الرئيسية » » كلمة قاسم حدّاد في حفل افتتاح مكتبة تكوين

كلمة قاسم حدّاد في حفل افتتاح مكتبة تكوين

Written By تروس on الثلاثاء، 29 مارس 2016 | مارس 29, 2016

كلمة قاسم حدّاد في حفل افتتاح مكتبة تكوين 
ليس مثل الجمال علاجٌ لحياتنا المعطوبة.

1

في مستقبل الأيام، سوف يتذكر الكثيرون هذه الليلة باعتزاز وإعجاب كبيرين. فليس بلا دلالة أن ينشأ مشروع ثقافي بالجهود الذاتية لشباب مأخوذين بفنون الإبداع الأدبي، في اللحظة ذاتها التي ينهار من حولنا كل شيء يتعلق بالإنسان. ففيما يتدهور العالم، تشبَّثَ هؤلاء الفتية بأهداب الحلم الوحيد والأخير للإنسان: الأدب والفن.

وعندما يتذكر المستقبل هذه التجربة، سيثق بالشباب وما يزعمون الذهاب إليه وحدهم، دون الاكتراث بلا مبالاة العالم من حولهم. فالإنسان عندما يصنع شيئاً يحبه، سيكتفي بتلك المتعة القليلة النادرة التي تمنح حلمه الحياة.

2

منذ لحظتها الأولى شعرتُ في “تكوين” بالحب للتجربة الجديدة الجادة والجميلة في آن. فليس مثل الجمال علاجٌ لحياتنا المعطوبة. ولعلنا لا نخطئ في ملاحظة فعل الجمال الإنساني وإدراكه، ولا يبقى علينا سوى الاقتناع بحق هذا الجمال في السَّعي الحر نحو أحلامه.

3

وفي اعتقادي أن هذه التجربة اكتسبت جمالها وحريتها من إشارتها المبكرة نحو استقلالها من جهة، ومن جهة ثانية استعدادها بشروطها الصارمة، للتعاون مع الجهات الأخرى، بثقتها في طفولة الشمس، ورغبتها في الاكتمال مع الآخر، القرين أو النقيض.

4

لقد رأيت في تجربة “تكوين” أسئلةً تطرق الجوهري، بشتى تجلياته، في تجربة الكتابة. الكتابة بوصفها وعيُ مسؤولية الجمال في النص، والسَّعي بإخلاص لصقل الموهبة بالمعرفة، وفي ذلك اختيار حاسم للطريق الملكية، غير الهيِّنة، في حقل الصنيع الأدبي.

كان في ذلك إدراكٌ واعٍ لفنون الإبداع كصنيع بشري، وهو الموضوع الذي تسكت عنه الثقافة العربية الحديثة، أو تتجاهله، أو تقصر عنه. الأمر الذي ترك حبل الكتابة العربية الجديدة على غاربٍ يتأخر عن الانبثاق والإشراق، حتى أوشكنا أن نتعثر بما لا يحصى من الكتابات المرتجلة، الخفيفة، التي تبدو بلا شكل ولا شكيمة.

5

مع “تكوين” توقفت صحبةٌ من شباب الكتابة الجديدة، والتفتوا إلى الأسئلة المتعلقة بالشأن الحميم لتجربة الانسان فيما يعبر عن لحظتهِ الغامضة، عند بعض العرب والعالم.

وبقدرٍ كبيرٍ من روح البذل والعطاء، سهرتْ هذه الصحبة على التنقيب في مناجم التجربة الإنسانية، لاكتشاف بعض أحجار كريمة مكنوزة بالاعترافات الدالّة، وعملوا على ترجمتها من اللغات المختلفة، وإدارة الحوار حولها، من أجل إضافتها الى التجربة العربية في عناصرها المبدعة المتفتحة، التي باتت تتلقف هذه العطايا بشغف الكاتب وولع القارئ.

6

من هذه الشرفة أرى إلى الأصدقاء في “تكوين” بتقدير كبير واعتزاز خاص، فيمَ هم يطرحون الأسئلة على ما يقرؤون وما يكتبون قبل النص وبعده.

وظنّي أن للصنيع الإبداعي الذي تقترحه علينا تجربة “تكوين” تأثيرٌ مدهشٌ، سوف يفعل فعله الجميل في مستقبل الأيام، نصوصًا وأشخاصًا وتلاوين.

7

أتمنى على هذه التجربة مواصلة تقديم النموذج الفذّ، لاقتراح أشكال ووسائط لفعلٍ ثقافيٍ يحتفظ بالمسافة النقدية الصارمة إزاء المؤسسة الرسمية، كلما حاولتْ مصادرة هامش الحرية المكتسب. لتكون ثقتنا دائماً في الزمان الحيوي والمكان المناسب.

أحبُ، وأنا أشارككم مناسبة انطلاق منصة الابداع هذه، بيت الكاتب الاثير، أن أباهي بكوني أحد أصدقاء “تكوين”، وزميل الأفق الذي تذهبون إليه، رجاةَ أن أتمكن من رؤيته أكثر وضوحاً، معكم.

    * الكلمة التي قرأها الشاعر البحريني قاسم حداد في حفل افتتاح مكتبة ومنصة تكوين للكتابة الإبداعية، 10 مارس 2016.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads