الرئيسية » , » صلاة الهنديّ الأحمر … أرنستو كاردينال

صلاة الهنديّ الأحمر … أرنستو كاردينال

Written By تروس on الخميس، 24 ديسمبر 2015 | ديسمبر 24, 2015

ترجمة: شوقي عبد الأمير

      عَرَفَ أرنستو كاردينال، الشاعر النيكاراغوائي المتحدّر من أصول هندية حمراء كيف يعيد كتابة الصلوات الهندية بلغة جديدة صافية وجارفة ليصبح صوت الشعوب الهندية الحمراء التي سحقتها أقدام الحضارة الجديدة منذ اكتشاف أميركا في القرن السادس عشر الميلادي وها هو يذكّرنا كمن يقرأ في إنجيل هندي:

“لم يكن هناك اسم لسيّد ولا لإمبراطور ولا لقس ولا لزعيم حكومي أو جنرال..

الدين كان الرباط الوحيد الذي يحكم بينهم،

ولكنه كان ديناً مقبولاً بحرّية من الجميع

ولم يكن طغمةً فوقهم…”

وهذه مقاطع من أهم الكتب الصادرة عن تراث الهنود الحمر.

ليلاً تطيرُ القبراتُ بين القبور

القطةُ المتوحشةُ تموءُ وراءَ الشرفة

النمرُ يصيحُ في الأبراج

والكلبُ الاستوائي ينبحُ وحيداً في الساحاتِ العامة

التي تنعكسُ تحتَ ضوءِ قمري،

وقد كانتْ في الأزمنةِ البعيدة

أحواضاً مقدسة.

الحيواناتُ اليوم صارتْ حقيقيةً

وقد كانتْ منحوتةً بأسلوبٍ متميز على الجداريات

والسادةُ يبيعون الفخارَ في الأسواق

ولكن كيف يمكننا إعادةُ كتابةِ الهيروغليفية!

كيف يمكن أن نرسم من جديد النمر

أو أن نطيح بالمستبد؟

كيف يمكنُ أن نبنيَ من جديد معابدَنا

وعواصمنا الريفية التي تُحيط بها الأدغال؟

في المعابد القديمة

في الأهراماتِ والقُصور

في التقاويمِ السنويةِ واليوميات

لم يكن هناك اسمٌ لسيدٍ ولا لإمبراطور

ولا لِقسٍّ ولا لزعيمٍ حكومي أو جنرال

ولم يكونوا من قبل يتركونَ على الأحجار

تاريخَ المنشآتِ السياسية

ولا أسماءَ العسكرِ على شواهد القبور

إن كلمة “سيد” كانتْ غريبةً على لغتهم

وكلمةُ “سور” أيضاً

فلم يُسوروا المدنَ

كانتْ مدُنُهم معابدَ

وكانوا يعيشونَ في الأرياف

بين البردي والنخيل

أقواسُ معابدهم كانت نُسخةً مطابقةً لأكواخهم

والطرقاتُ التي يَختطونها للطقوس فقط.

الدينُ كان الرَّباط الوحيد الذي يَحكمُ بينهم

ولكنه كان ديناً مقبولاً بحريةٍ من الجميع

ولم يكُن طُغمةً فوقهم

ذُروةُ حضارتهم لم تصل إلى أن يَصنعوا

منها إمبراطورية

لم تكُن لهُم مُستعمرات ولم يعرفوا السُّم

تعرفوا على المسيح كما عرفوا

آلهتهم الأولى

وقدّموا له الأضاحي البسيطة

من الذرة والريشِ والطيور

لم يُعلنوا حروباً

ولم يَصنعوا العجلاتِ والعرباتِ

ولكنهم كانوا يَعُدّونَ الأيامَ لانفجارِ

كوكبِ الزهرة

وفي كل يوم بعد الظهر يلاحقون الزهرةَ في مدارها،

كانوا يعرفون العلاقةَ بين تحليقِ الطيور

وحركةِ كوكب الزهرة

لم يعرفوا الأدواتِ المعدنية

عملوا بالأحجار

وبَقوا تاريخياً في عصرهم الحجري

لكنهم كانوا يعرفون كيف يحسبونَ تواريخاً ثابتة

وقَعتْ قبل 400 مليون عام

لم يَعرفوا العلومَ التطبيقية

ولم يكونوا تطبيقيين

كان تقدّمهم في المطلق دينياً

وفنياً ورياضياً وتنجيمياً

لم يستطيعوا وزنَ الأشياء

وكانوا يحبون الوقتَ

المدَّ والجزر الغريبَ للوقتْ

كان الزمنُ مقدساً عندهم

وكانت الأيامُ آلهةً،

كان الماضي والآتي يختلطانِ

في أغانيهم

وكانوا يَحصرونَ الماضي والآتي بنفسِ

الفترات، لأنهم كانوا يعتقدون

أن الزمن يُعيدُ نفسَهُ

كما تعود النجومُ والكواكبُ

ولكن هذا الزمن الذي أحبوه

توقف فجأة.

      ولد الشاعر أرنستو كاردينال عام 1925 في نيكاراغوا ويعتبر مغني التأريخ المأساوي الهندي فقد حكى في شعره أعماق المأساة التي عاشها الهنود الحمر في أمريكا اللاتينية، وهو رجل سياسة ودين إذ صار مطراناً في الكنيسة الكاثوليكية، نشر كتابه الذي يحمل عنوان “تحية إلى هنود أمريكا” وقد ذاع صيت هذا الكتاب فور صدوره عام 1970.

      يتضمن شعره أغاني الطقوس الهندية المقدسة والكلمات القديمة المستعملة فيها حيث يدور هاجسه العميق على دعوة الشعوب الهندية القديمة للتمرد والثورة على المستعمرين الأوروبيين وعلى الاستغلال.

       إنه شاعر العوالم الهندية الذي يحاول من خلال الشعر تمثل جسد الخلاص لشعوب هذه القارة التي عانت الكثير بعد دخول الأوروبيين البيض.

       ولهذا فإن آثار حضارات المايا والأزتك المعروفة في القارة الهندية اللاتينية طغت على شعره خاصة من خلال صور الآلام والطقوس العنيفة التي تتخللها. يصفه النقّاد والأوروبيون بأنه يمثل نقطة الالتقاء بين مشهد الكلام ومشهد المراقب الحضاري مختطّاً طريقه الشخصي عبر إيمانه بالكنيسة وامتلاكه للقصيدة.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads