الرئيسية » , » محاضرات حول الحب والعدالة | عبد المجيد الملحم

محاضرات حول الحب والعدالة | عبد المجيد الملحم

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 7 سبتمبر 2015 | سبتمبر 07, 2015

صدر عن دار الكتاب الجديد لسنة2013م  ترجمة لثلاث محاضرات متفرقة جُمِعت تحت اسم “الحب والعدالة ” وهو عنوان لإحداها، كان قد ألقاها الفيلسوف الفرنسي بول ريكور في محافل أكاديمية ودَّعها بوفاته سنة 2005م، والذي جاء جمعها بهذا الترتيب كأمنية له حققها “شليغل” الناشر الفرنسي.

وفي هذه المحاضرات يحاول ريكور طوال محاضراته المتتالية اختلاق صيغ حيادية لفهم مسائل الإنسان وأخلاقياته في موضوعات كالحب والتعبيرات وشهادة الضمير من خلال نتاج الفلسفة الغربية وتراث اللاهوت اليهودي والمسيحي، بافتراض عدد كبير من التأويلات والاستشهادات المتقطعة لفض أزمات عقدية وعلمية لم تحسم حتى الآن في أوربا العجوز وفي بقية العالم الغربي.

ومن يقرأ أجزاء المحاضرات وفصول الكتاب متجاوزاً الآراء المتواضعة للمقدم والمترجم، سيرى مدى الواقع المرير للأوساط الفكرية والعلمية الغربية حينما تشتغل في حل مسائل الإنسان الكبرى، كالمسائل العقدية ودرجات الإيمان وسلوكيات معتنقيها، بحيث أنها تقف عاجزة عن تحديد أصولها الأساسية رغم دأبها المتواصل لإيجاد سُلّم منطقي لا يتهدم مع وطأة الحقيقة المجردة.

ففي أول المحاضرات التي تحمل عنوان ” الحب والعدالة ”  يحاول ريكور أن يستولد معادلة من رحم المنطق تحتوي الطبيعة الإنسانية، بنحو لا يخسر فيه قيم الحب ولا يتنازل عن حسابات العدالة ، منشغلاً بسؤال التباين بينهما وقراءة عوارض غير متكافئة في تحديد الفوارق وسرد ما يراه حلاً ناجعاً لذلك، ما دفعه أن يجعل من الحب نداً للعدالة والعكس، وهذا قصور كبير في الموازنة والتوصيف، الذي كان واضحاً في السمات الثلاث التي اقترحها ريكور من مقام عدم السقوط في النزعة العاطفية لما يراه شذوذاً بلغة الحب. كحل يكشف عن ماهيته بدعوى أنه خطاب مدح ولا أكثر مستدلاً بتراتيل دينية متعددة، بينما نجده في العدالة يسوق خطابها وأفعالها ومظاهرها في حياة الإنسان كبيّنة عن ماهية العدالة بلا استشهادات من ذلك المورث الذي يتعارض مع الحب كما يراه ريكور. وهذا ما جعله في آخر المحاضرة يستسلم  عن المضي في التشخيص ويحمّل علم اللاهوت والفلسفة مسؤولية عدم استقرار صيغ الحب والعدالة لقوة الصدام بين منطق الفيض ــ مجموع متناقض ــ ومنطق التكافؤ اللذين كانا سبباً في الإدانة النهائية من ريكور مع اعترافه أن الحياة اليومية للإنسان تمارس العدالة والحب دون اكتراث بهذين المنطقين.

وأهم ما يجدر الإشارة إليه في باقي المحاضرات (الذات في مرآة الكتابات)  و(الذات منتدبة) ذلك الميول الغريب في تحاشي الجانب النقدي والتاريخي كمنهج تقوم عليه معالجة المسائل ، رغم تأكيد المؤلف على أهمية هذا الموضوع وترديده، ورغم ما يترتب عليه من إهدار الجهود والمحاولات في إيجاد حلول منطقية ذات اعتبار وجدوى تخلصاُ من التناقض والغموض، الذي  يراه ريكور ماثلاً أمام عينيه في إخفاقاته المتكررة حتى عن شرح وجهة نظره الخاصة؛ ففي فصل ” الوحدة التخييلية ” للكتاب المقدس يقول ريكور: ( لنتوغل الآن أكثر في تشكيل الكتابات المقدسة… بعد أن نهمل المسائل المتعلقة بالمؤلف والمصادر وتاريخ التدوين والوفاء للواقع التاريخي.) والسؤال هو لماذا تهمل هذه المسائل وهي المواد الأصلية البانية لمثل هكذا كتب؟ وهل يستطيع ريكور ذلك؟  بالطبع لا، لأن التغاضي عنها تعد قوادح معيبة لنظريات تنشأ في داخل الحقل العلمي،  ولا قيمة لأي بناء يستقل عن أساسه الذي حينها سيكون ركاماً من العبث والفراغ كالذي فعله ريكور طوال محاضراته المجموعة في هذا الكتاب.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads