الرئيسية » » نصوص | كاظم خنجر

نصوص | كاظم خنجر

Written By هشام الصباحي on الأحد، 6 ديسمبر 2015 | ديسمبر 06, 2015

كاظم خنجر
"عاجل : العثور على مقبرة جماعية بالقرب ..."

البارحة ذهبت إلى الطب العدلي. طلبوا بصمة مطابقة للحمض النووي. قالوا إنهم عثروا على بعض العظام المجهولة الهوية. وفي كل مرةٍ أدور مثل برتقالة على سكينة الأمل.
الآن أنا في المنزل يا أخي، أمسح الغبار عن الزهور الاصطناعية التي تحيط صورتك، وأسقيها بالدموع.
* * *
يقول التقرير الطبي بأن كيس العظام الذي وقّعتُ على استلامه اليوم هو "أنت". ولكن هذا قليل. نثرتُهُ على الطاولة أمامهم. أعدنا الحساب: جمجمة بستة ثقوب، عظم ترقوة واحد، ثلاث أضلاع زائدة، فخذٌ مهشمة، كومة أرساغ، وبعض الفقرات.
هل يمكن هذا القليل أن يكون أخاً؟
يشير التقرير الطبي إلى ذلك. أعدتُ العظام إلى الكيس. نفضتُ كفيَّ من التراب العالق فيهما، ثم نفختُ بالتراب الباقي على الطاولة، وضعتكَ على ظهري، وخرجت.
* * *
في الباص أجلستُ الكيس إلى جانبي. دفعت أُجرة لمقعدين (هذه المرة أنا الذي يدفع). اليوم كبرتُ بما فيه الكفاية كي أحملكَ على ظهري وأدفع عنك الأجرة.
* * *
لم أُخبر أحداً بأني استلمت هذا القليل. أُراقب زوجتك وأطفالك يمروّن بالقرب من الكنبة التي تركتكَ عليها. أردتُ أن يفتح الكيس أحدهم. وددت أن يروكَ للمرة الأخيرة. لكنك كنت عنيدا حد العظم. في ما بعد تساءلوا عن بقعة الدمع التي على الكنبة.
* * *
منذ ساعة وأنا أرتب هذه العظام الرطبة في بطن التابوت، محاولا اكمالك. وحدها تدري المسامير التي على الجانبين بأن هذا قليل.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 جثث
كانوا يخلطون الجثث، وعندما نخرج إلى الساحة العامة في الصباح، كنا نتيه مثل بصرٍ ضعيف، ونقارب بين الرأس وجثته، وندرك في أعماقنا أننا نمنح الرؤوس لجثثٍ لا تعرفها. الآن يرتّبون الجثث، يوحّدون أزياءها، يضعون الرأس على الظهر. أما نحن فما عدنا نخرج، لأن الجثث المرتّبة وصلت إلى ساحات المنازل. نقيس نبتة الموت على الجثث المتروكة فوق الأسفلت، ببقعة الدهن السائح تحتها، إلاّ أننا لا يمكننا ذلك مع الجثث المتروكة على التراب.
* * *
أبي/أمي يتشاجران منذ 3 ساعات. لا أعتقد أنه سيقتلها، كما يهدد، لأن حديقة البيت صغيرة ولا تكفي لجثة.
* * *
نشروا صورة جثته على الـ"فايسبوك"، أخي الأصغر، وبعدما عجزنا عن العثور عليها، قمنا بطباعة الصورة، تغسيلها، تكفينها، ودفنها في مقبرة العائلة.
* * *
الهاونات تدفع باب السطح، تهبط عبر الدرج، فتأكل ما في الثلاجة، وما في المطبخ، وما في البيت حتى تتخم من الأكل، فيأتي رجال الدفاع المدني، يسحبون جثثنا من بطونها ويرمونها على الجيران.
متقابلَين، نرفع الجثث إلى حوض السيارة؛ أنت تتحدث عن الثقل وقوة الرائحة،‬ وكثيراً عن جمع ‏الأعضاء المتناثرة، وأنا أضع عيني على فوهة العمى وأنظر إليها بعينٍ واحدة، وأتفحص زوجتي النائمة، هل ما زالت تتنفس؟
* * *
أقود السيارة مثل بنايةٍ محروقة تنطفئ وحيدة. حتى النار عندما لا تجد اهتماماً، تموت على عجل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 بيعة
حاول جارنا تصليح منزله، فخرجت الجرذان إلى الشارع.
رَجْم
أفتح عينيَّ كبيضتين مكسورتين على تلٍّ من الأحجار.
ملثمون1
يتجولون بالمخطوفين ليومين. إنهم يستعدون لفيلم جديد.
ملثمون 2
ماء النهر الذي يرمون فيه الجثث تُصفّيه دائرة الماء صباحاً، لنشربه نحن في المساء. مرةً، شممت رائحة أخي فيه.
في الولايات البعيدة عن الأنهار، يحرقون الجثث لتشمّ أخاك بسهولة.
ملثمون 3
الافغاني يُلقي بياناً أمام الجميع، في شأن أغلاق قاعتين لكمال الأجسام.
سيطرة
يعترضك الأطفال بأسلحةٍ صناعية، فنضحك كلنا، عندما أسقط ميتاً أمامهم.
نكاح
أقلّمُ اللحم حتى أبلغ الأظفار.
طائفي
قطرات الدم من باب المنزل، إلى الصالة، على الدرج، إلى باب غرفته المغلقة؛ أخي الذي يقاتل في الميليشيا س.
أطفائي
اليوم آلامٌ مبرحة في الظهر والرقبة. البارحة انتشلتُ أربع جثث من إنفجار، وثلاث جثث من ركام عمارة مقصوفة.
في المطار
منذ 2 قواطي ويسكي وأنا أحاول الكتابة عن:
أمّ تحاول أن تطفئ أبنها المحروق بذراعيها المقصوصتين،
أب يحاول إعادة رأس أبنه المقطوع إلى عنقه النازف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Siteسكاكيين

- السكِّين مقبرة مدفونة في كفّك.
- أدخلُ في يدي كلما أمسكتُ بسكِّين.
- للسكِّين عينان
وبطن
وظهر
وساق
وخصر
لكنه بلا يد.
- السكِّين إصبع النبي السادسة وبوصلة المؤمن ومخدة الجائع.
- الله أضحوكة؟
أم شرطي؟
أم سكِّين؟
- عند الذبح السكِّين قافلة نمل تسير على الرقبة.
- للسكِّين ألف طريقة ذبح لكني لا أملك سوى نحر أعمى.
- عفواً أيها القاتل، نسيتَ سكِّينك في عنقي.
- أعتذر لأني ذبحتكَ بسكِّيني؛ كنت أحاول اكتشاف كفّي.
- السكِّين في الطعن
جاموسة في الماء.
- سكاكين المنزل كالعصافير التي تأكل في اليد.
- سكاكين الأفلام باردة كإصبع فتاة مقطوعة.
- تورق السكاكين كلما ارتخت المقابض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيارة مفخخة
جناحٌ للقطةِ على سياج دائرة الكهرباء.
جناحٌ للسياج.
جناحٌ لسبعة عمال بناء.
جناحٌ لرأس بائع الخضروات.
جناحٌ للخضروات.
جناحٌ لساقَي الطفلة وهي في طريقها إلى المدرسة.
جناحٌ لحقيبتها.
جناحٌ لجلود ركاب الباص.
جناحٌ للدراجة الهوائية وراكبها والخبز الذي معه.
جناحٌ للإسفلت وأعمدة الكهرباء ولافتات المحال.
جناحٌ لطبلة الأذن.
جناح للعاجل في التلفاز.
هكذا هي السيارات المفخخة وهي تمنح الأجنحة لكل شيء. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرهابي
عندما يفتشك الشرطي، وأنت تدخل السوق، يُشعرك بأنك إرهابي. عندما تعبر بعينيك الأسلاك الشائكة التي تفصل بيتك والشارع، تعبرها كإرهابي. وكلما سرت بالقرب من الكتل الكونكريتية المؤدية إلى دائرتك، تسير إرهابياً. كلما سلّمت الايجار إلى صاحب المنزل تسلّمه منك بصفتك إرهابياً. ولحظة تشاهد التلفاز، أنت وأطفالك، ترى إرهابك في أفواه الآخرين. وعندما تزور أخاك في السجن يتحقق الحراس من الكومبيوتر على أن إسمك ليس مدرجاً في قائمة المطلوبين وأنك لست إرهابياً. وبينما تركن دراجتك النارية على الرصيف، يعتقد أصحاب المحال أن دراجتكَ ملغومة وأنكَ إرهابي. وأنت تذهب مع زوجتك إلى طبيب الكسور، يُبقيك خارج العيادة وحيدا مثل إرهابي.
بإرهاب تشتري قنينة ويسكي، زاحفاً على مسامير عيونهم... كإرهابي.
وأنا أبلع قرص الإرهاب في الصباح وفي الظهيرة وفي الليل بعد الطعام وفي انتظامٍ يومي، كما أراد الصيدلاني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نحن القتلة الصغار

باصابع مقطوعة نحصي ندوبنا 
باصابع مقطوعة نرفع الاسمنت والحديد عن الموتى
باصابع مقطوعة نقطع الطريق
باصابع مقطوعة نقطع الاصابع
باصابع مقطوعة نمسح الرصاص عن صدورنا
نحن القتلة الصغار 
نحد السكاكين 
ونضع الخطط
ونتابع الضحايا
لأننا قتلة صغار
غالبا ما نلبس القفازات
ندفن الأدلة 
نطعن في الخاصرة
نتظاهر بأننا نجيد الحساب 
فنحن قتلة صغار
ننام على التراب 
ونأكل بالأيدي 
ونغطي اطفالنا عند النوم
نحن القتلة الصغار
حتى الجرائم مملة هذه الايام 
حيث لا اوسمة ولا كاميرات
صغارٌ نحن كما يقولون عنا
لأننا لا نفقه بالتفخيخ 
ولا نملك زر الحزام الناسف
واذرعنا ليست طويلة كفاية كي تتأرج عند الذبح على الرقبة
كما وأننا لا نضع القتلى في الاقفاص ولا نوقد النار فيهم ولا نردد بعض التكابير
لهذا نحن قتلة صغار
اصغر من قطرة دم
نقتل من اجل الحكايا والقصص
نحن القتلة الصغار
نصغر في كل طعنة 
نحن القتلة الصغار




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads