ستيفن كوتش يرصد علاقة الكتّاب بدفاترهم | ترجمة: نورهان حسام

Written By تروس on الأربعاء، 30 مارس 2016 | مارس 30, 2016

ستيفن كوتش يرصد علاقة الكتّاب بدفاترهم
ترجمة: نورهان حسام

فلا تثق أبدًا في ذاكرتك، ودوّن على الورق، وحين ترى شيئًا في مجلة أو جريدة، قُمّ بقصّه الآن وليس غدًا.

عليك أن تقوم بتجهيزات في مفكرتك قبل وأثناء القيام بالعمل الأساسي، وهذه التجهيزات تقوم بها طوال الوقت ولأكثر من مشروع، فالكاتب لا بد له أن يكتب على الدوام. وفي أي لحظة من حياتك الكتابية، لا بد أن يكون هنالك عمل في بؤرة الاهتمام، وفي الخلفية تتواجد احتمالات أخرى تختمر في الموقد الخلفي لحياتك الأدبية؛ أي في مفكرتك الخاصة.

يقول بول جونسون: “على الكاتب ألا يرى صنعته منحصرة في كتب أو مشاريع محددة، فالمشاركات التي يقوم بها يجب أن تكون مستمرة، فكل هذا يُعد مكسبًا. ولأن على الكاتب أن يمرّن نفسه على المتابعة والتسجيل، لذا من الضروري أن يحمل دومًا مفكرة في جيبه”.

فالقاعدة الحتمية هي: “دوّن في الحال”. فلا تثق أبدًا في ذاكرتك، ودوّن على الورق، وحين ترى شيئًا في مجلة أو جريدة، قُمّ بقصّه الآن وليس غدًا.

ينقسم الرأي حول المفكرة وأهميتها بين الكُتّاب، فقد زعم ترومان كابوت في قوله: “في وقت ما، اعتدت الاحتفاظ بمفكرة تحمل الخطوط العريضة للقصص، ولكنّي وجدت هذا يقتل الفكرة في خيالي على نحو ما. فإن كانت الفكرة جيدة بالشكل الكافي، وكانت تنتمي بالفعل لك، فلن تتمكن من نسيانها، وستؤرقك حتى تكتبها.”

ولم تستطع دوروث باركر، وهي كاتبة أصيبت بحالة الحبسة، أن تقرر حمل دفتر أم لا. أما فرانك ماكورت، الكاتب الذي أصيب بالحبسة وتخلص منها بشكل مذهل في مذكراته “رماد أنجيلا”، يحذر بوضوح من خطر استخدام المفكرة كبديل للعمل نفسه قائلًا:

“لقد تقاعدت عن العمل في 1987, وكنت حينها في السابعة والخمسين من عمري، وكنت لازلت أعمل على هذا الكتاب محاولًا كتابته – كان لدي مفكرات .. مفكرات .. مفكرات – ولم أكن أعرف ما العلّة. وكانت المفارقة أنني اعتدت أن أخبر تلاميذي.. “انسوا أمر الكتابة نفسها، فقط خطّوا على عجل .. خطّوا .. خطّوا .. خطّوا، ضعوا في الورقة أي شيء واكتبوا بصدق، اكتبوا من وجهة نظركم ورأيكم الشخصي، وهذا سيأخذ شكلًا محددًا بشكل تدريجي، فلا يوجد هناك شيء مثل حالة الجمود التي تصيب الكاتب”.فلماذا لم أفعل أنا هذا عند عودتي للمنزل؟ لماذا لم أكتب قصتي بشكل تلقائي؟ مع كل تلك الدفاتر المتراكمة والرغبة الجامحة في كتابة هذا الكتاب، ومعرفة أني لو لم أكتبه لكنت متُّ رجلًا تعيسًا؟”

ها هنا لك كلمات تحذيرية حكيمة. يُحب الكتّاب التسويف وتعد الدفاتر الورقية من بين أماكنهم المفضّلة للقيام بذلك، فالكتابة على عجل تبدو على نحو كبير كالكتابة الحقيقية. الخطر يتناقص قليلًا بمجرد إدراك أن المفكرة مُفيدة للغاية بعد البدء في النص الأساسي. فالخيال الذي سيأتيك أيًا كان والذي يكون بالأهمية الكافية التي لا تتطلب أخذ ملاحظات هو ذاك الخيال المطلوب. وتوضح آن لاموت قائلة:

“لقد اعتقدت طويلًا أنه إذا كان هناك شيئًا ذا أهمية كافية، فلابد لي من تذكره حتى العودة إلى المنزل وحينها سأتمكن بكل بساطة من تدوينه في مفكرتي.. ولكن بعد ذلك لا أفعل. أود لو أصل إلى المنزل.. وأود لو أقف هناك محاولةً رؤيته، كحلم تحاول تذكره، حيث تغمض عينيك قليلًا وهاهو هناك على طرف لسانك الروحي ولكنك لا تستطيع استعادته، فقد اختفى الخيال.”

ويضيف توم وولف: “إن كان الموقف حرجًا للغاية أو يستحيل معه تدوين الملاحظات، أحاول تدوين كل شيء يمكنني تذكره قبل الذهاب إلى النوم. فأنا أدرك كم هو سريع اضمحلال الذاكرة، فحتى عند الذهاب للنوم والاستيقاظ في اليوم التالي يذهب معه كثير لا يمكن استعادته.”

في الوقت ذاته، تصبح الدفاتر بلا قيمة لمساعدتك على الاسترسال إن كنت عالقًا في الكتابة. فلا تحاول أبدًا التفكير في مخرجك من المشكلة دون الاستعانة بالكلمات المكتوبة. دوّن مخرجك في مفكرتك. ففي حال تعثرك في مشهد أو شخصية، تسلل إلى مفكرتك الخفية وتحدث عن مشكلتك. وافقد ذاتك مجددًا في تلك العزلة.


أكثر الكتابات حريةً هي تلك التي أقوم بها في دفتر اليوميات

تحتفظ الكاتبة سو غرافتون بدفتر يوميات لكتاباتها لكل واحدة من رواياتها، فهي تكتب كل يوم من العمل في كل منهما. وتقول: “أكثر الكتابات حريةً هي تلك التي أقوم بها في دفتر اليوميات لأنني من الناحية النفسية أشعر كأنه وقت اللهو. وبمجرد البدء في كتابة الفصل أشعر بالرصانة الشديدة، فأبدأ التفكير في أنه جزء الكتابة الرسمي ولا يتوجب علّي اقتراف أخطاء، ولهذا أشعر بالتوتر. أما في دفتر اليوميات، يمكنني كتابة ما يدور ببالي بالضبط. وعادةً ما تكون كتابة جميلة جدًا..”

ويقول لوري موور:” لم أُصَبْ بحالة الحبسة في الكتابة قط، فأنا لم أفقد إيماني يومًا (أو دعنا نقول لم أفقده فترة أطول من اللازم) لم أكن بلا أفكار أو خواطر قابعة في مفكرات أو على اللاصقات المعلقة على طرف مكتبي..”

فكلما ومضت فكرة لقصة في رأسك، دوّنها عاجلًا وليس آجلًا. فما أن تكتبها، لن تنساها. ضع مفكراتك وفقًا لجدولٍ زمنيّ، فبعض الأفكار ستحتفظ بحيويتها، وأخرى ستنتهي من قبل أن تزدهر. ولكنها لا تنمو وتكبر إلا في مكان وحيد وهو صفحة الكتابة.

قد تبدو تدويناتك السريعة في البداية؛ عبثية لدرجة لا تتناسب واستخدامها. ولكن إن كنت منتبهًا، ستبدأ آثار الحماسة هذه -آجلًا أم عاجلًا- في تشكيل فسيفساء طلائع شعور اهتماماتك الدائمة. وقد لاحظ نابوكوف ذات مرة أن أغلب رواياته نشأت نتيجة لرؤية نمط لمجموعة من الصور التي تبدو ظاهريًا غير مترابطة. ويقول المحرر ووكيل النشر بيتسي ليرنر: “إن كنت تكافح مع ما تقوم بكتابته، فانظر في كتاباتك التي قمت بها على عجل، فهناك الأوقات والمواضيع المشفرة التي تستحق أن تناضل معها ككاتب.”

واشرع في الكتابة في مفكرة منفصلة بمجرد أن ترى فكرة قوية كفاية لتكون مهمة بالنسبة لك. وإن كنت تعمل فقط على جهاز الكمبيوتر، فابدأ العمل في مجلد منفصل. ضع فيه كل فكرة، وكل رؤية، وكل قصاصة بحث، وكل جملة عشوائية ملتوية تتكون تلقائيًا في عقلك. وإن كنت تستخدم مفكرة ورقية، فلتكن مجمعة الأوراق وليست سائبة: فأنت لن تتخلص من أي شيء. وحتى وإن كان هناك شيئًا يبدو كخطأ أحمق، ضع علامة خطأ صغيرة عليه، فقد تغير رأيك. فإن وجدت نفسك قد بدأت في تكوين جملة حقيقية في عقلك، فتأكد من تدوينها أيضًا. فقد تجد نفسك تكتب القصة من قبل حتى أن تبدأ. فإن ما يظهر فجأة من التدوين العشوائي تجده مذهلًا. وتنصح باتريشيا هاي سميث قائلة: “لدى الروائيين -أغلبهم- الكثير من الأفكار المختصرة والثانوية التي لا يمكن أو لا ينبغي أن تتضمنها كُتُب. فهي تساهم في صنع قصص قصيرة جيدة أو مُدهشة”، كما تضيف: “دوّن كل الأفكار الضئيلة وستُفاجأ كيف تقودك عادةً جملة واحدة مدونة في مفكرة سريعًا إلى جملة آخرى. فيمكن أن يتطور سير الأحداث وأنت تدون ملاحظاتك.

أغلق مفكرتك وفكر بها لبضعة أيام – ومن ثمّ تصبح جاهزًا لكتابة قصة قصيرة.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads