظام التعاون الفيشي)، كانت الأوضاع المعيشية تتدهور بسرعة. النظام الذي أنشأه الأميرال روبير/ Amiral Robert المبعوث الخاص لحكومة فيشي كان عنصريا وقمعيا. كان المنتخبون الملونون في الانتخابات البلدية يعزلون  ويعوضون بممثلين خلاسيين  هجناء ينحدرون من المستوطنين. في هذا السياق، كانت مجلة "تروبيك" التي تواصل صدورها في ظروف صعبة حتى سنة 1943 ترضخ لرقابة مباشرة.
الصراع العالمي وسم أيضا مرور الشاعر السوريالي أندري بروتون/ André Breton بالمارتينيك حيث روى مغامرته في كتاب موجز " مارتينيك، ساحرة الثعابين الفاتنة". اكتشف بروتون شعر سيزار عن طريق " دفتر عودة إلى الوطن" سنة 1941. في عام 1943 كتب مقدمة لطبعته باللغتين والتي نشرت بالعدد  الخامس والثلاثين من مجلة فونتان/ Fontaine (n° 35 التي كان يديرها ماكس بول فوشي/ Max Paul Fouchet كما كتب سنة 1944 مقدمة ديوان "   الأسلحة الخارقة" التي طبعت انضمام سيزار للسوريالية.
بما أنه ملقب بـ"النيغرو/ الزنجي الأصلي" فإن سيزار سوف يؤثر على كتاب مثل فرانز فانون/ Frantz Fanonو إدوارد غليسان/ Edouard Glissant (اللذين كانا من تلامذته في ثانوية شولشر) والغوادلوبي دانييل ماكسيمين/ Daniel Maximin وآخرين كثيرين. فكره وشعره كانا لهما الأثر الواضح على المثقفين الأفارقة والسود الأمركيين المقاومين للاستعمار والاجتثاث الثقافي.
ما بعد الحرب، النضال السياسي:
في عام 1945 ، انتخب إيمي سيزار المدعوم من طرف النخب الشيوعية التي كانت ترى فيه رمزا للتجديد عمدة لفور دو فرانس/ Fort-de-France. وفي الوقت نفسه، كان أيضا منتخبا كعضو في البرلمان الذي احتفظ فيه بولايته حتى عام 1993 دون انقطاع. ولايته، حسبة منظمة نظرا للحالة الاقتصادية والاجتماعية للمارتينيك المدمرة بعد سنوات من الحصار وانهيار صناعة السكر، كان الهدف الذي تحقق بواسطتها هو الحصول على الاعتراف بقدرة المارتينيك على تسيير شؤونها في عام 1946.
هذه المطالبة التي يعود تاريخها إلى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر والتي اتخذت شكلها في عام 1935 الموافقة للذكرى المائوية الثالثة لضم المارتينيك لفرنسا من طرف القرصان بيلان دي إسنامبيك/ Belain D'Esnambuc. هذا الإجراء غير المفهوم كما ينبغي من طرف الحركات اليسارية الكثيرة في المارتينيك التي هي قريبة فعلا من الاستقلال، وضد تيار حركات التحرير الناشطة بالفعل في الهند الصينية والهند وبلدان المغرب العربي،   يهدف وفقا لسيزار لمحاربة نفوذ  طبقة الهجناء على السياسة المارتينيكية، ومحسوبيتها وفسادها والهيكلية المحافظة المرتبطة بها.  وفقا للنائب الشاب/ سيزار، هو اتخذ هذا القرار لتدبير تحديث المارتينيك، وتحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
أنشأ سيزار مع أليون ديوب  / Alioune Diop مجلة " الحضور الإفريقي" سنة 1947. في عام 1948 ظهرت أنطلوجيا/ مختارات من الشعر الزنجي والملغاشي* الجديد المجسدة لحركة الزنوجة والتي قدم لها جان بول سارتر/   Jean Paul Sartre.
في عام 1950، نشر "مقالة عن الاستعمار" حيث يضع كمعرف العلاقة الوثيقة القائمة النازية والاستعمار في منظوره الخاص. يكتب من جملة أمور:  "نعم ، سيكون من المفيد دراسة خطوات هتلر والنازية وتشريحها بالتفصيل... كما أنه ينبغي الإثبات للاستثنائي جدا، والإنساني جدا، والبورجوازي المسيحي جدا في هذا المنتصف من القرن العشرين أنه يحمل في داخله هتلر لا يعرف نفسه، أن هتلر يسكنه، أن هتلر هو شيطانه، وأنه إن عنفه فإن ذلك يعود لعدم وجود منطق، وأنه في الأساس هو لا يغفر هتلر ليس الجريمة في حد ذاتها، الجريمة ضد الإنسان، وليس إهانة الإنسان في حد ذاتها وإنما الجريمة ضد الرجل الأبيض و إذلال الرجل الأبيض، وأن تكون قد طبقت في أوروبا عمليات استعمارية لم  يبرأ من جراحها حتى الآن لا عرب الجزائر ولا عمال الهند ولا سود إفريقيا... "
بسبب معارضته للحزب الشيوعي بشأن مسألة "عبادة الشخصية"، ترك إيمي سيزار الحزب الشيوعي سنة 1956 وانظم إلى "حزب التجمع الإفريقي والفيدراليين" ثم أسس بعد سنتين من ذلك التاريخ الحزب التقدمي المارتينيكي الذي من خلاله سوف يطالب بالاستقلال الذاتي للمارتينيك. بقي في ذلك الحزب غير مسجل منذ 1958 حتى 1978 ثم منتسبا شيوعيا من 1978 حتى سنة 1993.
ظل إيميه سيزار عمدة فور دي فرانس*/ Fort-de-France حتى سنة 2001 . تميزت التنمية الاقتصادية بالمارتينيك بهجرة جماعية من المناطق الريفية نجمت عن انحدار صناعة السكر والانفجار السكاني الذي نشأ عن تحسن الأوضاع الصحية للسكان. ظهور الأحياء الشعبية المشكلة للقاعدة الانتخابية للحزب التقدمي المارتينيكي والتوفير الضافي لفرص العمل في بلدية فور دي فرانس كانت الحلول التي تم إيجادها للتصدي للحالات الاجتماعية الطارئة في أجل قصير جدا.
تتجسد السياسة الثقافية التي انتهجها إيمي سيزار من خلال استعداده لجعل الثقافة في متناول الشعب وتشجيع الفنانين  المحليين. تميزت أيضا بإنشاء المهرجانات السنوية لأول مرة في فور دي فرانس في عام 1972 بالتعاون مع جان ماري سيرو/ Jean-Marie Serreau وإيفان لابيجوف/ Yvan Labéjof. سنة 1974، ثم إنشاء مكتب لهيأة ثقافية دائمة  بواسطة تعيين فريق محترف لهذه المهمة يقوده إيف ماري سيرالين/ Yves Marie Séraline في بارك فلورال/ Parc Floral بفور دي فرانس وفي كل أحيائها. سنة 1976، تم تشييد المكتب البلدي للعمل الثقافي تحت إدارة جان بول سيزار الذي وضع بواسطة الفنون الشعبية (من رقص وموسيقى والحرف اليدوية) ومهرجان فور دي فرانس المرموق، من جوانب الثقافة المارتينيكة التي كانت تعتبر وضيعة إلى حد ذلك الوقت... أدارت ليدي بيتيس/ Lydie Bétis  ذلك المكتب البلدي لعدة سنوات.
سنة 1994، تدرج لأول مرة "مقالة حول الاستعمار" لإيمي سيزار في برنامج شعبة الآداب في البكالوريا الفرنسية  وكذلك ديوانه "دفتر العودة إلى الوطن"/ "دفتر العودة إلى أرض الميلاد.
انسحب إيمي سيزار من الحياة السياسية (ولا سيما من رئاسة بلدية فور دي فرانس في عام 2001، تاركا مكانه لسيرج ليتشيمي/ Serge Letchimy  لكنه ظل الشخصية الأساسية في تاريخ المارتينيك حتى وفاته. بعد وفاة رفيقه سنغور ظل من الأخيرين ممن أسسوا للفكر الزنوجي.
ظل إيمي سيزار مطلوبا ومؤثرا حتى وفاته. تجدر الإشارة إلى ردة فعله حيال القانون الفرنسي الصادر في 23 شباط / فبراير 2005 على الجوانب الإيجابية للاستعمار التي ينبغي أن تذكر في المناهج الدراسية حيث استنكره نصا وروحا مما أدى إلى رفضه استقبال نيكولا ساركوزي/ Nicolas Sarkozy . في آذار / مارس2006 ، رجع إيمي سيزار عن قراره واستقبله بما أن واحدا من المواد الأكثر إثارة للجدل من قانون 23 شباط / فبراير  2005 تم إلغاؤه. وعلق على لقائه : "هذا إنسان جديد. أحس فيه قوة وعزيمة وأفكارا وعلى هذا الأساس نحكم عليه."
وخلال حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2007، دعم بنشاط سيغولين روايال/ Ségolène Royal، ورافقها خلال آخر اجتماع في حياته العامة. " أنت تجلبين لنا الثقة ودعيني أقول لك أيضا الأمل."ذاك ما قاله لها.
وفاته:
أدخل المستشفى في 8 نيسان / أبريل 2008، في مستشفى بفور دي فرانس لمشاكل صحية في القلب. تدهورت حالته بسرعة وهناك توفي في صباح 17 نيسان / أبريل 2008 .
 منذ إعلان وفاته، أشاد العديد من الشخصيات السياسية والأدبية ومنهم رئيس الجمهورية الفرنسية نيكولا ساركوزي والرئيس السنغالي السابق عبدو ضيوف و الكاتب ريني ديبستر/ René Depestre.
بمبادرة من الكاتب كلود ريب/  Claude Ribbe  طلبت سيغولين رويال التي دعمها الكثيرون انضمامه إلى مقبرة العظماء/ مجمع الآلهة/ Panthéon le في العاشر من أيار / مايو 2008 وقد تم تحرير عريضة من أجل تحقيق ذلك.
نظمت لإيمي سيزار جنازة وطنية يوم 20 أبريل / نيسان 2008 في فور دي فرانس بحضور رئيس الدولة. ألقى بيار اليكر/ Pierre Aliker  النائب الأول السابق لرئيس بلدية فور دي فرانس الذي يبلغ 101 عاما كلمة تأبينية طويلة. رئيس الجمهورية لم يلق كلمة ولكنه انحنى أما التابوت بحضور آلاف الأشخاص المجتمعين في ستاد دي ديون/ stade de Dillon  . دفن إيمي سيزار في مقبرة لا جوايو/ La Joyaux قرب فور دي فرانس. على شاهدة قبره، تم  تسجيل الكلمات التي اختارها إيمي سيزار بنفسه وهي مقتطفات من "روزنامة البحيرات المعزولة" :
 "الضغط الجوي أو بالأحرى التاريخي
 يضخم إلى ما لانهاية له وجعي
 حتى وإن كان قد جعل بعضا من كلماتي باذخا "
 المؤلفات:
-  الأعمال الكاملة (ثلاثة مجلدات)، منشورات ديزورمو/ Desormeaux فور دي فرانس 1976.

الشعر :

- دفتر العودة إلى الوطن، الحضور الإفريقي، باريس1939، 1960.
- الأسلحة الخارقة، 1946 ، دار غاليمار/
Gallimard، باريس، 1970.
- الشمس ذات الرقبة المقطوعة، 1947 منشورات
K  باريس ، 1948.
- الجسد المفقود (منقوشات بيكاسو)، منشورات فراغرانس/ Éditions Fragrance، باريس، 1950.
- آلات حديدية، دار سوي/Seuil، باريس، 1960، 1991.
- سجل عقاري، سوي/ Seuil، باريس، 1961
- أنا الرقائقي، باريس، سوي/Seuil ، 1982
- الشعر، سوي/ Seuil، باريس، 1994
  
المسرح :

- وسكتت الكلاب، الحضور/ الوجود الإفريقي، باريس، 1958، 1997
- مأساة الملك كريستوف، الحضور الإفريقي، باريس، 1963 ، 1993
- موسم في الكونغو، سوي/ Seuil، باريس، 1966، 2001
- عاصفة ، عن العاصفة لوليام شكسبير : اقتباس لمسرح زنجي، دار سوي/ Seuil ، باريس  1969، 1997

 مقالات:

- العبودية والاستعمار، المطابع الجامعية الفرنسية، باريس، 1948 ، إعادة الطبعة : فيكتور شولشر وإلغاء الرق منشورات لو كابوسن لاكتور/ Le Capucin, Lectoure   2004.
- خطاب عن الاستعمار، منشورات ريكلام/  éditions Réclames، باريس، 1950 ،منشورات الحضور الإفريقي 1955.
- مقال عن الزنوجة 1987 .


التاريخ:  

- الثورة الفرنسية والعائق الاستعماري، الحضور الإفريقي، توسانت لوفرتور/ Toussaint Louverture  باريس، 1962
لقاءات:
- لقاء مع زنجي أصلي مقابلات مع باتريس لويس ، Arléa ، باريس ، 2004
- زنجي أنا، وسأبقى زنجيا، مقابلات مع فيرجيس/ Françoise Vergès ، وألبن ميشال/ Albin Michel، باريس، 2005

الهوامش:

* المارتينيك/ la Martinique : هي مقاطعة فرنسية فيما وراء البحار (المقاطعة عدد 972). كريستوف كولومب الذي اكتشفها سنة 1502 هو الذي أطلق عليها هذا الاسم. الجزيرة كانت تسمى آنذاك
مارتينينو" وهي تشير إلى جزيرة أسطورية هيسبانيولية. تطور الاسم كثير المرات واستقر في الأخير بتأثير من تسمية الجزيرة المجاورة الدومينيك إلى جزيرة المارتينيك. صارت المارتينيك فرنسية سنة 1635. كجزء من أرخبيل الأنتيل الذي يوجد في البحر الكاراييبي على بعد نحو 450 كم شمال شرقي سواحل أمريكا الجنوبية وحوالي 700 كم جنوب شرقي جمهورية الدومينيك.

الأوتوشتون (الشعب الأصلي المنحدر من نسل السكان الأصليين الذين يعيشون على أرض المارتينيك.) هم السكان الأصليون للمارتينيك. أضيف لهم تباعا مهاجرون من الهنود الحمر القادمين خاصة من مناطق البحر الكاراييبي ثم تلاهم وفود المستعمرين الأوربيين المصحوبين بعبيدهم من الأفارقة السود الكثيري العدد.

وسم تاريخ المارتينيك المعروف إلى حد كبير بتاريخ الاستعمار الأمريكي وحروب التأثير بين الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية السابقة وتطور الأنشطة الزراعية وثوران/ اندلاع بركان/ جبل بيلي/  Montagne Pelée سنة 1902 والكوارث المناخية فضلا عن المطالب الحديثة بالاستقلال.

* فور دي فرانس/ Fort-de-France : هي واحدة من 34 مدينة تقع في مقاطعة ما وراء البحار الفرنسية المارتينيك. فور دي فرانس عاصمة المارتينيك مدينة مترامية الأطراف، بعض أحيائها التي منها بلاطة/  Balata توجد في ضواح بعيدة عن وسط المدينة... تضاريس المدينة متنوعة جدا : من الحوض الريحي المنخفض (الذي سفته الرياح) الموجود على جبهة البحر يمكن المرور بكل سهولة منطقة جبلية مرتفعة جدا عند العودة إلى الأرض.

* الزنوجة : هي كل ما هو خاص بالزنجي. تماما مثلما هو الحال بالنسبة للحمار الوحشي الذي يختص بجلده المخطط. الزنوجة هي تيار أدبي أنشئ على إثر الحرب العالمية الثانية وقد جمع الكتاب السود الفرانكفونيين والذين منهم إيمي سيزار وليوبولد سيدار سنغور وليون غونترون داما.

صيغ مصطلح الزنوجة سنة 1935 من قبل إيمي سيزار  في العدد 3 من مجلة الطلاب المارتينيكيين "الطالب الأسود". وهي تطالب بإعادة إحياء هوية السود وثقافتهم. في البداية، كانت مواجهتها لفرنسة تعتبر قمعا وأداة اضطهاد تنتهجها الإدارة الاستعمارية (حديث حول الاستعمار، من دفتر عودة إلى الوطن/ من دفتر عودة إلى أرض الميلاد). استخدم سيزار المصطلح من جديد سنة 1939 عند نشر الطبعة الأولى من دفتر العودة إلى الوطن. استولى بعد ذلك ليوبولد سيدار سنغور على المصطلح في مؤلفه " أناشيد الظل " وعمق مفهومه بمقابلته لـ "العقل الهليني/ اليوناني" بـ "عاطفة السود".

 

" أيتها الليلة التي تعطيني إدراكات معارض السفسطة
الدوران المباغت للذرائع حول نفسها، الكراهيات المحسوبة للمجازر الإنسانية
أيتها الليلة التي تسبك كل تناقضاتي، كل تناقضاتي في الوحدة الأولى لزنوجتك "

ميلاد هذا المصطلح ومجلة " الحضور الإفريقي/ بريزانس أفريكان/ Présence africaine اللذين ظهرا سنة 1947 في نفس الوقت بداكار وباريس سيكون له وقع الانفجار. هما سوف يجمعان كل السود من كل آفاق العالم كما أنهما سيجلبان مثقفين فرنسيين كثيرين ولا سيما جان بول سارتر. هذا الأخير يعرف الزنوجية كـ : " إنكار إنكار الرجل الأسود. "
وفقا لسنغور الزنوجية هي "جميع القيم الثقافية لبلدان إفريقيا السوداء" تعريف زنوجية ليوبولد سيدار سنغور هي:" الزنوجية هي أمر واقع، ثقافة. هي مجموعة قيم اقتصادية وسياسية وأخلاقية وفنية واجتماعية لشعوب إفريقيا والأقليات السوداء في أمريكا وآسيا وأوقيانوسيا." أما بالنسبة لسيزار فإن "هذه الكلمة تعني بدرجة أولى الرفض،. رفض الإدماج الثقافي ورفض صورة معينة للأسود السلمي الخانع وغير القادر على صنع حضارة. الثقافي يسيطر على السياسي. "
نقد حركة الزنوجة:
انتقد أدباء سود أو هجناء هذا المصطلح فيما بعد واعتبروه مفرطا في التبسيط :" النمر لا يعلن عن "نمريته". هو يقفز على فريسته ويلتهمها." (وول سوينكا/ Wole Soyinka). سيزار نفسه صار يرفض المصطلح باعتباره مصطلحا يكاد يكون عنصريا ولكن ذلك لم يتم التحقق منه. ستانيسلاس سبيرو أدوتيفي/ Stanislas Spero Adoteviقام بتحليل صارم في مقاله "زنوجية ومزنجين" : ذكرى في تواطئ ليلي، الزنوجة هبة الشاعر الغنائية لظلامه الخاص ملء اليأس في الماضي."
ريني ماران/ René Maran كاتب باتوالا/ Batouala يعتبر الممهد للزنوجة والمبشر بها.
* نظام فيشي/ Régime de Vichy : هو التسمية التي أعطيت للفترة الفاصلة بين تموز / يوليو 1940 وحزيران / يونيو 1944 والتي رئس خلالها الماريشال بيتان/ Pétain الحكومة الفرنسية التي تم تثبيتها في فيشي. "نظام فيشي" يشار به إلى النظام الاستبدادي المتحالف تكتيكيا مع المحتل النازي.
في العاشر من تموز / يوليو 1940 ، جمع بيار لافال/ Pierre Laval البرلمان (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) في فيشي. ودعا الطرفين إلى التصويت على قانون دستوري يتألف من مادة واحدة تعطي جميع الصلاحيات إلى بيتان/ Pétain   وهكذا بدأ نظام جديد: " الدولة الفرنسية".

عقب التوقيع على الهدنة مع ألمانيا في 22 حزيران / يونيو ، غادرت الحكومة الفرنسية بوردو/ Bordeaux واستقرت بفيشي في المناطق الحرة. أقامت في فندق بارك/ l'hôtel du Parc الذي سمي على الفور "حكومة فيشي" فرض الماريشال بيتان التعديل الدستوري التي الذي أفضى في العاشر من تموز إلى إنشاء "الدولة الفرنسية". ذات الشعار الجديد " العمل والأسرة والوطن".
 
 
صوت البرلمان المجتمع في لو غران كازينو دو فيشي/  Grand Casino de Vichy على نهاية الجمهورية الثالثة وإعطاء جميع الصلاحيات لرئيس المجلس الماريشال فيليب بيتان. ينص الدستور الجديد للدولة الفرنسية على أنه ينبغي ضمان حقوق العمل والأسرة والوطن كما أنه يحدد النظام بالاستبدادي. انهارت الدولة الفرنسية / نظام فيشي في آب/ أغسطس 1944. 
كما كل الأنظمة التوتاليتارية، اضطهد نظام فيشي الأجانب و الشعب الفرنسي نفسه كما ارتكب في حق الإنسانية ما لا يحصى من الجرائم.

إعداد وترجمة آسية السخيري
تونس








التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads