الرئيسية » » نركض عراةً تحت الأمطار | أشرف الجمال

نركض عراةً تحت الأمطار | أشرف الجمال

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 12 يوليو 2016 | يوليو 12, 2016


نركض عراةً تحت الأمطار
*******
ليس عندي شيءٌ أُعلِّمهُ أبنائي
قبل موتي
ليس لديّ حكمةُ ينبوعٍ عَفَا عليه الزمانُ
يهديها لفراشةٍ وليدةٍ
ليس لديّ صمودُ جميزةٍ يتسلقها سنجابٌ رضيعٌ
يرغب أن يرى الحياةَ من أعلى شجرة
أبسطُ الأسئلةِ لا يمكنني إجابتها :
لماذا تولد القطط في ليالي الشتاء
لتموت بعد أيامٍ قليلة بَرْداً ونَصَبا
لماذا يفترس الذئبُ عنزاً وليداً
يُلاعبُ الجرادَ فوق النجيل
لماذا يسلخ الراعي جَمَلَهُ بعد أن يضنيه أسفارا
لماذا تولد كائناتٌ بقلوبٍ مثقوبةٍ
وعيونٍ كفيفةٍ
و أخرى بأجسادٍ بَتَرَ اليُتم أذرعها
لماذا تأتي السفنُ من وراء البحر
مُحمّلةً بآلاف الصبايا
مغتصباتٍ ..  ينزفن دماءً وأحلاما
يُذْبَحُ ملايين الأسرى في شوارع المدن
معلقةً رءوسهم على بوابات معابدها
إلام يسقط الندى
تزقزق العصافير
تدور الطواحين والسواقي
كأنْ شيئاً لم يكن
ولن يكون ..
لماذا تحنُّ هذه الأرض لميلاد أبنائها
وقلبها ملطخٌ بنسيانهم
لماذا يتقمص العدمُ وجوهَ الرفاق .. والأهل .. والأحبّة
واحداً .. فآخرَ
لماذا أحب امرأةً واحدةً
ولا يمكنني أن أحب سواها
رغم فقدان أملي فيها
أين سأذهب !
وفي أي طريقٍ سأجد هذا الرب الذي تفصح به الأشجار
قبل هجرتها
وتحكي عنه الينابيع الشريدة لمن لا يعود
ليس لأسقامي بصيرةٌ إلا الألم
لأعوّلَ عليها
أنا مريضٌ ومعقدٌ جداً .. وأشدُّ حُزناً
من كل صبّار الأرض
وجداولها القاحلة
بحيث لن ألمحهُ حين يبرق كفكرةٍ
في وجه امرأةٍ تعبر ذاكرتي
حين يشهبُ كطائرٍ
في مخيلة روحي
أنا محاصرٌ بأسئلةٍ طفوليةٍ عن مصيري
وخيالاتٍ تتبعني لمئاتِ الأشباح
تُمثِّل لي كل ليلةٍ - بإجادة - مشهد احتضاري ..
ومنذ زمن نسيت اسمي .. ولا أعرف بلادي
مطاردٌ من حُبّي
وموتي
كجنديٍ هاربٍ بين الأحراش
تتعقبه المروحيات بقذائفها ..
وحيدٌ وفارغٌ من كل معنى
كقلعةٍ تزأر ليلاً من فرط وحشتها
كجثةٍ تصرخ .. تريد أن تثأر من قاتلها ..
ملعونٌ في كتاب قلبي
أكرهني
كما تكره النارُ حقيقتها
ويكره العذابُ دلالته في المعجم
أتوارى من عدمي ككلمةٍ مُحَرَّمةٍ
في كتاب مقدس
لا يقرأني سوى هذا الليل الذي نسيني
كورقةِ شجرٍ جافةٍ ويابسةٍ
تطوحها الريحُ في مجاهل الطرقات
أحملُ فانوساً قديماً
أجوبُ به مقابر المدينة
أُكلّم الموتى
فيخرجون لي من لحودهم
ونركض عراةً تحت الأمطار
يقودنا أقْدَمُنَا موتاً
وأكثرنا حنانا
وهو يصيح ملء ضلوعنا :
اتبعوني للحياة .

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads