الرئيسية » , , » ميشال فوكو: لا شيء يبرر التخلي عن اللاجئين | حوار | ترجمة روجيه عوطة

ميشال فوكو: لا شيء يبرر التخلي عن اللاجئين | حوار | ترجمة روجيه عوطة

Written By هشام الصباحي on الأحد، 27 سبتمبر 2015 | سبتمبر 27, 2015

قبل أيام، استعادت جريدة "ليبراسيون" مقابلة إحدى المجلات اليابانية، أي Shûkan Posuto، مع الفيلسوف ميشال فوكو، وقد جرى الحديث فيها حول موضوع اللاجئين الفيتناميين. وأعادت الصحيفة الفرنسية نشر المقابلة نظراً إلى أن موضوعها راهن، بالعطف على الخروج السوري الكبير من "سوريا الأسد"، هرباً من دولة الأبد البعثي، بعد مواجهة الموت في عرض البر والبحر، وصولاً إلى البلدان المستقبلة لهم أو الممتنعة عن استقبالهم.


لقد اهتم فوكو بمسألة اللاجئين، أكان عبر نشاطه في العام 1979 داخل لجنة "مركب لفيتنام"، التي شارك فيها برنار كوشنير ورفاقه، أو عبر  كتاباته التي ركز فيها على ممارسة السلطة حق الموت والحياة اتجاه محكوميها، إضافة إلى صناعتها لوضع لجوئهم، أي تحويلهم إلى لاجئين بسبب استبدادها المطلق، وبالتالي، اختيارهم الفرار إلى الجحيم بدل العيش في ظل قمعها.

هنا، ترجمة المقابلة كما جاءت في "ليبراسيون"، مع الإشارة إلى أنها منشورة في كتاب "Dits et Ecrits" (غاليمار-2001) أيضاً.


كثيرون هم الذي يشعرون اليوم بهذا التناقض: مؤخراً، كان عليهم أن يدافعوا عن وحدة الفيتنام، أما، الآن، فعليهم أن يواجهوا مشكلة من مشكلاتها، ونتيجة من نتائجها، أي مشكلة  اللاجئين.


ليس على الدولة أن تمارس  حق الحياة والموت بطريقة مطلقة، أكان اتجاه شعبها أو اتجاه شعب بلد آخر. رفضنا لإعطاء هذا الحق لها يجعلنا معارضين للقصف الأميركي لفيتنام والآن يحملنا على مساعدة اللاجئين

يبدو أن مشكلة اللاجئين الكمبوديين تختلف عن مشكلة اللاجئين الفيتناميين، ما رأيك؟

ما حصل في كمبوديا غير مسبوق في التاريخ الحديث: الحكومة ارتكبت مجازر بحق شعبها، مجازرة لم نشهد مثيلاً لها على الإطلاق. ومن بقي على قيد الحياة من السكان، جرت إعانته على النجاة، لكنه عاش في ظل سيطرة عسكرية، تمارس سطلةً تدميرية وعنيفة. إذاً، الوضع الكبمودي مختلف عن الوضع في فيتنام. في المقابل، المهم اليوم ألا تأخذ الحركات التي تنظم في كل العالم لدعم اللاجئين من جنوب شرق آسيا، لا تأخذ في الإعتبار إختلاف الأوضاع التاريخية والسياسية. وهذا لا يعني دعوةً إلى اللامبالاة في التحليلات التاريخية والسياسية لمشكلة اللاجئين، إلا أن الطارئ حالياً هو مساعدة الأناس الذين يداهمهم خطر الموت ويعيشون في رجائه. هناك أربعون ألف فيتنامي إنصرفوا على غير هدى في القارة الهندو-صينية، أو في جزرها، هؤلاء غالبيتهم على عتبة الموت. أربعون ألف كومبودي طردوا من تايلاند في وقت كانوا مهددين بالموت. ليس أقل من ثمانين ألف شخص على قيد الموت من يوم إلى آخر. لا يوجد أي نقاش حول التوازن العام في بلدان العالم، أو أي حجة متصلة بالصعوبات السياسية والإقتصادية التي ترافق مساعدة اللاجئين، لا يوجد أي شيء في مقدوره أن يبرر تخلي الدول عن اللاجئين، عن الأناس الذي يقفون على أبواب الموت. في العام 1938 و1939، فر اليهود من ألمانيا ومن أوروبا المركزية، ولأن لا أحد استقبلهم، أدى ذلك الى الموت الكثير منهم.


لقد مر أربعون عاماً على ذلك، فهل يمكن أن تتكرر هذه الكارثة من جديد، ان يُرسل مئة ألف شخص إلى الموت؟

من أجل تحقيق حل شامل لهذه المشكلة، على الدول التي تخلق اللاجئين، لا سيما الفيتناميين، أن تغير سياستها. ولكن، بحسبك، بأي وسيلة يمكن بلوغ هذا الحل الشامل؟ في حالة كمبوديا، الوضع دراماتكي أكثر من الوضع في فيتنام. من الممكن لنا التخيل أن تشكيل حكومة يوافق عليها الشعب الكمبودي يفضي إلى حل. غير أن، في ما يتعلق بالفيتناميين، المشكلة معقدة أكثر. السلطة السياسية مؤسسة مسبقاً، لكن، هذه السلطة تقصي جزء من السكان، ومن المعلوم أن هذا الجزء يرفض إبعاده. الدولة هي التي خلقت هذا وضع، حيث أجبر الناس على البحث وكيفما اتفق عما يمكنهم من الإستمرار في الحياة عبر الهجرة البحرية، لا أن يبقوا في فيتنام. إذاً، من الواضح، ومن الواجب، الضغط على فيتنام لتغير هذا الوضع.


ماذا يعني "الضغط" هنا؟

في جنيف، في اجتماع الأمم المتحدة حول اللاجئين، فرضت البلدان المشاركة بعض الضغوط على فيتنام، أكانت توصيات أو نصائح. رضخت الحكومة الفيتنامية لهذه الشروط قليلاً. غير أنها لم تعق رحيل الفيتناميين في ظروف مريبة، تهدد حياتهم، اقترحت الشروع في بناء مراكز عبور من أجل تجميع المتقدمين للمغادرة: هؤلاء سيبقون في المراكز لأسابيع وأشهر وسنوات، ليجدوا بلداً مستقبلاً لهم. ولكن، اقتراح الحكومة يثير الفضول حول مشابهته لمعسكرات الإعتقال.


لقد طُرحت مشكلة اللاجئين مراراً وتكراراً في الماضي، لكن، إذا كان لها في وضع فيتنام جانب تاريخي جديد، ما هو في رأيك؟


شهد القرن العشرون الكثير من المذابح والإضطهادات الإثنية. أعتقد أنه، وفي المقبل القريب، هذه المشاكل والظواهر ستظهر من جديد بأشكال أخرى. ذلك، نظراً إلى أن، في الأعوام الأخيرة، عدد الدول الدكتاتورية ارتفع ولم ينخفض، بالتالي، المحكومون في هذه الدول لا يتمتعون بحرية التعبير السياسي، التي تكاد تكون مستحيلة، مثلما لا يمتلكون القوة الضرورية للمقاومة، لذا، يختار الذين يتعرضون للقمع الفرار إلى الجحيم بدل المكوث في بلدانهم. هذا من جهة أولى، أما، من جهة ثانية، وفي المستعمرات القديمة، جرى خلق الدول استناداً إلى حدود المرحلة الكولونيالية، وعلى إثر ذلك، اختلط الكثير من الإثنيات واللغات والأديان. وهذا ما يؤدي إلى توترات شديدة. في هذه البلدان، العدواة بين الناس تهدد بالإنفجار على نحو مستمر وتفضي في الكثير من الأحيان إلى نزوح داخلي، فضلاً عن انهيار جهاز الدولة. من جهة ثالثة، القوى الإقتصادية المتطورة، التي تحتاج إلى يد عاملة من العالم النامي ومن العالم الذي لا يزال في طور النمو، استقدمت الكثير من المهاجرين من البرتغال، أو الجزائر، أو إفريقيا. لكن، اليوم، البلدان لم تعد تحتاج إلى يد عاملة بسبب التطور التكنولوجي، الذي يدفعها إلى ترحيل المهاجرين. كل هذه المشاكل المتعلقة بالسكان واللاجئين، تورط مئات وآلاف وملايين الأشخاص. وعليه، تصير هجرة السكان مؤلمة وتراجيدية أكثر بالضرورة، ولا يمكن سوى أن تترافق مع موت ومقتل الكثيرين. أخاف من اعتقادي بأن ما يحصل في فيتنام لا يكون عاقبة من عواقب الماضي، لكنه يستشرف المستقبل.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads