الرئيسية » , , , , , , , , , » أفكار آني ديلارد عن حرية الكاتب وإنتاجيّته ترجمة: رهام المطيري مراجعة: بثينة العيسى

أفكار آني ديلارد عن حرية الكاتب وإنتاجيّته ترجمة: رهام المطيري مراجعة: بثينة العيسى

Written By تروس on الجمعة، 25 ديسمبر 2015 | ديسمبر 25, 2015

أفكار آني ديلارد عن حرية الكاتب وإنتاجيّته
ترجمة: رهام المطيري
مراجعة: بثينة العيسى

إنها الحياة في أكثر وجوهها حرية، إذا كنت محظوظا بما يكفي لكي تقدر على تجربتها، لأنك تنتقي موادّك، تخترع مهمّتك، وتضبط نفسك.

تأليف الكتب رحلة ممتعة ومبهجة. فهي صعبة ومعقدة بما يكفي لتستحوذ على جميع قدراتك الذهنية. إنها الحياة في أكثر وجوهها حرية.

حرية الكاتب لا تعني حرية التعبير باندفاع متوحّش، فقد لا يسمح لك بذلك. إنها الحياة في أكثر وجوهها حرية، إذا كنت محظوظا بما يكفي لكي تقدر على تجربتها، لأنك تنتقي موادّك، تخترع مهمّتك، وتضبط نفسك.

في الدول الديمقراطية، يمكنك أن تكتب وتنشر ما تريد عن أية إدارة حكومية أو مؤسسة، حتى لو كان كل ما كتبته خاطئ بجلاء.  الملاحظ من تلك الحرية، بالطبع، هو أن عملك بلا معنى، فهو موجّه لك فقط، وهو عديم الجدوى للعالم، ولا أحد يكترث أكتبته أم لا.

قد تكون حرًا في إصدار آلاف الأحكام يوميًا، فحريتك هي نتيجة حياتك عديمة القيمة. بائع الأحذية، الذي ينجز العمل للآخرين، والذي عليه أن يشتغل لأكثر من مسئول، وأن يقوم بعمله على طريقة غيره، وأن يضع نفسه في أيدي سواه، في مكان سواه، في زمن سواه، هو عاملٌ مفيد. كما أنه لو لم يحضر للعمل في صباح أحد الأيام فإن أحدهم سيلاحظ ذلك وسيفتقده. في حين أن مخطوطتك، التي تفرّغت للاهتمام بها، ليس لها حاجات أو رغبات، وهي لا تعرفك. ولا أحد آخر يحتاج إلى مخطوطتك، الجميع يحتاج إلى الأحذية أكثر.

هناك مخطوطات كثيرة حاليًا. مخطوطات قيّمة، ذات عاطفة ومعنى، ذكية ومؤثرة. إذا كنت تعتقد أن “الفردوس المفقود” عمل رائع، فهل ستشتريه؟ لماذا لا تقوم بقتل نفسك، بدلا من أن تنهي مخطوطة ممتازة أخرى تخنق بها العالم؟

لكي تجد شجرة العسل، عليك أن تمسك بالنحلة أولًا. أمسك بها عندما تكون أرجلها مثقلة باللقاح، فحينها تكون مستعدة للذهاب للمنزل. من السهل أن تمسك بنحلة على وردة: أمسك بكأس وضعه فوقها وعندما تطير للأعلى، غطِّ الكأس بقطعة من الكرتون. احمل النحلة لمكان مفتوح قريب – يفضّل أن يكون مكانًا مرتفعا وأطلقها. راقبها إلى أين تذهب، واستمر في مراقبتها، وستعجّل بك إلى ذاك المكان المعروف الأخير. انتظر هناك حتى ترى نحلة أخرى، أمسك بها وأطلقها. راقب النحلة تلو الأخرى وهي تقودك إلى شجرة العسل، حتى ترى آخر نحلة تدخل الشجرة. وصفَ الكاتب الأمريكي ثورو هذه العملية في يومياته. فالكتاب هو الذي يقود كاتبه.

قد تتسأل كيف تبدأ؟ كيف تمسك بالنحلة الأولى؟ ماذا تستخدم كطعم؟

ليس لديك أي خيار. يخبرنا إرنست ثومسون سيتون[1] أنه في أحد الشتاءات القاسية في القطب الشمالي، ثمة سيدة وطفلها من قبائل الألجونكون بقيا وحيديْن بعد أن مات جميع من في المخيم جوعًا. غادرت المرأة المخيم فوجدت مخبأ بالقرب من بحيرة وفي داخله صنارة صيد. كان من السهل استخدامها، ولكنها لم تكن تملك طعما، ولا أيّ أملٍ بطعم. بكى الطفل. فأخذت سكّينا وقطعت جزءًا من فخذها. استخدمته قطعة من فخذها مكان دودة الطّعم، واصطادت سمكة. أطعمت الطفل ونفسها، وبكل تأكيد، احتفظت بجزء من أحشاء السمكة لكي تستخدمه طُعمًا. عاشت وحيدة مع طفلها بجانب البحرية، تقتات على السمك، حتى جاء الرّبيع، فغادرت المرأة المكان والتقت بآخرين. الشخص الذي أخبر سيتون بقصة هذه السيدة رأى بنفسه الندب على فخذها.


كتب فوكنر “بينما أرقد محتضرة” في ستة أسابيع.

لتواسي الأًصدقاء المثبطين من معدّل كتابتهم، يمكنك أن تخبرهم بالتالي:

قد يستغرق الأمر من سنتين إلى عشر سنوات لكتابة كتاب. أقل من هذه المدّة هو شيءٌ نادرٌ لكي يكون ذا أهميّة إحصائيًا. ثمة كاتبٌ أمريكي كتب درزينة من الكتب المهمة عبر ستة عقود، وقد كتب أحد هذه الكتب، رواية متقنة، في ثلاثة أشهر. ولا زال يتحدّث عن هذه الرواية باحترام ومهابة. فمن ذا الذي يريد أن يُسخِط الرّوح التي تعطي الكاتب كتبًا كهذه؟

كتب فوكنر روايته “بينما أرقد محتضرة” في ستة أسابيع. يزعم بأنه كتبها خلال وقت فراغه من عمله الذي يمتد إلى ١٢ ساعة يوميًا. هناك أمثلة عديدة لمثل هذه الحالات من قارات وعصور أخرى، كما يظهر المُهْق والسفاكون والقديسون وغيرهم من وقت لآخر في الأماكن المزدحمة.

من بين عدد سكان الأرض البالغ نحو أربع ملايين ونصف مليار شخص[2]، ربما هناك عشرون شخصًا يستطيعون كتابة كتابٍ رزين خلال عام. البعض يرفع السيارات، أو يعبر شلالات نياغرا في براميل، أو يطيّر طائرة خلال قوس النّصر. بعض الناس لا يعانون من ألمٍ أثناء الولادة. بعض الناس يأكلون السيارات. ليس ثمة مبرر لترى الحالات النادرة كقاعدة عامة.

يدلي الكاتب الإنجليزي جراهم جرين بملاحظة هي؛ “بما أن الرواية يمكن أن تستغرق عدة أعوام لكتابتها، فإن المؤلف عند الانتهاء منها لا يمكن أن يكون الشخص الذي كان عليه عندما بدأ كتابتها، كما لو أنَّ [الرواية] شيءٌ ابتدأه في طفولته وأنهاه في شيخوخته”.

ويقول الشاعر الأمريكي جون بيريمان “إن القصيدة الطويلة تتطلب من خمس إلى عشرة سنوات لكتابتها.”

كان توماس مان أعجوبة في تأليف الكتب، فقد كان يعمل بنهارٍ كامل لكتابة صفحة في اليوم. هذا يعني أنه يكتب 365 صفحة في السنة؛ كتاب من الحجم الجيد. وبكتابة صفحة في اليوم، كان مان من أكثر الأدباء إنتاجًا.

فولبرت أيضا، كتب بانتظام، شاعِرًا بضغوط الكتابة المروّعة، المعتادة. طوال 25 سنة، كان فولبرت ينهي كتابًا كبيرًا كل خمس أو سبع سنوات. إذا كان كاتب متفرغٌ ينهي كتابًا كل خمس سنوات، فهذا يعني أنه سيكتب ٧٣ صفحة صالحة سنويا أو خُمس صفحة يوميا. إن السنوات التي يقضيها كُتّاب السيرة وغيرهم من كتّاب أدب الواقع في جمع وإحكام المواد اللازمة لأعمالهم تساوي السنوات التي يقضيها الروائيون وكُتّاب القصص القصيرة في حياكة عوالم محكمة تجيب على الحقائق المعنوية في هذا الكون.


بما أن الرواية يمكن أن تستغرق عدة أعوام لكتابتها، فإن المؤلف عند الانتهاء منها لا يمكن أن يكون الشخص الذي كان عليه عندما بدأ كتابتها، كما لو أنَّ [الرواية] شيءٌ ابتدأه في طفولته وأنهاه في شيخوخته.

يستطيع الكاتب كتابة ثلاث أو أربع صفحات في كثير من الأيام، وفي أيام عديدة أخرى قد يقرّر أن عليه أن يتخلص من تلك الصفحات. هذه الحقائق تواسي الكاتب الموجوع. لكنها لا تعني أن الكتب المكتوبة خلال فترة قصيرة هي كتب رديئة، بل تعني فقط بأنَّ على معظم الكتاب أن يكفّوا عن توبيخ أنفسهم لكتابتهم بسرعة بطيئة عادية.

يستشهد أوكتافيو باث بالكاتب الفرنسي سانت بول رو الذي اعتاد على تعليق لافتة على بابه عندما ينام تقول: ” الشاعر يعمل.”

فكرة الشخص الذي يكتبُ بشكلٍ أفضل في فصلٍ معيّن من فصول السنة، يسمّيها صامويل جونسون “الخيال المبنيُّ على الترف”. ثمة ترفٌ آخر للمخيّلة المثالية، تتعلق بشعور الكاتب إزاء كتابته. ليس هناك علاقة طردية أو عكسية بين تقدير الكاتب لعمله أثناء كتابته، وبين جودته الفعلية. الشعور بأن النصَّ عظيم، أو الشعور بأنّه رديء، كلاهما مثل البعوض الذي ينبغي طرده، تجاهله، أو قتله، وليس الانهماك فيه.

 

 

 

[1] ) كاتب كندي ومهتم بالحياة البرية.

[2]  ) يبلغ عدد سكان الأرض حاليًا السبعة مليار نسمة، وقد نشرت آني ديلارد كتابها “حياة الكاتب” سنة 1989.




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads