الرئيسية » , , » المتخيّل المعرفي - قراءة في ألبوم علي منصور | محمد السيد محمد قطب

المتخيّل المعرفي - قراءة في ألبوم علي منصور | محمد السيد محمد قطب

Written By Unknown on الأحد، 23 يوليو 2017 | يوليو 23, 2017

المتخيّل المعرفي - قراءة في ألبوم علي منصور 

صورة محتملة لمعرفة متخيّلة
قراءة في كتاب علي منصور 
"بقايا ألبوم قديم لبرجوازي صغير" 



    نعمة الخيال لا تأتي من فراغ، إنها طاقة يحركها وقود معرفي، نحن نرى صورة ما، نعلم أن خلفها صورا متوارية في الأوقات المارة في الآفاق، وأن بعدها صورا قادمة مع الأسحار والإشراق.
    إن الخيال برنامج ذهني لاستكمال نقصنا المعرفي، يستمد من المعطيات الحاضرة لدينا مادة تدخل في إجراء تشكيلي جديد، ينتج عنه الإلمام بشيء من الماضي، وصيغة افتراضية لفضاء احتمالي يستشرف العصر الآتي.
    إن الإنسان مقيد بالزمان والمكان لكن فضوله المعرفي لا يكتفي بإدراك المتاح، المرئي، الحاضر أمامه، فهو يعلم أن اللحظة الواحدة تتوزعها كثير من الأماكن والشخصيات، وأن الحدث الواحد له صور متعددة في مخيلة من يراه.
    والواقع نفسه ليس إلا صورة ناقصة للحلم، صورة بها من الفراغ أكثر مما بها من الخطوط والألوان، هل الذي تمناه جيل الكبار، الذين مر بهم خمسون أو ستون عاما أو أكثر، هل حدث ما كان في توقعاتهم أن يحدث؟ هل اكتملت مشاريعهم؟ هل رأوا أشجارهم مثمرة؟ هل أحسن كل منهم استقبال منجز الآخر الذي ينتمي لجيله؟ هل وصلت كلماتهم إلى الجيل التالي فتشكلت لكل واحد منهم صورة تليق بما قدم وما توقع في لوحة الوقت؟
    هذه القضية يناقشها علي منصور في كتابه "بقايا ألبوم قديم لبرجوازي صغير".
    يتكوّن الكتاب من مجموعة مقالات سردية ومجموعة قصائد نثرية، بينهما علاقة تفاعل وبوح مثل صديقين يعرف كل منهما الآخر تماما لأن المنطقة المشتركة بينهما صافية وعميقة. والموضوع المحوري في النصوص هو التخيّل، وسبب التخيّل هو الفقد الناتج عن النقص المعرفي للذات التي تحاول استكمال ملامح عالمها مثلما نجد في الجزء السردي في المقال الأول "شجرة عالية من أشجار المانجو"، أو افتقاد حلم كانت الذات تتوقع حدوثه وهذا واضح في مقال "كم أنت صافية أيتها السماء"، أمّا الجزء الشعري فهو متخيّل يسعى لتصوّر التاريخ من منظور لحظة واقعية تستعيد النموذج الإنساني من الماضي وتتساءل عن المستقبل كما في "1433هـ" و"ساعة وساعة"، أو رسم صورة للذات في لحظة وجودية متألقة تحتفظ بها الصورة التشكيلية منتظرة من يراها، أو لديه نعمة الخيال ليتصوّر تلك اللحظة، كما في "ولم أكن أفكر في خوان ميرو" أواستحضار صورة تولد منها قصة حياة كاملة كما في "صورة في جريدة". 
    في مقال "كم أنت صافية أيتها السماء" يتخيّل علي منصور مقالا مكتوبا عنه ملحقا بالطبعة الثانية من ديوانه "وردية الكيمياء الجميلة" وهي طبعة متخيّلة، والمقال مكتوب بدقة ناقد درس مراحل علي منصور واتجاهه الشعري واستخلص رؤيته وقيّم إنتاجه، بالطبع هذا المقال لم يجده علي منصور فكتبه بضمير الغائب متحدثا عن نفسه بوصفه آخر، وهذا سبب كاف لحزن الشاعر الذي تحدث عنه في أكثر من مقال يسبق "كم أنت صافية أيتها السماء" ثم أطلق دال الحزن علامة على قصائد النثر في النصف الثاني من الكتاب "قلب حزين.. وقصائد أخرى".

    إن مقال "كم أنت صافية أيتها السماء" قطعة أدبية راقية تترجم للشاعر بطريقة متخيّلة، تستخلص الناقد والمؤرخ الأدبي من أعماق الشاعر، وتقدم درسا في علمية الخيال، وكيف أن المتخيّل خطاب معرفي في المقام الأول، كيف أن المتخيّل عمل يستكمل الرؤى الناقصة ويضيف صورة جديدة إلى رصيدنا الذي لا نعلم كمه ولا ندرك كيفه، إن لدينا ميراثا من الصور، نحتفظ بجزء من هذه أو تلك، بينما تختفي عن أعيننا مساحات شاسعة، وما يفعله الخيال هو محاولة لاستعادة بعض ملامح الصور الضائعة عن معرفتنا التي نظن أنها وافية ودقيقة، وكل محاولاتنا الإبداعية ليست سوى بحث عن ملامح الإنسانية التي طمسها النسيان والوعي الزائف. 
دكتور محمد السيد محمد قطب
استاذ النقد الأدبي- كلية الألسن- جامعة عين شمس
https://almodawwna.blogspot.com.eg/2017/06/blog-post.html

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads