الرئيسية » , » محمود سلام وسؤال الشعر في " ونُّوس" | عبد الله صبري

محمود سلام وسؤال الشعر في " ونُّوس" | عبد الله صبري

Written By هشام الصباحي on الخميس، 30 مارس 2017 | مارس 30, 2017

 "محمود سلام وسؤال الشعر في " ونُّوس

في ديوانه " ونُّوس " الصادر عن دار بنت الزيات للطبع والنشر ينشغل الشاعر محمود سلام أبو مالك بسؤال الشعر ، حيث تحتل الكتابة عن مفهوم الشعر ذاته حيزًا كبيرا من الديوان الذي كُتب في شكل مربعات شعرية منفصلة عن بعضها ويمثل كل مربع منها وحدة كلية متسقة البناء والمضمون والفحوى الشعرية ، محمود سلام في هذا الديوان مشغول بقضية الشعر ، وماهيته وشكله الأمثل ومعناه ، والفرق بين الشعر الجيد وشعر الأدعياء ، أي المعاني الوهمية للشعر وصراعها مع المعني الحقيقي له وتشكلاته وأنساقه وتوتراته وإطلالاته على الحياة ..... إلخ.
يقول الشاعر : 
في الوقت دا يقدر شيطان الشعر 
يضحك قوي ، على واد أصابُه السحْر
ظبط التردد ، وانتظر مددُه
ولقي الإشارة في النهاية .. صفر
**************************
بس اسمعوني مرة من نفسي
أنا زيكم بجسد وحيد ونفوس 
كتير باجاهد ع الطريق نفسي
وكتير باطاوع في الهوى " ونُّوس" 
************************
ما تصدقيش الشعر يا جميلة 
فيه شعر زيف ، وحقيقته تمثيلة 
مش كل وزن يكون كلام موزون
فما تخدعيش نفسك بتفعيلة
************************
 وعن البحث عن جوهر وتقييمه بالكيف لا بالكم يقول : 
فيه كلمتين أبرك من الجرنان
مطلع قصيدة يغني عن ديوان 
ويجوز إذا القلم الرصاص أبدع
تستغنى بيه اللوحة عن ألوان 
***************************
فيه كلمة سِلْم ، وكلمة تشعل حرب
وكلمة ممكن تقسمك نصين
واحد بيضحك من صميم القلب
والتاني يستنزف دموع العين
***************************
***************************
إن كان كلامك للبشر وناس
لا يعني إنك يا صديقي فريد
الشعر فيض من ربنا للناس
وانت مجرد – بس – ساعي بريد 
***************************
 وعن تراجع اهتمام الناس بالشعر واغترابه في هذا الزمان يقول الشاعر :

يرحم زمانك يا أبو الطيِّب
فيه شعر لقلوب الملوك كساب 
نظرة لزماننا يا والدي واتعجب
من جيل بيمشي بيشحت الإعجاب
******************************
لا قلت سن بسن ، ولا عين بعين 
والقلب فوق حمله ما عاد محتمل
باكتب لأن وصيتي فرض عين 
والشعر دين وإيماني بيه مكتمل .
في هذا الديوان ينتصر محمود سلام للشعر الذي يهتم بعذابات الإنسان وهمومه ومعاناته في هذا العصر الاستهلاكي الموحش ، فالشعر عنده سؤال وجودي كبير يرتبط بالحلم والمستحيل وهو القلم الرصاص الذي يتغلب على روعة الألوان بما يحمله في ذاته من أسرار مقدسة ويراه ضروري كالماء والهواء ويسمو بصاحبه إلى درجات الترقي والسمو والاستغناء عن قشور الحياة وسطحيتها وزخارفها الكاذبة.
تأتي مراهنة محمود سلام على الشعر في وقت يتراجع فيه دور الشعر إلى مستويات غير مسبوقة ، فهو يحاول تفكيك الفرضيات المسبقة باحثًا عن رؤى وحقائق جديدة تعارض السائد والمألوف ، وكأنه يريد أن يقول أن الشعر انقلاب على العرضي الوقتي الراهن الذي لن يستمر وهو انفلات من قيود الممكن بكل تجلياته وأناقته الزائفة، يقول أبو مالك : 
ما تقولشي كنا وكانوا ، ما كناش
إحنا ورثنا الحمل ، ما اخترناش
كل التاريخ ، كل التاريخ خاننا
واحنا اللي مهما تخاننا .. ما خُنَّاش!
******************************
الغربة مش غربة جسد ، بل روح
الغربة أهون من وطن جارح 
مستني إيه من قلبك المدبوح 
غير إنه يكره سيرة الدابح؟!
***************************
في هذا الديوان يحاول محمود سلام أن ينفلت من سلطة النموذج التراثي ، حيث تغلب الحكمة كهدف ومضمون للمربعات الشعرية في معظم الأحيان وهذا يظهر بوضوح في فن الواو وفي الرباعيات الشعرية ، لكن محمود سلام هنا يحاول أن يجعل مقطوعاته الشعرية متعددة الأغراض ومنها ما يتضمن خاتمة مفتوحة تدعو للتأمل والتفكير ولا تعطي نفسها من القراءة الأولى بحيث تشرك القارئ في المشهد الشعري ليكون أحد عناصر النص.
استخدم الشاعر مستويات متعددة للغة مما أكسب الديوان حيوية شكلانية ، لكنه وقع في بعض الأحيان في فخ التقعر والتعقيدات التركيبية التي تقلل من جمال وانسيابية السياقات كقوله : 
السواقين سوائين ساؤونا بالسواقات 
بالسوء رمونا ، ورمونا بسوء على الطرقات 
ومما نأخذه على الشاعر أيضًا انسياقه إلى المبالغة في سلاسة التعبير التي وصلت إلى حد التسطيح والاهتمام بالشكلانية على حساب البناء الشعري والدلالات التي يولدها النص ، كما أن المربعات الشعرية بها تشابه في بعض المضامين وإن اختلفت طرق الصياغة وآليات النسج والتركيب لهذا فهي كانت تحتاج إلى أكثر من مراجعة للوصول إلى الشكل النهائي قبل النشر.
إن ديوان " ونوس " هو إضافة حقيقية للعامية المصرية لما يتضمنه من طزاجة إبداعية وتمكن لغوي يدرج اللغة بمستوياتها المتعددة كأداة من أدوات التأثير بجانب دورها الرئيسي كوعاء وحامل للفكر ، سعى الشاعر محمود سلام في هذا الديوان إلى طرق مساحات شعرية جديدة واستخدم آليات شعرية مختلفة جمعت بين بكارة التصوير وحسن النسج والسبك في مزج بهي بين الأصالة والتحديث.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads