الرئيسية » , » عالَم مثل أيّ عالمٍ آخر | لويس ماتيو دِييث

عالَم مثل أيّ عالمٍ آخر | لويس ماتيو دِييث

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 13 نوفمبر 2015 | نوفمبر 13, 2015

الرسالة

أصلُ كلّ صباحٍ إلى المكتب، أجلسُ، أشعلُ المصباح، أفتحُ حقيبتي، وقبل أن أبدأ مهاميَ اليوميّة، أدوِّنُ سطراً في الرسالة الطويلة التي أشرحُ فيها بدقّةٍ مُتناهيةٍ، منذ أربعة عشر عاماً، دوافعَ إقدامي على الانتحار.


الدَّرب الخفيّ

كنّا نشاهده وهو يدلف إلى بار "ثينترال" في المساء عند السادسة، ونرى كيف كانت صورته تشفُّ تدريجياً في الطمأنينة الغامرة التي وفّرتها الأرائك والطاولات الرخامية، ليصير وكأنه ظلٌّ آخر من ظلال المكان.
في بعض الأحيان كان ينتبه إلى أننا كنا نسترق النظر إليه من خلف النافذة الكبيرة: ستُّ عيونٍ تعودُ لأطفال مشاكسين تباطؤوا في طريق الرجوع إلى البيت، لكنْ على ما يبدو، فإن تلك المراقبة النزقة والصفيقة ما كانت تعنيه.
كان يكتب بقلمِ حبرٍ ضخمٍ على أوراق لها نصف حجم الورق القياسيّ، ويدخّن بلا توقّف.
لقد مات في آخر ذاك الشتاء، مات بعد وقت قصير من قرارنا بالتوقّف عن التلصّص عليه، فصرنا نقصد مباشرةً نادي كاسترو للبلياردو، حيث أذنوا لنا أخيراً بالدخول إليه خفية.
كان عنوان روايته الأخيرة التي صدرت بعد عام من رحيله: "الدَّرب الخفيّ". قرأتُها بعد مضي زمن طويل، وعليّ الاعتراف بأنها قد أعجبتني.
في فصلها الأخير، كان البطل، وهو رجلٌ لديه حياةٌ عاطفية معذَّبة كثيراً، ينتظرُ في بارٍ السيدةَ التي قرّر أن يتصالح معها بعد التردّد مراراً وتكراراً.
فجأةً، يُبصر البطل وُجوه ثلاثة أطفال يتطلّعون فيه ساخرين من وراء النافذة الكبيرة، ويبدأ شعورٌ باضطرابٍ رهيب يستولي عليه. ينهضُ، يقطع البار مُتعجِّلاً، ويخرجُ هارباً.
تنتهي الرواية مُستقصيةً كربَ هذا الهروب العبثيّ.
لم أشعر بذنبٍ عظيم تجاه شيءٍ في حياتي كما شعرتُ تجاه هذه النهاية التعيسة.


البئر

سقط أخي ألبيرتو في البئر عندما كان في الخامسة من عمره.
كان موته إحدى تلك المصائب التي لا يخفّفها سوى كلّ من الزمن وكثرة عدد أفراد العائلة.
ذات يومٍ، وبعد انقضاء عشرين سنة، عمد أخي إيلوي إلى استخراج الماء من تلك البئر التي لم يرجع أحد قطُّ ليطلّ برأسه من فوقها. اكتشف في الدلو وجودَ قنّينةٍ صغيرةٍ بداخلها ورقة. "إنَّ هذا عالمٌ مثلُ أيّ عالمٍ آخر"، كانت تقول الرسالة.

*روائيّ وقاصّ إسبانيّ من مواليد 1942.

**ترجمة: كاميران حاج محمود





التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads