حرب العار لأميركا | روجر كوهين

Written By هشام الصباحي on الأحد، 6 ديسمبر 2015 | ديسمبر 06, 2015

روجر كوهين


بينما كنت أتطلع إلى صور أكثر من ألفي رجل في خدمة الولايات المتحدة الأميركية الذين قتلوا في الحرب في أفغانستان التي بدأت قبل 11 عاماً تقريباً، وجدت نفسي افكر في أبيات شعر لكيبلينغ:

إذا كان من سؤال حول سبب موتنا،

قل لهم، لأن أباءنا كذبوا

كان الكذب كثيراً لدرجة لم يعد بالإمكان تأريخه، بدءاً من الكذبة الكبيرة بشأن امتلاك (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل والتي بررت الحرب على العراق (حيث قتل أكثر من 4480 جنديا أميركيا)، ثم بالانتقال إلى الكذبة الأصغر حول كيف أن باكستان هي شريكة في الحرب في أفغانستان، ثم كيف أن الإرهاب الدولي يمكن هزيمته على أرض المعركة، وأن بناء الدولة ممكن في أفغانستان، وأن التضحية في سبيل القضية منطقية عندما يكون نصف سكان الولايات المتحدة يتسوقون في المراكز التجارية، وأن النصر دائماً دائماً- في متناولنا.

أفغانستان هي الدولة حيث عيّن الرئيس (الأميركي باراك) أوباما فيها مبعوثاً متمكناً هو الراحل ريتشارد هولبروك، فقط لإضعافه؛ وحيث تلاعب الرئيس (الأفغاني) حميد قرضاي، بالمعونة الغربية وجيّرها لمنافعه الشخصية؛ وحيث الخطر الداهم ناجم من الأفغان بالزي العسكري الذين يفترض أن أميركا وحلفاءها يدربونهم لكي يتسلموا زمام الأمور بعد مغادرتهم في العام 2014. هذا البلد قعر بئر مليء بالنفاق.

وكما كتب جيمس داو وأندرو ليهرين في مقالتهما الرهيبة في صحيفة نيويورك تايمز «خلال الأسبوعبن الماضيين فقط، قتل 9 أميركيين على الأقل في هجمات داخلية. ولغاية اليوم منذ مطلع السنة، قتل ما لا يقل عن 40 جندياً من قوات (حلف شمال الأطلسي) الناتو، معظمهم أميركيين، إما بهجمات من قبل عناصر ناشطة من القوات الأفغانية، أو على يد مهاجمين يرتدون زي القوات الأفغانية وقد تجاوزوا لغاية اليوم العدد الإجمالي للضحايا الذين سقطوا طيلة العام الماضي».

وقالت مارينا باكلي والدة الرقيب غريغوري باكلي جونيور، جندي المارينز الذي حمل الرقم 1990 بين الضحايا الذين سقطوا في أفغانستان، والذي قتل على ما يبدو على يد عناصر من قوات الأمن الأفغانية، «ليس على قواتنا أن تبقى هناك. يجب أن تنتهي المسألة. لقد انتهينا. لا مزيد (من الضحايا)».

نعم، بعد مضي أكثر من 11 عاماً، انتهت المسألة. يجب أن تتوقف.

كانت هناك إنجازات؛ التضحيات لم تذهب سدىً حتى لو أنها كانت غير متناسبة مع المكاسب. لقد شاهدت فتيات تحملن حقائبهن المدرسية على ظهورهن وهن متوجهات إلى المدرسة في مدينة أفغانية صغيرة، فتيات، كنّ ليحكم عليهن قبل فترة ليست طويلة، استناداً إلى نظرة (النائب عن ولاية ميسوري الأميركية) تود أكين حول النساء (صاحب نظرية الإجهاض نتيجة الاغتصاب).

لقد قتل أسامة بن لادن في الساحة الباكستانية، وأجبر تنظيم القاعدة على التخلي عن قاعدته الأفغانية وإضعافه بشكل إجمالي. لم يهزم الطالبان، غير أنهم لم يعد بإمكانهم فرض إرادتهم على المجتمع الأفغاني. هناك جيش يجري إعداده في أفغانستان حتى لو أن العملية تتعرض لمشاكل كثيرة.

لكن لن يكون هناك انتصار؛ المزيد من الارباح إذا تحققت ستكون ضئيلة، أو تحديداً بعد أجيال. حان الوقت للرحيل.

لقد خسرنا أرواحاً عديدة من دون داع. لقد تطلب الأمر حوالى سبع سنوات منذ بدء الحرب في أفغانستان لكي يصل عدد القتلى من جنودنا إلى 500. ثم تسارعت عمليات القتل. إن الحرب الأفغانية هي قصة عدم الانتباه، الإلهاء، التراخي، عدم الدقة، الغموض، الفساد وهي أيضاً من وقائع حلف الناتو حيث يقاتل بعضهم ويموتون، وحيث آخرون لا يفعلون كثيراً.

لقد تذكرت ابياتاً أخرى (للشاعر البريطاني) ويلفريد أوين وأنا أتطلع إلى صور القتلى الأميركيين الذين يبلغ متوسط أعمارهم 26 عاماً.

إذا كان بإمكانك سماع صوت الدم

يخرج بغرغرة من الرئتين الفاسدتين

فاحش كالسرطان، مرّ كالطعام المجتر 

من القروح العضال على ألسنة بريئة

صديقي، لن تروي ذلك بهذا الحماس الرفيع

لأطفال متحمسين يبحثون عن مجد يائس.

الكذبة القديمة: حلو وعذب

الموت من أجل الوطن

كلا، في متل هذه الظروف، ليس «حلواً وعادلاً الموت من أجل بلادك» بعد 11 عاماً من خوض حرب لا يمكن ربحها.

أوين كان بالطبع، يكتب عن الحرب العالمية الأولى. في 1 تموز 1916، في اليوم الأول من معركة «السوم» (بين القوات الألمانية وقوات الحلفاء) لقي أكثر من 19 ألف جندي بريطاني مصرعهم. ومقارنة بمقاييس الحرب، فإن الفي قتيل خلال عقد من الزمن، ليس بالرقم الكبير. وكما أشار داو وليهرين، قتل جنود في الخدمة وجنود في الاحتياط أنفسهم في العام الماضي، أكثر من أولئك الذين سقطوا في المعارك في افغانستان.

لكن ذلك ليس تعزية. لدينا حروب مطهرة تخاض عن بعد، وبالكاد تكون حقيقية أكثر من فيلم فيديو. التسوق يستمر (ولو أنه تراجع قليلاً). لكن عندما يصل عدد القتلى إلى ألفين، يتقد الاهتمام.

لكن بخلاف ذلك، تبدو الحرب بعيدة ما لم تكن من عائلة عسكريين. تقوم الطائرات من دون طيار بالقتل. والشيء المثير حول الحرب الآلية هو أنه بإمكانك مشاهدة أفغان وهم يتطايرون ويتبخرون على شاشة بالقرب من لاس فيغاس، ثم تقود سيارتك لتناول العشاء مع أولادك في المنزل. 

إن وجوه القتلى عار على أميركا عار لعدم إحساسها، عار لقيادتها خلال العقد الماضي، عار على انقساماتها، على نسيانها، على خسارتها لمجتمعها، على تحزبها، على نفاقها وعلى سياستها المنكسرة.

كما أنهم عار على أوروبا على الحلفاء المدللين الذين لم يتقاسموا التضحية بشكل مناسب. كما أنهم عار لكل منا نحن الذين لم نُضحّ مثلهم بل تطلعنا جانباً!
ترجمة: صلاح تقي الدين  عن النيويورك تايمز 
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads