الرئيسية » , , , , , , , , » الكاتب الذي أعاد ولادتي: إدواردو غاليانو | جابر جابر

الكاتب الذي أعاد ولادتي: إدواردو غاليانو | جابر جابر

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 7 سبتمبر 2015 | سبتمبر 07, 2015

 

تقول الروائية التي لا أحبها أحلام مستغانمي:"أجمل حب هو الذي نعثر عليه خلال بحثنا عن شيء آخر"، وهذا بالضبط ما حصل لي مع غاليانو، فأنا عندما تعرفت على كتاباته لم أكن أبحث عن نص لأقرأه، ولا عن كاتب ليغير لي حياتي، وهاكم في السطور التالية قصة تعرّفي على الأروغوياني إدواردو غاليانو.

بينما كنت أقلب موقع التدوينات القصيرة تويتر _نعم تويتر موقع للتدوين وليس لممارسة التشات_ قرأت اقتباسا ً وضعه صديق مصري عن كرة القدم، وبدافع الفضول قرأت النص فوجدته مأخوذاً من كتاب كرة القدم بين الشمس والظل لغاليانو، فبحثت قليلاً عن صاحب هذا الاسم لأفاجأ بأنه كاتب عظيم، ولعودته إلى الحياة بعد العام 2009 قصة تستحق أن تروى، وهي أن الراحل هوغو تشافيز وخلال اجتماع ضم رؤساء أمريكا الجنوبية والرئيس الأمريكي باراك أوباما، قام الرئيس الفنزويلي بإهداء نسخة من كتاب الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية لأوباما، وبين ليلة وضحاها بات هذا الكتاب من الكتب الاكثر مبيعاً في الولايات المتحدة بل وربما حول العالم، مع العلم بأن الكتاب تم تأليفه في العام 1971.

وكعاشق قديم لكرة القدم قرأت كتاب كرة القدم بين الشمس والظل في ليلتها، والكتاب يأتي على تاريخ كرة القدم منذ فجر التاريخ أعني منذ كانت الكرة تصنع من مثانة الجاموس، وحتى هذه اللحظة التي يتم فيها صناعتها في مختبرات شركة أديداس. تناولت الكتاب وفي مخيلتي ما كتبه محمود درويش عن باولو روسي، أعني النص التالي الوارد في كتاب ذاكرة للنسيان والذي كتبه درويش عن يوم من أيام حصار بيروت 1982:

ونحن أيضاً نحب كرة القدم.. ونحن أيضاً يحق لنا أن نحب كرة القدم.. ويحق لنا أن ندخل المباراة.. لِمَ لا؟ لِمَ لا نخرج قليلاً من روتين الموت.. في أحد الملاجئ استطعنا استيراد الطاقة الكهربائية من بطارية سيارة.. وسرعان ما نقلنا.. (باولو روسي) إلى ما ليس فينا من فرح. رجل لا يرى في الملعب إلا حيث ينبغي أن يُرى… شيطان نحيل لا تراه إلا بعد تسجيل الهدف.. تماماً كالطائرة القاذفة لا تُرى إلا بعد انفجار أهدافها.. وحيث يكون (باولو روسي) يكون الجوول.. يكون الهتاف، ثم يختفي أو يتلاشى ليفتح مسارب الهواء من أجل قدميه المشغولتين بطهو الفرص وإنضاجها وإيصالها إلى أوج الرغبة المحققة. لا تعرف إن كان يلعب الكرة أم يلعب الحب مع الشبكة. كرة القدم.. ما هذا الجنون الساحر، القادر على إعلان هدفه من أجل المتعة البريئة؟ ما هذا الجنون القادر على تخفيف بطش الحرب.. وتعطيل الخوف ساعة ونصف الساعة.

وتماماً كما تحدث درويش نثراً ولكن بلغة شعرية فعل غاليانو، تغزل بالكرة كعاشق، وتحدث عن تاريخها كمؤرخ، ووصف الاحتكار والجرائم التي ترتكب في حقها كيساري، وتكلم عن لحظات الانتصار الأخلاقي فيها وعن التمييز العنصري الذي عرفته كرة القدم كثائر.

وهذا ما ستكون عليه جميع مؤلفات غاليانو، على الأقل تلك التي حظيت بشرف معرفتها إلى الآن، فالرجل عندما يكتب لا يعرف الحياد على الإطلاق، لا يعنيه ما الذي سيحصل في كتابه بعد أن ينهي كتابته، هل سينشر أم لا ؟ ليست هذه هي المسألة أبداً، المهم أن تقول ما تريد، وربما يكون كتابه الذي جلب له الشهرة خير دليل على ذلك، أعني كتاب الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية والذي ظل ممنوعا في بلده الأورغواي طوال سنوات الديكتاتورية العسكرية. وللمحظوظين منكم الذين قرؤوا “مقال ” النص المدهش فأود إعلامكم أنني عندما كتبت ذلك النص فإنما كان في مخيلتي أنني إنما أكتب عن غاليانو بالإضافة إلى جورج طرابيشي وبلال فضل وجون برجر وممدوح عدوان وطملية.

عليّ وعليك عزيزي القارئ أن تلتهم كتب غاليانو، وفي الأسطر االتالية ألخص لك الأسباب التي أراها موجبة لفعل ذلك. أولاً : كتبت خلال قراءة كتاب كرة القدم بين الشمس والظل اعتراف: عرفت مقدار جهلي المريع بما حدث ويحدث في أمريكا اللاتينية، هذا الجزء التعيس من العالم علينا ان ندرسه كعرب، علينا ان نتعلم عنه ومنه، “قارة” عبثت فيها أميركا ولم تشبع إلى الآن، قارة حكمت بالعسكر والنار سنين طويلة، قارة كان عسكر بعض بلدانها يرمون من يجرؤ على معارضتهم من طائرات الهليوكوبتر في البحر أحياء، وبالتالي فإن هذا الكاتب يعتبر مدخلاً جيداً للتعرف على ذلك الجزء الخفي من العالم لا أقول أنه يكفي للتعرف على خفايا تلك القارة، هو مدخل فقط.

ثانياً: ما يكتبه غاليانو مختلف تماماً عما سبق وقرأت، ليس فقط في المضمون وإنما في الشكل أيضاً، فالرجل متحرر من القوالب الجاهزة في المطلق، والنصوص التي يكتبها لا أعرف ما هو الاسم المفترض أن يطلق عليها، ليس النص كله رواية مع أنه يروي الكثير، وليس مقالة مع أنه يقول ما يجب أن يقال. النصوص التي يكتبها نصوص حرّة، من رقابة السلطة، ومن طغيان اللغة والنص.

ثالثاً: يقول غاليانو عن نفسه:

"كنت طالب تاريخ بائس. كان حضور دروس التاريخ يشبه الذهاب إلى معرض التماثيل الشمعية، أو إلى إقليم الموتى، كان الماضي ميتاً، أجوف وأخرس. علمونا الماضي بطريقة جعلتنا نستكين للحاضر بضمائر جافة، لا لنصنع التاريخ الذي صنع سابقاً بل لكي نقبله. توقّف التاريخ المسكين عن التنفس، تمت خيانته في النصوص الأكاديمية، كذب عليه في المدارس، أغرق بالتواريخ، سجنوه في المتاحف، ودفنوه تحت أكاليل الزهر، ووراء تماثيل برونزية، ورخام تذكار" .

وهنا يتميز غاليانو عن غيره من المؤرخين، فالتاريخ الرسمي، التاريخ المدروس كما يقول غاليانو هو مجرد استعراض عسكري لطغاة يرتدون بزات عسكرية، لكن التاريخ الذي يستعرضه غاليانو هو تاريخ البشر، تاريخ المستعبدين، تاريخ المقهورين. يروي لنا غاليانو تاريخ الذاكرة المخطوفة للعالم، وخصوصاً لأمريكا اللاتينية. نعم أيها السادة غاليانو منحاز، وهو لا ينكر ذاك ابداً ، وهو لأجل هذا يستحق أن نقرأ له.

على الأغلب أنني قد بالغت في إطلاق النعوت على غاليانو وعذري فيما فعلت أن الرجل قد كان نقطة تحول كبرى في "ثقافتي"، ولحظة فارقة في الخط الذي كانت تسير عليه حياتي، التعرف إلى غالينو يا أعزائي كان أكثر من مجرد لقاء، التعرف إلى غاليانو كان إعادة ولادة للمخلوق الذي يكتب هذه الأسطر.

ملاحظة أخيرة: إلى أن أتعلم الإسبانية بل وحتى بعد أن أتعلمها فإنني سأظل مدينا إلى أسامة إسبر وصالح علماني وبشير السباعي وأحمد حسان الذين قاموا مشكورين بترجمة غاليانو إلى المتحدثين بلغة الضاد.

 

 

 

     



    التعليقات
    0 التعليقات

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

    يتم التشغيل بواسطة Blogger.

    Google ads